"" شمـس الغابــة ""...قصة قصيرة ... بقلم/ مصطفى جبر

شمس الغابة

هو يومٌ مشمسٌ جميل قد أشرقت فيه الشمس على الدنيا كلها , و لكنها قررت حجب آشعتها عن المخلوقات لتترك نفوسهم مظلمة في أشد حالات احتياجهم إليها , و لم تعد الحياة إلا حركات ساكنة في أجساد خاوية.

لم تمنع هذه الحالة المظلمة ذلك الارنب الصغير من أن يستمتع بيومه فهو لم يرَ هذا كله, لأنه مشغولٌ عنه بالنظر إلى تلك الدولة الكبيرة نظرة إعجاب .............. فهذه الغابة الكبيرة قد قسمتها الظروف إلى دول صغيرة............. و من هذه الدول دولة كان يُفترض أنها أكبرهم و أنها كانت في يومٍ من الايام هي الدولة الوحيدة التي تحتضن الجميع في مملكة واحدة , وبعد الإنفصال حظرت جميع الدول على رعاياها من الحيوانات التواصل مع أي دولة أخرى و خاصة مع الدولة الكبيرة كما كانوا يسمونها.

و لكن هذا اليوم يختلف تماما عما سبقه من أيام...... , فكل الغابة تعلم أن هناك احتفالاً ضخما ً في تلك الدولة..... قد عُلقت له الزينة على الأشجار و جهَز له أبناء هذه الدولة تجهيزاً كبيراً يليق بهم ....... , و هذا الأرنب الصغير لم يستطع مقاومة هذا الإغراء الشديد , فقد وقف من الصباح على تلك الهضبة التي اعتاد الوقوف عليها لفترة طويلة و التي تمكنه من رؤية تلك الدولة بوضوح و متابعة أخبارها......., و الخوف يتملكه...... أن يراه أحداً من أبناء دولته.. فينتهي أمره..... , لكن اليوم هذا الخوف قد تلاشى نهائياً...... فلا توجد أي عقبات تمنعه من حضور هذا الإحتفال الكبير.

و بينما أهله غافلون عنه تسلل خارج دولته...... , و جرى في هذه المساحة الخضراء الواسعة و هو يُمني نفسه بسهرة ساحرة ......, و يزيل من عقله أي أثر لعقابه بعد عودته , و عند وصوله لحدود الدولة وجد سوراً كبيراً عليه حراسة مُشددة....... , خاب أمله في الدخول و انكسر حلمه البسيط...... , و لكن سرعان ما وجد مجموعة من سكان تلك الدولة عائدين إليها بعد أن خرجوا لجمع بعض الثمار استعدادا للاحتفال...... , و عندما نظروا إليه شعروا أنه في كرب عظيم فاقتربوا منه و عرضوا عليه المساعدة... , و فوراً قصً عليهم مشكلته .

رد الفيل عليه : و لكنك غريب عن دولتنا و يجب ان تمر أولاً على زعيمنا القرد فوزان .
نظر إليه الأرنب بإستغراب شديد و قال : هل يحكمكم قرد ؟ ......إن القرد في دولتنا لا قيمة له على الإطلاق و لا علاقة له بالحكم .

استنكر الفيل عدم معرفته بما جرى في الغابة منذ أكثر من عام و تسبب في تشتيتها , و كيف وصل القرد فوزان إلى الحكم

فرد الأرنب : الكلام في الموضوع ده ممنوع في دولتنا ......و من صغري ماسمعتش حاجة عنه خالص .
هنا صاح الثعلب: أنا أقوللك اللي حصل...... , الأسد كان هو حاكم الغابة دي كلها , و ده اللي احنا اتولدنا لاقيناه , و مانعرفش غيره , لكن في الفترة الأخيرة زاد ظلمه لينا , و زادت الضرايب....... و كمان لغى كل حريتنا .
فرد الارنب : يعني انتم مثلاً عملتم انقلاب عليه و لا إيه بالظبط؟

استأنف الثعلب كلامه : هو مش انقلاب , الأسد هو اللي إنقلب على نفسه , مهد الطريق على الآخر , ساب الحكم و الدولة و فضل ماشي ورا الشلة بتاعته لحد ما خلص على نفسه..... , أول ما القرد فوزان اتفق مع بعض المسئولين البسطاء و تزعمهم و راح للأسد..... و طلب منه مغادرة الغابة كلها, وافق على طول , و من يومها اختفى تماما .

