nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: "" تـراتـيـل السـحـاب ""...قصة قصيرة السبت نوفمبر 08, 2008 5:25 pm | |
| ""تراتيل السحاب""
بداية أتوجه لأشكر الطبيب النفسي العظيم ""أحمد عبد الشافي"" على تلبية دعوة البرنامج وأرحب به معنا,ونحن في انتظار مكالماتكم واستفساراتكم على الأرقام المعروضة على الشاشة... دكتور أحمد...نوَدُّ لو تُحدثنا في عجالة قبل استقبال الإتصالات الهاتفية عما أسفرت عنه دراساتك في حل المشكلات:: ******* بسم الله الرحمن الرحيم شكراً جزيلا على ترحيبكم الجميل وأنا سعيد بالفعل بوجودي معكم وجميع مشاهدي برنامج "تراتيل السحاب"...وأنا في انتظار أي مشكلة أو استفسار. في البداية أود أن أركز على نقطة هامة جداً, وقد نلحظها واضحة في حياتنا العامة وهي أن:: صاحب المشكلة يعيش ليركّز عليها وفقط,ولأنه يشعر بأنها نقطة ضعف في حياته,تتحكم به وتسيطر عليه ويراها أكبر من حجمها, ويرى في حلها إعجازاً يستحيل تحقيقه..ولأنها غير مؤثرة في الآخرين ,يتلمسون أبعادها الصحيحة فيرونها بحجمها الطبيعي,وبسهولة يكن لها حلا لديهم,قد لا يرضي صاحبها الذي لن يرضَ أبداً!! لأنه لا يريد الرضا!!. ..................... راحت تتنقل بين قنوات التلفاز في ملل,رغم أنها كانت تجلس لتنتظر هذا البرنامج بالذات والذي اعتادت أن تتابعه,أغلقت عينيها قليلاً ثم تخلت عن مقعدها الوثير وهمّت لتسير قرابة الأربعة سنوات..لتصل إلى التلفاز وتغلقه!!. هل أربعة أعوام كافية لاتخاذ ذاك القرار!!..قراركَ كان قاسياً وتنفيذكَ له قاتلاً. قالتها وكأنه أمامها ويسمعها,,نظرت لصورته التي لا تعلم لمَ تتركها معلقة على جدار هذا المكان الذي كان يضمهما قبلاً!!,تصرخ في وجهه:: تعجّلت أنت بالزواج بأخرى رغم أن الطبيب أخبرك بأنه لامانع لديّ من الإنجاب,,أم تعجّل بنا القدر؟. جففت رموشها المبتلة بكفيها الضئيلتين,,تلتفت بكيانها في سرعة نحو مقعده الذي اعتاد أن يجلس لتحدثه بهدووء:: بالطبع لا أستطيع...ولن يكن...لن يكن,,الانفصال هو القرار الأقل قسوة. ألقت بنظراته التي أصبحت تؤلمها على الأرض, وهي تعلم أنها ستلتقطها ثانياً وتقيمها على الجدار من جديد,,عندما تشتاقُ لها!. تخطّت كل تلك الشروخ وتثاقلت على مفتاح التلفاز لتغلقه. عادت ليحتضنها مقعدها القريب,طوَت جدران دارها الصغيرة في نظرة واحدة,وأسفر ثغرها عن ابتسامة سخرية تقول: تركت لي جدراناً باردة ,وبعض نقود,وحسبتَ أنكَ وهبتني شيئاً,وهو في الحقيقة ليس إلا... ليس إلا الموت. ................. هناك حديث ما بالخارج...تألفهُ أنفاسها!! إنه هو...نعم خرجت إلى شرفتها وراحت تتأمله وذاك الإيقاع المميز الذي يصنعه عندما يحتضن كفيها الشاحبتين. تقذف السماء عليها نورها الغاضب حيناً , ويحنو عليها السحاب بقطراته الحانية حيناً آخر. توقّف المطر..وتوقفت عيناها قليلاً عند عقارب الساعة على معصمها,إنها الثامنة مساءً. دلفت لغرفتها الباردة,تندفع نحو شيء ظنت أنها غفلتهُ عندما أغلقت الشرفة!! ............... التقطت كتاباً غليظاً من بين الكتب في مكتبتها المكتظة ,تأملت غلافه وتنهّدت:: الغد يوم عصيب وتلك المحاضرة شاقة...