ضياء قمر
ضياء: (كنا نجد فى بعضنا حصناً حصيناً ، وقلاع وجيوش تحمينا)
سهل الجلوس فى الشرفة والهواء البارد يغزو صدرى ، صعب رؤية القمر هلال . أبحث فى الفضاء عن نصفه الأخر . أجد الظلام يخفيه . أشعلت لفاة تبغ ، وشردت فى دوائر الدخان العارجة إلى السماء وحسدتها ..تلك التى تمتلك قدرة التحليق وأنا عاجز . أيقظنى رنين هاتفى . فأجبت قائلا:
- مرحبا
- كيف حالك يا ضياء ؟
هذا الصوت الرقيق أحرقنى ..هذا الحريق يأتى من أسفلى .. نظرت عند أقدامى وصرخت لقد كنت واقفاً فوق سجارتى . قلت :
- الحمد لله ..
- هل تعلم من معك ؟
- بالطبع ..أنتِ قمر
- كيف عرفت ؟
- مجرد إحساس ، و ..صوتك جميل ...
وأخذنا الحديث الذى لم يطل أكثر من ثمانى دقائق ، كانت أول مكالمة بيننا . وما أن أنتهينا حتى ظللت أقفز من فرحتى . لم أتوقع مكالمتها . كنت أنتظر الفرصة المناسبة لأقوم بذلك . ربما بعد ثلاثة شهور أو ربما أكثر . جلست أمام (الاب توب) وفتحتى إيملى وظللت أتحادث معها . حتى بدأت الشمس تستيقظ وبدأ النعاس يزورنى ويزورها .. ذَهبت للنوم ..وضعت (الاب توب) فى حقيبته .. وأنطلقت الى منزلى الأخر . ما كان علىّ أن أطفىء الأنوار ، لأنه ما كان هناك نور فى تلك الشقة . فقط أأتى هنا لكى أجلس على الإنترنت وأحادثها .. لا هاتف هناك فى الشقة الأخرى .أغلقت الباب وخرجت من البناية وأنا أنظر الى السماء والفجر والأمل .
تذكرت بداية معرفتى بحبيبتى . ذلك اليوم الذى أتانى فيه صديقى ليخبرنى أنه يحب فتاة ...وأنها جارته .. سألته إذا كان تبادله ذات الحب ..فكانت إجابته بلا .. أخبرته أن عليه أن يلفت إنتباها بشتى الطرق ..قال بأنه يفعل ولكن لا تلتفت إليه ..سكت وشرد فى الفتاة التى أمامه .. صعقت حين وجدتها هى ..تلك الفتاة التى تنظر إلىّ وأبادلها النظرات .. وأفكر بأن ربما بعد أحادثها بعد ثلاثة أو ربما أكثر . شعرت بالتوتر الذى يسرى فى عروق صديقى ..نَظرت تجاهنا وضحكت ..
جلست معه فى المقهى ، وجدته كمن أمسك إحدى النجوم ، قال لى عن نظرتها تجاهه ،وأنها النظرة الأولى ، لم أقل له أنه أحمق فهو صديقى وإن كان كذلك ، كيف لم يفكر فى سبب النظرة الأولى ولم جائت حين كنت معه ! مضت الأيام والنظرات تتبادل بينى وبينها ، وصديقى لا ينال حظه من النظرات إلا حين يكون معى ، هاجمهه الشك وأقتحم روحه ، سألنى إذا كان بينى وبينها شىء ..
أخبرته أن مجرد الشك فى ذلك غباء .. لم أكذب ، لو كنت مكانه لكنت على يقين لا مجرد شك .
ذات يوم ، كنا فى أحدى المحلات أنا وصديقى واخى الصغير نبتاع (ايس كريم) وبينما نحن نشترى ما نشتريه إذا فتاة أحبها وتحبنى تدخل ، ينظر إلىّ صديقى بشك ، فأبتسمت وأبتسامتى تعنى أن لا يد لى فى ذلك وإنها صدفة ، أشترت الفتاة (ايس كريم) لها ولصديقتها التى بالخارج ، وقفت عند الباب المغلق ، إلتفتت حولها ، مددت يدى وفتحت الباب ، ووقف الزمن ...
قالت بعينيها فى صمت : شكرا ..
قلت لها بذات اللغة دون الكلام : فى أى وقت حبيبتى ..
خرجت وهى تنظر خلفها من شدة توترها ، وأخى الصغير يغمز لى بعينه وصديقى يبتسم وكأنه يقول :
- لن تقنعنى أن تلك صدفة .
تركت الذكريات القديمة وتذكرت الآن .
الأيام التى تمضى بنا ، والسعادة والجنة . كنا نجد فى بعضنا حصناً حصين ، وقلاع وجيوش تحمينا تتمثل فى رابط يجمعنا .. حبنا فقط . مع مضى الأيام بدأت الرابط يضعف ، فقط لأن حبيبة المحارب تركت يديها من يده فسقط فى المعركة جريح . الظروف ليس سهلة ، تلك التى تشبه القلاع تنقر فى أقوى معانى الحياة ... ما كانت على الفتاة أن تترك يدى ... ما كان عليها أن تكذب .
ما كان عليها أن تحبنى وتحبى غيرى ..ما كُتب يوماً عليها الخيانة !
***********************************************
قمر : (وكثيراً ما يكتب الشعر لإجلها .. ويعطينى القصيدة ..)
