مواقف
بقلم: أنيس منصور
يقول شاعرنا العظيم شوقي في الحب
قد يهون العمر الا ساعة
وتهون الأرض إلا موضعا
صدقت ألف مرة يا سيد الشعراء, فهذا قبر أمي. فقد انحسرت الدنيا وغابت وذابت ضبابا وهبابا في سماء القاهرة الا هذه المسافة الصغيرة من الحجر الوردي ـ تلبية لرغبة أمي. آخر رغباتها قبل آخر أنفاسها وعذابها وأول أنفاسي وعذابي من بعدها. بل ليس لها( بعد) ولا( قبل). فهي العذاب بلا بداية ولا نهاية. وهي هذه المساحة الصغيرة من تراب وطوب وحجارة وظلال أشجار الصبار الضيقة في العين.. والتي لا نهاية لها لا في العين والبال والخاطر.. وهي شلال الدموع وهي بركان الآهات, والدليل الوحيد علي أن بعد الموت حياة. وأنها تنيب عنها في أحلامي صورها الجميلة وابتسامتها مصدر الأمل اليتيم في حياتي, وهي الجناح الرقيق الشفاف الشفيق الي ما بعد الحياة.. وضاقت الدنيا علي رحابتها الا هذه البقعة من الأرض!
وطال زماني بين القارات أعلو وأهبط من القطب الي خط الاستواء إلي القطب ومن غابات الهند الي استوديوهات هوليوود, ومن الفاتيكان الي معابد بوذا, ومن عاريات جزيرة بالي الي معابد الشنتو, ومن براكين هاواي الي جنات الريفيرا الايطالية وهذه السلالم الموسيقية: وأبالوا وبورتوفينو وسورنتو وأمالفي. وكلها معا تحولت الي يوم واحد الي جوار سرير أمي.. وتقلصت الساعات فصارت دقائق والدقائق الي ثوان والثواني إلي زمان بلا مكان, والمكان الي هباء بلا زمان..
لقد هان المكان والزمان الا هذا المكان وتلك اللحظة. وكلها تجسدت في دمعة واحدة قد خرجت من فوق الي الأرض ترابا يتلاشي في تراب!
مع تحيات
ليزو