السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هذا الأحساس ؟ ، شىء جديد شعر به لم يزره من قبل .كان يقود سيارته فى ظلام الكون الدامس مترحلاً من قريته بعد زيارة أمه إلى مدينته حيث يعيش ويعمل .شىء شعر به داخل أعماقه أثناء القيادة . مجرد أحساس بالأختلاف ،بالتغيير..بالخوف ..
مم لا يعلم !شرد فى الليل والظلمات ، ضاع فى الفضاء الشاسع ذلك الا حدود المخيف . يحتضنا ! أليس هذا مرعب ؟
أشعل مصباح السيارة الأقوى ، يريد أن يبعد عنه هذا الظلام الذى يطوقه .. تبدو محاولة يائسة ..الظلام أقوى من ذلك .
لا توجد سيارات من حوله ، فقط هو وحده ..
شعر بالضيق والأختناق . أحس بضيق فى التنفس وتسارع فى ضربات قلبه ، أنتابه الخوف والفزع أكثر ، ردد داخله : تبدو أزمة قلبية .بحث عن جواله فى ذعر وهو يفكر ؛ ماذا لو مت هنا ؟
تخيل أن الأزمة تزداد ، ولا سيارات تمر من هنا لتنقذه او تدرى ما يحدث له على لأقل ..هل الأزمة القلبية تزداد ؟ هل دقات قلبه تلك التى يسمعها كقرع الطبول فى قبيلة أفريقية متوحشة تنذر بالموت ، وجد هاتفه ، طلب رقم زوجته فى عجلة .. ما أن أتاه صوتها حتى صرخ :
- أنجديـــــــــنى !
حين وصل منزله أحتضن زوجته بشوق وخوف وكان جسده يرتعش ، صرخت بقلق : ما بك ..مابك ؟
- أنجدينى ، أشعر أننى متعب جداً ..تبدو وكأنها نهايتى .
أسرعت وهاتفت أحد الأطباء ، وذهبت لتعد له عصير . بينما هو يبحث فى مكتبه عن أى دواء وإن كان لا يعلم دواء لماذا ؟ هل هناك دواء للموت !ترك فكرة البحث جانباً بعد أن شعر بالأرهاق أكثر ، وألقى بجسده على الفراش .مر أمامه شريط العمر سريعاً ..طفولته ، والدته ، الشارع الذى كان يلعب فيه كرة القدم مع أصدقائه ، هؤلاء الذى أخذتهم الدنيا كما أخذته فى دوامتها ، ثم الوظيفة والمركز المرموق الذى وصل إليه بعد سنين تبدو قليلة ولكنها تحمل الكثير من المعاناة . عمره لم يتجاوز الخمسة وثلاثون عام بعد! هل يعقل أن يموت فى هذا السن الصغير ؟ بالطبع يمكن . هناك من يموت طفلاً صغيراً ، وهناك من يموت شاباً ، وهناك الموت الذى لا يرحم توسلاتهم قبل خروج الروح . ظل يردد فى داخله :
- ليس الآن يا الله ..ليس الآن يا الله ..أرجوك
دخلت زوجته الغرفة وأضائت الأنوار .جلست بجواره على الفراش والقلق يرسم ملامحها رسماً أخر . سكب الزوج العصير فى فمه . ثم نظر إليها وأمسك يديها وقال : لا تتركينى الآن ..لا أريد أن أترككِ
- كل شىء سيكون بخير ..كل شىء سيكون بخير
تعالى جرس الباب فنهضت لتفتحه وجدته الطبيب فقادته إلى غرفة النوم ، وجد الزوج يرتعش ، وشفتيه زرقاء اللون.
قاس له الضغط ثم أعطاه أحد الأدوية وقال : اللأمر بسيط ..فقط ضغط الدم أرتفع .
أعطاه دواء ثم خرج من الغرفة إلى باب الشقة وسط تساؤلات الزوجة وكلمات الطبيب المطمئنة " لا شىء ، عليه أن يرتاح فقط ، كما قلت الأمر بسيط. "
رحل الطبيب وعادت السيدة إلى زوجها فأمسك يديها وقال لها : أنا لا أصدق الطبيب ..هو يخدعنى ..أنا أحتضر بالفعل .
- لا تقول ذلك ، هو فقط ضغط دمك أرتفع
صرخ : بل أنا أسمعهم ..يخبرونى بوفاتى
-من ؟
- سيكونوا من !
- الطبيب قال أنه الضغط فقط ، عليك أن تنام ، وتستريح
- بل أن أسمعهم ..الا تصدقينى أنا أحتضر ،تباً أحتضر وزوجتى لا تصدقنى ..
دقائق مرت حتى نام الزوج ، وزوجته بجواره تبكى فى خفوت ، ممسكة يده خوفاً على عمره ، الأمر أبسط من ذلك يا زوجى ، هو فقط الضغط أرتفع ، هكذا قالت لنفسها ، ألقت نظرة على وجه زوجها النائم ، وفجأة وجدت عينيه تفتح برعب ثم صرخ فضغط على يديها بقسوة .. هدأته بأنه لايزال سليما معافى فى أرض الأحياء ثم ما لبث أن عاد إلى النوم مرة أخرى ..بصعوبة.
أستيقظ من نومه مع أستيقاظ الشمس ، وجد زوجته لا تزال تجلس أمامه ، والنوم عدو لها تحاربه . أبتسم لها فأنطلقت صوبه متسائلة :
- كيف حالك اليوم ؟
-الحمد لله ..الحمد لله ، لا أعلم ماذا أنتابنى بالأمس ، كنت خائف جداً
- فقط لأن ضغط دمك أرتفع هذيت قليلاً
- الحمد لله ..سأذهب إلى العمل
- أنت مازلت مريض
قفز من فراشه بنشاط وقال بأبتسامة عريضة : أرأيت مريض يقفز هكذا من قبل ؟
فأبتسمت .
فى طريقه إلى العمل ، وهو يقود سيارته ، شرد قليلاً فيما حدث ، تلك التجربة الصعبة التى رأى فيها مخاوفه وهواجسه وأفكاره تتجسد أمامه .
شعر بالغربة من نفسه وأفكاره ، تسائل : أيعقل أن يكون ما حدث بالأمس محض خدعة .
زاره أحساس الأمس ، شعر بذات الشعور ، خوف وفزع . ردد بداخله :ربما لم أمت فقط لأنى كُنت مع زوجتى ولكننى سأموت بعيداً عنها ، شعر بصعوبة فى التنفس ، عاودته زيارة السيد موت .
ويوم أخر فى المعاناة أجبره على البحث عن داءه .
حاول أن يفهم ما هو ، سأل الكثير من أطباء البدن والنفس ، فأما أطباء البدن فلم يفيدوه على عكس أطباء النفس الذين أخبروه أن ما تأتيه مجرد نوبات ..نوبات رعب .أخبروه أن عليه تجاهلها ، وأن يبحث عن سببها بهدوء. عاد إلى منزله وجلس وحيداً بينما زوجته تزور أهلها . فكر وهو فوق الفراش عن أسباب النوبات ، بدأ النوم يزوره .
لم تمر دقائق على غفوته حتى أستيقظ منتفضاً ، ردد بالخوف قائلاً : أنا أموت ..أنا أموت !
فكر للحظة : تلك نوبات رعب ؟
عاد من تفكيره برعب صارخاً :
- لا..تباً .. بل أنا أموت بالفعل !
مع تحيات
ليزو