سهل أن تجد الحب الصادق ، صعب أن تنساه ، وكأنه ظهر فجأة من ضباب الكون ، ذلك الأسطورة وخشيت أن يكون كذلك . تمنيته كثيراً فى حياتى ، ووجدته . كان محارب يستل حسامه من غمده يحارب الظلام ، ولكنه كان جريحاً ...ينذف ..يحتاج لمن يضمد جراحه ... وكنت أنا تلك الفتاة .
لا يستقيم القول أنها صدفة ، بل كان القدر .
كانت أول مرة أجلس على الأنترنت ، تجولت فى صفحاته ، دخلت غرفة من غرف (الشات) ، وجدت أسم جذبنى وكان (وهم الحب) ، إستفزنى ، من الأحمق الذى قال أن للحب وهم أو ظل !
ظننت أن هذا الشخص الوحيد الذى لن أحدثه ووجدتنى أحدثه فكان أسمه ضياء وكنت أن قمر وكان هو ضيائى ، هكذا شعرت ، أخذنا الحديث ، تكلمنا وكأننا نعرف بعضَ منذ الأزل ، من قبل وجودنا كُتب لقائنا ، ذاك القدر . حدثنى عن نفسه وما يحب وما يكره .. لونه المفضل ، طعامه ، أحلامه وكأنه يتحدث بلسانى ، سألته : ما أمنيته قال أنها السفر والتحليق ، قلت له ما حلمه : قال أن يشعر بالدفء أسفل المطر ..أسفل الثلوج بلا مظلة ! وشعرت أننى مظلته !
سألته عن ماضيه ، قال أن لونه أسود ..حاولنا فك طلاسمه سوياً .
علمت أنه كان يحب فتاة لأكثر من ستة سنوات ، حدثنى عن بدايته معها ونهايته ! هو وهى والذكريات وصديقه . كره مذاق(الايس كريم ) بعد فراقهم . لا أعلم كيف فكرت أن أهاتفه بعد أول يوم أعرفه ، سمعت صوته كصوت الطبيعة ، سألته إذا كان يعلم من أنا ؟ فسمعت صرخة ثم أخبرنى أنه أحترق من سجارته فضحكت . كانت مكالمتى تشبه مكالمتها . ذات الطريقة .. ذات السؤال ..أتعلم من أنا ؟!
أحببت أن أعلم إذا كان ما يزال يفكر فيها أم أنها تسكن ما يسكن كل ما يرحل عن أرواحنا .جوابه جعلنى أيقن من أنه نسيها تماماً .لو كان لا يزال يفكر فيها لقال أسمها هى ، ولكنه نطق بحروف أسمى ..قال : أنتى قمر ..مع مرور الأيام أدركت أنه لم يقل أننى هى لأن صوتها منقوش فوق جرحه ...كيف ينساه ؟!
حين أضحك أجده يشرد ، حين أغضب أجده يشرد ، حين أصمت أجده يشرد ...فعلمت سبب شروده .لا تزال تسكنه ! كثرت الخلافات بيننا ، صرخت كثيراً : أننى أنا ..لا هى .
يبتعد عنى فترة طويلة ثم يعود نادماً ، لا أعلم سبب غيبته ، ولكنى أعلم سبب عودته إنه يشتاق إلىّ . يتكرر غيابه شهوراً ، تتكرر عودته نادماً ..كنا نفترق أكثر مما نتلاقى .كان كثيراً ينسانى ، وكثيراً ما يكتب الشعر لإجلها .. ويعطينى القصيدة ..يخبرنى أنها لى ، ترفض روحى التصديق ، بدأت أصدق أننى خرافة فى حياته ..أننى ظل ..أننى وهم الحب ..كنت أقرأ فى قصائده جرحه ..وكان يكتب جرحى مع الأيام دون أن يكتبنى .
كلما حكى قصتنا ، كلما تداخلت عنده الأسماء ، يحكى كيف تعرف على الأولى ويقول انها أنا قمر .
و أخر مرة أبتعد فيها ، أنتظرت عودته .و طال غيابه ...
حاولت أن أهاتفه ، فتأتى لى الرسالة المكررة بتكرار محاولتى أن الهاتف مغلق .فأبحث عنه على صفحات الأنترنت ، أنتظره على إيميلى كثيراً ..تمطر السماء فأتذكره ..
ما زلت أعشق المطر وإن كان يجلدنى !
حاربت لأجل نسيانه ، مددت يدى إلى الفضاء وبحثت فى أعماقه ، كنت على يقين أن الفضاء رحلة للعدم ..وزرعتك فيه يا ضياء ..وأنساه وتزيد جراحى ..وأنساه !
وعاد ...ويريد العودة إلىّ وأنا هيهات أن أعود ، ترجانى كثيراً ، أخبرنى بندمه ، بعودته .
لم أستطع تصديقه مرة أخرى ..
كلما رجانى أقول لا ، وكلما رجانى أكثر كلما شفى هذا من جروحى . اليوم أملك نفسى واليوم هو ضائع ..لم يسعدنى ذلك ..ولكنه لم يحزنى كذلك .
لست لعبة فى يده ..أخبرنى اننا لعبة فى يد القدر. أخبرته أنه كاذب ، فأقسم بالمطر على صدقه .. ولم أصدق المطر !
أخبرنى أنه سيغيب للأبد كى أصدقه ، أخبرته أنه كاذب حتى فى ذلك ..ورحل ..ومرت شهور ، ووجدته غائب عنى ، ورحيله ورحيل الروح واحد .. بحثت عنه حتى وجدته على (الميل) سألته عن حاله ، فأجابنى أنه بخير ..
تحدثنا فى شتى الأمور التى لا تهمنا إلى أن سألنى العودة ..فأبتسمت
كلما رجانى ..كلما شفى هذا من جروحى
ولا أجيبه ..!
منقول