لا أحب علم النفس. تقلب صفحاته في ملل,تطالع العناوين وكأنما تقابلها لأول مرة. ألقته على سريرها وألقت بنفسها على الأرض ,لم تعد تفعل سوى ذلك كل ليلة!!. تتحسس الأزهار الخشبية المنحوتة على أقدام المكتب الصغير,وتعد أوراقها المتشعبة والتي تعلم عددها جيداً,تحرك أصابعها عليها برفق ,تتجاهل ذلك الإحساس الذي يراودها,وتتحاشى الانسياق خلف ما يدفعها إليه,فتمنع عينيها جاهدة من الاقتراب نحو خزانتها!. تصُبّ أنظارها نحو أصابعها وهي تعبث بأقدام مكتبها وتحدثها::: أكنتُ مخطئة عندما قررت أن أعود للجامعة وأكمل دراستي؟, لا..بل لم أخطيء إلا عندما تركتها قبلاً لأجله وأجل رغبته... الأيام تمضي بلا رحمة , وها هو الشتاء الأول بعد رحيله, يحتفل بعجزي عن بدء حياة جديدة. رفعت عيناها إلى صورة أمها على مكتبها: لو كنتِ على قيد الحياة..لتبدل الحال بغيره,,قد كنتِ ما تبقّى من النبض. يقطع جرس الباب حديثها المكرر كل ليلة,تترك جلستها على تلك السجادة الحمراء الخشنة تتثاقل خطواتها نحو الباب لتفتحه,لازالت تشعر بالضيق من سيطرة ذلك الإحساس عليها!! .............. سيدة مَلَك هل تسمحين لي أن أتحدث إليك قليلاً؟ وقفت أمامه متسمرة صامتة...متعجبة..وهو لايزال يكمل حديثة بثقة:: سيدة ملك..أنا... أغلقت الباب في وجهه قبل أن يكمل حديثه,إنه جارها الأعزب صاحب الملامح الغليظة ..ككتاب علم النفس. أَدَفعت به أفكاره العارية من الأخلاق ليطرق بابي ليلاً وهو يعلم أنني أعيش وحدي!!,,ألم يكتفي بكل الضيق الذي يسببه لي وهو يعترض طريقي كلما رآني صدفة؟!! ألم يكتفي بكل إهاناتي له؟!! رجل غريب...ومثله كُـثُـر. ................ اندفعت نحو مرآتها المكسورة المائلة على جدار غرفتها,تنظر لها باسمة,تعرض لها جمالها الذي اقتطع منه الزمن قدراً لا بأس به,وهي تشعر بكل أنوثتها,تتأمل ملامحها التي تخبر كل من يراها بأنها على مشارف الأربعين , رغم أنها لم تغادر الـ خمسة وعشرين عاماً. لازالت تواصل ابتساماتها الخافتة, تحاول أن تخفيها عن شخص ليس أمامها!!, تقطع عليها نافذة غرفتها خيالها وتدعوها لمغادرة مرآتها لتتأمل صوت "حليم" المنبعث من مذياع الجيران,يخترق الأجواء والمطر الهاطل من جديد وهي معهم...بعذوبته::: (أسعيدٌ كنتُ في الحب أنا...ربما ,,, أم شقيٌ في ضلالات المنى...ربما ) ويعيدها مراراً وكأنه يريد أن يذكِّرها بشيء ما لم يغب عنها!! وأخيراً... تستجيب لذاك الإحساس ,لتنام على كتفيه...فلم تعد تقوَ أنفاسها على المقاومة. فتحت خزانتها وأخرجت "سترته" السمراء الداكنة,تحتضن عطره بجميع حواسها. يالها من ليلة...! ................. تتلمس سترته ..تتأمل ملامحه بداخلها ,تعزف على روحها ألحان الحنين , بينما يعزف المطر أغنية جديدة وإن كان إيقاعها صاخباً بعض الشيء,تدعوها لتعيش ليلة الأمس من جديد..ربما كان هناك...