قاطعه الأرنب : معقولة كده من غير أي حرب أو حتى مقاومة بسيطة..... , ده الأسد أقوى واحد في الغابة و كمان اللي معاه مش أي كلام

رد الثعلب : هو كان عارف إنه أكيد ماشي......, ففضل يمشي بكرامته , المهم بعديها لف القرد فوزان في الغابة كلها و أعلن إن الأسد انسحب من الغابة و ترك الحكم بعد أن أجبره على الرحيل و هدده تهديد واضح بأن له أعوان و قوات ستقضي عليه وتطرده على الملأ إن لم ينسحب في هدوء , وطبعا ده كله كان أي كلام........ أنا كنت حاضر الموقف كله , و حسيت إن الأسد ماعندوش أي رغبة في المقاومة , وكان حاسس إن حيوانات كتير في الغابة رافضة وجوده......... يمكن يكون مارضاش يعمل مشاكل بين أبناء الغابة تسبب هو فيها بنفسه باستهتاره .... بس الأكيد طبعا إنه ماخافش من القرد ده و اللي معاه لحظة واحدة.

قال الأرنب: بصراحة كلامك ده مش مقنع خالص , و مستحيل أصدق إنه ساب الغابة بسهولة كده , طب و ازاي القرد ده مسك الحكم.

و على الرغم من مكر الثعلب و قدرته الكبيرة على إخفاء مشاعره الحقيقية أثناء حديثه...... ,إلا أن الأسى ظهر عليه و هو يرد قائلا : المشكلة مش في الأسد اللي مشي و سابنا ......, بعد ما القرد قال الكلام ده للحيوانات...... , كل ضعاف الحيوانات التفوا حوله, و رأوا فيه من خلصهم من حاكم أقوى بكتير منهم و بالتالي حسوا أمامه بالضعف.... , و كانوا يريدون للحاكم ان يكون بسيطاً مثلهم ...... , و هنا حدثت الكارثة..... فالأفيال و النمور و بقية الحيوانات القوية قررت عدم التدخل........ لأن هذا يعني القضاء على الحيوانات الضعيفة في مواجهة مالهاش فايدة و لأن الأمر انتهى و ضاعت الغابة و تشتتت..... , و لا فائدة من أي صراع بعد ضياع القائد ............ القائد اللي تعمد إنه يبعد الحيوانات القوية عن الحكم طول فترته علشان يضمن عرشه , و بالتالي فهم كانوا مقتنعين إن مادام هم متحكمين في ثرواتهم دون ضغوط .....الحكم مش هايفرق معاهم..............و تولى القرد فوزان الحكم , و مع مرور بعض الوقت علم الجميع أن عصر الأسد فعلا قد انتهى بكل ما فيه من خير و شر...... , فلم تشهد الغابة مثل هذا الضياع و التشتت من قبل في القرارات و التوجهات...... , ربما فرحوا في البداية ببعض القرارات الهوجاء...... و لكن بعدها ذاقوا مرارة الحقيقة.
و استأنف الثعلب : اضطر بعدها عدد كبير من الحيوانات إلى التقسيم...... و تركوا للقرد العاصمة أو الدولة الكبيرة كما نسميها الآن , و انفصلوا في مدنهم بدول خاصة..... و قطعوا كل علاقتهم بنا ,..... و طبعاً لم يستطع القرد منعهم لأن دولته ضعيفة لا كيان لها .

و هنا قال الأرنب :و لماذا تقول هذا ؟...... , فهذه الدولة قوية جداً فنحن نراكم من الخارج لديكم بيوت فاخرة و زروع شاسعة , كما أنكم تقيمون اليوم احتفالاً ضخماً.

رد الثعلب : كل ما تراه وهم........ فبعد انتهاء الدولة , لم يبق فيها إلا الذين يستطيعون استغلال ثروتها و التحكم في إقتصادها...... , و هم أفراد معدودين , و بأمر القرد فوزان بيوتهم مقامة على حدود الدولة...... حتي يظن الرائي أننا دولة قوية , أما نحن الفقراء و فنعيش في الداخل و لا ترانا.... , أما هذا الإحتفال فهو الذكرى السنوية لتولي القرد فوزان الحكم .

سأله الأرنب : لماذا لم تهاجر إلى أي دولة أخرى ؟..... وإن كنتم كما تقول فلماذا لا تقومون بإنقلاب آخر ؟

رد الثعلب: لم أهاجر لأن حال باقي الدول ليس أفضل بكثير من حالنا .... , و أما أن نقوم بإنقلاب فهذا مستحيل , فقد ماتت فينا الحياة.

و هنا نظر الأرنب إلى الشمس...... و وجدها بدأت تغرب.... , فقال للثعلب : أنا ذاهب إلى بيتي فالشمس تغرب , و لا أريد أن أتأخر .
قال الثعلب: ألن تدخل معي لنحضر الإحتفال.

رد الأرنب: آسف أنا مضطر أن أذهب إلى بيتي , ألم أقل لك أن الشمس تغرب ..... الشمس تغرب و أخذ يرددها و مضى في طريقه .

مصطفى جبر

منقول

نــــــــايس قصـــــــة

شكرا على الرد والمشاركة

عفوا