ربما تجده!. تنظر في ساعتها الذهبية بلهفة لتجدها على أبواب العاشرة مساءً,ثم تبتسم لمعة في عينيها تشير إلى الموافقة. بدّلت ملابسها وتجمّلت في عناية واهتمام, لتصبح عروساً جميلة في ليلة عرسٍ جديدة على قطرات السحاب. نظرت لسترته الجلدية بابتسامة تحتار في طريقها,ثم احتضنتها ومضت... تُفرّق خطواتها قطرات المطر المتجمعة على الطريق,تحتمي بسترته من تلك الساقطة على شعرها الحريري,خوفاً من أن يبتل ويفقد جماله, وضعتها تماماً كما وضعها هو بالأمس عندما لمحها أثناء سيره وهي ترتجف على قارعة الطريق,تنتظر عربة لتبلغها منزلها,,أهداها إياها دون أن يتفوه..,وهي تنظر لعينيه اللامعتين في الظلام , تتمنى في داخلها لو تأخذه هو,,لو يأخذها, لكنها اكتفت ظاهريا بسترته... وتركته ومضت ترسم اللامبالاة الكاذبة!!. وقفَتْ في نفس المكان تنتظر,ربما يأتي,حتماً سيأتي,قلبها يقول لها أنه سيعود!!,على الأقل ليسترد سترته والتي في الحقيقة ترفض بأن تتخلى عنها,فهي تحمل أنفاسه وملامحه وعطره,تبحث في أعين المارة تحت الظلام المتشح بزرقة الرعود المتتالية عن عينيه الهادئتين الباسمتين في ثبات,,هؤلاء المارة الذين ينظرون إليها كأنها كائن غريب هبط ليختطف شيئاً ما من على الأرض ثم يعود لكوكبه,وكأنه مكتوب على جبينها..أنها جاءت من أجله. هي لا تعرف ماذا ستقول له لو رأته مقبلاً عليها وكيف ستتصرف!!ما تعرفه فقط أنها تريد أن تراه..فقط تراه. وقفَتْ طويلاً رغم نظراتهم لها تنتظر إشراقته...ولا إشراقة إلا للظلام في تلك الليلة. عادت لمنزلها تجر أذيال المطر والخيبة معاً,وانقطعت الحياة عن قلب الطريق بعدما انقطع السحاب عن استكمال حديثه وكأنهم خرجوا جميعا ليستمعوا إليه ...وفقط. ,ألقت بالسترة الدافئة رغم البلل على مقعدها بالقرب من المدفأة وألقت بنفسها المتهالكة على السرير تبلل روحها تلك الدموع الصامتة بداخلها:: أحبه بشدة,وأكرهه بشدة,اشتقت لعينيه,ويؤلمني النظر فيهما,ما أثق به أنني لا أطيق الحياة من دونه ولا أعرف أين الملاذ من الحقيقة؟ أهل أقبل بروح أخرى تشاركني أنفاسه...أم أقبل بموتٍ في الحياة بعيداً عنه؟!. قطع صوت الهاتف حديث روحها معها لتُقبل عليه بلهفة تقول دقات قلبها لها::علّه هو!! التقطت سماعة الهاتف لتجد صديقتها الوحيدة تسألها عما حدث في حلقة الليلة من البرنامج,فهي لم تشاهدها لأنها خرجت مع أمها لزيارة أقاربهم . تنهدت بعمق ثم قالت : وأنا لم أشاهدها كاملة..كنت متعبة فداهمني النعاس وأنا جالسة أمامها..فقط ركّز في بداية الحلقة على نظرية أعجبتني جداً.... تماسكت قليلاً وسلسلت دمعاتها الثائرة بداخلها ثم أتبعت::: قال مؤكداً ..أنّ صاحب المشكلة هو الوحيد الذي يشعر بها ويرى أبعادها الصحيحة لأنها لا تؤثر إلا عليه وحده, فلا يشعر بوجعه إلا هو, ولأنها في الحقيقة عميقة.. يحتار في إيجاد حل مناسب لها, ولأنها غير مؤثرة على الآخرين, ينظرون لها عن بُعد..نظرة العابرين, فلا تملكها عقولهم , ويخيّل لهم أنهم يرونها, وهم لن يروا أبداً إلا غلافها الخارجي.. ويختارون لها حلاً هو بالطبع غير مناسب لها , ولن يُرضِ صاحبها..لأنه لا يستطيع أن يرضَ ,ويتمنى الرضا ليكون.!! أعادت سماعة الهاتف إلى مكانها ثم احتضنت سترته وارتمت معها على سريرها,بينما أعلنت الساعة على جدار الحائط المشروخ, بأنها الثانية عشر صباحاً.
منقول [b] | |
|