| تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 3:45 pm | |
| تكمله حكاية الحمال مع البنات
الليلة السادسة عشرة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثالث قال للصبية والجماعة مكتفون والعبيد واقفين بالسيوف على رؤوسهم : ثم أني سميت الله ودعوته وابتهلت إليه وحاولت الطلوع على الجبل وصرت أتمسك بالنقر التي فيه حتى أسكن الله الريح في تلك الساعة وأعانني على الطلوع فطلعت سالماً على الجبل وفرحت بسلامتي غاية الفرح ولم يكن لي دأب إلا القبة فدخلتها وصليت فيها ركعتين شكراً لله على سلامتي ثم إني نمت تحت القبة ، فسمعت قائلاً يقول : يا ابن خصيب إذا انتهيت من منامك ، فاحفر تحت رجليك قوساً من نحاس وثلاث نشابات من رصاص منقوشاً عليها طلاسم فخذ القوس والنشابات وارم للفارس الذي على القبة وارح الناس من هذا البلاء العظيم فإذا رميت الفارس يقع في البحر ويقع القوس من يدك فخذ القوس ، وادفنه في موضعه ، فإذا فعلت ذلك يطفو البحر ويعلو حتى يساوي الجبل ، ويطلع عليه زورق فيه شخص غير الذي رميته فيجيء إليك وفي يده مجذاف ، فاركب معه ولا تسم الله تعالى فإنه يحملك ويسافر بك مدة عشرة أيام إلى أن يوصلك إلى بلدك وهذا غنما يتم لك إن لم تسم الله . ثم استيقظت من نومي ، وقمت بنشاط وقصدت الماء ، كما قال الهاتف وضربت الفارس فرميته فوقع في البحر ووقع القوس من يدي فأخذت القوس ودفنته فهاج البحر وعلا حتى ساوى الجبل الذي أنا عليه فلم ألبث غير ساعة حتى رأيت زورقا في وسط البحر يقصدني فحمدت الله تعالى فلما وصل إلي الزورق وجدت فيه شخصاً من النحاس صدره لوح من الرصاص ، منقوش بأسماء وطلاسم ، فنزلت في الزورق وأنا ساكت لا أتكلم فحملني الشخص أول يوم والثاني والثالث إلى تمام عشرة أيام حتى جزائر السلامة ففرحت فرحاً عظيماً ومن شدة فرحي ذكرت الله وسميت وهللت وكبرت فلما فعلت ذلك قذفني من الزورق في البحر ثم رجع في البحر وكنت أعرف العوم فعمت ذلك اليوم إلى الليل حتى كلت سواعدي وتعبت أكتافي وصرت في الهلكات ثم تشهدت وأيقنت بالموت وهاج البحر من كثرة الرياح فجاءت موجة كالقلعة العظيمة ، فحملتني وقذفتني قذفة صرت بها فوق البر ، فطلعت البر وعصرت ثيابي ونشفتها على الأرض وبت . فلما أصبحت لبست ثيابي وقمت أنظر أين أمشي فوجدت غوطة فجئتها ودرت حولها فوجدت الموضع الذي فيه جزيرة صغيرة ، والبحر محيط بها ، فقلت في نفسي كلما أخلص من بلية أقع في أعظم منها فبينما أنا متفكر في أمري أتمنى الموت إذ نظرت مركباً فيها ناس ، فقمت وطلعت على شجرة وإذا بالمركب التصقت بالبر وطلع منها عشرة عبيد معهم مساحي فمشوا حتى وصلوا إلى وسط الجزيرة وحفروا في الأرض وكشفوا عن طابق فرفعوا الطابق وفتحوا بابه ، ثم عادوا إلى المركب ونقلوا منها خبزا ودقيقا وسمناً وعسلاً وأغناماً وجميع ما يحتاج إليه الساكن وصار العبيد مترددين بين المركب وباب الطابق وهم يحولون من المركب وينزلون في الطابق إلى أن نقلوا جميع ما في المركب . ثم بعد ذلك طلع العبيد ومعهم ثياب أحسن ما يكون وفي وسطهم ، شيخ كبير هرم قد عمر زمناً طويلاً وأضعفه الدهر ، حتى صار فانياً ويد ذلك الشيخ في يد صبي قد أفرغ في قالب الجمال وألبس حلة الكمال حتى أنه يضرب بحسنه الأمثال وهو كالقضيب الرطب يسحر كل قلب بجماله ويسلب كل لب بكماله فلم يزالوا يا سيدتي سائرين حتى أتوا إلى الطابق ونزلوا فيه ، وغابوا عن عيني . فلما توجهوا قمت ونزلت من فوق الشجرة ومشيت إلى موضع الردم ، ونبشت التراب ونقلته وصبرت نفسي حتى أزلت جميع التراب فانكشف الطابق فإذا هو خشب مقدار حجر الطاحون فرفعته فبان من تحته سلم معقود من حجر فتعجبت من ذلك ونزلت السلم حتى إنتهيت إلى آخره فوجدت شيئاً نظيفاً ووجدت بستاناً وثانياً إلى تمام تسعة وثلاثين وكل بستان أرى فيه ما يكل عنه الواصفون من أشجار وأنهار وأثمار وذخائر . ورأيت بابا فقلت في نفسي ما الذي في هذا المكان ، فلابد أن أفتحه وأنظر ما فيه ثم فتحته فوجدت فيه فرساً مسرجاً ملجماً مربوطاً ففككته وركبته فطار بي إلى حطني على سطح وأنزلني وضربني بذيله فأتلف عيني وفر مني فنزلت من فوق السطح فوجدت عشرة شبان عور فلما رأوني قالوا : لا مرحبا بك . فقلت لهم : أتقبلوني أجلس عندكم . فقالوا : والله لا تجلس عندنا . فخرجت من عندهم حزين القلب باكي العين ، وكتب الله لي السلامة حتى وصلت إلى بغداد فحلقت ذقني وصرت صعلوكاً فوجدت هذين الإثنين العورين فسلمت عليهما وقلت لهما : أنا غريب ، فقالا : ونحن غريبان فهذا سبب تلف عيني ، وحلق ذقني . فقالت له : أمسح على رأسك وروح . فقال : لا أروح حتى أسمع قصة هؤلاء . ثم أن الصبية التفتت إلى الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم : أخبروني بخبركم . فتقدم جعفر وحكى لها الحكاية التي قالها للبوابة عند دخولهم فلما سمعت كلامه قالت : وهبت بعضكم لبعض . فخرجوا إلى أن صاروا في الزقاق فقال الخليفة للصعاليك : يا جماعة إلى أين تذهبون ؟ فقالوا : ما ندري أين نذهب . فقال لهم الخليفة : سيروا وبيتوا عندنا . وقال لجعفر : خذهم وأحضرهم لي غداً ، حتى ننظر ما يكون . فامتثل جعفر ما أمره به الخليفة . ثم أن الخليفة طلع إلى قصره ولم يجئه نوم في تلك الليلة فلما اصبح جلس على كرسي المملكة ودخلت عليه أرباب الدولة ، فالتفت إلى جعفر بعد أن طلعت أرباب الدولة وقال ائتني بالثلاث صبايا والكلبتين والصعاليك ، فنهض جعفر وأحضرهم بين يديه فأدخل الصبايا تحت الأسنار . والتفت لهن جعفر وقال لهن : قد عفونا عنكن لما أسلفتن من الإحسان إلينا ولم تعرفنا فها أنا أعرفكن وأنتن بين يدي الخامس من بني العباس هارون الرشيد ، فلا تخبرنه إلا حقاً . فلما سمع الصبايا كلام جعفر ، عن لسان أمير المؤمنين تقدمت الكبيرة وقالت : يا أمير المؤمنين أن لي حديثاً لو كتب بالإبر على آفاق البصر لكان عبرة لمن اعتبر .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي
عدل سابقا من قبل abo7osam في الأحد سبتمبر 14, 2008 11:09 pm عدل 1 مرات (السبب : تثبيت الموضوع) | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 3:46 pm | |
| تكمله حكاية الحمال مع البنات
الليلة السابعة عشرة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن كبيرة الصبايا ، لما تقدمت بين يدي أمير المؤمنين وقالت : إن لي حديثاً عجيباً وهو أن هاتين الصبيتين أختاي من أبي من غير أمي فمات والدنا وخلف خمسة آلاف دينار وكنت أنا اصغرهن سناً فتجهزت أختاي وتزوجت كل واحدة برجل ومكثنا مدة ثم إن كل واحد من أزواجهما هيأ متجراً واخذ من زوجته ألف دينار وسافروا مع بعضهم ، وتركوني فغابوا أربع سنين وضيع زوجاهما المال ، وخسرا وتركاهما في بلاد الناس فجاءاني في هيئة الشحاتين . فلما رأيتهما ذهلت عنهما ولم أعرفهما ثم إني لما عرفتهما ، قلت لهما : ما هذا الحال ؟ فقالتا : يا أختاه إن الكلام لا يفيد الآن ، وقد جرى القلم بما حكم الله . فأرسلتهما إلى الحمام وألبست كل واحدة حلة وقلت لهما : يا أختي أنتما الكبيرة وأنا الصغيرة وأنتم عوض عن أبي وأمي والإرث الذي ناسي معكما قد جعل الله فيه البركة فكلا من زكاته وأحوالي جليلة وأنا وأنتما سواء . وأحسنت إليهما غاية الإحسان فمكثا عندي مدة سنة كاملة وصار لهما مال من مالي فقالتا لي : أن الزواج خير لنا وليس لنا صبر عنه . فقلت لهما : يا أختي لم تريا في الزواج خيراً فإن الرجل الجيد قليل في هذا الزمان وقد اخترتما الزواج . فلم يقبلا كلامي ، وتزوجا بغير رضاي فزوجتهما من مالي وسترتهما ومضتا مع زوجيهما فأقاما مدة يسيرة ولعب عليهما زوجهما وأخذ ما كان معهما وسافرا وتركاهما فجاءتا عندي وهما عاريتين واعتذرتا وقالتا : لا تؤاخذينا ، فأنت أصغر منا سناً وأكمل عقلاً ، وما بقينا نذكر الزواج أبداً . فقلت : مرحباً بكما يا أختي ما عندي أعز منكما . وقبلتهما وزدتهما إكراماً ولم تزل على هذه الحالة سنة كاملة فأردت أن أجهز لي مركباً إلى البصرة ، فجهزت مركباً كبيرة وحملت فيها البضائع والمتاجر وما أحتاج إليه في المركب وقلت : يا أختي هل لكما أن تقعدوا في المنزل حتى أسافر وأرجع أو تسافرا معي . فقالتا : نسافر معك فإنا لا نطيق فراقك . فأخذتهما وسافرنا ، وكنت قسمت مالي نصفين فأخذت النصف وخبأت النصف الثاني وقلت ربما يصيب المركب شيء ويكون في العمر مدة فإذا رجعنا نجد شيئاً ينفعنا . ولم نزل مسافرين أياماً وليالي ، فتاهت بنا المركب وغفل الريس عن الطريق ودخلت المركب بحراً غير البحر الذي نريده ولم نعلم بذلك مدة ، وطاب لنا الريح عشرة أيام فلاحت لنا مدينة على بعد فقلنا للريس : ما إسم هذه المدينة التي أشرفنا عليها ؟ فقال : والله لا أعلم ولا رأيتها قط ، ولا سلكت عمري هذا البحر ، ولكن جاء الأمر بسلامة فما بقي إلا أن تدخلوا هذه المدينة وتخرجوا بضائعكم فإن حصل لكم بيع فبيعوا . وغاب ساعة ، ثم جاءنا وقال قوموا إلى المدينة وتعجبوا من صنع الله في خلقه واستعيذوا من سخطه فطلعنا المدينة فوجدنا كل من فيها مسخوطاً حجارة سوداء ، فاندهشنا من ذلك ومشينا في الأسواق فوجدنا البضائع باقية والذهب والفضة باقيين على حالهما ففرحنا وقلنا لعل هذا يكون له أمر عجيب ، وتفرقنا في شوارع المدينة وكل واحد اشتغل عن رفيقه بما فيها من المال والقماش . وأما أنا فطلعت إلى القلعة فوجدتها محكمة فدخلت قصر الملك فوجدت فيه جميع الأواني من الذهب والفضة ثم رأيت الملك جالساً وعنده حجابه ونوابه ووزرائه وعليه من الملابس شيء يتحير فيه الفكر فلما قربت من الملك وجدته جالساً على كرسي مرصع بالدر والجواهر فيه كل درة تضيء كالنجمة وعليه حلة مزركشة بالذهب وواقفاً حوله خمسون مملوكاً بين أنواع الحرير ، وفي أيديهم السيوف مجردة . فلما نظرت لذلك دهش عقلي ثم مشيت ودخلت قاعة الحريم ، فوجدت في حيطانها ستائر من الحرير ووجدت الملكة عليها حلة مزركشة بالؤلؤ الرطب وعلى رأسها تاج مكلل بأنواع الجواهر وفي عنقها قلائد وعقوداً وجميع ما عليها من الملبوس والمصاغ باق على حاله وهي ممسوخة حجر أسود ووجدت باباً مفتوحاً فدخلته ووجدت فيه سلماً بسبع درج فصعدته ، فرأيت مكاناً مرخماً مفروشاً بالبسط المذهبة ووجدت فيه سرير من المرمر مرصعاً بالدر والجواهر ونظرت نوراً لامعاً في جهة فقصدتها فوجدت فيها جوهرة مضيئة قدر بيض النعامة على كرسي صغير ، وهي تضيء كالشمعة ، ونورها ساطع ومفروش على ذلك السرير من أنواع الحرير ما يجعل الناظر يحير . فلما نظرت إلى ذلك تعجبت ورأيت في ذلك المكان شموعاً موقدة فقلت في نفسي : لابد أن أحداً أوقد هذه الشموع ، ثم إني مشيت حتى دخلت موضعاً غيره وصرت أفتش في تلك الأماكن ونسيت نفسي مما أدهشني من التعجب من تلك الأحوال ، واستغرق فكري إلى أن دخل الليل فأردت الخروج فلم أعرف الباب وتهت عنه فعدت إلى الجهة التي فيها الشموع الموقدة وجلست على السرير وتغطيت بلحاف بعد أن قرأت شيئاً من القرآن وأوردت النوم فلم أستطع ولحقني القلق . فلما انتصف الليل سمعت تلاوة القرآن بصوت حسن رقيق فالتفت إلى مخدع فرأيت بابه مفتوحاً فدخلت الباب ونظرت المكان فإذا هو معبد وفيه قناديل معلقة موقدة وفيه سجادة مفروشة جالس عليها شاب حسن المنظر فتعجبت كيف هو سالم دون أهل المدينة فدخلت وسلمت عليه فرفع بصره ورد علي السلام فقلت له : أسألك بحق ما تتلوه من كتاب الله أن تجيبني عن سؤالي . فتبسم وقال : أخبريني عن سبب دخولك هذا المكان وأنا أخبرك بجواب ما تسألينه عنه . فأخبرته بخبري فتعجب من ذلك ، ثم إنني سألته عن خبر هذه المدينة فقال : أمهليني . ثم طبق المصحف وادخله كيس من الأطلس وأجلسني بجنبه فنظرت إليه فإذا هو كالبدر حسن الأوصاف لين الأعطاف بهي المنظر رشيق القد أسيل الخد زهي الجنات كأنه المقصود من هذه الأبيات : رصد النجم ليلـه فـبـدا لـه ........ قد المليح يمـيس فـي بـرديه وأمـد زحـل ســواد ذوائب ........ والمسك هادي الخال في خديه وغدت من المريخ حمرة خـده ........ والقوس يرمي النبل من جفنيه وعطارد أعطاه فـرط ذكـائه ........ وأبى السها نظر الوشـاة إلـيه فغدا المنجم حائراً مـمـا أرى ........ والأرض باس الأرض بين يديه فنظرت له نظرة أعقبتني ألف حسرة وأوقدت بقلبي كل جمرة فقلت له : يا مولاي أخبرني عما سألتك . فقال سمعاً وطاعة . أعلمي أن هذه المدينة مدينة والدي وجميع أهله وقومه وهو الملك الذي رأيته على الكرسي ممسوخاً حجراً وأما الملكة التي رأيتها فهي أمي وقد كانوا مجوساً يعبدون النار دون الملك الجبار وكانوا يقسمون بالنار والنور والظل والخرور والفلك الذي يدور وكان أبي ليس له ولد فرزق بي في آخر عمره فرباني حتى نشأت وقد سبقت لي السعادة ، وكان عندنا عجوز طاعنة في السن مسلمة تؤمن بالله ورسوله في الباطن وتوافق أهلي في الظاهر وكان أبي يعتقد فيها لما يرى عليها من الأمانة والعفة وكان يكرمها ويزيد في إكرامها وكان يعتقد أنها على دينه . فلما كبرت سلمني أبي إليها وقال : خذيه وربيه وعلميه أحوال ديننا وأحسني تربيته وقومي بخدمته . فأخذتني العجوز وعلمتني دين الإسلام من الطهارة والوضوء والصلاة وحفظتني القرآن فلما أتمت ذلك قالت لي : يا ولدي أكتم هذا الأمر عن أبيك ولا تعلمه به لئلا يقتلك . فكتمته عنه ولم أزل على هذا الحال مدة أيام قلائل وقد ماتت العجوز وزاد أهل المدينة في كفرهم وعتوهم وضلالهم . فبينما هم على ما هم فيه إذ سمعوا منادياً ينادي بأعلى صوته مثل الرعد القاصف سمعه القريب والبعيد يقول : يا أهل المدينة أرجعوا عن عبادة النار واعبدوا الملك الجبار . فحصل عند أهل المدينة فزع واجتمعوا عند أبي وهو ملك المدينة وقالوا له : ما هذا الصوت المزعج الذي سمعناه فاندهشنا من شدة هوله . فقال لهم لا يهولنكم الصوت ولا يردعنكم عن دينكم . فمالت قلوبهم إلى قول أبي ولم يزالوا مكبين على عبادة النار واستمروا على طغيانهم مدة سنة حتى جاء ميعاد ما سمعوا الصوت الأول فظهر لهم ثانياً فسمعوا ثلاث مرات على ثلاث سنين في كل سنة مرة فلم يزالوا عاكفين على ما هم عليه حتى نزل عليهم المقت والسخط من السماء بعد طلوع الفجر ، فمسخوا حجارة سودا وكذلك دوابهم وأنعامهم ولم يسلم من أهل هذه المدينة غيري ، ومن يوم ما جرت هذه الحادثة وأنا على هذه الحالة في صلاة وصيام وتلاوة قرآن وقد يئست من الوحدة وما عندي من يؤنسني . فعند ذلك قلت له : أيها الشاب هل لك أن تروح معي إلى مدينة بغداد وتنظر إلى العلماء وإلى الفقهاء فتزداد علماً وفقهاً وأكون أنا جاريتك مع إني سيدة قومي وحاكمة على رجال وخدم وغلمان ، وعندي مركب مشحون بالمتجر وقد رمتنا المقادير على هذه المدينة حتى كان ذلك سبباً في إطلاعنا على هذه الأمور وكان النصيب في إجتماعنا . ولم أزل أرغبه في التوجه حتى أجابني إليه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 3:50 pm | |
| تكمله حكاية الحمال مع البنات
الليلة الثامنة عشرة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية ما زالت تحس الشاب للتوجه معها حتى غلب عليها النوم فنامت تلك الليلة تحت رجليه وهي لا تصدق بما هي فيه من الفرح ، ثم قالت : فلما أصبح الصباح قمنا ودخلنا إلى الخزائن وأخذنا ما خف حمله وغلا ثمنه ونزلنا من القلعة إلى المدينة فقابلنا العبيد والريس وهم يفتشون علي فلما رأوني فرحوا بي وسألوني عن سبب غيابي فأخبرتهم بما رأيت وحكيت لهم قصة الشاب وسبب مسخ أهل هذه المدينة وما جرى لهم فتعجبوا من ذلك . فلما رأتني أختاي ومعي ذلك الشاب حسدتاني عليه وصارتا في غيظ وأضمرتا المكر لي . ثم نزلنا المركب وأنا بغاية الفرح وأكثر فرحي بصحبة هذا الشاب وأقمنا ننتظر الريح حتى طابت لنا الريح فنشرنا القلوع وسافرنا فقعدت أختاي عندنا وصارت تتحدثان فقالتا لي : يا أختاه ما تصنعين بهذا الشاب الحسن ؟ فقلت لهما : قصدي أن اتخذه بعلاً . ثم التفت إليه وأقبلت عليه وقلت : يا سيدي أنا أقصد أن أقول لك شيئاً فلا تخالفني فيه . فقال سمعاً وطاعة . ثم التفت إلى أختاي وقلت لهما : يكفيني هذا الشاب وجميع هذه الأموال لكما . فقالتا : نعم ما فعلت . ولكنهما أضمرتا لي الشر ، ولم نزل سائرين مع اعتدال الريح حتى خرجنا من بحر الخوف ودخلنا بحر الأمان وسافرنا أياما قلائل إلى أن قربنا من مدينة البصرة ولاحت لنا أبنيتها ، فأدركنا المساء فلما أخذنا النوم قامت أختاي وحملتاني أنا والغلام ورمتانا في البحر ، فأما الشاب فإنه كان لا يحسن العوم فغرق وكتبه الله من الشهداء . وأما أنا فكنت من السالمين ، فلما سقطت في البحر رزقني الله بقطعة من خشب فركبتها وضربتني الأمواج إلى أن رمتني على ساحل جزيرة فلم أزل أمشي في الجزيرة باقي ليلتي فلما أصبح الصباح رأيت طريقاً فيه أثر مشي على قدر ابن آدم وتلك الطريق متصلة من الجزيرة إلى البر وقد طلعت الشمس فنشفت ثيابي فيها وسرت في الطريق ولم أزل سائرة إلى أن قربت من البر الذي فيه المدينة وإذا بحية تقصدني وخلفها ثعبان يريد هلاكها وقد تدلى لسانها من شدة التعب . فأخذتني الشفقة عليها فقعدت إلى حجر وألقيته على رأس الثعبان فمات من وقته فنشرت الحية جناحين وصارت في الجو فتعجبت من ذلك وقد تعبت فنمت في موضعي ساعة ، فلما أفقت وجدت تحت رجلي جارية وهي تكبس رجلي فجلست واستحيت منها وقلت لها : من أنت وما شانك ؟ فقالت : ما أسرع ما نسيتني أنت التي فعلت معي الجميل وقتلت عدوي ، فإني الحية التي خلصتيني من الثعبان جني وهو عدوي وما نجاني منه إلا أنت ، فلما نجيتيني منه طرت في الريح وذهبت إلى المركب التي رماك منها أختاك ونقلت جميع ما فيها إلى بيتك وأحرقتها وأما أختاك فإني سحرتهما كلبتين من الكلاب السود ، فإني عرفت جميع ما جرى لك معهما ، وأما الشاب فإنه غرق . ثم حمتلني أنا والكلبتين والقتنا فوق سطح داري فرأيت جميع ما كان في المركب من الأموال في وسط بيتي ولم يضع منه شيء ، ثم أن الحية قالت لي : وحق النقش الذي على خاتم سليمان إذا لم تضربي كل واحدة منها في كل يوم ثلاثمائة سوط لآتين أجعلك مثلهما . فقلت : سمعاً وطاعة . فلم أزل يا أمير المؤمنين أضربها ذلك الضرب وأشفق عليهما . فتعجب الخليفة من ذلك ثم قال للصبية الثانية : وأنت ما سبب الضرب الذي على جسدك ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين إني كان لي والد مات وخلف مالاً كثيراً ، فأقمت بعده مدة يسيرة وتزوجت برجل اسعد أهل زمانه فأقمت معه سنة كاملة ومات فورثت منه ثمانين ألف دينار ، فبينما أنا جالسة في يوم من الأيام إذ دخلت علي عجوز بوجه مسقوط وحاجب ممغوط وعيونها مفجرة وأسنانها مكسرة ومخاطها سائل وعنقها مائل كما قال فيها الشاعر : عجوز النحس إبليس يراها ........ تعلمه الخديعة من سكوت تقود من السياسة ألف بغل ........ إذا انفردوا بخيط العنكبوت فلما دخلت العجوز علمت علي وقالت : أن عندي بنتا يتيمة والليلة عملت عرسها وأنا قصدي لك الأجر والثواب فاحضري عرسها فأنها مكسورة الخاطر ليس لها إلا الله تعالى . ثم بكت وقبلت رجلي فأخذتني الرحمة والرأفة فقلت : سمعاً وطاعة . فقالت : جهزي نفسك فإني وقت العشاء أجي وآخذك . ثم قبلت يدي وذهبت فقمت وهيأت نفسي وجهزت حالي وإذا بالعجوز قد أقبلت وقالت : يا سيدتي أن سيدات البلد قد حضرن وأخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك . فقمت وتهيأت وأخذت جواري معي وسرت حتى أتينا إلى زقاق هب فيه النسيم وراق فرأينا بوابة مقنطرة قبة من الرخام مشيدة البنيان وفي داخلها قصر قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما وصلنا إلى الباب طرقته العجوز ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزاً مفروشاً بالبسط معلقاً فيه قناديل موقدة وشموع مضيئة وفيه الجواهر والمعادن معلقة فمشينا في الدهليز إلى أن دخلنا القاعة فلم يوجد لها نظير مفروشة بالفراش الحرير معلقاً فيها القناديل الموقدة والشموع المضيئة وفي صدر القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وعليه ناموسية من الأطلس وإذا بصبية خرجت من الناموسية مثل القمر فقالت لي : مرحباً وأهلاً وسهلاً يا أختي آنستيني وجبرت خاطري وأنشدت تقول : لو تعلم الدار من زارها فرحـت ........ واستبشرت ثم باست موضع القدم وأعلنت بلسـان الـحـال قـائلة ........ أهلاً وسهلاً بأهل الجود والكرم ثم جلست وقالت : يا أختي أن لي أخاً وقد رآك في الأفراح وهو شاب احسن مني وقد أحبك قلبه حباً شديداً وأعطى هذه العجوز دراهم حتى أتتك وعملت الحيلة لأجل اجتماعه بك ويريد أخي أن يتزوجك بسنة الله ورسوله وما في الحلال من عيب . فلما سمعت كلامها ورأيت نفسي قد انحجزت في الدار فقلت للصبية : سمعاً وطاعة . ففرحت وصفقت بيدها وفتحت باباً ، فخرج منه شاب مثل القمر كما قال الشاعر : قد زاد حسناً تبارك الـلـه ........ جل الذي صاغـه وسـواه قد حاز كل الجمال منفـرداً ........ كل الورى في جماله تهواه قد كتب الحسن فوق وجنتيه ........ أشهد أن لا مليح سـواه فلما نظرت إليه مال قلبي له ثم جاء وجلس وإذا بالقاضي قد دخل ومعه أربعة شهود فسلموا وجلسوا ، ثم أنهم كتبوا كتابي على ذلك الشاب وانصرفوا فالتفت الشاب إلي وقال : ليلتنا مباركة . ثم قال : يا سيدتي أني شارط عليك شرطاً . فقلت : يا سيدي وما الشرط ؟ فقام وأحضر لي مصحفاً وقال : احلفي لي أنك لا تختاري أحداً غيري ولا تميلي إليه . فحلفت له على ذلك ففرح فرحاً شديداً وعانقني فأخذت محبته بمجامح قلبي وقدموا لنا السماط فأكلنا وشربنا حتى اكتفينا فدخل علينا الليل . فأخذني ونام معي على الفراش وبتنا في عناق إلى الصباح ، ولم نزل على هذه الحالة مدة شهر ، ونحن في هناء وسرور وبعد الشهر استأذنته في أن أسير إلى السوق وأشتري بعض قماش فأذن لي في الرواح ، فلبست ثيابي وأخذت العجوز معي ونزلت في السوق فجلست على دكان تاجر تعرفه العجوز وقالت لي : هذا ولد صغير مات أبوه وخلف مالاً كثيراً . ثم قالت له : هات أعز ما عندك من القماش لهذه الصبية . فقال لها : سمعاً وطاعة . فصارت العجوز تثني عليه فقلت : ما لنا حاجة بثنائك عليه لأن مرادنا أن نأخذ حاجتنا منه ونعود إلى منزلنا . فأخرج لنا ما طلبناه وأعطيناه الدراهم فأبى أن يأخذ شيئاً وقال : هذه ضيافتكما اليوم عندي . فقلت للعجوز : إن لم يأخذ الدراهم أعطه قماشه . فقال : والله لا آخذ شيئا والجميع هدية من عندي في قبلة واحدة فإنها عندي أحسن من ما في دكاني . فقالت العجوز : ما الذي يفيدك من القبلة ؟ ثم قالت : يا بنتي قد سمعت ما قال هذا الشاب وما يصيبك شيء إن أخذ منك قبلة وتأخذين ما تطلبينه . فقلت لها : أما تعرفين أني حالفة . فقالت : دعيه يقبلك وأنت ساكتة ولا عليك شيء وتأخذين هذه الدراهم . ولازالت تحسن لي الأمر حتى أدخلت رأسي في الجراب ورضيت بذلك ثم إني غطيت عيني وداريت بطرف إزاري من الناس وحط فمه تحت إزاري على خدي فما أن قبلني حتى عضني عضة قوية ، حتى قطع اللحم من خدي فغشي علي ثم آخذتني العجوز في حضنها . فلما أفقت وجدت الدكان مقفولة والعجوز تظهر لي الحزن ، وتقول : ما دفع الله كان أعظم . ثم قالت لي : قومي بنا إلى البيت وأعملي نفسك ضعيفة وأنا أجيء إليك بدواء تداوين به هذه العضة فتبرئين سريعاً . فبعد ساعة قمت من مكاني وأنا في غاية الفكر واشتداد الخوف ، فمشيت حتى وصلت إلى البيت وأظهرت حالة المرض وإذا بزوجي داخل وقال : ما الذي أصابك يا سيدتي في هذا الخروج ؟ فقلت له : ما أنا طيبة . فنظر إلي وقال لي : ما هذا الجرح الذي بخدك وهو في المكان الناعم ؟ فقلت : لما استأذنتك وخرجت في هذا النهار لأشتري القماش زاحمني جمل حامل حطباً فشرط نقابي وجرح خدي كما ترى فإن الطريق ضيق في هذه المدينة . فقال : غداً أروح للحاكم وأشكوا له فيشنق كل حطاب في المدينة . فقلت : بالله عليك لا تتحمل خطيئة أحد فإني ركبت حماراً نفر بي فوقعت على الأرض فصادفني عود فخدش خدي وجرحني . فقال : غدا أطلع لجعفر البرمكي وأحكي له الحكاية فيقتل كل حَمار في هذه المدينة . فقلت : هل أنت تقتل الناس كلهم بسببي وهذا الذي جرى لي بقضاء الله وقدره . فقال : لابد من ذلك . وشدد علي ونهض قائماً وصاح صيحة عظيمة فانفتح الباب وطلع منه سبعة عبيد سود فسحبوني من فراشي ورموني في وسط الدار ثم أمر عبداً منهم أن يمسكني من أكتافي ، ويجلس على رأسي وأمر الثاني أن يجلس على ركبتي ويمسك رجلي وجاء الثالث وفي يده سيف فقال : يا سيدي أضربها بالسيف فأقسمها نصفين وكل واحد يأخذ قطعة يرميها في بحر الدجلة فيأكلها السمك وهذا جزاء من يخون الإيمان المودة وأنشد هذا الشعر : إذا كان لي فيمن أحب مـشـارك ........ منعت الهوى روحي ليتلفني وجدي وقلت لها يا نفس موتـي كـريهة ........ فلا خير في حب يكون مع الضـد ثم قال للعبد : اضربها يا سعد . فجرد السيف وقال : اذكري الشهادة وتذكري ما كان لك من الحوائج واوصي . ثم رفعت رأسي ونظرت إلى حالي وكيف صرت في الذل بعد العز فجرت عبرتي وبكيت أنشدت هذه الأبيات : أقمتم فؤادي في الهوى وقعدتـم ........ وأسهرتم جفني القريح ونمـتـم ومنزلكم بين الفؤاد ونـاظـري ........ فلا القلب يسلوكم ولا الدمع يكتم وعاهدتموني أن تقيموا على الوفا ........ فلما تملكتم فـؤادي غـدرتـم ولم ترحموا وجدي بكم وتلهفـي ........ أأنتم صروف الحادثات أمنـتـم سألتكم بالله أن مت فاكتبـوا ........ على لوح قبري أن هذا متيم لعل شجياً عارفاً لوعة الهوى ........ يمر على قبر المحب فيرحم فلما فرغت من شعري بكيت فلما سمع الشعر ونظر إلى بكائي أزداد غيظاً على غيظه وأنشد هذين البيتين : تركت حبيب القلب لاعن ملانة ........ ولكن جنى ذنباً يؤدي إلى الترك إذا ارى شريكاً في المحبة بيننـا ........ وإيمان قلبي لا يميل إلى الشرك فلما فرغ من شعره بكيت واستعطفته ، وإذا بالعجوز قد دخلت ورمت نفسها على أقدام الشاب وقبلتها وقالت : يا ولدي بحق تربيتي لك تعفو عن هذه الصبية فإنها ما فعلت ذنباً يوجب ذلك وأنت شاب صغير فأخاف عليك من دعائها . ثم بكت العجوز ، ولم تزل تلح عليه حتى قال : عفوت عنها ، ولكن لابد لي أن أعمل فيها أثراً يظهر عليها بقية عمرها . ثم أمر العبيد فجذبوني من ثيابي وأحضر قضيبا من سفرجل ونزل به على جسدي بالضرب ، ولم يزل يضربني ذلك الشاب على ظهري وجنبي حتى غبت عن الدنيا من شدة الضرب وقد يئست من حياتي ثم أمر العبيد أنه إذا دخل الليل يحملونني ويأخذون العجوز معهم ويرمونني في بيتي الذي كنت فيه سابقاً . ففعلوا ما أمرهم به سيدهم ورموني في بيتي ، فتعاهدت نفسي وتداويت فلما شفيت بقيت أضلاعي كأنها مضروبة بالمقارع ، كما ترى فاستمريت في مداواة نفسي أربعة أشهر حتى شفيت ، ثم جئت إلى الدار التي جرت لي فيها ذلك الأمر فوجدتها خربة ووجدت الزقاق مهد وما من أوله إلى آخره ووجدت في موقع الدار كيماً ولم أعلم سبب ذلك فجئت إلى أختي هذه التي من أبي فوجدت عندها هاتين الكلبتين فسلمت عليها وأخبرتها بخبري وبجميع ما جرى لي . فقالت : من ذا الذي من نكبات الزمان سلم ، الحمد لله الذي جعل الأمر بسلامة . ثم أخبرتني بخبرها وبجميع ما جرى لها من أختيها وقعدت أنا وهي لا نذكر خبر الزواج على ألسنتنا ثم صاحبتنا هذه الصبية الدلالة في كل يوم تخرج فتشتري لنا ما نحتاج إليه من المصالح على جري علاتها ، فوقع لنا ما وقع من مجيء الجمال والصعاليك ومن مجيئكم في صفة تجار فلما صرنا في هذا اليوم ولم نشعر إلا نحن بين يديك وهذه حكايتنا . فتعجب الخليفة من هذه الحكاية وجعلها تاريخها مثبتا في خزانته .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 3:53 pm | |
| تكمله حكاية الحمال مع البنات
الليلة التاسعة عشرة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة أمر أن تكتب هذه القصة في الدواوين ويجعلوها في خزانة الملك ثم أنه قال للصبية الأولى : هل عندك خبر بالعفريتة التي سحرت أختيك . قالت : يا أمير المؤمنين إنها أعطتني شيئاً من شعرها ، وقالت إن أردت حضوري فاحرقي من هذا الشعر شيئاً فأحضر إليك عاجلاً ولو كنت خلف جبل قاف . فقال الخليفة : أحضري لي الشعر . فأحضرته الصبية فأخذه الخليفة ، وأحرق منه شيئاً فلما فاحت منه رائحة إهتز القصر وسمعوا دوياً وصلصلة وإذا بالجنية حضرت وكانت مسلمة فقالت : السلام عليكم يا خليفة الله . فقال : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . فقالت : أعلم أن هذه الصبية صنعت معي جميلاً ولا أقدر أن أكافئها عليه فهي أنقذتني من الموت وقتلت عدوي ورأيت ما فعله معها أختاها فما رأيت إلا أني أنتقم منهما فسحرتهما كلبتين بعد أن أردت قتلهما فخشيت أن يصعب عليها ، وإن أردت خلاصهما ، يا أمير المؤمنين أخلصهما كرامة لك ولها فإني من المسلمين . فقال لها : خلصيهما وبعد ذلك نشرع في أمر الصبية المضروبة ، وتفحص عن حالها فإذا ظهر لي صدقها أخذت ثأرها ممن ظلمها . فقالت العفريتة : يا أمير المؤمنين أنا أدلك على ما فعل بهذه الصبية هذا الفعل وظلمها وأخذ مالها وهو أقرب الناس إليك . ثم إن العفريتة أخذت طاسة من الماء وعزمت عليها ، ورشت وجه الكلبتين ، وقالت لهما : عودا إلى صورتكما الأولى البشرية . فعادتا صبيتين سبحان خالقهما ، ثم قالت : يا أمير المؤمنين أن الذي ضرب الصبية ، ولدك الأمين فإنه كان يسمع بحسنها وجمالها ، وحكت له العفريتة جميع ما جرى للصبية فتعجب وقال : الحمد لله خلاص هاتين الكلبتين على يدي . ثم أن الخليفة أحضر ولده الأمين بين يديه وسأله عن قصة الصبية الأولى فأخبره على وجه الحق فأحضره الخليفة القضاة والشهود والصعاليك الثلاثة ، وأحضر الصبية الأولى وأختيها اللتين كانتا مسحورتين في صورة كلبتين ، وزوج الثلاثة للثلاثة الصعاليك الذين أخبروه أنهم كانوا ملوكاً وعملهم حجاباً عنده وأعطاهم ما يحتاجون إليه وأنزلهم في قصر بغداد ورد الصبية المضروبة لولده الأمين وأعطاها مالاً كثيراً وأمر أن تبنى الدار أحسن ما كانت ثم أن الخليفة تزوج بالدلالة ورقد في تلك الليلة معها . فلما أصبح أفرد لها بيتاً وجواري يخدمنها ورتب لها راتباً ، وشيد لها قصراً ثم قال لجعفر ليلة من الليالي : أني أريد أن ننزل في هذه الليلة إلى المدينة ونسأل عن أحوال الحكام والمتولين وكل من شكا منه أحد عزلناه . فقال جعفر ومسرور : نعم . وساروا في المدينة ومشوا في الأسواق مروا بزقاق ، فرأوا شيخاً كبيراً على رأسه شبكة وقفة وفي يده عصا وهو ماش على مهله ، ثم إن الخليفة تقدم إليه وقال له : يا شيخ ما حرفتك ؟ قال : يا سيدي صياد وعندي عائلة وخرجت من بيتي من نصف النهار إلى هذا الوقت ولم يقسم الله لي شيئاً أقوت به عيالي وقد كرهت نفسي وتمنيت الموت . فقال له الخليفة : هل لك أن ترجع معنا إلى البحر وتقف على شاطئ الدجلة وترمي شبكتك على بختي وكل ما طلع اشتريته منك بمائة دينار . ففرح الرجل لما سمع هذا الكلام وقال : على رأسي أرجع معكم . ثم أن الصياد رجع إلى البحر ورمى شبكته وصبر عليها ، ثم أنه جذب الخيط وجر الشبكة إليه فطلع في الشبكة صندوق مقفول ثقيل الوزن فلما نظر الخليفة وجده ثقيلاً فأعطى الصياد مائة دينار وانصرف وحمل الصندوق مسرور هو وجعفر وطلعا به مع الخليفة إلى القصر وأوقد الشموع والصندوق بين يدي الخليفة فتقدم جعفر ومسرور وكسروا الصندوق فوجدوا فيه قفة خوص محيطة بصوت أحمر فقطعوا الخياطة فرأوا فيها قطعة بساط فرفعوها فوجدوا تحتها أزار فرفعوا الأزار فوجدوا تحتها صبية كأنها سبيكة مقتولة ومقطوعة . فلما نظرها الخليفة جرت دموعه على خده والتفت إلى جعفر وقال : يا كلب الوزراء أتقتل القتلى في زمني ويرمون في البحر ويصيرون متعلقين بذمتي والله لابد أن أقتص لهذه الصبية ممن قتلها وأقتله . وقال لجعفر : وحق اتصال نسبي بالخلفاء من بني العباس إن لم تأتيني بالذي قتل هذه لأنصفها منه لأصلبنك على باب قصري أنت وأربعين من بني عمك . واغتاظ الخليفة ، فقال جعفر : أمهلني ثلاثة أيام قال أمهلتك . ثم خرج جعفر من بين يديه ومشى في المدينة وهو حزين وقال في نفسه : من أعرف من قتل هذه الصبية حتى أحضره للخليفة وإن أحضرت له غيره يصير معلقاً بذمتي ولا أدري ما أصنع . ثم إن جعفر جلس في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أرسل له الخليفة يطلبه فلما تمثل بين يديه قال له : أين قاتل الصبية ؟ قال جعفر : يا أمير المؤمنين أنا لا أعلم الغيب حتى أعرف قاتلها . فاغتاظ الخليفة وأمر بصلبه على باب قصره وأمر منادياً ينادي في شوارع بغداد من أراد الفرجة على صلب جعفر البرمكي وزير الخليفة وصلب أولاد عمه على باب قصر الخليفة ليخرج ليتفرج . فخرج الناس من جميع الحارات ليتفرجوا على صلب جعفر وصلب أولاد عمه ولم يعلموا سبب ذلك ثم أمر بنصب الخشب فنصبوه وأوقفهم تحته لأجل الصلب وصاروا ينتظرون الإذن من الخليفة وصار الخلق يتباكون على جعفر وعلى أولاد عمه . فبينما هم كذلك وإذا بشاب حسن نقي الأثواب يمشي بين الناس مسرعاً إلى أن وقف بين يدي الوزير وقال له : سلامتك من هذه الوقفة يا سيد الأمراء وكهف الفقراء ، أنا الذي قتلت القتيلة التي وجدتموها في الصندوق ، فاقتلني فيها واقتص مني . فلما سمع جعفر كلام الشاب وما أبداه من الخطاب فرح بخلاص نفسه وحزن على الشاب . فبينما هم في الكلام وإذا بشيخ كبير يفسح الناس ويمشي بينهم بسرعة إلى أن وصل إلى جعفر والشاب فسلم عليهما ثم قال : أيها الوزير لا تصدق كلام هذا الشاب فإنه ما قتل هذه الصبية إلا أنا فاقتص لها مني . فقال الشاب : أيها الوزير ، إن هذا الشيخ كبير خرفان لا يدري ما يقول وأنا الذي قتلتها فاقتص مني . فقال الشيخ : يا ولدي أنت صغير تشتهي الدنيا وأنا كبير شبعت من الدنيا وأنا أفديك وأفدي الوزير وبني عمه وما قتل الصبية إلا أنا ، فبالله عليك أن تعجل بالإقتصاص مني . فلما نظر إلى ذلك الأمر تعجب منه وأخذ الشاب والشيخ وطلع بهما عند الخليفة وقال : يا أمير المؤمنين قد حضر قاتل الصبية . فقال الخليفة : أين هو ؟ فقال : إن هذا الشاب يقول أنا القاتل وهذا الشيخ يكذبه ويقول لا بل أنا القاتل . فنظر الخليفة إلى الشيخ والشاب وقال : من منكما قتل هذه الصبية . فقال الشاب : ما قتلتها إلا أنا . وقال الشيخ : ما قتلها إلا أنا . فقال الخليفة لجعفر : خذ الإثنين واصلبهما . فقال جعفر : إذا كان القاتل واحد فقتل الثاني ظلم . فقال الشاب : وحق من رفع السماء وبسط الأرض أني أنا الذي قتلت الصبية وهذه أمارة قتلها . ووصف ما وجده الخليفة فتحقق عند الخليفة أن الشاب هو الذي قتل الصبية فتعجب الخليفة وقال : وما سبب إقرارك بالقتل من غير ضرب وقولك اقتصوا لها مني . فقال الشاب : أعلم يا أمير المؤمنين أن هذه الصبية زوجتي وبنت عمي وهذا الشيخ أبوها وهو عمي وتزوجت بها وهي بكر فرزقني الله منها ثلاثة أولاد ذكور وكانت تحبني وتخدمني ولم أر عليها شيئاً ، فلما كان أول هذا الشهر مرضت مرضاً شديداً فأحضرت لها الأطباء حتى حصلت لها العافية فأردت أن أدخلها الحمام فقالت : إني أريد شيئاً قبل دخول الحمام لأني أشتهيه . فقلت لها : وما هو ؟ فقالت : إني أشتهي تفاحة أشمها وأعض منها عضة . فطلعت من ساعتي إلى المدينة وفتشت على التفاح ولو كانت الواحدة بدينار فلم أجده فبت تلك الليلة وأنا متفكر فلما أصبح الصباح خرجت من بيتي ودرت على البساتين واحد واحد فلم أجده فيها فصادفني خولي كبير فسألته عن التفاح فقال : يا ولدي هذا شيء قل أن يوجد لأنه معدوم ولا يوجد إلا في بستان أمير المؤمنين الذي في البصرة وهو عند خولي يدخره للخليفة . فجئت إلى زوجتي وقد حملتني محبتي إياها على أن هيأت نفسي وسافرت يوماً ليلاً ونهاراً في الذهاب والإياب وجئت لها بثلاث تفاحات إشتريتها من خولي البصرة بثلاثة دنانير ، ثم إني دخلت وناولتها إياها فلم تفرح بها بل تركتها في جانبها وكان مرض الحمى قد اشتد بها ، ولم تزل في ضعفها إلى أن مضى لها عشرة أيام وبعد ذلك عوفيت فخرجت من البيت وذهبت إلى دكاني وجلست في بيعي وشرائي . فبينما أنا جالس في وسط النهار وإذا بعبد أسود مر علي وفي يده تفاحة يلعب بها فقلت له : من أين هذه التفاحة حتى آخذ مثلها ؟ فضحك وقال : أخذتها من حبيبتي وأنا كنت غائباً وجئت فوجدتها ضعيفة وعندها ثلاث تفاحات فقالت إن زوجي الديوث سافر من شأنها إلى البصرة فاشتراها بثلاثة دنانير فأخذت منها هذه التفاحة . فلما سمعت كلام العبد يا أمير المؤمنين اسودت الدنيا في وجهي وقفلت دكاني وجئت إلى البيت وأنا فاقد العقل من شدة الغيظ فلم أجد التفاحة الثالثة فقلت لها : أين التفاحة الثالثة ؟ فقالت : لا أدري ولا أعرف أين ذهبت . فتحققت قول العبد وقمت وأخذت سكيناً وركبت على صدرها ونحرتها بالسكين وقطعت رأسها وأعضائها ووضعتها في القفة بسرعة وغطيتها بالإزار ووضعت عليها شقة بساط وأنزلتها في الصندوق وقفلته وحملتها على بغلتي ورميتها في الدجلة بيدي . فبالله عليك يا أمير المؤمنين أن تعجل بقتلي قصاصاً لها فإني خائف من مطالبتها يوم القيامة فإني لما رميتها في بحر الدجلة ولم يعلم بها أحد رجعت إلى البيت فوجدت ولدي الكبير يبكي ولم يكن له علم بما فعلت في أمه . فقلت له : ما يبكيك ؟ فقال : إني أخذت تفاحة من التفاح الذي عند أمي ونزلت بها إلى الزقاق ألعب مع إخوتي وإذا بعبد طويل خطفها مني وقال لي : من أين جاءتك هذه ؟ فقلت له : هذه سافر أبي وجاء بها من البصرة من أجل أمي وهي ضعيفة واشترى ثلاث تفاحات بثلاثة دنانير فأخذها مني وضربني وراح بها فخفت من أمي أن تضربني من شأن التفاحة . فلما سمعت كلام الولد علمت أن العبد هو الذي افترى الكلام الكذب على بنت عمي وتحققت أنها قتلت ظلماً ثم إني بكيت بكاءً شديداً وإذا بهذا الشيخ وهو عمي والدها قد أقبل فأخبرته بما كان فجلس بجانبي وبكى ولم نزل نبكي إلى نصف الليل وأقمنا العزاء خمسة أيام ولم نزل إلى هذا اليوم ونحن نتأسف على قتلها ، فبحرمة أجدادك أن تعجل بقتلي وتقتص مني . فلما سمع الخليفة كلام الشاب تعجب وقال : والله لا أقتل إلا العبد الخبيث .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 3:56 pm | |
| تكملة حكاية الحمال مع البنات وبداية حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه
الليلة العشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة اقسم أنه لا يقتل إلا العبد لأن الشاب معذور ، ثم أن الخليفة التفت إلى جعفر وقال له : أحضر لي هذا العبد الخبيث الذي كان سبباً في هذه القضية وإن لم تحضره فأنت تقتل عوضاً عنه . فنزل يبكي ويقول : من أين أحضره ولا كل مرة تسلم الجرة وليس لي في هذا الأمر حيلة والذي سلمني في الأول يسلمني في الثاني ، والله ما بقيت أخرج من بيتي ثلاثة أيام والحق سبحانه يفعل ما يشاء . ثم أقام في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أحضر القاضي وأوصى وودع أولاده وبكى وإذا برسول الخليفة أتى إليه وقال له : أن أمير المؤمنين في أشد ما يكون من الغضب وأرسلني إليك وحلف أنه لا يمر هذا النهار إلا وأنت مقتول إن لم تحضر العبد . فلما سمع جعفر هذا الكلام بكى هو وأولاده فلما فرغ من التوديع تقدم إلى بنته الصغيرة ليودعها وكان يحبها أكثر من أولاده جميعاً فضمها إلى صدره وبكى على فراقها فوجد في جيبها شيء مكببا فقال لها : ما الذي في جيبك ؟ فقالت له : يا أبت تفاحة جاء بها عبدنا ريحان ولها معي أربعة أيام وما أعطاها لي حتى أخذ مني دينارين . فلما سمع جعفر بذكر العبد والتفاحة فرح وقال : يا قريب الفرج . ثم إنه أمر بإحضار العبد فحضر فقال له : من أين هذه التفاحة ؟ فقال : يا سيدي من مدة خمسة أيام كنت ماشياً فدخلت في بعض أزقة المدينة فنظرت صغار يلعبون ومع واحد منهم هذه التفاحة فخطفتها منه وضربته فبكى وقال هذه لأمي وهي مريضة واشتهت على أبي تفاحا فسافر إلى البصرة وجاء لها بثلاث تفاحات بثلاث دنانير فأخذت هذه ألعب بها ثم بكى فلم ألتفت إليه وأخذتها وجئت بها إلى هنا فأخذتها سيدتي الصغيرة بدينارين . فلما سمع جعفر هذه القصة تعجب لكون الفتنة وقتل الصبية من عبده وأمر بسجن العبد وفرح بخلاص نفسه ثم أنشد هذين البيتين : ومن كانت دريته بعـبـد ........ فما للنفس تجعله فداهـا فإنك واجد خدماً كـثـيراً ........ ونفسك لم تجد نفساً سواها ثم أنه قبض على العبد وطلع به إلى الخليفة فأمر أن تؤرخ هذه الحكاية وتجعل سيراً بين الناس فقال له جعفر : لا تعجب يا أمير المؤمنين من هذه القصة فما هي بأعجب من حديث نور الدين مع شمس الدين أخيه . فقال الخليفة : وأي حكاية أعجب من هذه الحكاية ؟ فقال جعفر : يا أمير المؤمنين لا أحدثك إلا بشرط أن تعتق عبدي من القتل . فقال : قد وهبت لك دمه . فقال جعفر : أعلم يا أمير المؤمنين أنه كان في مصر سلطان صاحب عدل وإحسان له وزير عاقل خبير له علم بالأمور والتدبير وكان شيخاً كبيراً وله ولدان كأنهما قمران وكان الكبير شمس الدين والصغير نور الدين وكان الصغير أميز من الكبير في الحسن والجمال وليس في زمانه أحسن منه حتى أنه شاع ذكره في البلاد فكان بعض أهلها يسافر من بلاده إلى بلده لأجل رؤية جماله ، فأتفق أن والدهما مات فحزن عليه السلطان وأقبل على الولدين وقربهما وخلع عليهما وقال لهما : أنتما في مرتبة أبيكما . ففرح وقبلا الأرض بين يديه وعملا العزاء لأبيهما شهراً كاملاً ودخلا في الوزارة وكل منهما يتولاها جمعة وإذا أراد السلطان السفر يسافر مع واحد منهما ، فاتفق في ليلة من الليالي أن السلطان كان عازماً على السفر في الصباح وكانت النوبة للكبير . فبينما الأخوان يتحدثان في تلك الليلة ، إذ قال الكبير : يا أخي قصدي أن أتزوج أنا وأنت في ليلة واحدة . فقال الصغير : إفعل يا أخي ما تريد فإني موافقك على ما تقول واتفقا على ذلك . ثم أن الكبير قال لأخيه : إن قدر الله وخطبنا بنتين ودخلنا في ليلة واحدة ووضعنا في يوم واحد وأراد الله وجاءت زوجتك بغلام وجاءت زوجتي ببنت نزوجهما لبعضهما لأنهما أولاد عم . فقال نور الدين : يا أخي ما تأخذ من ولدي في مهر بنتك . قال : آخذ من ولدك في مهر بنتي ثلاثة آلاف دينار وثلاثة بساتين وثلاث ضياع فإن عقد الشاب عقده بغير هذا لا يصح . فلما سمع نور الدين هذا الكلام قال : ما هذا المهر الذي اشترطه على ولدي أما تعلم أننا إخوان ونحن الإثنان وزيران في مقام واحد وكان الواجب عليك أن تقدم ابنتك لولدي هدية من غير مهر ، فانك تعلم أن الذكر أفضل من الأنثى وولدي ذكر ويذكر به وخلاف ابنتك . فقال : ومالها ؟ قال : لا ذكر بها بين الأمراء ولكن أنت تريد أن تفعل معي على رأي الذي قال أن أردت أن تطرده فأجمل الثمن غالياً ، وقيل أن بعض الناس قدم على بعض أصحابه فقصده في حاجة فغلى عليه الثمن . فقال له شمس الدين : أراك قد قصرت لأنك تعمل إبنك أفضل من بنتي ولا شك أنك ناقص عقل وليس لك أخلاق حيث تذكر شركة الوزارة وأنا ما أدخلتك معي في الوزارة إلا شفقة عليك ولأجل أن تساعدني وتكون لي معيناً ولكن قل ما شئت وحيث صدر منك هذا القول والله لا أزوج بنتي لولدك ولو وزنت ثقلها ذهباً . فلما سمع نور الدين كلام أخيه اغتاظ وقال : وأنا لا أزوج إبني إبنتك . فقال شمس الدين : أنا لا أرضاه لها بعلاً ولو أنني أريد السفر لكنت عملت معك العبر ولكن لما أرجع من السفر يعمل الله ما يريد . فلما سمع نور الدين من أخيه ذلك الكلام امتلأ غيظا وغاب عن الدنيا وكتم ما به وبات كل واحد في ناحية . فلما أصبح الصباح برز السلطان للسفر وعدي إلى الجزيرة وقصد الأهرام وصحبه الوزير شمس الدين ، وأما أخوه نور الدين فبات في تلك الليلة في أشد ما يكون من الغيظ فلما أصبح الصباح قام وصلى الصبح وعمد إلى خزانته وأخذ منها خرجا صغيرا وملأه ذهبا وتذكر قول أخيه واحتقاره إياه وافتخاره فأنشد هذه الأبيات : سافر تجد عوضاً عمن تـفـارقه ........ وانصب فإن لذيذ العيش في النصب ما في المقام لـذي لب وذي أدب ........ معزة فاترك الأوطان واغـتـرب إني رأيت وقوف الماء يفـسـده ........ فإن جرى طاب أو لم يجر لم يطب والبدر أفول منـه مـا نـظـرت ........ إليه في كل حين عين مـرتـقـب والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت ........ والسهم لولا فراق القوس لم يصب والتبر كالتراب ملقى في أماكـنه ........ والعود في أرضه نوع من الحطب فإن تغرب هذا عـز مـطـلـبه ........ وإن أقام فلا يعلـوا إلـى رتـب فلما فرغ من شعره أمر بعض غلمانه أن يشد له بغلة زرزورية غالية سريعة المشي فشدها ووضع عليها سرجاً مذهباً بركابات هندية وعباآت من القطيفة الأصفهانية فسارت كأنها عروس مجلية وأمر أن يجعل عليها بساط حرير وسجادة وأن يوضع الخرج من تحت السجادة ثم قال للغلام والعبيد : قصدي أن أتفرج خارج المدينة وأروح نواحي القلبونية وأبيت ثلاث ليال فلا يتبعني منكم أحد فإن عندي ضيق صدر . ثم أسرع وركب البغلة وأخذ معه شيئاً قليلاً من الزاد وخرج من مصر واستقبل البر فما جاء عليه الظهر حتى دخل مدينة فليبس فنزل عن بغلته واستراح وأراح البغلة وأكل شيئاً وأخذ من فليبس ما يحتاج إليه وما يعلق به على بغلته ثم استقبل البر فما جاء عليه الظهر بعد يومين حتى دخل مدينة القدس فنزل عن بغلته واستراح وأراح بغلته وأخرج شيئاً أكله ثم وضع الخرج تحت رأسه وفرش البساط ونام في مكان والغيظ غالب عليه ، ثم أنه بات في ذلك المكان . فلما أصبح الصباح ركب وصار يسوق البغلة إلى أن وصل إلى مدينة حلب فنزل في بعض الخانات وأقام ثلاثة أيام حتى استراح وأراح البغلة وشم الهواء ثم عزم على السفر وركب بغلته وخرج مسافراً ولا يدري أين يذهب ولم يزل سائراً إلى أن وصل إلى مدينة البصرة ليلاً ولم يشعر بذلك حتى نزل في الخان وأنزل الخرج عن البغلة وفرش السجادة وأودع البغلة بعدتها عند البواب وأمره أن يسيرها فأخذها وسيرها فاتفق أن وزير البصرة كان جالس في شباك قصره فنظر إلى البغلة ونظر ما عليها من العدة المثمنة فظنها بغلة وزير من الوزراء أو ملك من الملوك ، فتأمل في ذلك وحار عقله وقال لبعض غلمانه : ائتني بهذا البواب . فذهب الغلام إلى الوزير فتقدم البواب وقبل الأرض بين يديه وكان الوزير شيخاً كبيراً ، فقال للبواب : من صاحب هذه البغلة وما صفاته ؟ فقال البواب : يا سيدي إن صاحب هذه البغلة شاب صغير ظريف الشمائل من أولاد التجار عليه هيبة ووقار . فلما سمع الوزير كلام البواب قام على قدميه وركب وسار إلى الخان ، ودخل على الشاب فلما رأى نور الدين الوزير قادماً عليه قام ولاقاه واحتضنه ونزل الوزير من فوق جواده وسلم عليه فرحب به وأجلسه عنده ، وقال له : يا ولدي من أين أقبلت وماذا تريد ؟ فقال نور الدين : يا مولاي إني قدمت من مدينة مصر ، وكان أبي وزيراً فيها وقد انتقل إلى رحمة الله وأخبره بما جرى من المبتدأ إلى المنتهى ثم قال : وعزمت على نفسي أن لا أعود أبداً حتى أنظر جميع المدن والبلدان . فلما سمع الوزير كلامه قال له : يا ولدي لا تطاوع النفس فترميك في الهلاك ، فإن البلدان خراب وأنا أخاف عليك من عواقب الزمان . ثم إنه أمر بوضع الخرج عن البغلة والبساط والسجادة ، وأخذ نور الدين معه إلى بيته وأنزله في مكان ظريف وأكرمه وأحسن إليه وأحبه حباً شديداً وقال له : يا ولدي أنا أصبحت رجلاً كبيراً ولم يكن لي ولد ذكر وقد رزقني الله بنتاً تقاربك في الحسن ومنعت عنها خطاباً كثيرة وقد وقع حبك في قلبي ، فهل لك أن تأخذ إبنتي جارية لخدمتك وتكون لها بعلاً ، فإن كنت تقبل ذلك أطلع إلى سلطان البصرة وأقول له أنه ولد أخي وأوصلك إليه ، حتى أجعلك وزيراً مكاني وألزم أنا بيتي فإني صرت رجلاً كبيراً . فلما سمع نور الدين كلام وزير البصرة أطرق برأسه ثم قال : سمعاً وطاعة . ففرح الوزير بذلك وأمر غلمانه أن يصنعوا له طعاماً وأن يزينوا قاعة الجلوس الكبيرة المعدة لحضور أكابر الأمراء ، ثم جمع أصحابه ودعا أكابر الدولة وتجار البصرة فحضروا بين يديه وقال لهم : أنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية ورزقه الله ولدين وأنا كما تعلمون رزقني الله بنتا ، وكان أخي أوصاني أن أزوج بنتي لأحد أولاده فأجبته إلى ذلك فلما استحقت الزواج أرسل إلي أحد أولاده وهو هذا الشاب الحاضر ، فلما جائني أحببت أن أكتب كتابه على بنتي ويدخل بها عندي . فقالوا : نعم ما قلت . ثم شربوا السكر ورشوا ماء الورود وانصرفوا وأما الوزير فإنه أمر غلمانه أن يأخذوا نور الدين ويدخلوا به الحمام وأعطاه الوزير بدلة من خاص ملبوسه وأرسل إليه الفوط والطاسات ومجامر البخور وما يحتاج إليه فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة تمامه ، ثم ركب بغلته ودخل على الوزير فقبل يده ، ورحب الوزير به وقال له ....
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 3:57 pm | |
| تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه
الليلة الحادية والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قام له ورحب به وقال له : قم وأدخل هذه الليلة على زوجتك وفي غد أطلع بك إلى السلطان ، وأرجوا لك من الله كل خير . فقام نور الدين ودخل على زوجته بنت الوزير . هذا ما كان من أمر نور الدين . وأما ما كان من أمر أخيه فإنه غاب مع السلطان مدة في السفر ، ثم رجع فلم يجد أخاه فسأل عنه الخدم ، فقالوا له : من يوم سافرت مع السلطان ركب بغلته بعدة الموكب ، وقال : أنا متوجه إلى جهة القيلوبية فأغيب يوماً أو يومين فإن صدري ضاق ولا يتبعني ، منكم أحد . ومن يوم خروجه إلى هذا اليوم لم نسمع له خبراً . فتشوش خاطر شمس الدين على فراق أخيه واغتم غماً شديداً لفقده وقال في نفسه ما سبب ذلك إلا أني أغلظت عليه في الحديث ليلة سفري مع السلطان فلعله تغير خاطره وخرج مسافراً فلا بد أن أرسل خلفه ثم طلع وأعلم السلطان بذلك فكتب بطاقات وأرسل بها إلى نوابه في جميع البلاد ونور الدين قطع بلاداً بعيدة في مدة غياب أخيه مع السلطان فذهبت الرسل بالمكاتيب ثم عادوا ولم يقفوا له على خبر ويئس شمس الدين من أخيه ، وقال : لقد أغظته بكلامي من جهة زواج الأولاد فليت ذلك لم يكن وما حصل ذلك إلا من قلة عقلي وعدم تدبيري . ثم بعد مدة يسيرة خطب بنت رجل من تجار مصر وكتب كتابه عليها ودخل بها وقد اتفق أن ليلة دخول شمس الدين ، على زوجته كانت ليلة دخول نور الدين على زوجته بنت وزير البصرة وذلك بإرادة الله تعالى حتى ينفذ حكمه في خلقه وكان الأمر كما قالاه فاتفق أن الزوجتين حملتا منهما وقد وضعت زوجة شمس الدين وزير مصر بنتاً لا يرى في مصر أحسن منها ، ووضعت زوجة نور الدين ولدا ذكراً لا يرى في زمانه أحسن منه كما قال الشاعر : ومهفهف يغني النديم بـريقـه ........ عن كأسه الملأى وعن أبريقه فعل المدام ولونها ومذاقـهـا ........ من مقلتيه ووجنتـيه وريقـه فسموه حسناً وفي سابع ولادته صنعوا الولائم وعملوا أسمطة لا تصلح إلا لأولاد الملوك ثم أن وزير البصرة أخذ معه نور الدين وطلع به إلى السلطان فلما صار قدامه قبل الأرض بين يديه وكان نور الدين فصيح اللسان ثابت الجنان صاحب حسن وإحسان فأنشد قول الشاعر : هذا الذي عم الأنام بعدلـه ........ وسطا فمهد سائر الآفـاق أشكر صنائعه فلسن صنائعا ........ لكنهن قـلائد الأعـنـاق وأنتم أنامله فلسن أنـامـلا ........ لكنهن مفـاتـح الأزرق فألزمها السلطان وشكر نور الدين على ما قال وقال لوزيره : من هذا الشاب ؟ فحكى له الوزير قصته من أولها إلى آخرها وقال له : هذا إبن أخي . فقال : وكيف يكون إبن أخيك ولم نسمع به ؟ فقال : يا مولانا السلطان إنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية وقد مات وخلف ولدين ، فالكبير جلس في مرتبة والده وزيراً وهذا الصغير جاء عندي وحلف أني ألا أزوج إبنتي إلا له ، فلما جاء زوجته بها وهو شاب وأنا صرت شيخاً كبيراً وقل سمعي وعجز تدبيري والقصد من مولانا السلطان أن يجعله في مرتبتي ، فإنه إبن أخي وزوج إبنتي وهو أهل للوزارة لأنه صاحب رأي وتدبير . فنظر السلطان إليه فأعجبه ، واستحسن رأي الوزير بما أشار عليه من تقديمه في رتبة الوزراء فأنعم عليه بها ، وأمر له بخلعة عظيمة ، وزاد له الجوامك والجرايات إلى أن إتسع عليه الحال وسار له مراكب تسافر من تحت يده بالمتاجر وغيرها وعمر أملاكاً كثيرة ودواليب وبساتين إلى أن بلغ عمر ولده حسن أربع سنين ، فتوفي الوزير الكبير والد زوجة نور الدين ، فأخرجه خرجة عظيمة وأوراه في التراب ثم اشتغل بعد ذلك بتربية ولده فلما بلغ أشده أحضر له فقيها يقرئه في بيته وأوصاه بتعليمه وحسن تربيته فأقرأه وعلمه فوائد في العلم بعد أن حفظ القرآن في مدة سنوات وما زال حسن يزداد جمالاً وحسناً واعتدالاً كما قال الشاعر : قمر تكامل في المحاسن وانتهى ........ فالشمس تشرق من شقائق خده ملك الجمال بأسره فكـأنـمـا ........ حسن البرية كلها من عـنـده وقد رباه الفقيه في قصر أبيه ومن حين نشأته لم يخرج من قصر الوزارة إلى أن أخذه والده الوزير نور الدين يوماً من الأيام وألبسه بدلة من أفخر ملبوسه وأركبه بغلة من خيار بغاله وطلع به إلى السلطان ودخل به عليه فنظر الملك حسن بدر الدين بن الوزير نور الدين فانبهر من حسنه ، وقال لأبيه : يا وزير لابد أنك تحضره معك في كل يوم . فقال : سمعاً وطاعة . ثم عاد الوزير بولده إلى منزله وما زال يطلع به إلى حضرة السلطان في كل يوم إلى أن بلغ الولد من العمر خمسة عشر عاما ثم ضعف والده الوزير نور الدين ، فأحضره وقال له : يا ولدي أعلم أن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء وأريد أن أوصيك وصايا فافهم ما أقول لك وأصغ قلبك إليه وصار يوصيه بحسن عشرة الناس وحسن التدبير . ثم إن نور الدين تذكر أخاه وأوطانه وبلاده وبكى على فرقة الأحباب ، وسجت دموعه وقال : يا ولدي إسمع قولي فإن لي أخاً يسمى شمس الدين ، وهو عمك ولكنه وزير بمصر قد فارقته وخرجت على غير رضاه ، والقصد أنك تأخذ دوجاً من الورق وتكتب ما أمليه عليك . فأحضر قرطاسا وصار يكتب فيه كل ما قاله أبوه فأملى عليه جميع ما جرى له من أوله إلى آخره وكتب له تاريخ زواجه ودخوله على بنت الوزير وتاريخ وصوله إلى البصرة واجتماعه بوزيرها . وكتب وصية موثقة ثم قال لولده : إحفظ هذه الوصية فإن ورقتها فيها ، أصلك وحسبك ونسبك فإن أصابك شئ من الأمور فاقصد مصر ، واستدل على عمك وسلم عليه وأعلمه أني مت غريباً مشتاقاً إليه . فأخذ حسن بدر الدين الرقعة وطواها ولف عليها خرقة مشمعة وخاطها بين البطانة والظهارة وصار يبكي على أبيه من أجل فراقه وهو صغير وما زال نور الدين يوصي ولده حسن بدر الدين حتى طلعت روحه فأقام الحزن في بيته وحزن عليه السلطان وجميع الأمراء ودفنوه ولم يزالوا في حزن مدة شهرين ، وولده لم يركب ولم يطلع الديوان ولم يقابل السلطان وأقام مكانه بعض الحجاب ، وولى السلطان وزيراً مكانه وأمره أن يختم على أماكن نور الدين وعلى عماراته وعلى أملاكه . فنزل الوزير الجديد وأخذ الحجاب وتوجهوا إلى بيت الوزير نور الدين يختمون عليه ويقبضون على ولده حسن الدين ويطلعون به إلى السلطان ليعمل فيه ما يقتضي رأيه وكان بين العسكر مملوك من مماليك الوزير نور الدين ، المتوفي فلم يهن عليه ولد سيده فذهب ذلك المملوك إلى حسن بدر الدين فوجده منكس الرأس حزين القلب على فراق والده فأعلمه بما جرى ، فقال له : هل في الأمر مهلة حتى أدخل فآخذ معي شيئا من الدنيا لأستعين به على الغربة . فقال له المملوك : أنج بنفسك . فلما سمع كلام المملوك غطى رأسه بذيله وخرج ماشياً إلى أن صار خارج المدينة فسمع الناس يقولون أن السلطان أرسل الوزير الجديد إلى بيت الوزير المتوفي ليختم على ماله وأماكنه ويقبض على ولده حسن بدر الدين ويطلع به إليه فيقتله وصارت الناس تتأسف على حسنه وجماله فلما سمع كلام الناس خرج إلى غير مقصد ولم يعلم أين يذهب . فلم يزل سائراً إلى أن ساقته المقادير إلى تربة والده فدخل المقبرة ومشى بين القبور إلى أن جلس عند قبر أبيه وأزل ذيله من فوق رأسه ، فبينما هو جالس عند تربة أبيه إذ قدم عليه يهودي من البصرة وقال : يا سيدي مالي أراك متغيراً . فقال له : إني كنت نائماً في هذه الساعة ، فرأيت أبي يعاتبني على عدم زيارتي قبره فقمت وأنا مرعوب وخفت أن يفوت النهار ولم أزره ، فيصعب علي الأمر . فقال له اليهودي : يا سيدي إن أباك كان أرسل مراكب تجارة وقدم منها البعض ومرادي أن أشتري منك وثق كل مركب قدمت بألف دينار . ثم أخرج اليهودي كيساً ممتلئا من الذهب ، وعد منه ألف دينار ودفعه إلى حسن إبن الوزير ثم قال اليهودي : إكتب لي ورقة واختمها . فأخذ حسن إبن الوزير ورقة وكتب فيها كاتب هذه الورقة حسن بدر الدين إبن الوزير نور الدين قد باع اليهودي فلان جميع وثق كل مركب ، وردت من مراكب أبيه المسافرين بألف دينار وقبض الثمن على سبيل التعجيل . فأخذ اليهودي الورقة وصار حسن يبكي ويتذكر ما كان فيه من العز والإقبال ثم دخل عليه الليل وأدركه النوم فنام عند قبر أبيه ولم يزل نائماً حتى طلع القمر فتدحرجت رأسه عن القبر ونام على ظهره وصار يلمع وجهه في القمر وكانت المقابر عامرة بالجن المؤمنين ، فخرجت جنية فنظرت وجه حسن وهو نائم فلما رأته تعجبت من حسنه وجماله وقالت : سبحان الله ما هذا الشاب إلا كأنه من الحور العين . ثم طارت إلى الجو تطوف على عادتها فرأت عفريتاً طائراً فسلمت عليه وسلم عليها فقالت له : من أين أقبلت ؟ قال : من مصر . فقالت له : هل لك أن تروح معي ، حتى تنظر إلى حسن هذا الشاب النائم في المقبرة . فقال لها : نعم . فسارا حتى نزلا في المقبرة فقالت له : هل رأيت في عمرك مثل هذا . فنظر العفريت إليه وقال : سبحان من لا شبيه له ولكن يا أختي إن أردت حدثتك بما رأيت . فقالت له : حدثني . فقال لها : إني رأيت مثل هذا الشاب في إقليم مصر وهي بنت الوزير وقد علم بها الملك فخطبها من أبيها شمس الدين ، فقال له يا مولانا السلطان أقبل عذري وارحم عبرتي فإنك تعرف أن أخي نور الدين خرج من عندنا ولا نعلم أين هو ، وكان شريكي في الوزارة وسبب خروجه أني جلست أتحدث معه في شأن الزواج فغضب مني وخرج مغضباً وحكى للملك جميع ما جرى بينهما ، ثم قال للملك فكان ذلك سبباً لغيظه وأنا حالف أن لا أزوج بنتي إلا لإبن أخي من يوم ولدتها أمها وذلك نحو ثمان عشرة سنة ومن مدة قريبة سمعت أن أخي تزوج بنت وزير البصرة وجاء منها بولد وأنا لا أزوج بنتي إلا له كرامة لأخي ، ثم إني أخرت وقت زواجي وحمل زوجتي وولادة هذه البنت وهي باسم ابن عمها والبنات كثير . فلما سمع السلطان كلام الوزير غضب غضباً شديداً ، وقال له : كيف يخطب مثلي من مثلك بنتاً فتمنعها منه وتحتج بحجة باردة وحياة رأسي لا أزوجها إلا لأقل مني برغم أنفك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 3:58 pm | |
| تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه
الليلة الثانية والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجني لما حكي للجنية حكاية بنت وزير مصر وأن الملك قد أقسم أن يزوجها رغم أنف أبيها ، بأقل منه وكان عند الملك سائس أحدب بحدبة من قدام وحدبة من وراء فأمر السلطان بإحضاره وكتب كتابه على بنت الوزير بالنهار وأمر أن يدخل عليها في هذه الليلة ، ويعمل له زفافاً وقد تركه وهو بين مماليك السلطان ، وهم حوله في أيديهم الشموع موقدة يضحكون ويسخرون منه على باب الحمام ، وأما بنت الوزير فإنها جالسة تبكي بين المنقشات والمواشط وهي أشبه الناس بهذا الشاب ، وقد حجروا على أبيها ومنعوه أن يحضرها وما رأيت يا أختي أقبح من هذا الأحدب فهي أحسن من هذا الشاب . قالت له الجنية : تكذب فإن هذا الشاب أحسن أهل زمانه . فرد عليها العفريت وقال : والله يا أختي إن الصبية أحسن من هذا ، ولكن لا يصلح لها إلا هو فإنهما مثل بعضهما ولعلهما إخوان أو أولاد عم فيا خسارتها مع هذا الأحدب . فقالت له : يا أخي دعنا ندخل تحته ونروح به إلى الصبية التي تقول عليها وننظر أيهما أحسن . فقال العفريت سمعاً وطاعة ، هذا كلام صواب وليس هناك أحسن من هذا الرأي الذي إخترتيه فأنا أحمله . ثم إنه حمله وطار به إلى الجو وصارت العفريتة في كل ركابه تحاذيه ، إلى أن نزل به في مدينة مصر وحطه على مصطبة ونبهه . فاستيقظ من النوم فلم يجد نفسه على قبر أبيه في أرض البصرة ، والتفت يميناً وشمالاً فلم يجد نفسه إلا في مدينة غير مدينة البصرة فأراد أن يصيح فغمزه العفريت وأوقد له شمعة وقال له : أعلم أني جئت بك ، وأنا أريد أن أعمل معك شيئاً لله فخذ هذه الشمعة وامش بها إلى ذلك الحمام واختلط بالناس ولا تزال ماشياً معهم حتى تصل إلى قاعة العروسة ، فاسبق وادخل القاعة ولا تخشى أحداً وإذا دخلت فقف على يمين العريس الأحدب وكل ما جاءك المواشط والمغنيات والمنقشات فحط يدك في جيبك تجده ممتلئا ذهبا فاكبش وارم لهم ولا تتوهم أنك تدخل يدك ولم تجده ممتلئا بالذهب ، فاعط كل من جاءك بالحفنة ولا تخشى من شيء وتوكل على الذي خلقك ، فما هذا بحولك وقوتك بل بحول الله وقوته . فلما سمع حسن بدر الدين من العفريت هذا الكلام ، قال : يا ترى أي شيء هذه القضية وما وجه الإحسان . ثم مشى وأوقد الشمعة ، وتوجه إلى الحمام فوجد الأحدب راكب الفرس فدخل حسن بدر الدين بين الناس وهو على تلك الحالة مع الصورة الحسنة ، وكان عليه الطربوش والعمامة والفرجية المنسوجة بالذهب وما زال ماشياً في الزينة ، وكلما وقفت المغنيات الناس ينقطوهن ، يضع يده في جيبه فيلقاها ممتلئا بالذهب فيكبش ويرمي في الطار للمغنيات والمواشط فيملأ الطار دنانير فاندهشت عقول المغنيات وتعجب الناس من حسنه وجماله ولم يزل على هذا الحال حتى وصلوا إلى بيت الوزير ، فردت الحجاب الناس ومنعوهم . فقالت المغنيات والمواشط والله لا ندخل إلا إن دخل هذا الشاب معنا لأنه غمرنا بإحسانه ولا نجلي العروسة إلا وهو حاضر ، فعند ذلك دخلوا به إلى قاعة الفرح وأجلسوه برغم أنف العريس الأحدب واصطفت جميع نساء الأمراء والوزراء والحجاب صفين وكل مرأة معها شمعة كبيرة موقدة مضيئة وكلهن ملثمات وصرن صفوفاً يميناً وشمالاً ، من تحت المنصة إلى صدر الديوان الذي عند المجلس الذي تخرج منه العروسة ، فلما نظر النساء حسن بدر الدين وما هو فيه من الحسن والجمال ، ووجهه يضيء كأنه هلال ، مالت جميع النساء إليه . فقالت المغنيات للنساء الحاضرات : اعلموا أن هذا المليح ما نقطنا إلا بذهب الأحمر فلا تقصرن في خدمته وأطعنه فيما يقول . فازدحمن النساء عليه بالشمع ونظرن إلى جماله فانبهرت عقولهن من حسنه ، وصارت كل واحدة منهن تود أن تكون في حضنه سنة أو شهراً أو ساعة ، ورفعن ما كان على وجوههن من النقاب وتحيرت منهن الألباب وقلن هنيئاً لمن كان هذا الشاب له أو عليه ثم دعون لحسن بدر الدين ودعون على ذلك الأحدب . ثم إن المغنيات ضربنا بالدفوف وأقبلت المواشط وبنت الوزير بينهن ، وقد طيبنها وعطرنها وألبسنها وحسن شعرها ونحرها بالحلى والحلل من لباس الملوك الأكاسرة ومن جملة ما عليها ثوب منقوش بالذهب الأحمر وفيه صور الوحوش والطيور وهو مسبول عليها من فوق حوائجها ، وفي عنقها عقد يساوي الألوف قد حوى كل فص من الجواهر ما حاز مثله تبع ولا قيصر وصارت العروسة كأنها البدر إذا أقمر في ليلة أربعة عشر ، ولما أقبلت كانت كأنها حورية فسبحان من خلقها بهية وأحدق بها النساء فصرن كالنجوم وهي بينهن كالقمر إذا انجلى عنه الغيم وكان حسن بدر الدين البصري جالساً والناس ينظرون إليه . فحضرت العروسة وأقبلت وتمايلت فقام إليها السائس الأحدب ، ليقبلها فأعرضت عنه وانقلبت حتى صارت قدام حسن إبن عمها فضحك الناس لما رأوها مالت إلى نحو بدر الدين وحط يده في جيبه وكبش الذهب ، ورمى في طار المغنيات ففرحوا وقالوا كنا نشتهي أن تكون هذه العروسة لك فتبسم . هذا كله والسائس الأحدب وحده كأنه قرد ، وكلما أوقدوا له الشمعة طفئت فبهت وصار قاعداً في الظلام يمقت في نفسه وهؤلاء الناس محدقون به وتلك الشموع الموقدة بهجتها ، من اعجب العجائب ، يتحير من شعاعها أولوا الألباب وأما العروسة فإنها رفعت كفيها إلى السماء ، وقالت : اللهم إجعل هذا بعلي وأرحني من هذا السائس الأحدب . وصارت المواشط تجلي العروسة إلى آخر السبع وخلع على حسن بدر الدين البصري والسائس الأحدب وحده . فلما افرغوا من ذلك أذنوا بالإنصراف فخرج جميع من كان في الفرح من النساء والأولاد ولم يبقى إلا حسن بدر الدين والسائس الأحدب ، ثم إن المواشط أدخلن العروسة ليكشفن ما عليها من الحلي ويهيئنها للعريس فعند ذلك تقدم السائس الأحدب إلى حسن بدر الدين ، وقال له : يا سيدي آنستنا في هذه الليلة وغمرتنا بإحسانك فلم لا تقوم تروح بيتك بلا مطرود . فقال : بسم الله . ثم قام وخرج من الباب فلقيه العفريت ، فقال له : قف يا بدر الدين فإذا خرج الأحدب إلى بيت الراحة ، فادخل أنت واجلس في المخدع فإذا أقبلت العروسة فقل لها أنا زوجك والملك ما عمل تلك الحيلة إلا لأنه يخاف عليك من العين ، وهذا الذي رأيته سائس من سياسنا ، ثم أقبل عليها واكشف وجهها ولا تخشى بأسا من أحد . فبينما بدر الدين يتحدث مع العفريت وإذا بالسائس دخل بيت الراحة وقعد على الكرسي فطلع له العفريت من الحوض الذي فيه الماء في صورة فأر ، فقال الأحدب : ما جاء بك هنا . فكبر الفأر ، وصار كالقط ثم كبر حتى صار كلباً فلما نظر السائس ذلك فزع وقال : إخسأ يا مشؤوم . فكبر الكلب ، وانتفخ حتى صار جحشاً فانزعج السائس وقال : إلحقوني يا أهل البيت . وإذا بالجحش قد كبر وصار قدر الجاموسة وسد عليه المكان وتكلم بكلام إبن آدم وقال : ويلك يا أحدب يا أنتن السياس . فلحق السائس البطن وقعد على الملاقي بأثوابه واشتبكت أسنانه ببعضها فقال له العفريت : هل ضاقت عليك الأرض فلا تتزوج إلا بمعشوقتي . فسكت السائس ، فقال له : رد الجواب وإلا اسكنتك التراب . فقال له : والله مالي ذنب إلا إنهم غصبوني وما عرفت أن لها عشاقاً من الجواميس ولكن أنا تائب إلى الله ثم إليك . فقال له العفريت : اقسم بالله إن خرجت في هذا الوقت ، من هذا الموضع أو تكلمت قبل أن تطلع الشمس لأقتلنك ، فإذا طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك ولا تعد إلى هذا البيت أبدا . ثم إن العفريت قبض على السائس الأحدب وقلب رأسه في الملاقي وجعلها إلى أسفل وجعل رجليه إلى فوق ، وقال له : إستمر هنا وأنا أحرسك إلى طلوع الشمس . هذا ما كان من قصة الأحدب . وأما ما كان من قصة بدر الدين البصري فإنه خلى الأحدب والعفريت يتخاصمان ودخل البيت وجلس داخل المخدع ، وإذا بالعروس أقبلت معها العجوز ، فوقفت العجوز في باب المخدع وقالت : يا أبا شهاب قم وخذ عروستك ، وقد استودعتك الله . ثم ولت العجوز ودخلت العروسة وصدر المخدع ، وكان إسمها ست الحسن وقلبها مكسور وقالت في قلبها : والله لا أمكنه من نفسي لو طلعت روحي . فلما دخلت إلى صدر المخدع نظرت بدر الدين ، فقالت : يا حبيبي وإلى هذا الوقت أنت قاعد لقد قلت في نفسي لعلك أنت والسائس الأحدب مشتركان في . فقال حسن بدر الدين : وأي شيء أوصل السائس إليك ومن أين له أن يكون شريكي فيك . فقالت : ومن زوجي أأنت أم هو ? قال حسن بدر الدين : يا سيدتي نحن ما عملنا هذا إلا سخرية به لنضحك عليه . فلما نظرت المواشط والمغنيات وأهلك حسنك البديع خافوا علينا من العين فأشتراه أبوك بعشرة دنانير حتى يصرف عنا العين وقد راح . فلما سمعت ست الحسن من بدر الدين ذلك الكلام فرحت وتبسمت وضحكت ضحكاً لطيفاً وقالت : والله أطفأت ناري فبالله خذني عندك وضمني إلى حضنك . فكشف ثوبها إلى نحرها فبان ما قدامها وورائها . فلما نظر بدر الدين صفاء جسمها تحركت فيه الشهوة فقام وحل كيس الذهب الذي كان أخذه من اليهودي ووضع فيه ألف دينار ولفه في سرواله وحطه تحت ذيلة الطراحة وقلع عمامته ووضعها على الكرسي وبقي بالقميص الرفيع وكان القميص مطرز بالذهب ، فعند ذلك قامت إليه ست الحسن وجذبته إليها وجذبها بدر الدين وعانقها فوجدها درة ما ثقبت ومطية لغيره ما ركبت ، فأزال بكارتها ، وتملى بشبابها ، فلما فرغ حسن بدر الدين وضع يده تحت رأسها وكذلك الأخرى وضعت يدها تحت رأسه ثم أنهما تعانقا وشرحا بعناقهما مضمون هذه الأبيات : زر من تحب كلام الـحـاسـد ........ ليس الحسود على الهوى بمساعد لم يخلق الرحمن أحسن منظـراً ........ من عاشقين في فـراش واحـد متعانقين عليهما حلل الـرضـا ........ متوسدين بمعصـم وبـسـاعـد وإذا تألفت القلوب على الهـوى ........ فالناس تضرب في حديـد بـارد وإذا صفى لك من زمانك واحـد ........ فهو المراد وعش بذاك الواحـد هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين وست الحسن بنت عمه . وأما ما كان من أمر العفريت فإنه قال للعفريتة : قومي وادخلي تحت الشاب ودعينا نوديه مكانه لئلا يدركنا الصبح فإن الوقت قريب . فعند ذلك تقدمت العفريتة ودخلت تحت ذيله وهو نائم وأخذته وطارت به وهو على حاله بالقميص وما زالت العفريتة طائرة به والعفريت يحاذيها فأذن الله الملائكة أن ترمي العفريت بشهاب من نار فأحترق وسلمت العفريتة فانزلت بدر الدين في موضع ما أحرق الشهاب العفريت ولم تتجاوزه به خوفاً عليه وكان بالأمر المقدر ذلك الموضع في دمشق الشام فوضعته العفريتة على باب من أبوابها وطارت . فلما طلع النهار وفتحت أبواب المدينة خرج الناس فنظروا شاباً مليحاً بالقميص والطاقية بلا عمامة وهو مما قاسى من السهر غرقان في النوم فلما رآه الناس قالوا : يا بخت من كان هذا عقده في هذه الليلة ويا ليته صبر حتى لبس حوائجه . وقال الآخر : مساكين أولاد الناس لعل هذا يكون في هذه الساعة خرج من المسكرة لبعض شغله فقوي عليه السكر فتاه عن المكان الذي كان قصده حتى وصل إلى باب المدينة فوجده مغلقاً فنام هنا . وقد خاض الناس فيه بالكلام وإذا بالهوى هب على بدر الدين فرفع ذيله من فوق بطنه فبان من تحته بطن وسره محققة وسيقان وأفخاد مثل البلور فصار الناس يتعجبون فانتبه حسن بدر الدين فوجد روحه على باب مدينة وعليها ناس فتعجب وقال : أين أنا يا جماعة الخير وما سبب اجتماعكم علي وما حكايتي معكم . فقالوا : نحن رأيناك عند أذان الصبح ملقى على هذا الباب نائماً ولا نعلم من أمرك غير هذا فأين كنت نائماً هذه الليلة ؟ فقال حسن بدر الدين : والله يا جماعة إني كنت نائماً هذه الليلة في مصر . فقال واحد : هل أنت تأكل حشيشاً . وقال بعضهم : أأنت مجنون كيف تكون بايتاً في مصر وتصبح نائماً في مدينة دمشق . فقال لهم : والله يا جماعة الخير لم أكذب عليكم أبداً وأنا كنت البارحة بالليل في ديار مصر وقبل البارحة كنت بالبصرة . فقال واحد : هذا شيء عجيب . وقال الآخر : هذا شاب مجنون . وصفقوا عليه بالكفوف وتحدث الناس مع بعضهم وقالوا : يا خسارة شبابه والله ما في جنونه خلاف . ثم إنهم قالوا له : إرجع لعقلك . فقال حسن بدر الدين : كنت البارحة عريساً في ديار مصر . فقالوا : لعلك حلمت ورأيت هذا الذي تقول في المنام . فتحير حسن في نفسه وقال لهم : والله ما هذا منام وأين السايس الأحدب الذي كان قاعداً عندنا والكيس الذهب الذي كان معي وأين ثيابي وسروالي . ثم قام ودخل المدينة ومشى في شوارعها وأسواقها فازدحمت عليه الناس وألفوه فدخل دكان طباخ وكان ذلك الطباخ رجلاً مسرفاً فتاب الله عليه من الحرام وفتح له دكان طباخ وكانوا أهل دمشق كلهم يخافون منه بسبب شدة بأسه ، فلما نظر الطباخ إلى حسن بدر الدين وشاهد حسنه وجماله وقعت في قلبه محبته فقال : من أين أنت يا فتى فاحكي لي حكايتك فإنك صرت عندي أعز من روحي . فحكى له ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى . فقال له الطباخ : يا سيدي بدر الدين أعلم أن هذا أمر عجيب وحديث غريب ولكن يا ولدي اكتم ما معك حتى يفرج الله ما بك واقعد عندي في هذا المكان وأنا ما لي ولد فأتخذك ولدي . فقال له بدر الدين : الأمر كما تريد يا عم . فعند ذلك نزل الطباخ إلى السوق واشترى لبدر الدين أقمشة مفتخرة وألبسه إياها وتوجه به إلى القاضي وأشهد على نفسه أنه ولده ، وقد اشتهر حسن بدر الدين في مدينة دمشق أنه ولد الطباخ ، وقعد عنده في الدكان يقبض الدراهم ، وقد استقر أمره عند الطباخ على هذه الحالة . هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين . وأما ما كان من أمر ست الحسن بنت عمه فإنها لما طلع الفجر وانتهت من النوم لم تجد حسن بدر الدين قاعداً عندها فاعتقدت أنه دخل المرحاض فجلست تنتظره ساعة وإذا بأبيها قد دخل عليها وهو مهموم مما جرى له من السلطان وكيف غصبه وزوج ابنته غصباً لأحد غلمانه الذي هو السايس الأحدب وقال في نفسه : سأقتل هذه البنت إن مكنت هذا الخبيث من نفسها . فمشى إلى أن وصل إلى المخدع ووقف على بابه وقال : يا ست الحسن . فقالت له : نعم يا سيدي . ثم إنها خرجت وهي تتمايل من الفرح وقبلت الأرض بين يديه وازداد وجهها نوراً وجمالاً لعناقها لذلك الغزال ، فلما نظرها أبوها وهي بتلك الحالة قال لها : يا خبيثة هل أنت فرحانة بهذا السايس . فلما سمعت ست الحسن كلام والدها تبسمت وقالت : يا الله ، يكفي ما جرى منك والناس يضحكون علي ويعايروني بهذا السياس الذي ما يجيء في إصبعي قلامة ظفر ، إن زوجي والله ما بت طول عمري ليلة أحسن من ليلة البارحة التي بتها معه ، فلا تهزأ بي وتذكر لي ذلك الأحدب . فلما سمع والدها كلامها امتزج بالغضب وازرقت عيناه وقال لها : ويلك أي هذا الكلام الذي تقولينه ، إن السايس الأحدب قد بات عندك . فقالت : بالله عليك لا تذكره لي قبحه الله وقبح أباه فلا تكثر المزاح بذكره فما كان السايس إلا مشتري بعشرة دنانير وأخذ أجرته وراح وجئت أنا ودخلت المخدع فنظرت زوجي قاعداً بعدما جلتني عليه المغنيات ونقط بالذهب الأحمر حتى أغنى الفقراء الحاضرين وقد بت في حضن زوجي الخفيف الروح صاحب العيون السود والحواجب المقرونة . فلما سمع والدها هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً وقال لها : يا فاجرة ما هذا الذي تقولينه ? أين عقلك . فقالت له : يا أبت لقد فتت كبدي لأي شيء تتغافل فهذا زوجي الذي أخذ وجهي قد دخل بيت الراحة وإني قد علقت منه . فقام والدها وهو متعجب ودخل بيت الخلاء فوجد السايس الأحدب ورأسه مغروز في الملاقي ورجلاه مرتفعة إلى فوق فبهت فيه الوزير وقال : أما هذا هو الأحدب فخاطبه فلم يرد عليه وظن الأحدب أنه العفريت .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 3:59 pm | |
| تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه
الليلة الثالثة والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد ، أن السائس الأحدب لما كلمه الوزير لم يرد عليه فصرخ عليه الوزير وقال له : تكلم وإلا أقطع رأسك بهذا السيف . لعند ذلك قال الأحدب : والله يا شيخ العفاريت من حين جعلتني في هذا الموضع ما رفعت رأسي فبالله عليك أن ترفق بي . فلما سمع الوزير كلام الأحدب قال له : ما تقول فإني أبو العروسة وما أنا عفريت . فقال : ليس عمري في يدك ولا تقدر أن تأخذ روحي فرح حال سبيلك قبل أن يأتيك الذي فعل بي هذه الفعال فأنتم لا تزوجوني إلا بمعشوقة الجواميس ومعشوقة العفاريت فلعن الله من زوجني بها ولعن من كان السبب في ذلك . فقال له الوزير : قم واخرج من هذا المكان . فقال له : هل أنا مجنون حتى أروح معك بغير إذن العفريت فإنه قال لي إذا طلعت الشمس فاخرج وروح إلى حال سبيلك فهل طلعت الشمس أو لا فإني لا اقدر أن أطلع من موضعي إلا إن طلعت الشمس . فعند ذلك قال له الوزير : من أتى بك إلى هذا المكان ؟ فقال : إني جئت البارحة إلى هنا لأقضي حاجتي وأزيل ضرورتي فإذا بفأر طلع من وسط الماء وصاح وصار يكبر حتى بقي قدر الجاموسة وقال لي كلاماً دخل في أذني فخلني وراح لعند العروسة ومن زوجني بها . فتقدم إليه الوزير وأخرجه من المرحاض فخرج وهو يجري وما صدق أن الشمس طلعت وطلع إلى السلطان وأخبره بما اتفق له مع العفريت وأما الوزير أبو العروسة فإنه دخل البيت وهو حائر العقل في أمر بنته ، فقال : يا ابنتي اكشفي لي عن خبرك . فقالت : أن الظريف الذي كنت أتجلى عليه بات عندي البارحة وأزال بكارتي وعلقت منه وإن كنت لم تصدقني فهذه عمامته بلفتها على الكرسي وسرواله تحت الفراش وفيه شيء ملفوف لم أعرف ما هو . فلما سمع والدها هذا الكلام دخل المخدع فوجد عمامة حسن بدر الدين ابن أخيه ، ففي الحال أخذها في يده وقلبها وقال : هذه عمامة وزراء إلا أنها موصلية . ثم نظر إلى الحرز مخيط في طربوشه فأخذه وفتقه وأخذ السروال فوجد الكيس الذي فيه ألف دينار ففتحه فوجد فيه ورقة فقرأها فوجد مبايعة اليهودي واسم حسن بدر الدين بن نور الدين البصري ووجد الألف دينار فلما قرأ شمس الدين الورقة صرخ صرخة وخر مغشياً عليه فلما أفاق وعلم مضمون القصة تعجب وقال : لا إله إلا الله القادر على كل شيء ، وقال : يا بنت هل تعرفين من الذي أخذ وجهك . قالت : لا . قال : إنه ابن أخي وهو ابن عمك وهذه الألف دينار مهرك فسبحان الله فليت شعري كيف اتفقت هذه القضية . ثم فتح الحرز المخيط فوجد فيه ورقة مكتوباً عليه بخط أخيه نور الدين المصري أبي حسن بدر الدين فلما نظر خط أخيه أنشد هذين البيتين : أرى آثارهم فأذوب شـوقـاً ........ وأسكب في مواطنهم دموعي وأسأل من بفرقتهم رمـانـي ........ يمن علي يوماً بالـرجـوع فلما فرغ من الشعر قرأ الحرز فوجد فيه تاريخ زواجه بنت وزير البصرة وتاريخ دخوله بها وتاريخ عمره إلى حين وفاته وتاريخ ولادة ولده حسن بدر الدين فتعجب واهتز من الطرب وقابل ما جرى لأخيه على ما جرى له فوجده سواء بسواء وزواجه وزواج الآخر موافقين تاريخياً ودخولهما بزوجتيهما متوافقاً وولادة حسن بدر الدين ابن أخيه وولادة ابنته ست الحسن متوافقين فأخذ الورقتين وطلع بهما إلى السلطان وأعلمه بما جرى من أول الأمر إلى آخره فتعجب الملك وأمر أن يؤرخ هذا الأمر في الحال ثم أقام الوزير ينظر ابن أخيه فما وقع له على خبر فقال : والله لأعملن عملاً ما سبقني إليه أحد .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:05 pm | |
| تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه
الليلة الثالثة والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد ، أن السائس الأحدب لما كلمه الوزير لم يرد عليه فصرخ عليه الوزير وقال له : تكلم وإلا أقطع رأسك بهذا السيف . لعند ذلك قال الأحدب : والله يا شيخ العفاريت من حين جعلتني في هذا الموضع ما رفعت رأسي فبالله عليك أن ترفق بي . فلما سمع الوزير كلام الأحدب قال له : ما تقول فإني أبو العروسة وما أنا عفريت . فقال : ليس عمري في يدك ولا تقدر أن تأخذ روحي فرح حال سبيلك قبل أن يأتيك الذي فعل بي هذه الفعال فأنتم لا تزوجوني إلا بمعشوقة الجواميس ومعشوقة العفاريت فلعن الله من زوجني بها ولعن من كان السبب في ذلك . فقال له الوزير : قم واخرج من هذا المكان . فقال له : هل أنا مجنون حتى أروح معك بغير إذن العفريت فإنه قال لي إذا طلعت الشمس فاخرج وروح إلى حال سبيلك فهل طلعت الشمس أو لا فإني لا اقدر أن أطلع من موضعي إلا إن طلعت الشمس . فعند ذلك قال له الوزير : من أتى بك إلى هذا المكان ؟ فقال : إني جئت البارحة إلى هنا لأقضي حاجتي وأزيل ضرورتي فإذا بفأر طلع من وسط الماء وصاح وصار يكبر حتى بقي قدر الجاموسة وقال لي كلاماً دخل في أذني فخلني وراح لعند العروسة ومن زوجني بها . فتقدم إليه الوزير وأخرجه من المرحاض فخرج وهو يجري وما صدق أن الشمس طلعت وطلع إلى السلطان وأخبره بما اتفق له مع العفريت وأما الوزير أبو العروسة فإنه دخل البيت وهو حائر العقل في أمر بنته ، فقال : يا ابنتي اكشفي لي عن خبرك . فقالت : أن الظريف الذي كنت أتجلى عليه بات عندي البارحة وأزال بكارتي وعلقت منه وإن كنت لم تصدقني فهذه عمامته بلفتها على الكرسي وسرواله تحت الفراش وفيه شيء ملفوف لم أعرف ما هو . فلما سمع والدها هذا الكلام دخل المخدع فوجد عمامة حسن بدر الدين ابن أخيه ، ففي الحال أخذها في يده وقلبها وقال : هذه عمامة وزراء إلا أنها موصلية . ثم نظر إلى الحرز مخيط في طربوشه فأخذه وفتقه وأخذ السروال فوجد الكيس الذي فيه ألف دينار ففتحه فوجد فيه ورقة فقرأها فوجد مبايعة اليهودي واسم حسن بدر الدين بن نور الدين البصري ووجد الألف دينار فلما قرأ شمس الدين الورقة صرخ صرخة وخر مغشياً عليه فلما أفاق وعلم مضمون القصة تعجب وقال : لا إله إلا الله القادر على كل شيء ، وقال : يا بنت هل تعرفين من الذي أخذ وجهك . قالت : لا . قال : إنه ابن أخي وهو ابن عمك وهذه الألف دينار مهرك فسبحان الله فليت شعري كيف اتفقت هذه القضية . ثم فتح الحرز المخيط فوجد فيه ورقة مكتوباً عليه بخط أخيه نور الدين المصري أبي حسن بدر الدين فلما نظر خط أخيه أنشد هذين البيتين : أرى آثارهم فأذوب شـوقـاً ........ وأسكب في مواطنهم دموعي وأسأل من بفرقتهم رمـانـي ........ يمن علي يوماً بالـرجـوع فلما فرغ من الشعر قرأ الحرز فوجد فيه تاريخ زواجه بنت وزير البصرة وتاريخ دخوله بها وتاريخ عمره إلى حين وفاته وتاريخ ولادة ولده حسن بدر الدين فتعجب واهتز من الطرب وقابل ما جرى لأخيه على ما جرى له فوجده سواء بسواء وزواجه وزواج الآخر موافقين تاريخياً ودخولهما بزوجتيهما متوافقاً وولادة حسن بدر الدين ابن أخيه وولادة ابنته ست الحسن متوافقين فأخذ الورقتين وطلع بهما إلى السلطان وأعلمه بما جرى من أول الأمر إلى آخره فتعجب الملك وأمر أن يؤرخ هذا الأمر في الحال ثم أقام الوزير ينظر ابن أخيه فما وقع له على خبر فقال : والله لأعملن عملاً ما سبقني إليه أحد .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:06 pm | |
| تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه
الليلة الرابعة والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير أخذ دواة وقلماً وكتب أمتعة وأن الخشخانة في موضع كذا والستارة الفلانية في موضع كذا وكتب جميع ما في البيت ، ثم طوى الكتاب وأمر بخزن جميع الأمتعة وأخذ العمامة والطربوش وأخذ معه الفرجية والكيس وحفظهما عنده وأما بنت الوزير فإنها لما كملت أشهرها ولدت ولداً مثل القمر يشبه والده من الحسن والكمال والبهاء والجمال فقطعوا سرته وكحلوا مقلته وسلموه إلى المرضعات وسموه عجيباً فصار يومه بشهر وشهره بسنة ، فلما مر عليه سبع سنين أعطاه جده لفقيه ووصاه أن يربيه ويحسن تربيته فأقام في المكتب أربع سنوات فصار يقاتل أهل المكتب ويسبهم ويقول لهم : من منكم مثلي أنا ابن وزير مصر . فقام الأولاد واجتمعوا يشكون إلى العريف ما قاسوه من عجيب . فقال لهم العريف : أنا أعلمكم شيئاً تقولونه له لما يجيء فيتوب عن المجيء للمكتب وذلك أنه إذا جاء غداً فاقعدوا حوله وقولوا لبعضكم : والله ما يلعب معنا هذه اللعبة إلا من يقول لنا على اسم أمه واسم أبيه ومن لم يعرف اسم أمه واسم أبيه فهو ابن حرام فلا يلعب معنا . فلما أصبح الصباح أتوا إلى المكتب وحضر عجيب فاختلط بالأولاد وقالوا : نحن نلعب لعبة ولكن ما يلعب إلا من يقول لنا عن اسم أمه واسم أبيه واتفقوا على ذلك ، فقال واحد منهم : اسمي ماجدي وأمي علوي وأبي عز الدين ، وقال الآخر مثل قوله والآخر كذلك إلى أن جاء الدور إلى عجيب فقال : أنا اسمي عجيب وأمي ست الحسن وأبي شمس الدين والوزير بمصر . فقالوا له : والله إن الوزير ما هو أبوك . فقال عجيب : الوزير أبي حقيقة . فعند ذلك ضحكت عليه الأولاد وصفقوا عليه وقالوا : أنت ما تعرف لك أباً فقم من عندنا فلا يلعب معنا إلا من يعرف اسم أبيه . وفي الحال تفرق الأولاد من حوله وتضاحكوا عليه فضاق صدره وأنخنق بالبكاء . فقال له العريف : هل تعتقد أن أباك جدك الوزير أبو أمك ست الحسن ، إن أباك ما تعرفه أنت ولا نحن لأن السلطان زوجها للسائس الأحدب وجاءت الجن فناموا عندها فإن لم تعرف لك أبا يجعلونك بينهم ولد زنا ألا ترى أن ابن البائع يعرف أباه ، فوزير مصر إنما هو جدك وأما أبوك فلا نعرفه نحن ولا أنت فارجع لعقلك . فلما سمع ذلك الكلام قام من ساعته ودخل على والدته ست الحسن وصار يشكو لها وهو يبكي ومنعه البكاء من الكلام ، فلما سمعت أمه كلامه وبكاءه التهب قلبها عليه وقالت له : يا ولدي ما الذي أبكاك فاحكي لي قصتك . فحكى لها ما سمعه من الأولاد ومن العريف وقال : يا والدتي من هو أبي ؟ قالت له : أبوك وزير مصر . فقال لها : ليس هو أبي فلا تكذبي علي فإن الوزير أبوك أنت لا أبي أنا . من هو أبي فإن لم تخبريني بالصحيح قتلت روحي بهذا الخنجر . فلما سمعت والدته ذكر أبيه بكت لذكر ولد عمها وتذكرت محاسن حسن بدر الدين البصري وما جرى لها معه وصرخت وكذلك ولدها وإذا بالوزير دخل . فما نظر إلى بكائها احتر قلبه وقال : ما يبكيكما ؟ فأخبرتها بما اتفق لولدها مع صغار المكتب فبكى الآخر ثم تذكر أخاه وما اتفق له معه وما اتفق لابنته ولم يعلم بما في باطن الأمر . ثم قام الوزير في الحال ومشى حتى طلع إلى الديوان ودخل على الملك وأخبره بالقصة وطلب منه الإذن بالسفر إلى الشرق ليقصد مدينة البصرة ويسأل عن ابن أخيه ، وطلب من السلطان أن يكتب له مراسيم لسائر البلاد إذا وجد ابن أخيه في أي موضع يأخذه ، ثم بكى بين يدي السلطان فرق له قلبه وكتب مراسيم لسائر الأقاليم والبلاد ففرح بذلك ودعا للسلطان وودعه ونزل في الحال وتجهز في الحال وأخذ ما يحتاج إليه وأخذ ابنته وولدها عجيباً وسافر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم حتى وصل إلى مدينة دمشق فوجدها ذات أشجار وأنهار كما قال الشاعر : من بعد يوم في دمشق وليلتـي ........ حلف الزمان بمثلها لا يغلـط بتنا وجنح الليل في غفـلانـه ........ ومن الصباح عليه فرع أشمط والظل في تلك الغصون كأنـه ........ در يصافحه النسيم فيسـقـط والطير يقرأ والغدير صحـيفة ........ والريح تكتب والغمام ينـقـط فنزل الوزير من ميدان الحصباء ونصب خيامه وقال لغلمانه نأخذ الراحة هنا يومين فدخل الغلمان المدينة لقضاء حوائجهم ، هذا يبيع وهذا يشتري وهذا يدخل الحمام وهذا يدخل جامع بني أمية الذي ما في الدنيا مثله ودخل المدينة عجيب هو وخادمه يتفرجان والخادم ينشي خلف عجيب وفي يده سوط لو ضرب به جملاً لسقط ولم يثر . فلما نظر أهل دمشق إلى عجيب وقده واعتداله وبهائه وكماله بديع الجمال وخيم الدلال الطف من نسيم الشمال وأحلى للظمآن من الماء الزلال وألذ من العافية لصاحب الاعتلال فلما رآه أهل دمشق تبعوه وصارت الخلق تجري وراءه تتبعه وتقعد في الطريق حتى يجيء عليهم وينظرونه إلى أن وقف عجيب بالأمر المقدر على دكان أبيه حسن بدر الدين الذي أجلسه فيه الطباخ الذي اعترف عند القضاة والشهود أنه ولده . فلما وقف عليه العبد في ذلك اليوم وقف معه الخدام ، فنظر حسن بدر الدين إلى ولده فأعجبه حين وجده في غابة الحسن فحن إليه فؤاده وتعلق به قلبه وكان قد طبخ حب رمان مخلي بلوز وسكر ، فأكلوا سواء فقال لهم حسن بدر الدين : أنستمونا كلوا هنيئاً مريئاً . ثم أن عجيب قال لوالده : أقعد كل معنا لعل الله يجمعنا بمن نريد . فتعجب حسن بدر الدين من كلامه ، فقال عجيب : نعم يا عم حرق قلبي بفراق الأحباب والحبيب الذي فارقني هو والدي ، وقد خرجت أنا وجدي نطوف عليه البلاد فواحسرتاه على جمع شملي به . وبكى بكاء شديداً ، وبكا والده لبكائه وتذكر فرقة الأحباب وبعده عن والده ووالدته فحن له الخادم ، وأكلوا جميعاً إلى أن اكتفوا . ثم بعد ذلك قاما وخرجا من دكان حسن بدر الدين فأحس أن روحه فارقت جسده وراحت معهم فما قدر أن يصير عنهم لحظة واحدة ، فقفل الدكان وتبعهم وهو لا يعلم أنه ولده وأسرع في مشيه حتى لحقهم قبل أن يخرجوا من الباب الكبير فالتفت الطواشي وقال له : مالك يا طباخ ؟ فقال حسن بدر الدين : لما نزلتم من عندي كأن روحي خرجت من جسمي ولي حاجة في المدينة خارج الباب فأردت أن أرافقكم حتى أقضي حاجتي وأرجع . فغضب الطواشي وقال لعجيب : أن هذه أكلة مشؤومة وصارت علينا مكرمة وهاهو تابعنا من موضع إلى موضع . فالتفت عجيب فرأى الطباخ فاغتاظ واحمر وجهه وقال للخادم : دعه يمشي في طريق المسلمين فإذا خرجنا إلى خيامنا وخرج معنا وعرفنا أنه يتبعنا نطرده . فأطرق رأسه ومشى والخادم وراءه فتبعهم حسن بدر الدين إلى ميدان الحصباء وقد قربوا من الخيام فالتفوا ورأوه خلفهم . فغضب عجيب وخاف من الطواشي أن يخبر جده فامتزج بالغضب مخافة أن يقولوا أنه دخل دكان الطباخ وأن الطباخ منعه فالتفت حتى صار عيناه في عين أبيه وقد بقي جسداً بلا روح ورأى عجيب عينه كأنها عين خائن ، وربما كان ولد زنا فازداد غضباً فأخذ حجراً وضرب به والده فوقع الحجر على جبينه فبطحه فوقع حسن بدر الدين مغشياً عليه وسال الدم على وجهه وسار عجيب هو والخادم إلى الخيام وأما حسن بدر الدين فإنه لما أفاق مسح دمه وقطع قطعة من عمامته وعصب بها رأسه ولام نفسه وقال : أنا ظلمت الصبي حيث غلقت دكاني وتبعته حتى ظن أني خائن . ثم رجع إلى الدكان واشتغل ببيع طعامه وصار مشتاقاً إلى والدته التي في البصرة ويبكي عليها ، وأنشد هذين البيتين : لا تسأل الدهر إنصافاً لتظلمـه ........ فلست فيه ترى يا صاح إنصافا خذ ما تيسر وأزوالهم نـاحـية ........ لا بد من كدر فيه وإن صافي ثم أن حسن بدر الدين استمر مشتغلاً يبيع طعامه وأما الوزير عمه فإنه أقام في دمشق ثلاثة أيام ثم رحل متوجهاً إلى حمص فدخلها ثم رحل عنها وصار يفتش في طريقه أينما حل وجهه في سيره إلى أن وصل إلى ماردين ، والموصل وديار بكر ولم يزل سائراً إلى مدينة البصرة فدخلها فلما استقر به المنزل دخل إلى سلطانها واجتمع به فاحترمه وأكرم منزله وسأله عن سبب مجيئه فأخبره بقصته وأن أخاه الوزير علي نور الدين ، فترحم عليه السلطان وقال : ايها الصاحب إنه كان وزيري وكنت أحبه كثيراً وقد مات من مدة خمسة عشر عاماً وخلف ولداً وقد فقدناه ولم نطلع له على خبر غير أن أمه عندنا لأنها بنت وزيري الكبير . فلما سمع الوزير شمس الدين من الملك أن أم ابن أخيه طيبة فرح وقال : يا ملك إني أريد أن أجتمع بها . فإذن له في الحال ، ثم أنه صار يمشي إلى أن وصل إلى قاعة زوجة أخيه أم حسن بدر الدين البصري وكانت في مدة غيبة ولدها قد لزمت البكاء والنحيب بالليل والنهار ، فلما طالت عليها المدة عملت لولدها قبراً من الرخام في وسط القاعة وصارت تبكي عليه ليلاً ونهاراً ، ولا تنام إلا عند ذلك القبر ، فلما وصل إلى مسكنها سمع حسها فوقف خلف الباب فسمعها تنشد على القبر هذين البيتين : بالله يا قبر هل زالت محاسـنـه ........ وهل تغير ذاك المنظر النضـر يا قبر لا أنت بستان ولا فـلـك ........ فكيف يجمع فيك الغصن والقمر فبينما هي كذلك وإذا بالوزير شمس الدين ، قد دخل عليها وسلم عليها وأعلمها أنه أخو زوجها وقد أخبرها بما جرى ، وكشف لها عن القصة وأن ابنها حسن بدر الدين ، بات عند ابنته ليلة كاملة ، ثم طلع عليه الصباح وقال لها إن ابنتي حملت من ولدك وولدت ولداً وهو معي وإنه ولدك وولد ولدك من أبي ، فلما سمعت خبر ولدها وأنه حي ورأت أخا زوجها قامت إليه ووقعت على قدميه وقبلتهما وأنشدت هذين البيتين : لله در مبشري بقدومـهـم ........ فلقد أتى بأطايب المسموع لو كان يقنع بالخليع وهبته ........ قلباً تقطع ساعة التـوديع ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب ليحضره ، فلما حضر قامت له جدته واعتنقته وبكت فقال لها شمس الدين : ما هذا وقت بكاء بل هذا وقت تجهزك للسفر معنا إلى ديار مصر عسى الله أن يجمع شملنا وشملك بولدك ابن أخي . فقالت : سمعاً وطاعة . ثم قامت من وقتها وجمعت جميع أمتعتها وذخائرها وجواريها وتجهزت في الحال ثم طلع الوزير شمس الدين إلى سلطان البصرة وودعه فبعث معه هدايا وتحفاً إلى سلطان مصر وسافر من وقته هو وزوجة أخيه ولم يزل سائراً حتى وصل إلى مدينة دمشق فنزل على القانون وضرب الخيام ، وقال لمن معه : إننا نقيم بدمشق جمعة إلى أن نشتري للسلطان هداياً وتحفاً . ثم قال عجيب للطواشي : يا غلام إني اشتقت إلى الفرجة فقم بنا ننزل إلى سوق دمشق ونعتبر أحوالها وننظر ما جرى لذاك الطباخ الذي كنا أكلنا طعامه وشججنا رأسه مع أنه قد كان أحسن إلينا ونحن أسأناه . فقال الطواشي : سمعاً وطاعة . ثم إن عجيباً أخرج من الخيام هو والطواشي وحركته القرابة إلى التوجه لوالده ودخل مدينة دمشق وما زالا إلى أن وصلا إلى دكان الطباخ فوجداه واقفاً في الدكان وكان ذلك قبل العصر وقد وافق الأمر أنه طبخ حب رمان فلما قربا منه ونظره عجيب حن عليه قلبه ونظر إلى أثر الضربة بالحجر في جبينه ، فقال : السلام عليك يا هذا اعلم أن خاطري عندك . فلما نظر إليه حسن بدر الدين تعلقت أحشاؤه به وخفق فؤاده عليه وأطرق برأسه إلى الأرض وأراد أن يدير لسانه في فمه ، فما قدر على ذلك ، ثم رفع رأسه إلى ولده خاضعاً متدللاً وأنشد هذه الأبيات : تمنيت من أهوى فلـمـا رأيتـه ........ ذهلت فلم أملك لساناً ولا طرفـا وأطرقت إجلالاً لـه ومـهـابة ........ وحاولت إخفاء الذي بي فلم يخف وكنت معداً للعتاب صـحـائفـاً ........ فلما اجتمعنا ما وجدت ولا حرفا ثم قال لهما : اجبرا قلبي وكلا من طعامي فو الله ما نظرت إليك أيها الغلام إلا حن قلبي إليك وما كنت تبعتك إلا وأنا بغير عقل . فقال عجيب : والله إنك محب لنا ونحن أكلنا عندك لقمة فلازمتنا عقبها ، وأردت أن تهتكنا ونحن لا نأكل لك أكلاً إلا بشرط أن تحلف أنك لا تخرج وراءنا ولا تتبعنا وإلا لا نعود إليك من وقتنا هذا ، فنحن مقيمون في هذه المدينة جمعة حتى يأخذ جدي هدايا للملك . فقال بدر الدين : لكم علي ذلك . فدخل عجيب هو والخادم في الدكان فقدم لهما زبدية ممتلئة حب رمان ، فقال عجيب : كل معنا لعل الله يفرج عنا . ففرح حسن بدر الدين وأكل معهم حتى امتلأت بطونهما وشبعا على خلاف عادتهما ، ثم انصرفا وأسرعا في مشيهما حتى وصلا إلى خيامهما ودخل عجيب على جدته أم والده حسن بدر الدين ، فقبلته وتذكرت حسن بدر الدين فتنهدت وبكت ثم أنها أنشدت هذين البيتين : لو لم أرى بأن الشمل يجـتـمـع ........ ما كان لي في حياتي بعدكم طمع أقسمت ما في فؤادي غـير حبكـم ........ والله ربي على الأسرار مطلـع ثم قالت لعجيب : يا ولدي أين كنت . قال : في مدينة دمشق . فعند ذلك قامت وقدمت له زبدية ممتلئة من حب الرمان وكان قليل الحلاوة وقالت للخادم : اقعد مع سيدك . فقال الخادم في نفسه : والله ما لنا شهية في الأكل . ثم جلس الخادم وأما عجيب فإنه لما جلس كان بطنه ممتلئاً بما أكل وشرب ، فأخذ لقمة وغمسها في حب الرمان وأكلها فوجده قليل الحلاوة لأنه شبعاناً فتضجر وقال أي شيء هذا الطعام الوحش فقالت جدته : يا ولدي أتعيب طبيخي وأنا طبخته ولا أحد يحسن الطبيخ مثلي إلا والدك حسن بدر الدين . فقال عجيب : والله يا سيدتي إن طبيخك هذا غير متقن نحن في هذه الساعة رأينا في المدينة طباخاً طبخ رمان ولكن رائحته ينفتح لها القلب ، وأما طعامه فإنه يشتهي نفس المتخوم أن يأكل وأما طعامك بالنسبة اليه فإنه لا يساوي كثيراً ولا قليلاً . فلما سمعت جدته كلامه اغتاظت غيظاً شديداً ، ونظرت إلى الخادم .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:09 pm | |
| تكملة حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه وبداية حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
الليلة الخامسة والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن جدة عجيب لما سمعت كلامه اغتاظت ونظرت إلى الخادم وقالت : ويلك هل أنت أفسدت ولدي لأنك دخلت به إلى دكاكين الطباخين . فخاف الطواشي وأنكر ، وقال : ما دخلنا الدكان ولكن جزنا جوازاً . فقال عجيب : والله لقد دخلنا وأكلنا ، وهو أحسن من طعامك . فقامت جدته وأخبرت أخا زوجها وأغرته على الخادم فحضر الخادم قدام الوزير ، فقال له : لم دخلت بولدي دكان الطباخ ؟ فخاف الخادم وقال : ما دخلنا . فقال عجيب : بل دخلنا وأكلنا من حب الرمان حتى شبعنا ، وسقانا الطباخ شراباً بثلج وسكر . فازداد غضب الوزير على الخادم وسأله فأنكر ، فقال له الوزير : إن كان كلامك صحيحاً فاقعد وكل أمامنا . فعند ذلك تقدم الخادم وأراد أن يأكل فلم يقدر ورمى اللقمة وقال : يا سيدي إني شبعان من البارحة . فعرف الوزير أنه أكل عند الطباخ فأمر الجواري أن يطرحنه فطرحنه ونزل عليه بالضرب الوجيع فاستغاث وقال : يا سيدي إني شبعان من البارحة . ثم منع عنه الضرب وقال : أنطق بالحق . فقال : اعلم أننا دخلنا دكان الطباخ وهو يطبخ حب الرمان فغرف لنا منه والله ما أكلت عمري مثله ولا رأيت أقبح من هذا الذي قدامنا . فغضبت أم حسن بدر الدين ، وقالت : لا بد أن تذهب إلى هذا الطباخ وتجيء لنا بزبدية حب الرمان من الذي عنده وتريه لسيدك حتى يقول أيهما أحسن وأطيب . فقال الخادم : نعم . ففي الحال أعطته زبدية ونصف دينار فمضى الخادم حتى وصل إلى الدكان وقال للطباخ : نحن تراهنا على طعامك في بيت سيدنا لأن هناك حب رمان طبخه أهل البيت فهات لنا بهذا النصف دينار وأدر بالك في طهيه وأتقنه فقد أكلنا الضرب الموجع على طبيخك . فضحك حسن بدر الدين وقال : والله أن هذا الطعام لا يحسنه أحد إلا أنا ووالدتي وهي الآن في بلاد بعيدة . ثم أنه عرف الزبدية وأخذها وختمها بالمسك وماء الورد فأخذها الخادم وأسرع بها حتى وصل إليهم فأخذتها والدة حسن وذاقتها ونظرت حسن طعمها فعرفت طباخها فصرخت ثم وقعت مغشياً عليها فبهت الوزير من ذلك ، ثم رشوا عليها ماء الورود بعد ساعة أفاقت وقالت : إن كان ولدي في الدنيا فما طبخ حب الرمان هذا إلا هو وهو ولدي حسن بدر الدين لا شك ولا محالة لأن هذا طعامه وما أحد يطبخه غيره إلا أنا لأني علمته طبيخه . فلما سمع الوزير كلامها فرح فرحاً شديداً ، وقال : واشوقاه إلى رؤية ابن أخي أترى تجمع الأيام شملنا وما نطلب الاجتماع به إلا من الله تعالى . ثم إن الوزير قام من وقته وساعته وصاح على الرجال الذين معه وقال : يمضي منكم عشرون رجلاً إلى دكان الطباخ ويهدمونها ويكتفونه بعمامته ويجرونه غصباً إلى مكاني من غير إيذاء يحصل له . فقالوا له : نعم . ثم إن الوزير ركب من وقته وساعته إلى دار السعادة واجتمع بنائب دمشق وأطلعه على الكتب التي معه من السلطان فوضعها على رأسه بعد تقبيلها وقال : من هو غريمك ؟ قال : رجل طباخ . ففي الحال أمر حجابه أن يذهبوا إلى دكانه فذهبوا فرأوها مهدومة وكل شيء فيها مكسور لأنه لما توجه إلى دار السعادة فعلت جماعته ما أمرهم به وصاروا منتظرين مجيء الوزير من دار السعادة وحسن بدر الدين يقول في نفسه : يا ترى أي شيء رأوا في حب الرمان حتى صار لي هذا الأمر . فلما حضر الوزير من عند نائب دمشق وقد أذن غريمه وسفره به فلما دخل الخيام طلب الطباخ فأحضروه مكتفاً بعمامته . فلما نظر حسن بدر الدين إلى عمه بكى بكاء شديداً وقال : يا مولاي ما ذنبي عندكم ؟ فقال له أنت الذي طبخت حب الرمان ؟ قال : نعم فهل وجدتم فيه شيئاً يوجب ضرب الرقبة . فقال : هذا أقل جزائك . فقال له : يا سيدي أما توقفني على ذنبي . فقال له الوزير : نعم في هذه الساعة . ثم إن الوزير صرخ على الغلمان وقال هاتوا الجمال وأخذوا حسن بدر الدين معهم وأدخلوه في صندوق وقفلوا عليه وساروا ولم يزالوا سائرين إلى أن أقبل الليل فحطوا وأكلوا شيئاً من الطعام وأخرجوا حسن بدر الدين فأطعموه وأعادوه إلى الصندوق ولم يزالوا كذلك حتى وصلوا إلى مكان فأخرجوا حسن بدر الدين من الصندوق وقال له : هل أنت طبخت حب الرمان ؟ قال : نعم يا سيدي . فقال الوزير : قيدوه . فقيدوه وأعادوه إلى الصندوق وساروا إلى أن وصلوا إلى مصر وقد نزلوا في الزيدانية فأمر بإخراج حسن بدر الدين من الصندوق وأمر بإحضار نجار وقال : اصنع لهذا لعبة خشب . فقال حسن بدر الدين : وما تصنع بها فقال أصلبك وأسمرك فيها ثم أدور بك المدينة كلها . فقال : على أي شيء تفعل بي ذلك ؟ فقال الوزير : على عدم إتقان طبيخك حب الرمان كيف طبخته وهو ناقص فلفلاً . فقال له : وهل لكونه ناقص فلفلاً تصنع معي هذا كله أما كفاك حبسي وكل يوم تطعمون بأكلة واحدة ؟ فقال له الوزير : من أجل كونه ناقصاً فلفلاً ما جزاؤك إلا القتل . فتعجب حسن بدر الدين ، وحزن على روحه وصار يتفكر في نفسه فقال له الوزير : في أي شيء تتفكر ؟ فقال له : في العقول السخيفة التي مثل عقلك فإنه لو كان عندك عقل ما كنت فعلت معي هذه الفعال لأجل نقص الفلفل . فقال له الوزير : يجب علينا أن نؤدبك حتى لا تعود لمثله . فقال حسن بدر الدين : إن الذي فعلته معي أقل شيء فيه أدبي . فقال : لابد من صلبك . وكل هذا والنجار يصلح الخشب وهو ينظر إليه ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل فأخذه عمه ووضعه في الصندوق وقال : في غد يكون صلبك . ثم صبر عليه حتى عرف أنه نام فقام وركب وأخذ الصندوق قدامه ودخل المدينة وسار إلى أن دخل بيته ثم قال لابنته ست الحسن : الحمد لله الذي جمع شملك بابن عمك قومي وافرشي البيت مثل فرشة ليلة الجلاء . فأمرت الجواري بذلك ، فقمن وأوقدن الشمع وقد أخرج الوزير الورقة التي كتب فيها أمتعة البيت ثم قرأها وأمر أن يضعوا كل شيء في مكانه حتى أن الرائي إذا رأى ذلك لا يشك في أنها ليلة الجلاء بعينها ، ثم أن الوزير أمر أن تحط عمامة حسن بدر الدين في مكانها الذي حطها فيه بيده وكذلك السروال والكيس الذي تحت الطراحة ثم أن الوزير أمر ابنته تتحف نفسها كما كانت ليلة الجلاء وتدخل المخدع وقال لها : إذا دخل عليك ابن عمك فقولي له قد أبطأت علي في دخولك بيت الجلاء ودعيه يبيت عندك وتحدثي معه إلى النهار وكتب هذا التاريخ . ثم أن الوزير أخرج بدر الدين من الصندوق بعد أن فك القيد من رجليه وخلع ما عليه من الثياب وصار بقميص النوم وهو رفيع من غير سروال . كل هذا وهو نائم لا يعرف بذلك ثم انتبه حسن بدر الدين من النوم فوجد نفسه في دهليز نير ، فقال في نفسه : هل أنا في أضغاث أحلام أو في اليقظة . ثم قام حسن بدر الدين فمشى قليلاً إلى باب ثان ونظر وغدا هو في البيت الذي انجلت فيه العروسة ، ورأى المخدع والسرير ورأى عمامته وحوائجه ، فلما نظر ذلك بهت وصار يقدم رجلاً ويؤخر أخرى وقال في نفسه : هل هذا في المنام أو في اليقظة . وصار يمسح جبينه ويقول وهو متعجب : والله إن هذا مكان العروسة التي انجلت فيه علي ، فإني كنت في صندوق . فبينما هو يخاطب نفسه وإذا بست الحسن رفعت طرف الناموسية وقالت له : يا سيدي أما تدخل فإنك أبطأت علي في بيت الجلاء . فلما سمع كلامها ونظر إلى وجهها وضحك وقال : إن هذه أضغاث أحلام . ثم دخل وتنهد وتفكر فيما جرى له وتحير في أمره وأشكلت عليه قضيته ولما رأى عمامته وسرواله والكيس الذي فيه الألف دينار ، قال : الله أعلم أني في أضغاث أحلام . وصار من فرط التعجب متحيراً ، فعند ذلك قالت له ست الحسن : مالي أراك متعجباً متحيراً ما كنت في أول الليل ? فضحك وقال : كم عام لي غائب عنك ? فقالت له : سلامتك بسم الله حواليك أنت إنما خرجت إلى بيت الراحة لتقضي حاجة وترجع فأي شيء جرى في عقلك . فلما سمع حسن بدر الدين ذلك ضحك وقال لها : صدقت ولكنني لما خرجت من عندك غلبني النوم في بيت الراحة ، فحلمت أني كنت طباخاً في دمشق وأقمت بها عشرة سنين وكأنه جاءني صغير من أولاد الأكابر ومعه خادم وحصل من أمره كذا وكذا . ثم أن حسن بدر الدين مسح بيده على جبينه فرأى أثر الضرب عليه . فقال : والله يا سيدتي كأنه حق لأنه ضربني على جبيني فشجه فكأنه في اليقظة . ثم قال : لعل هذا المنام حصل حين تعانقت أنا وأنت ونمنا ، فرأيت في المنام كأني سافرت إلى دمشق بلا طربوش ولا عمامة ولا سروال وعملت طباخاً . ثم سكت ساعة وقال : والله كأني رأيت أني طبخت حب رمان وفلفله قليل ، والله ما كأني إلا نمت في بيت الراحة فرأيت هذا كله في المنام . فقالت له ست الحسن : بالله وعليك أي شيء رأيته زيادة على ذلك ؟ فحكى لها جميع ما رآه ، ثم قال : والله لولا أني انتبهت لكانوا صلبوني على لعبة خشب . فقالت له : على أي شيء ؟ فقال : على قلة الفلفل في حب الرمان ورأيت كأنهم خربوا دكاني وكسروا مواعيني وحطوني في صندوق وجاؤوا بالنجار ليصنع لي لعبة من خشب لأنهم أرادوا صلبي عليها فالحمد لله الذي جعل ذلك كله في المنام ولم يجعله في اليقظة . فضحكت ست الحسن وضمته إلى صدرها وضمها إلى صدره ثم تذكر وقال : والله ما كأنه إلا في اليقظة فأنا ما عرفت أي شيء الخبر ولا حقيقة الحال . ثم إنه نام وهو متحير في أمره فتارة يقول رأيته في المنام وتارة يقول رأيته في اليقظة ، ولم يزل كذلك إلى الصباح ، ثم دخل عليه عمه الوزير شمس الدين فسلم عليه فنظر له حسن بدر الدين ، وقال : بالله عليك أما أنت الذي أمرت بتكتيفي وتسمير دكاني ، من شأن حب الرمان لكونه قليل الفلفل . فعند ذلك قال الوزير : اعلم يا ولدي أنه ظهر الحق وبان ما كان مختفياً ، أنت ابن أخي وما فعلت ذلك حتى تحققت أنك الذي دخلت على ابنتي تلك الليلة ، وما تحققت ذلك حتى رأيتك عرفت البيت وعرفت عمامتك وسروالك وذهبك والورقتين التي كتبتهما بخطك والتي كتبها والدك أخي فإني ما رأيتك قبل ذلك وما كنت أعرفك ، وأما أمك فإني جئت بها معي من البصرة . ثم رمى نفسه عليه وبكى فلما سمع حسن بدر الدين كلام عمه تعجب غاية العجب وعانق عمه وبكى من شدة الفرح ، ثم قال له الوزير : يا ولدي إن سبب ذلك كله ما جرى بيني وبين والدك . وحكى له جميع ما جرى بينه وبين أخيه ، وأخبره بسبب سفر والده إلى البصرة ، ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب فلما رآه والده قال : هذا الذي ضربني بالحجر . فقال الوزير : هذا ولدك . فعند ذلك رمى نفسه عليه وأنشد هذه الأبيات : ولقد بكيت على تفرق شملـنـا ........ زماناً وفاض الدمع من أجفاني ونذرت أن أجمع المهيمن شملنا ........ ما عدت أذكر فرقـة بلسانـي هجم السرور علي حتـى أنـه ........ من فرط ما قد سرني أبكانـي فلما فرغ من شعره التفتت إلى والدته وألقت روحها عليه ، وأنشدت هذين البيتين : الدهر أقسـم لا يزال مـكـدري ........ حنثت يمينك يا زمـان فـكـفـر لسعد وافى والحبيب مسـاعـدي ........ فانهض إلى داعي السرور وشمر ثم إن والدته حكت له جميع ما وقع لها بعده ، وحكى لها جميع ما قاساه فشكروا الله على جمع شملهم ببعضهم ثم أن الوزير طلع إلى السلطان وأخبره بما جرى له فتعجب وأمر أن يؤرخ ذلك في السجلات ليكون حكاية على مر الأوقات . وهذا ما كان من أمر الوزير شمس الدين وأخيه نور الدين . فقال الخليفة هارون الرشيد : والله إن هذا الشيء عجاب . ثم إن شهرزاد قالت : وما هذا بأعجب من حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع لهم . قال الملك : وما حكايتهم ؟ قالت : بلغني أيها الملك السعيد ، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الصين رجل خياط مبسوط الرزق يحب اللهو والطرب وكان يخرج هو وزوجته في بعض الأحيان يتفرجان على مرائب المنتزهات فخرجا يوماً من أول النهار ورجعا آخره إلى منزلهما عند المساء ، فوجدا في طريقهما رجل أحدب رؤيته تضحك الغضبان وتزيل الهم والأحزان فعند ذلك تقدم الخياط هو وزوجته يتقوزان عليه ثم أنهما عزما عليه أن يروح معهما إلى بيتهما لينادمهما تلك الليلة فأجابهما إلى ذلك ومشى معهما إلى البيت فخرج الخياط إلى السوق وكان الليل قد أقبل ، فاشترى سمكاً مقلياً وخبزاً وليموناً وحلاوة يتحلون بها ثم رجع وحط السمك قدام الأحدب وجلسوا يأكلون فأخذت امرأة الخياط جزلة سمك كبيرة ولقمتها للأحدب وسدت فمه بكفها وقالت : والله ما تأكلهما إلا دفعة واحدة في نفس واحد . ولم تمهله حتى يمضغها فابتلعها وكان فيها شوكة قوية فتصلبت في حلقه ، لأجل انقضاء أجله فمات .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:11 pm | |
| تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
الليلة السادسة والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن امرأة الخياط لما لقمت للأحدب جزلة السمك مات لانقضاء أجله في وقته فقال الخياط : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هذا المسكين ما كان موته إلا هكذا على أيدينا . فقالت المرأة : وما هذا التواني أما سمعت قول الشاعر : مالي أعلل نفسي يا حمال على ........ أمر يكون به هـم وأحـزان ماذا القعود على نار وما خمدت ........ إن القعود في النيران خسران فقال لها زوجها : وما أفعله ؟ قالت : قم واحمله في حضنك وانشر عليه فوطة حرير وأخرج أنا قدامك وأنت ورائي في هذه الليلة وقل هذا ولدي وهذه أمه ومرادنا أن نوديه إلى الطبيب ليداويه . فلما سمع الخياط هذا الكلام قام وحمل الأحدب في حضنه وزوجته تقول : يا ولدي سلامتك أين محل وجعك وهذا الجدري كان لك في أي مكان . فكل من رآها يقول معهما طفل مصاب بالجدري ولم يزالا سائرين وهما يسألان عن منزل الطبيب حتى دلوهما على بيت طبيب يهودي فقرعا الباب فنزلت لهما الجارية وفتحت الباب ونظرت وإذا بإنسان حامل صغير وأمه معه ، فقالت الجارية : ما خبركم ؟ فقالت امرأة الخياط : معنا صغير مرادنا أن ينظره الطبيب ، فخذي الربع دينار وأعطيه لسيدك ودعيه ينزل ليرى ولدي فقد لحقه ضعف . فطلعت الجارية ودخلت زوجة الخياط داخل العتبة وقالت لزوجها : دع الأحدب هنا ونفوز بأنفسنا . فأوقفه الخياط وخرج هو وزوجته ، وأما الجارية فإنها دخلت على اليهودي وقالت له : في أسفل البيت ضعيف مع امرأة ورجل وقد أعطياني ربع دينار لك وتصف لهما ما يوافقه . فلما رأى اليهودي الربع دينار فرح وقام عاجلاً ونزل في الظلام فأول ما نزل عثرت رجله في الأحدب وهو ميت فقال : يا للعزيز للمولى والعشر كلمات يا لهرون ويوشع بن نون كأني عثرت في هذا المريض فوقع إلى أسف فمات فكيف أخرج بقتيلي من بيتي . فحمله وطلع به من حوش البيت إلى زوجته وأعلمها بذلك فقالت له : وما قعودك هنا فإن قعدت هنا إلى طلوع النهار ، راحت أرواحنا فأنا وأنت نطلع به إلى المطبخ ونرميه في بيت جارنا المسلم فإنه رجل مباشر على مطبخ السلطان وكثيراً ما تأتي القطط في بيته وتأكل مما فيه من الأطعمة والفئران ، وإن استمر فيه ليلة تنزل عليه الكلاب من السطوح وتأكله جميعه . فطلع اليهودي وزوجته وهما حاملان الأحدب وأنزلاه بيديه ورجليه إلى الأرض وجعلاه ملاصقاً للحائط ثم نزلا وانصرفا ولم يستقر نزول الأحدب إلا والمباشر قد جاء إلى البيت في وقته ، وطلع البيت ومعه شمعة مضيئة فوجد ابن آدم واقفاً في الزاوية في جانب المطبخ . فقال ذلك المباشر : ما هذا والله إن الذي يسرق حوائجنا ما هو إلا ابن آدم فيأخذ ما وجده من لحم أو دهن ولو خبأته من القطط والكلاب ، وإن قتلت قطة الحارة وكلابها جميعاً لا يفيد لأنه ينزل من السطوح . ثم أخذ مطرقة عظيمة ووكزه بها فصار عنده ثم ضربها على صدره فوقع فوجده ميتاً فحزن وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله . وخاف على نفسه وقال : لعن الله الدهن واللحم وهذه الليلة كيف فرغت منية ذلك الرجل على يدي . ثم نظر إليه فإذا هو أحدب فقال : أما يكفي أنك أحدب ، حتى تكون حرامياً وتسرق اللحم والدهن يا ستار استرني بسترك الجميل . ثم حمله على أكتافه ونزل به من بيته في آخر الليل وما زال سائراً به إلى أول السوق ، فأوقفه بجانب دكان في رأس عطفة وتركه وانصرف وإذا بنصراني وهو سمسار السلطان ، وكان سكران فخرج يريد الحمام ، فقال له سكره أن المسيح قريب فما زال يمشي ويتمايل حتى قرب من الأحدب وجعل يريق الماء قباله فلاحت منه التفاتة ، فوجد واحداً واقفاً وكان النصراني قد خطفوا عمامته في أول الليل ، فلما رأى الأحدب واقفاً اعتقد أنه يريد خطف عمامته فطبق كفه ولكم الأحدب على رقبته فوقع على الأرض وصاح النصراني على حارس السوق ، ثم نزل على الأحدب من شدة سكره ضرباً وصار يخنقه خنقا ً. فجاء الحارس فوجد النصراني باركاً على المسلم وهو يضربه فقال الحارس : قم عنه . فقام فتقدم إليه الحارس فوجده ميتاً ، فقال : كيف يقتل النصراني مسلماً ؟ ثم قبض على النصراني وكتفه وجاء به إلى بيت الوالي والنصراني يقول في نفسه : يا مسيح .. يا عذراء كيف قتلت هذا ؟ وما أسرع ما مات في لكمة ؟ قد راحت السكرة وجاءت الفكرة . ثم أن الأحدب والنصراني باتا في بيت الوالي وأمر الوالي السياف أن ينادي عليه ونصب للنصراني خشبه وأوقفه تحتها وجاء السياف ورمى في رقبة النصراني الحبل وأراد أن يعلقه وإذا بالمباشر قد شق الناس فرأى النصراني وهو واقف تحت المشنقة ، ففسح الناس وقال للسياف : لا تفعل أنا الذي قتلته . فقال الوالي : لأي شيء قتلته ؟ قال : إني دخلت الليلة بيتي فرأيته نزل من السطح وسرق مصالحي فضربته بمطرقة على صدره فمات فحملته وجئت به إلى السوق وأوقفته في موضع كذا في عطفة كذا . ثم قال المباشر : ما كفاني أني قتلت مسلماً حتى يقتل بسببي نصراني فلا تشنق غيري . فلما سمع الوالي كلام المباشر أطلق صراح النصراني السمسار ، وقال للسياف : اشنق هذا باعترافه . فأخذ الحبل من رقبة النصراني ووضعه في رقبة المباشر وأوقفه تحت الخشبه وأراد أن يعلقه وإذا باليهودي الطبيب قد شق الناس وصاح على السياف وقال : لا تفعل فما قتله إلا أنا وذلك انه جاءني في بيتي ليداوى فنزلت إليه فتعثرت فيه برجلي فمات فلا تقتل المباشر واقتلني . فأمر أن يقتل اليهودي الطبيب فأخذ السياف الحبل من رقبة المباشر ووضعه في رقبة اليهودي الطبيب وإذا بالخياط جاء وشق الناس وقال للسياف : لا تفعل فما قتله إلا أنا وذلك أني كنت بالنهار أتفرج وجئت وقت العشاء فلقيت هذا الأحدب سكران ومعه دف وهو يغني بفرحة فوقفت أتفرج عليه وجئت به إلى بيتي واشتريت سمكاً وقعدنا نأكل فأخذت زوجتي قطعة سمك ولقمة ودستهما في فمه فزور فمات لوقته فأخذته أنا وزوجتي وجئنا به لبيت اليهودي فنزلت الجارية وفتحت لنا الباب فقلت لها قولي لسيدك أن بالباب امرأة ورجلاً ومعهما ضعيف تعال أنظره وصف له دواء وأعطيتها ربع دينار فطلعت لسيدها وأسندت الأحدب إلى جهة السلم ومضيت أنا وزوجتي فنزل اليهودي فعثر فيه فظن أنه قتله . ثم قال الخياط لليهودي : أصحيح هذا ? قال : نعم . والتفت الخياط للوالي وقال : أطلق اليهودي واشنقني . فلما سمع الوالي كلامه تعجب من أمر الأحدب وقال : إن هذا أمر يؤرخ في الكتب . ثم قال للسياف : أطلق اليهودي واشنق الخياط باعترافه . فقدمه السياف وقال : هل نقدم هذا ونؤخر هذا ولا نشنق واحداً . ثم وضع الحبل في رقبة الخياط فهذا ما كان من أمر هؤلاء . وأما ما كان من أمر الأحدب ، فقيل أنه كان مسخرة للسلطان لا يقدر أن يفارقه فلما سكر الأحدب غاب عنه تلك الليلة وثاني يوم إلى نصف النهار فسأل عنه بعض الحاضرين فقالوا له : يا مولانا طلع به الوالي وهو ميت وأمر بشنق قاتله فنزل الوالي ليشنق القاتل فحضر له ثان وثالث وكل واحد يقول ما قتله إلا أنا وكل واحد يذكر للوالي سبب قتله له . فلما سمع الملك هذا الكلام صرخ على الحاجب وقال له : انزل إلى الوالي ، وائتني بهم جميعاً . فنزل الحاجب فوجد السياف ، كاد أن يقتل الخياط فصرخ عليه الحاجب وقال : لا تفعل . واعلم الوالي أن القضية بلغت الملك ، ثم أخذه وأخذ الأحدب معه محمولاً والخياط واليهودي والنصراني والمباشر ، وطلع بالجميع إلى الملك فلما تمثل الوالي بين يديه قبل الأرض وحكى له جميع ما جرى مع الجميع فلما سمع الملك هذه الحكاية تعجب وأخذه الطرب وأمر أن يكتب ذلك بماء الذهب وقال للحاضرين : هل سمعتم مثل قصة هذا الأحدب ؟ فعند ذلك تقدم النصراني وقال : يا ملك الزمان إن أذنت لي حدثتك بشيء جرى لي وهو أعجب وأطرب من قصة الأحدب . فقال الملك : حدثنا بما عندك . فقال النصراني اعلم يا ملك الزمان أني لما دخلت تلك الديار أتيت بمتجر وأوقعني المقدور عندكم وكان مولدي بمصر وأنا من قبطها وتزينت بها وكان والدي سمساراً فلما بلغت مبلغ الرجال توفي والدي فعملت سمساراً مكانه . فبينما أنا قاعد يوماً من الأيام وإذا بشاب أحسن ما يكون وعليه أفخر ملبوس وهو راكب حماراً فلما رآني سلم علي فقمت إليه تعظيماً له فأخرج منديلاً وفيه قدر من السمسم وقال : كم يساوي الأردب من هذا ? فقلت له : مائة درهم . فقال لي : خذ التراسين والكيالين واعمد إلى خان الجوالي في باب النصر تجدني فيه . وتركني ومضى وأعطاني السمسم بمنديله الذي فيه العينة فدرت على المشترين فبلغ ثمن كل أردب مائة وعشرين درهماً ، فأخذت معي أربعة تراسين ومضيت إليه فوجدته في انتظاري فلما رآني قام إلى المخزن وفتحه فكيلناه فجاء جميع ما فيه خمسين أردباً فقال الشاب : لك في كل أردب عشرة دراهم سمسرة واقبض الثمن واحفظه عندك وقدر الثمن خمسة آلاف لك منها خمسمائة ويبقى لي أربعة آلاف وخمسمائة فإذا فرغ بيع حواصلي جئت إليك وأخذتها . فقلت له : الأمر كما تريد ثم قبلت يديه ومضيت من عنده . فحصل لي في ذلك اليوم ألف درهم وغاب عني شهرا ً، ثم جاء وقال لي : أين الدراهم ? فقلت : هاهي حاضرة ، فقال : احفظها حتى أجيء إليك فآخذها . فقعدت أنتظره فغاب عني شهراً ثم جاءني وقال لي : أين الدراهم ? فقلت : هاهي حاضرة ، فقال : أحضرها حتى أجيء إليك فآخذها . فقمت وأحضرت له الدراهم وقعدت أنتظره فغاب عني شهراً ثم جاء وقال لي : بعد هذا اليوم آخذها منك . ثم ولى فقمت وأحضرت له الدراهم وقلت له : هل لك أن تأكل عندنا شيئاً ? فأبى وقال لي : احفظ الدراهم ، حتى أمضي وأجيء فآخذها منك . ثم ولى وقعدت أنتظره فغاب عني شهراً فقلت في نفسي : إن هذا الشاب كامل السماحة ، ثم بعد الشهر جاء وعليه ثياب فاخرة فلما رأيته قبلت يديه ودعوت له وقلت له : يا سيدي أما تقبض دراهمك ? فقال : مهلاً علي حتى أفرغ من قضاء مصالحي وآخذها منك . ثم ولى فقلت في نفسي : والله إذا جاء لأضيفنه لكوني انتفعت بدراهمه وحصل لي منها مال كثير . فلما كان آخر السنة جاء وعليه بدلة أفخر من الأولى فحلفت عليه أن ينزل عندي ، ويضيفني فقال : بشرط أن ما تنفقه من مالي الذي عندك . قلت : نعم . وأجلسته ونزلت فهيئأت ما ينبغي من الأطعمة والأشربة وغير ذلك وأحضرته بين يديه وقلت له : باسم الله . فتقدم إلى المائدة ومد يده الشمال وأكل معي فتعجبت منه فلما فرغنا غسل يده وناولته ما يمسحها به وجلسنا للحديث فقلت : يا سيدي فرج عني كربة لأي شيء أكلت بيدك الشمال لعل في يدك اليمين شيئاً يؤلمك . فلما سمع كلامي أنشد هذين البتين : خليلي لا تسأل على ما بمهجـتـي ........ من اللوعة الحرى فتظهر أسقـام وما عن رضا فارقت سلمى معوضاً ........ بديلاً ولكن للـضـرورة أحـكـام ثم أخرج يده من كمه وإذا هي مقطوعة زنداً بلا كف فتعجبت من ذلك فقال لي : لا تعجب ولا تقل في خاطرك ، إني أكلت معك بيدي الشمال عجباً ولكن لقطع يدي اليمين سبب من العجب . فقلت : وما سبب ذلك ? فقال : اعلم أني من بغداد ووالدي من أكابرها ، فلما بلغت مبلغ الرجال سمعت السياحين والمسافرين والتجار يتحدثون بالديار المصرية فبقي ذلك في خاطري حتى مات والدي فأخذت أموالاً كثيرة وهيأت متجراً من قماش بغدادي وموصلي ونحو ذلك من البضائع النفيسة وحزمت ذلك وسافرت من بغداد وكتب الله السلامة لي حتى دخلت مدينتكم هذه . ثم بكى وأنشد هذه الأبيات : قد يسلم الأكمه من حفرة ........ يسقط فيها الناصر الناظر ويسلم الجاهل من لفـظة ........ يهلك فيها العالم الماهـر ويعسر المؤمن في رزقه ........ ويرزق الكافـر الفاجـر ماحيلة الإنسان ما فعلـه ........ هو الذي قدره الـقـادر فلما فرغ من شعره ، قال : فدخلت مصر وأنزلت القماش في خان سرور وفككت أحمالي وأدخلتها وأعطيت الخادم دراهم ليشتري لنا بها شيئاً نأكله ونمت قليلاً فلما قمت ذهبت بين القصرين ثم رجعت وبت ليلتي فلما اصبحت فتحت رزمة القماش وقلت في نفسي أقوم لأشق بعض الأسواق وأنظر الحال فأخذت بعض القماش وحملته لبعض غلماني وسرت حتى وصلت قيسرية جرجس فاستقبلني السماسرة وكانوا علموا بمجيئي فأخذوا مني القماش ونادوا عليه فلم يبلغ ثمنه رأس ماله فقال لي شيخ الدلالين : يا سيدي أنا أعرف لك شيئاً تستفيد منه وهو أن تعمل مثل ما عمل التجار فتبيع متجرك إلى مدة معلومة بكاتب وشاهد وصيرفي وتأخذ ما تحصل من ذلك في كل يوم خميس واثنين فتكسب الدراهم كل درهم اثنين وزيادة على ذلك تتفرج على مصر ونيلها . فقلت : هذا رأي سديد . فأخذت معي الدلالين وذهبت إلى الخان فأخذوا القماش إلى القيسرية فبعته إلى التجار وكتبت عليهم وثيقة إلى الصيرفي وأخذت عليه وثيقة بذلك ورجعت إلى الخان وأقمت أياماً كل يوم أفطر على قدح من الشراب وأحضر اللحم الضاني والحلويات حتى دخل الشهر الذي استحقت فيه الجباية فبقيت كل خميس واثنين أقعد على دكاكين التجار ويمضي الصيرفي والكاتب فيجيآن بالدراهم من التجار ويأتياني بها ، إلى أن دخلت الحمام يوماً من الأيام وخرجت إلى الخان ودخلت موضعي وأفطرت على قدح من الشراب ثم نمت وانتبهت فأكلت دجاجة وتعطرت وذهبت إلى دكان تاجر يقال له بدر الدين البستاني فلما رآني رحب بي وتحدث معي ساعة في دكانه . فبينما نحن كذلك وإذا بامرأة جاءت وقعدت بجانبي وعليها عصابة مائلة وتفوح منها روائح الطيب فسلبت عقلي بحسنها وجمالها ، ورفعت الأزرار فنظرت إلي بأحداق سود ثم سلمت على بدر الدين فرد عليها السلام ووقف وتحدث معها فلما سمعت كلامها تمكن حبها من قلبي فقالت لبدر الدين : هل عندك تفصيلة من القماش المنسوج من خالص الذهب ؟ فأخرج لها تفصيلة فقالت للتاجر : هل آخذها وأذهب ثم أرسل إليك ثمنها ? فقال لها التاجر : لا يمكن يا سيدتي لأن هذا صاحب القماش وله علي قسط . فقالت : ويلك إن عادتي أن آخذ منك كل قطعة قماش بجملة دراهم وأربحك فيها فوق ما تريد ثم أرسل إليك ثمنها . فقال : نعم ولكني مضطر إلى الثمن في هذا اليوم . فأخذت التفصيلة ورمته بها في صدره وقالت : إن طائفتكم لا تعرف لأحد قدراً . ثم قامت مولية فظننت أن روحي راحت معها ، فقمت ووقفت وقلت لها : يا سيدتي تصدقي علي بالالتفات وارجعي بخطواتك الكريمة . فرجعت وتبسمت وقالت : لأجلك رجعت . وقعدت قصادي على الدكان فقلت لبدر الدين : هذه التفصيلة كم ثمنها عليك ? قال : ألف ومائة درهم . فقلت له : ولك مائة درهم فائدة ، فهات ورقة فاكتب لك فيها ثمنها . فأخذت التفصيلة منه وكتبت له ورقة بخطي وأعطيتها التفصيلة وقلت لها : خذي أنت وروحي وإن شئت هاتي ثمنها لي في السوق ، وإن شئت هي ضيافتك مني . فقال : جزاك الله خيراً ورزقك مالي وجعلك بعلي . فتقبل الله الدعوة وقلت لها : يا سيدتي اجعلي هذه التفصيلة لك ولك أيضاً مثلها ودعيني أنظر وجهك . فكشفت القناع عن وجهها فلما نظرت وجهها أعقبتني ألف حسرة وتعلق قلبي بمحبتها فصرت لا أملك عقلي ثم رخت القناع وأخذت التفصيلة وقالت : يا سيدي لا توحشني . وقد ولت وقعدت في السوق إلى بعد العصر وأنا غائب العقل وقد تحكم الحب عندي ، فمن شدة ما حصل لي من الحب سألت التاجر عنها حين أردت القيام فقال : إن هذه صاحبة مال وهي بنت أمير ، مات والدها وخلف لها مالاً كثيرا ً. فودعته وانصرفت وجئت إلى الخان فقدم لي العشاء فتذكرتها فلم آكل شيئاً ونمت فلم يأتني نوم فسهرت إلى الصباح ثم قمت فلبست بدلة غير التي كانت علي وشربت قدحاً من الشراب وأفطرت على شيء قليل وجئت إلى دكان التاجر فسلمت عليه وجلست عنده فجاءت الصبية وعليها بدلة أفخر من الأولى ومعها جارية ، فجلست وسلمت علي دون بدر الدين وقالت لي بلسان فصيح ما سمعت أعذب ولا أحلى منه : أرسل معي من يقبض ألف والمائة درهم ثمن التفصيلة . فقلت لها : ولا شئ ? فقالت : لا أعدمناك وناولتني الثمن . وقعدت أتحدث معها فأوميت إليها بالإشارة ففهمت أني أريد وصالها ، فقامت على عجل منها واستوحشت مني وقلبي متعلق بها وخرجت أنا خارج السوق في أثرها وإذا بجارية أتتني وقالت : يا سيدي كلم سيدتي . فتعجبت لها وقلت : ما يعرفني هنا أحد . فقالت الجارية : ما أسرع مانسيتها سيدتي التي كانت اليوم على دكان التاجر فلان . فمشيت معها إلى الصيارف فلما رأتني زوتني لجانبها وقالت : يا حبيبي وقعت بخاطري وتمكن حبك من قلبي ومن ساعة رأيتك لم يطب لي نوم ولا أكل ولا شرب . فقلت لها : عندي أضعاف ذلك والحال يغني عن الشكوى . فقالت : يا حبيبي أجيء لعندك ? فقلت لها : أنا رجل غريب ومالي مكان يأويني إلا الخان فإن تصدقت علي بأن أكون عندك يكمل الحظ . قالت : نعم لكن الليلة ليلة جمعة ما فيها شيء إلا إن كان في غد بعد الصلاة فصل واركب حمارك واسأل عن الحبانية فإن وصلت فاسأل عن قاعة بركات النقيب المعروف بأبي شامة فإني ساكنة هناك ولا تبطئ فإني في انتظارك . ففرحت فرحاً زائداً ثم تفرقنا وجئت للخان الذي أنا فيه وبت طول الليل سهران فما صدقت أن الفجر لاح حتى قمت وغيرت ملبوسي وتعطرت وتطيبت وأخذت معي خمسين ديناراً في منديل ومشيت من خان مسرور إلى باب زويلة فركبت حماراً وقلت لصاحبه : امض بي إلى الحبانية . فمضى في أقل من لحظة فما أسرع ما وقف على درب يقال له درب المنقري فقلت له : ادخل الدرب واسأل عن قاعة النقيب . فغاب قليلاً وقال : أنزل . فقلت : امش قدامي إلى القاعة . فمشى حتى أوصلني إلى المنزل فقلت له : في غد تجيئني هنا وتوديني . فقال الحَمار : بسم الله . فناولته ربع دينار ذهباً فأخذه وانصرف فطرقت الباب فخرج لي بنتان صغيرتان وبكران منهدتان كأنهما قمران فقالتا : ادخل إن سيدتنا في انتظارك لم تنم الليلة لولعها بك . فدخلت قاعة مغلقة بسبعة أبواب وفي دائرها شبابيك مطلة على بستان فيه من الفواكه جميع الألوان وبه أنهار دافقة وطيور ناطقة وهي مبيضة بياضاً سلطانياً يرى الإنسان وجهه فيها وسقفها مطلي بذهب وفي دائرها طرزات مكتبة بالازورد قد حوت أوصاف حسنة وأضاءت للناظرين وأرضها مفروشة بالرخام المجزع وفي أرضها فسقية وفي أركان تلك الفسقية الدر والجوهر مفروشة بالبسط الحرير الملونة والمراتب ، فلما دخلت جلست .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:12 pm | |
| تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
الليلة السابعة والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب التاجر قال للنصراني : فلما دخلت وجلست لم أشعر إلا والصبية قد أقبلت وعليها تاج مكلل بالدر والجوهر وهي منقشة مخططة فلما رأتني تبسمت في وجهي وحضنتني ووضعتني على صدرها وجعلت فمها على فمي وأنا كذلك وقالت : أصحيح أتيت عندي أم هذا منام ? فقلت لها : أنا عبدك . فقالت : أهلاً ومرحباً ، والله من يوم رأيتك ما لذني نوم ولا طاب لي طعام . فقلت : وأنا كذلك . ثم جلسنا نتحدث وأنا مطرق برأسي إلى الأرض حياء ولم أمكث قليلاً حتى قدمت لي سفرة من أفخر الألوان من محمر ومرق دجاج محشو فأكلت معها حتى اكتفينا ثم قدموا إلى الطشط والإبريق فغسلت يدي ثم تطيبنا بماء الورد والمسك ، وجلسنا نتحدث فأنشدت هذين البيتين : لو علمنا بقدومكم لفـرشـنـا ........ مهجة القلب مع سواد العيون ووضعنا حدودنا لـلـقـاكـم ........ وجعلنا المسير فوق الجفـون وهي تشكو إلي ما لاقت وأنا أشكو إليها ما لقيت وتمكن حبها عندي وهان علي جميع المال ، ثم أخذنا نلعب ونتهارش مع العناق والتقبيل إلى أن أقبل الليل فقدمت لنا الجواري الطعام والمدام فإذا هي خضرة كاملة فشربنا إلى نصف الليل ثم نمنا فنمت معها إلى الصباح فما رأيت عمري مثل هذه الليلة . فلما أصبح الصباح قمت ورميت لها تحت الفراش المنديل الذي فيه الدنانير وودعتها وخرجت فبكت وقالت : يا سيدي متى أرى هذا الوجه المليح ? فقلت لها : أكون عندك وقت العشاء . فلما خرجت أصبت الحَمار الذي جاء بي بالأمس على الباب ينتظرني فركبت معه حتى وصلت خان مسرور فنزلت وأعطيت الحمار نصف دينار وقلت له : تعالى في وقت الغروب . قال : على الرأس . فدخلت الخان وأفطرت ثم خرجت أطالب بثمن القماش ، ثم رجعت وقد عملت لها خروفاً مشوياً وأخذت حلاوة ثم دعوت الحمال ووصفت له المحل وأعطيته أجرته ورجعت في أشغالي إلى الغروب فجاءني الحَمار فأخذت خمسين ديناراً وجعلتها في منديل ودخلت فوجدتهم مسحوا الرخام وحلوا النحاس وعمروا القناديل وأوقدوا الشموع وغرفوا الطعام وروقوا الشراب . فلما رأتني رمت يديها على رقبتي وقالت : أوحشتني . ثم قدمت الموائد فأكلنا حتى اكتفينا ورفعت الجواري المائدة وقدمت المدام ، فلم نزل في شراب وتقبيل وحظ إلى نصف الليل فنمنا إلى الصباح ثم قمت وناولتها الخمسين ديناراً على العادة وخرجت من عندها فوجدت الحَمار فركبت إلى الخان فنمت ساعة ثم قمت جهزت العشاء فعملت جوزاً ولوزاً وتحتهم أرز مفلفل وعملت قلقاساً مقلياً ونحو ذلك وأخذت فاكهة نقلاً ومسوماً وأرسلتها وسرت إلى البيت وأخذت خمسين ديناراً في منديل وخرجت فركبت مع الحَمار على العادة إلى القاعة فدخلت ثم أكلنا وشربنا وبتنا إلى الصباح ، ولما قمت رميت لها المنديل وركبت إلى الخان على العادة ، ولم أزل على تلك الحالة مدة إلى أن بت لا أملك درهماً ولا دينار ، فقلت في نفسي هذا من فعل الشيطان وأنشدت هذه الأبيات : فقر الـفـتـى يذهـب أنـواره ........ مثل اصفرار الشمس عند المغيب إن غاب لا يذكـر بـين الـورى ........ وإن أتى فما له مـن نـصـيب يمر في الأسواق مسـتـخـفـياً ........ وفي الفلا يبكي بدمع صـبـيب والله ما الإنـسـان مـن أهـلـه ........ إذا ابتلى بالـفـقـر إلا غـريب ثم تمشيت إلى أن وصلت بين القصرين ولا زلت أمشي حتى وصلت إلى باب زويلة فوجدت الخلق في ازدحام والباب منسد من كثرة الخلق فرأيت بالأمر المقدر جندياً فزاحمته بغير اختياري ، فجاءت يدي على جيبه فجسيته فوجدت فيه صرة من داخل الجيب الذي يدي عليه فعمدت إلى تلك الصرة فأخذتها من جيبه فأحس الجندي بأن جيبه خف فحط يده في جيبه فلم يجد شيئاً والتفت نحوي ورفع يده بالدبوس وضربني على رأسي فسقطت إلى الأرض فأحاط الناس بنا وأمسكوا لجام فرس الجندي وقالوا : أمن أجل الرحمة تضرب هذا الشاب هذه الضربة ? فصرخ عليهم الجندي وقال : هذا حرامي سارق . فعند ذلك أفقت ورأيت الناس يقولون : هذا الشاب مليح لم يأخذ شيئاً . فبعضهم يصدق وبعضهم يكذب وكثر القيل والقال وجذبني الناس وأرادوا خلاصي منه فبأمر المقدر جاء الوالي هو وبعض الحكام في هذا الوقت ودخلوا من الباب فوجدوا الخلق مجتمعين علي وعلى الجندي ، فقال الوالي : ما الخبر ? فقال الجندي : والله يا أمير المؤمنين إن هذا حرامي وكان في جيبي كيس أزرق فيه عشرون ديناراً فأخذه وأنا في الزحام . فقال الوالي للجندي : هل كان معك أحد ? فقال الجندي : لا . فصرخ الوالي على المقدم وقال : أمسكه وفتشه . فأمسكني وقد زال الستر عني فقال له الوالي : أعره من جميع ما عليه . فلما أعراني وجدوا الكيس في ثيابي فلما وجدوا الكيس أخذه الوالي وفتحه وعده فرأى فيه عشرين ديناراً كما قال الجندي . فغضب الوالي وصاح على أتباعه وقال : قدموه . فقدموني بين يديه فقال : يا صبي قل الحق هل أنت سرقت هذا الكيس ? فأطرقت برأسي إلى الأرض وقلت في نفسي : إن قلت ما سرقته فقد أخرجه من ثيابي وإن قلت سرقته وقعت في العناء ثم رفعت رأسي وقلت : نعم أخذته . فلما سمع مني الوالي هذا الكلام تعجب ودعا الشهود فحضروا وشهدوا على منطقي هذا كله في باب زويلة فأمر الوالي السياف بقطع يدي فقطع يدي اليمنى فرق قلب الجنيد وشفع في عدم قتلي وتركني الوالي ومضى وصارت الناس حولي وسقوني قدح شراب وأما الجندي فإنه أعطاني الكيس وقال : أنت شاب مليح ولا ينبغي أن تكون لصاً . فأخذته منه وأنشدت هذه الأبيات : والله ما كنت لصاً يا أخا ثـقة ........ ولم أكن سارقاً يا أحسن الناس ولكن رمتني صروف الدهر عن عجل ........ فزاد همي ووسـواس إفلاسي وما رمـيت ولـكـن الإلـه رمى ........ سهماً فطير تاج الملك عن رأسي فتركني الجندي وانصرف بعد أن أعطاني الكيس وانصرفت أنا ولقيت يدي في خرقة وأدخلتها عني وقد تغيرت حالتي واصفر لوني مما جرى لي فتمشيت إلى القاعة وأنا على غير استواء ورميت روحي على الفراش فنظرتني الصبية متغير اللون فقالت لي : ما وجعك وما لي أرى حالتك تغيرت ? فقلت له : رأسي توجعني وما أنا طيب . فعند ذلك اغتاظت وتشوشت لأجلي وقالت : لا تحرق قلبي يا سيدي ، اقعد وارفع رأسك وحدثني بما حصل لك اليوم فقد بان لي في وجهك كلام . فقلت : دعيني من الكلام . فبكت وصارت تحدثني وأنا لا أجيبها حتى أقبل الليل فقدمت لي الطعام فامتنعت وخشيت أن تراني آكل بيدي الشمال فقلت : لا أشتهي أن آكل في مثل هذه الساعة . فقالت : حدثني بما جرى لك في هذا اليوم ولأي شيء أراك مهموماً مكسور الخاطر والقلب ? فقلت : في هذه الساعة أحدثك على مهلي . فقدمت لي الشراب وقالت : دونك فإنه يزيل همك فلا بد أن تشرب وتحدثني بخبرك . فقلت لها : إن كان ولابد فاسقيني بيدك فملأت القدح وشربته وملأته وناولتني إياه فتناولته منها بيدي الشمال وفرت الدمعة من جفني فأنشدت هذه الأبيات : إذا أراد الله أمـراً لأمـرئ ........ وكان ذا عقل وسمع وبصر أصم أذنيه وأعمى قـلـبـه ........ وسل منه عقله سل الشعر حتى إذا أنفذ فيه حكـمـه ........ رد إليه عقله لـيعـتـبـر فلما فرغت من شعري تناولت القدح بيدي الشمال وبكيت ، فلما رأتني أبكي صرخت صرخة قوية وقالت : ما سبب بكائك ، قد أحرقت قلبي وما لك تناولت القدح بيدك الشمال ? فقلت لها : إن بيدي حبة . فقالت : أخرجها حتى أفقعها لك . فقلت : ما هو وقت فقعها لا تطيلي علي فما أخرجها في تلك الساعة . ثم شربت القدح ولم تزل تسقيني حتى غلب السكر علي فنمت مكاني فأبصرت يدي بلا كف ففتشتني فرأت معي الكيس الذي فيه الذهب ، فدخل عليها الحزن ما لا يدخل على أحد ولا زالت تتألم بسببي إلى الصباح فلما أفقت من النوم وجدتها هيأت لي مسلوقة وقدمتها فإذا هي أربعة من طيور الدجاج ، وأسقتني قدح شراب فأكلت وشربت وحطيت الكيس وأردت الخروج فقالت : أين تروح ? فقلت : إلى مكان كذا لأزحزح بعض الهم عن قلبي . فقالت : لا تروح بل اجلس . فجلست فقالت لي : وهل بلغت محبتك إياي إلى أن صرفت جميع مالك علي وعدمت كفك فأشهدك علي والشاهد الله أني لا أفارقك وسترى صحة قولي ولعل الله استجاب دعوتي بزواجك . وأرسلت خلف الشهود فحضروا فقالت لهم : اكتبوا كتابي على هذا الشاب واشهدوا أني قبضت المهر . فكتبوا كتابي عليها ثم قالت : اشهدوا أن جميع مالي الذي في هذا الصندوق وجميع ما عندي من المماليك والجواري لهذا الشاب . فشهدوا عليها وقبلت أنا التمليك وانصرفوا بعدما أخذوا الأجرة . ثم أخذتني من يدي وأوقفتني على خزانة وفتحت صندوقاً كبيراً وقالت لي : انظر هذا الذي في الصندوق . فنظرت فإذا هو ملآن مناديل ، فقالت : هذا مالك الذي أخذته منك فكلما أعطيتني منديلاً فيه خمسون ديناراً ألقه وأرميه في هذا الصندوق فخذ مالك فقد رده الله عليك وأنت اليوم عزيز فقد جرى عليك القضاء بسببي حتى عدمت يمينك وأنا لا أقدر على مكافأتك ولو بذلت روحي لكان ذلك قليلاً ولك الفضل . ثم قالت لي : تسلم مالك . فتسلمته ثم نقلت ما في صندوقها إلى صندوقي وضمت مالها إلى مالي الذي كنت أعطيتها إياه وفرح قلبي وزال هي فقمت فقبلتها وسكرت معها فقالت : لقد بذلت جميع مالك ويدك في محبتي فكيف أقدر على مكافأتك والله لو بذلت روحي في محبتك لكان ذلك قليل وما أقوم بواجب حقك علي . ثم إنها كتبت لي جميع ما تملك من ثياب بدنها وصيغتها وأملاكها ، بحجة وما نامت تلك الليلة إلا مهمومة من أجلي حين حكيت لها ما وقع لي وبت معها . ثم أقمنا على ذلك أقل من شهر وقوي بها الضعف ، وزاد بها المرض وما مكثت غير خمسين يوماً ثم صارت من أهل الآخرة فجهزتها وواريتها في التراب وعملت لها ختمات وتصدقت عليها بجملة من المال ، ثم نزلت من التربة فرأيت لها مالاً جزيلاً وأملاكاً وعقارات ، ومن جملة ذلك تلك المخازن السمسم التي بعت لك منها ذلك المخزن وما كان اشتغالي عنك هذه المدة إلا لأني بعت بقية الحواصل وإلى الآن لم أفرغ من قبض الثمن فأرجو منك أنك لا تخالفني فيما أقوله لك لأني أكلت زادك فقد وهبتك ثمن السمسم الذي عندك ، فهذا سبب أكلي بيدي الشمال . فقلت له : لقد أحسنت إلي وتفضلت علي . فقال لي : لا بد أن تسافر معي إلى بلادي فإني اشتريت متجراً مصرياً واسكندرانياً فهل لك في مصاحبتي ? فقلت : نعم . وواعدته على رأس الشهر ثم بعت جميع ما أملك واشتريت به متجراً وسافرت أنا وذلك الشاب إلى هذه البلاد التي هي بلادكم فباع الشاب متجره واشترى متجراً عوضه من بلادكم ومضى إلى الديار المصرية فكان نصيبي من قعودي هذه الليلة حتى حصل من غربتي فهذا يا ملك الزمان ما هو أعجب من حديث الأحدب . فقال الملك : لا بد من شنقكم كلكم .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:13 pm | |
| تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
الليلة الثامنة والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن ملك الصين لما قال : لا بد من شنقكم . فعند ذلك تقدم المباشر إلى ملك الصين وقال : إن أذنت لي حكيت لك حكاية وقعت لي في تلك المدة قبل أن أجد هذا الأحدب وإن كانت أحب من حديثه تهب لنا أرواحنا . فقال الملك : هات ما عندك . فقال : اعلم أني كنت تلك الليلة الماضية عند جماعة عملوا ختمة وجمعوا الفقهاء فلما قرأوا المقرؤون وفرغوا مدوا السماط فمن جملة ما قدموا زرباجة فقدمنا لنأكل الزرباجة فتأخر واحد منا وامتنع عن الأكل منها فحلفنا عليه فأقسم أنه لا يأكل منها فشددنا عليه فقال : لا تشددوا على فكفاني ما جرى لي من أكلها فأنشدت هذا البيت : إذا صديق أنكرت جانـبـه ........ لم تعيني على فراقه الحيل فلما فرغنا قلنا له : بالله ما سبب امتناعك عن الأكل من هذه الزرباجة ? فقال : لأني لا آكل منها غلا إن غسلت يدي مائة وعشرون مرة . فعند ذلك أمر صاحب الدعوى غلمانه فأتوا بالماء الذي طلبه فغسل يديه كما ذكر ، ثم تقدم وهو متكره وجلس ومد يده وهو مثل الخائف ووضع يده في الزرباجة وصار يأكل وهو متغصب ونحن نتعجب منه غاية التعجب ويده ترتعد فنصب إبهام يده فإذا هو مقطوع وهو يأكل بأربعة أصابع فقلنا له : بالله عليك ما لإبهامك هكذا أهو خلقة الله أم أصابه حادث ? فقال : يا إخواني أهو هذا الإبهام وحده ولكن إبهام الأخرى وكذلك رجلاي الاثنين ولكن انظروا . ثم كشف إبهام يده الأخرى فوجدناها مثل اليمين وكذلك رجلاه بلا إبهامين . فلما رأيناه كذلك ازددنا عجباً وقلنا له : ما بقي لنا صبر على حديثك ، والأخبار بسبب قطع إبهامي يديك ورجليك وسبب غسل يديك ، مائة وعشرون مرة . فقال : اعلموا أن والدي كان تاجر من التجار الكبار وكان أكبر تجار مدينة بغداد في أيام الخليفة هارون الرشيد وكان مولعاً بشرب الخمر وسماع العود فلما مات لم يترك شيئاً فجهزته ، وقد عملت له ختمات وحزنت عليه أياماً وليالي ثم فتحت دكانه فما وجدته خلف إلا يسيراً ووجدت عليه ديوناً كثيرة فصبرت أصحاب الديون وطيبت خواطرهم وصرت أبيع وأشتري وأعطي من الجمعة أصحاب الديون ولا زلت على هذه الحالة إلى أن وفيت الديون وزدت على رأس مالي . فبينما أنا جالس يوماً من الأيام إذا رأيت صبية لم تر عيني أحسن منها عليها حلي وحلل فاخرة وهي راكبة بغلة وقدامها عبد وورائها عبد فأوقفت البغلة على رأس السوق ودخلت ورائها خادم ، وقال : يا سيدتي اخرجي ولا تعلمي أحداً فتطلقي فينا النار . ثم حجبها الخادم فلما نظرت إلى دكاكين التجار لم تجد أفخر من دكاني ، فلما وصلت إلى جهتي والخادم خلفها وصلت إلى دكاني وسلمت علي فما وجدت أحسن من حديثها ولا أعذب من كلامها ، ثم كشفت عن وجهها فنظرتها نظرة أعقبتني ألف حسرة وتعلق قلبي بمحبتها ، وجعلت أكرر النظر إلى وجهها وأنشد : جودي علي بزورة أحيا بـهـا ........ ها قد مددت إلى نوالك راحتي فلما سمعت إنشادي أجابتني بهذه الأبيات : عدمت فؤادي في الهوى أن سلاكم ........ فإن فـؤادي لا يحـب سـواكـم وإن نظرت عيني إلى غير حسنكم ........ فلا سرها بعد العبـاد لـقـاكـم حلفت يميناً لست أسلـوا هـواكـم ........ وقلبي حزين مغـرم بـهـواكـم سقاني الهوى كأساً من الحب صافياً ........ فيا ليته لما سقـاني سـقـاكـم خذوا رمقي حيث استقرت بكم نوى ........ وأين حللتم فادفنـوني حـداكـم وإن تذكروا اسمي عند قبري يجيبكم ........ أنين عظامي عند رفـع نـداكـم فلو قيل لي ماذا على الله تشتهـي ........ لقلت رضا الرحمن ثم رضـاكـم فلما فرغت من شعرها قالت : يا فتى أعندك تفاصيل ملاح ? فقلت : يا سيدتي مملوكك فقير ، ولكن اصبري حتى تفتح التجار دكاكينهم وأجيء لك بما تريدينه . ثم تحدثت أنا وإياها وأنا غارق في بحر محبتها تائه في عشقها ، حتى فتحت التجار دكاكينهم فقمت وأخذت لها جميع ما طلبته ، وكان ثمن ذلك خمسة آلاف درهم وناولت الخادم جميع ذلك فأخذه الخادم وذهبا إلى خارج السوق فقدموا لها البغلة فركبت ولم تذكر لي من أين هي واستحيت أن أذكر لها ذلك والتزمت الثمن للتجار ، وتكلفت خمسة آلاف درهم وجئت البيت وأنا سكران من محبتها ، فقدموا لي العشاء لأكلت لقمة وتذكرت حسنها وجمالها فأشغلني عن الأكل ، وأردت أن أنام فلم يجيئني نوم ولم أزل على هذه الحالة أسبوعاً وطالبتني التجار بأموالهم فصبرتهم أسبوعاً آخر ، فبعد الأسبوع أقبلت وهي على البغلة ومعها خادم وعبدان ، فلما رأيتها زال عني الفكر ونسيت ما كنت فيه وأقبلت تحدثني بحديثها الحسن ثم قالت : هات الميزان وزن مالك . فأعطتني ثمن ما أخذته بزيادة ، ثم انبسطت معي في الكلام فكدت أن أموت فرحاً وسروراً ثم قالت لي : هل لك أنت زوجة ? فقلت : لا ، إني لا أعرف امرأة . ثم بكيت فقالت لي : مالك تبكي ? فقلت : من شيء خطر ببالي . ثم أني أخذت بعض دنانير وأعطيتها للخادم وسألته أن يتوسط في الأمر فضحك وقال : هي عاشقة لك أكثر منك وما لها بالقماش حاجة وإنما هي لأجل محبتها لك فخاطبها بما تريد فإنها لا تخالفك فيما تقول . فرأتني وأنا أعطي الخادم الدنانير فرجعت وجلست ثم قلت لها : تصدقي على مملوكك واسمحي له فيما يقول . ثم حدثتها بما في خاطري فأعجبها ذلك وأجابتني وقالت : هذا الخادم يأتي برسالتي واعمل أنت بما يقول لك الخادم . ثم قامت ومضت وقمت وسلمت التجار أموالهم وحصل لهم الربح ، إلا أنا فإنها حين ذهبت حصل لي الندم من انقطاع خبرها عني ولم أنم طول الليل . فما كان إلا أيام قلائل وجاءني خادمها فأكرمته وسألته عنها ، فقال : إنها مريضة . فقلت للخادم : اشرح لي أمرها . قال : إن هذه الصبية ربتها السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد وهي من جواريها ، وقد اشتهت على سيدتها الخروج والدخول فأذنت لها في ذلك فصارت تدخل وتخرج حتى صارت قهرمانة ، ثم أنها حدثت بك سيدتها وسألتها أن تزوجها بك ، فقالت سيدتها : لا أفعل حتى أنظر هذا الشاب فإن كان يشبهك زوجتك به ونحن نريد في هذه الساعة أن ندخل بك الدار فإن دخلت ولم يشعر بك أحد وصلت تزويجك إياها وإن انكشف أمرك ضربت رقبتك فماذا تقول ? فقلت : نعم أروح معك وأصبر على الأمر الذي حدثتني به . فقال لي الخادم : إذا كانت هذه الليلة فامض إلى المسجد الذي بنته السيدة زبيدة على الدجلة فصل فيه وبت هناك . فقلت : حباً وكرامة . فلما جاء وقت العشاء مضيت إلى المسجد وصليت وبت هناك . فلما كان وقت السحر رأيت الخادمين قد أقبلا في زورق ومعهما صناديق فارغة فأدخلوها في المسجد وانصرفوا وتأخر واحد منهما فتأملته وإذا هو الذي كان واسطة بيني وبينها فبعد ساعة صعدت علينا الجارية صاحبتي فلما أقبلت قمت إليها وعانقتها فقبلتني وبكت وتحدثنا ساعة فأخذتني ووضعتني في صندوق وأغلقته علي ولم أشعر إلا وأنا في دار الخليفة وجاؤوا إلي بشيء كثير من الأمتعة بحيث يساوي خمسين ألف درهم ثم رأيت عشرين جارية أخرى وهن نهد أبكار وبينهن الست زبيدة وهي لم تقدر على المشي مما عليها من الحلي والحلل فلما أقبلت تفرقت الجواري من حواليها فأتيت إليها وقبلت الأرض بين يديها فأشارت لي بالجلوس فجلست بين يديها ثم شرعت تسألني عن حالي وعن نسبي فأجبتها عن كل ما سألتني عنه ففرحت وقالت : والله ما خابت تربيتنا في هذه الجارية . ثم قالت لي : اعلم أن هذه الجارية عندنا بمنزلة ولد الصلب وهي وديعة الله عندك . فقبلت الأرض قدامها ورضيت بزواجي إياها ثم أمرتني أن أقيم عندهم عشرة أيام فأقمت عندهم هذه المدة وأنا لا أدري من هي الجارية إلا أن بعض الوصائف تأتيني بالغداء والعشاء لأجل الخدمة ، وبعد هذه المدة استأذنت السيدة زبيدة زوجها أمير المؤمنين في زواج جاريتها فأذن لها وأمر لها بعشرة آلاف دينار فأرسلت السيدة زبيدة إلى القاضي والشهود وكتبوا كتابي عليها وبعد ذلك عملوا الحلويات والأطعمة الفاخرة وفرقوا على سائر البيوت ومكثوا على هذا الحال عشرة أيام أخر وبعد العشرين يوماً أدخلوا الجارية الحمام لأجل الدخول بها ثم أنهم قدموا سفرة فيها طعام من جملته خافقية زرباجة محشوة بالسكر وعليها ماء ورد ممسك وفيها أصناف الدجاج المحمرة وغيره من سائر الألوان مما يدهش العقول فوالله حين حضرت المائدة ما أمهلت نفسي حتى نزلت على الزرباجة وأكلت منها بحسب الكفاية ومسحت يدي ونسيت أن أغسلها ومكثت جالساً إلى أن دخل الظلام وأوقدت الشموع ، وأقبلت المغنيات بالدفوف ولم يزالوا يجلون العروسة وينقطون بالذهب حتى طافت القصر كله وبعد ذلك أقبلوا علي ونزعوا ما عليها من الملبوس . فلما خارت بها في الفراش وعانقتها وأنا لم أصدق بوصالها شمت في يدي رائحة الزرباجة فلما شمت الرائحة صرخت فنزل لها الجواري من كل جانب فارتجفت ولم أعلم ما الخبر فقالت الجواري : ما لك يا أختنا ? فقالت لهن : أخرجوا هذا المجنون فأنا أحسب أنه عاقل . فقلت لها : وما الذي ظهر لك من جنوني ? فقالت : يا مجنون لأي شيء أكلت من الزرباجة ولم تغسل يدك فوالله لا أقبلك على عدم عقلك وسوء فعلك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:15 pm | |
| تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
الليلة التاسعة والعشرون
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت للشاب : لا أقبلك على عدم عقلك وسوء فعلك . ثم تناولت من جانبها سوطاً ونزلت به على ظهري ثم على مقاعدي حتى غبت عن الوجود من كثرة الضرب ثم إنها قالت للجواري : خذوه وامضوا به إلى متولي ليقطع يده التي أكل بها الزرباجة ، ولم يغسلها . فلما سمعت ذلك قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله أتقطع يدي من أجل أكل الزرباجة وعدم غسلي إياها . فدخلن عليها الجواري ، وقلن لها : يا أختنا لا تؤاخذيه بفعله هذه المرة . فقالت : والله لا بد أن أقطع شيئاً من أطرافه . ثم راحت وغابت عني عشرة أيام ولم أرها إلا بعد عشرة أيام ثم أقبلت علي وقالت لي : يا أسود الوجه أنا لا أصلح لك فكيف تأكل الزرباجة ولم تغسل يدك . ثم صاحت على الجواري فكتفوني وأخذت موساً ماضياً وقطعت إبهامي يدي وإبهامي ورجلي كما ترون يا جماعة فغشي علي ، ثم ذرت علي بالذرور فانقطع الدم وقلت في نفسي : لا آكل الزرباجة ما بقيت حتى أغسل يدي أربعين مرة بالإشنان وأربعين مرة بالسعد وأربعين مرة بالصابون فأخذت علي ميثاقاً أني لا آكل الزرباجة حتى أغسل يدي كما ذكرت لكم فلما جئتم بهذه الزرباجة تغير لوني وقلت في نفسي : هذا سبب ابهامي يدي ورجلي ، فلما غصبتم علي قلت : لا بد أن أوفي بما حلفت . فقلت له والجماعة حاضرون : ما حصل لك بعد ذلك ? قال : فلما حلفت لها طاب قلبها ونمت أنا وإياها وأقمنا مدة على هذا الحال وبعد تلك المدة قالت : إن أهل دار الخلافة لا يعلمون بما حصل بيني وبينك فيها وما دخلها أجنبي غيرك وما دخلت فيها إلا بعناية السيدة زبيدة . ثم أعطتني خمسين ألف دينار وقالت : خذ هذه الدنانير واخرج واشتر لنا بها داراً فسيحة . فخرجت واشتريت داراً فسيحة مليحة ونقلت جميع ما عندها من النعم وما ادخرته من الأموال والقماش والتحف إلى هذه الدار التي اشتريتها فهذا سبب قطع إبهامي . فأكلنا وانصرفنا وبعد ذلك جرى لي مع الأحدب ما جرى وهذا جميع حديثي والسلام . فقال الملك : ما هذا بأعذب من حديث الأحدب بل حديث الأحدب أعذب من ذلك ولا بد صلبكم جميعاً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:16 pm | |
| تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
الليلة الثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك قال : لابد من صلبكم جميعاً . فتقدم اليهودي وقبل الأرض وقال : يا ملك الزمان أنا أحدثك بحديث أعذب من حديث الأحدب . فقال له ملك الصين : هات ما عندك . فقال : أعجب ما جرى في زمن شبابي أني كنت في الشام وتعلمت منه صنعة فعملت فيها ، فبينما أنا أعمل في صنعتي يوماً من الأيام ، إذا تأتي مملوك من بيت الصاحب بدمشق ، فخرجت له وتوجهت معه إلى منزل الصاحب فدخلت فرأيت في صدر الإيوان سريراً من المرمر بصفائح الذهب وعليه مريض راقد وهو شاب لم ير أحسن منه في زمانه فقعدت عند رأسه ووعدت له بالشفاء فأشار إليه بعينيه فقلت له : يا سيدي ناولني يدك . فأخرج لي يده اليسرى فتعجبت من ذلك وقلت في نفسي : يا الله العجب أن هذا الشاب مليح ومن بيت كبير وليس عنده أدب إن هذا هو العجب . ثم جسست مفاصله وكتبت له ورقة ومكثت أتردد عليه مدة عشرة أيام وفي اليوم الحادي عشر قال الشاب : هل لك أنت نتفرج في الغرفة ? فقلت : نعم فأمر العبيد أن يطلعوا الفراش إلى فوق وأمرهم أن يشووا خروقاً وأن يأتوا إلينا بفاكهة ففعل العبيد ما أمرهم به وأتوا بالفاكهة فأكلنا وأكل هو بيده الشمال . فقلت له : حدثني بحديثك . فقال لي : يا حكيم الزمان اسمع حكاية ما جرى لي ، اعلم أنني من أولاد الموصل وكان لي والد قد توفي أبوه وخلف عشرة أولاد ذكور من جملتهم والدي وكان أكبرهم فكبروا كلهم وتزوجوا ورزق والدي بي وأما إخوته التسعة فلم يرزقوا بأولاد فكبرت أنا وصرت بين أعمامي وهم فرحون بي فرحاً شديداً ، فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال وكنت ذات يوم مع والدي في جامع الموصل وكان اليوم يوم جمعة فصلينا الجمعة وخرج الناس جميعاً وأما والدي وأعمامي فإنهم قعدوا يتحدثون في عجائب البلاد وغرائب المدن إلى أن ذكروا مصر فقال بعض أعمامي : إن المسافرين يقولون : ما على وجه الأرض أحسن من مصر ونيلها ، ثم أنهم أخذوا يصفون مصر ونيلها ، فلما فرغوا من كلامهم وسمعت أنا هذه الأوصاف التي في مصر صار بالي مشغولاً بها ثم انصرفوا وتوجه كل واحد منهم إلى منزله . فبت تلك الليلة لم يأتني نوم من شغفي بها ولم يطب لي أكل ولا شرب فلما كان بعد أيام قلائل تجهز أعمامي إلى مصر فبكيت على والدي لأجل الذهاب معهم حتى جهز لي متجراً ومضيت معهم وقال لهم : لا تدعوه يدخل مصر بل اتركوه في دمشق لبيع متجره فيها . ثم سافرنا وودعت والدي وخرجنا من الموصل وما زلنا مسافرين إلى أن وصلنا إلى حلب فأقمنا بها أياماً ثم سافرنا إلى أن وصلنا دمشق فرأيناها مدينة ذات أشجار وأنهار وأثمار وأطيار كأنها جنة فيها كل فاكهة فنزلنا في بعض الخانات واستمر بها أعمامي حتى باعوا واشتروا وباعوا بضاعتي فربح الدرهم خمسة دراهم ففرحت بالربح ثم تركني أعمامي وتوجهوا إلى مصر .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:17 pm | |
| تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
الليلة الواحدة والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما تركوه أعمامه وتوجهوا إلى مصر قال : مكثت بعدهم وسكنت في قاعة مليحة البنيان يعجر عن وصفها اللسان أجرتها كل شهر بدينارين وصرت أتلذذ بالمآكل والمشارب حتى صرفت المال الذي كان معي فبينما أنا قاعد على باب القاعة يوماً من الأيام وإذا بصبية أقبلت علي وهي لابسة أفخر الملابس وما رأت عيني أفخر منها فعزمت عليها فما قصرت بل صارت داخل الباب فلما دخلت ظفرت بها وفرحت بدخولها فرددت الباب علي وعليها وكشفت عن وجهها وقلعت إزارها فوجدتها بديعة الجمال فتمكن حبها من قلبي فقمت وجئت بسفرة من أطيب المأكول والفاكهة وما يحتاج عليه المقام وأكلنا ولعبنا وبعد اللعب شربنا حتى سكرنا ثم نمت معها في أطيب ليلة إلى الصباح ، وبعد ذلك أعطيتها عشرة دنانير فحلفت أنها لا تأخذ الدنانير مني ثم قالت : يا حبيبي انتظرني بعد ثلاثة أيام وقت المغرب أكون عندك وهيء لنا بهذه الدنانير مثل هذا . وأعطتني هي عشرة دنانير وودعتني وانصرفت فأخذت عقلي معها . فلما مضت الأيام الثلاثة أتت وعليها من المزركش أو الحلي والحلل أعظم مما كان عليها أولاً وكنت هيأت لها ما يليق بالمقام قبل أن تحضر فأكلنا وشربنا ونمنا مثل العادة إلى الصباح ثم أعطتني عشرة دنانير وواعدتني بعد ثلاثة أيام أنها تحضر عندي فهيأت لها ما يليق بالمقام وبعد ثلاثة أيام حضرت في قماش أعظم من الأول والثاني ثم قالت لي : يا سيدي هل أنا مليحة ? فقلت : أي والله . فقالت : هل تأذن لي أن أجيء معي بصبية أحسن مني وأصغر سناً مني حتى تلعب معنا ونضحك وإياها فإنها سألتني أن تخرج معي وتبيت معنا لنضحك وإياها . ثم أعطتني عشرين ديناراً وقالت لي : زد لنا المقام لأجل الصبية التي تأتي معي . ثم إنها ودعتني وانصرفت ، فلما كان اليوم الرابع جهزت لها ما يليق بالمقام على العادة فلما كان بعد المغرب وإذا بها قد أتت ومعها واحدة ملفوفة بإزار فدخلتا وجلستا ففرحت وأوقدت الشموع واستقبلتهما بالفرح والسرور فقامتا ونزعتا ما عليهما من الثياب ، وكشفت الصبية الجديدة عن وجهها فرأيتها كالبدر في تمامه فلم أر أحسن منها فقمت وقدمت لهما الأكل والشرب فأكلنا وشربنا وصرت أقبل الصبية الجديدة وأملأ لها القدح وأشرب معها فغارت الصبية الأولى في الباطن ثم قالت : بالله إن هذه الصبية مليحة أما هي أظرف مني ? فقلت : أي والله . قالت : خاطري أن تنام معها . قلت : على رأسي وعيني . ثم قامت وفرشت لنا فقمت ونمت مع الصبية الجديدة إلى وقت الصبح فلما أصبحت وجدت يدي ملوثة بدم فتحت عيني فوجدت الشمس قد طلعت فنبهت الصبية فتدحرج رأسها عن بطنها فظننت أنها فعلت ذلك من غيرتها منها ففكرت ساعة ثم قمت قلعت ثيابي وحفرت في القاعة ووضعت الصبية ورددت التراب وأعدت الرخام كما كان ورفعت المخدة فوجدت تحتها العقد الذي كان في عنق تلك الصبية فأخذته وتأملته وبكيت ساعة ثم أقمت يومين وفي اليوم الثالث دخلت الحمام وغيرت أثوابي وأنا ما معي شيء من الدراهم فجئت يوماً إلى السوق فوسوس لي الشيطان لأجل إنفاذ القدر فأخذت عقد الجوهر وتوجهت به إلى السوق وناولته للدلال فقام لي وأجلسني بجانبه وصبر حتى عمر السوق وأخذه الدلال ونادى عليه خفية وأنا لا أعلم وإذا بالعقد مثمن بلغ ثمنه ألفي دينار فجاءني الدلال وقال لي : إن هذا العقد نحاس مصنوع بصنعة الإفرنج وقد وصل ثمنه إلى ألف درهم . فقالت له : نعم كنا صنعناه بصنعة الإفرنج لواحدة نضحك عليها به وورثتها زوجتي فرأينا بيعه ، فرح واقبض الألف .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:17 pm | |
| تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم وبداية حكاية مزين بغداد
الليلة الثانية والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال للدلال : اقبض الألف درهم . وسمع الدلال ذلك عرف أن قضيته مشكلة فتوجه بالعقد إلى كبير السوق وأعطاه إياه فأخذه وتوجه به إلى الوالي وقال له : إن هذا العقد سرق من عندي ووجدنا الحرامي لابساً لباس أولاد التجار . فلم أشعر إلا والظلمة قد أحاطوا بي وأخذوني وذهبوا بي إلى الوالي فسألني الوالي عن ذلك العقد فقلت له ما قلته للدلال فضحك الوالي وقال : ما هذا كلام الحق فلم أدر إلا وحواشيه جردوني من ثيابي وضربوني بالمقارع على جميع بدني فأحرقني الضرب فقلت : أنا سرقته . ولم أقل إن صاحبته مقتولة عندي فيقتلوني فيها ، فلما قلت أني سرقته قطعوا يدي وقلوها في الزيت فغشي علي فسقوني الشراب حتى أفقت فأخذت يدي ورجئت إلى القاعة فقال صاحب القاعة : حيثما جرى لك هذا فاخل القاعة وانظر لك موضعاً آخر لأنك متهم بالحرام . فقلت له : يا سيدي اصبر علي يومين أو ثلاثة حتى أنظر لي موضعاً . قال : نعم . ومضى وتركني ، فبقيت قاعد أبكي وأقول : كيف أرجع إلى أهلي وأنا مقطوع اليد والذي قطع يدي لم يعلم أني بريء فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ، وصرت أبكي بكاء شديداً فلما مضى صاحب القاعة عني لحقني غم شديد فتشوشت يومين وفي اليوم الثالث ما أدري غلا وصاحب القاعة جاءني ومعه بعض الظلمة وكبير السوق وادعى علي أني سرقت العقد فخرجت لهم وقلت : ما الخبر ? فلم يمهلوني بل كتفوني ووضعوا في رقبتي جنزيراً وقالوا لي : إن العقد الذي كان معك طلع لصاحب دمشق ووزيرها وحاكمها . وقالوا : إن هذا العقد قد ضاع من بيت الصاحب من مدة ثلاث سنين ومعه ابنته . فلما سمعت هذا الكلام منهم ارتعدت مفاصلي وقلت في نفسي إنهم سيقتلونني ولا محالة ، والله لابد أنني أحكي للصاحب حكايتي فإن شاء قتلني وإن شاء عفى عني ، فلما وصلنا إلى الصاحب أوقفني بين يديه فلما رآني قال : أهذا هو الذي سرق العقد ونزل به ليبيعه ? إنكم قطعتم يده ظلماً ثم أمر بسجن كبير السوق وقال له : أعط هذا دية يده وإلا أشنقك وآخذ جميع مالك . ثم صاح على أتباعه فأخذوه وجردوه وبقيت أنا والصاحب وحدنا بعد أن فكوا الغل من عنقي بإذنه وحلوا وثاقي ثم نظر إلي الصاحب وقال : يا ولدي حدثني واصدقني كيف وصل إليك هذا العقد ? فقلت : يا مولاي إني أقول لك الحق . ثم حدثته بجميع ما جرى لي مع الصبية الأولى وكيف جاءتني بالثانية وكيف ذبحتها من الغيرة وذكرت له الحديث بتمامه . فلما سمع كلامي هز رأسه وحط منديله على وجهه وبكى ساعة ثم أقبل علي وقال لي : اعلم يا ولدي أن الصبية ابنتي وكنت أحجز عليها فلما بلغت أرسلتها إلى ابن عمها بمصر فجاءتني وقد تعلمت العهر من أولاد مصر وجاءتك أربع مرات ، ثم جاءتك بأختها الصغيرة والاثنتان شقيقتان وكانتا محبتين لبعضهما فلما جرى للكبيرة ما جرى أخرجت سرها على أختها فطلبت مني الذهاب معها ثم رجعت وحدها فسألتها عنها فوجدتها تبكي عليها وقالت : لا اعلم لها خبر . ثم قالت لأمها سراً جميع ما جرى من ذبحها أختها فأخبرتني أمها سراً ولم تزل تبكي وتقول : والله لا أزال أبكي عليها حتى أموت . وكلامك يا ولدي صحيح فإني أعلم بذلك قبل أن تخبرني به فانظر أن أزوجك ابنتي الصغيرة فإنها ليست شقيقة لهما وهي بكر ولا آخذ منك مهراً فأجعل لكما راتباً من عندي وتبقى عندي بمنزلة ولدي . فقلت له : الأمر كما تريد يا سيدي ومن أين لي أن أصل إلى هذا . فأرسل الصاحب في الحال من عنده بريد وأتاني بمالي الذي خلفه والدي والذي أنا اليوم في أرغد عيش . فتعجبت منه وأقمت عنده ثلاثة أيام وأعطاني مالاً كثيراً ، وسافرت من عنده فوصلت إلى بلدكم هذه فطابت لي المعيشة وجرى لي مع الأحدب ما جرى . فقال ملك الصين : ما هذا بأعجب من حديث الأحدب ولا بد لي من شنقكم جميعاً وخصوصاً الخياط الذي هو رأس كل خطيئة . قال : يا خياط إن حدثتني بشيء أعجب من حديث الأحدب وهبت لكم أرواحكم . فعند ذلك تقدم الخياط وقال : اعلم يا ملك الزمان أن الذي جرى لي أعجب مما جرى للجميع لأني كنت قبل أن أجتمع بالأحدب أول النهار في وليمة بعض أصحاب أرباب الصنائع من خياطين وبزازين ونجارين وغير ذلك ، فلما طلعت الشمس حضر الطعام لنأكل ، وإذا بصاحب الدار قد دخل علينا ومعه شاب وهو أحسن ما يكون من الجمال غير أنه أعرج فدخل علينا وسلم فقمنا له ، فلما أراد الجلوس رأى فينا إنساناً مزيناً فامتنع عن الجلوس وأراد أن يخرج من عندنا فمنعناه نحن وصاحب المنزل وشددنا عليه وحلف عليه صاحب المنزل وقال له : ما سبب دخولك وخروجك ? فقال : بالله يا مولاي لا تتعرض لي بشيء فإن سبب خروجي هذا المزين الذي هو قاعد . فلما سمع منه صاحب الدعوة هذا الكلام تعجب غاية العجب وقال : كيف يكون هذا الشاب من بغداد وتشوش خاطره من هذا المزين . ثم التفتنا إليه وقلنا له : إحك لنا ما سبب غيظك من هذا المزين فقال الشاب : يا جماعة إنه جرى لي مع هذا المزين أمر عجيب في بغداد بلدي وكان هو سبب عرجي وكسر رجلي وحلفت أني ما بقيت قاعداً في مكان ولا أسكن في بلد هو ساكن بها وقد سافرت من بغداد ورحلت منها وسكنت في هذه المدينة وأنا الليلة لا أبيت إلا مسافر . فقلنا : بالله عليك أن تحكي لنا حكايتك معه . فاصفر لون المزين حين سألنا الشاب ، ثم قال الشاب : اعلموا يا جماعة الخير أن والدي من أكابر تجار بغداد ولم يرزقها الله تعالى بولد غيري . فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال توفي والدي إلى رحمة الله تعالى وخلف لي مالاً وخدماً وحشماً فصرت ألبس الملابس وآكل أحسن المآكل ، وكان الله سبحانه وتعالى بغضني في النساء إلى أن كنت ماشياً يوماً من الأيام في أزقة بغداد وإذا بجماعة تعرضوا لي في الطريق فهربت ودخلت زقاقاً لا ينفذ وارتكنت في آخره على مصطبة فلم أقعد غير ساعة وإذا بطاقة قبالة المكان الذي أنا فيه فتحت وطلت منها صبية كالبدر في تمامه لم أر في عمري مثلها ولها زرع تسقيه وذلك الزرع تحت الطاقة فالتفتت يميناً وشملاً ثم قفلت الطاقة وغابت عن عيني . فانطلقت في قلبي النار واشتغل خاطري بهما وانقلب بغضي للنساء محبة فما زلت جالساً في المكان إلى المغرب وأنا غائب عن الدنيا من شدة الغرام وإذا بقاضي المدينة راكب وقدامه عبيد ووراءه خدم فنزل ودخل البيت الذي طلت منه تلك الصبية فعرفت أنه أبوها ، ثم إني جئت منزلي وأنا مكروب ووقعت على الفراش مهموماً فدخلن علي جواري وقعدن حولي ولم يعرفن ما بي وأنا لم أبد لهن أمراً ولم أرد لخطابهن جواباً ، وعظم مرضي فصارت الناس تعودني فدخلت علي عجوز فلما رأتني لم يخف عليها حالي ، فقعدت عند رأسي ولاطفتني وقالت لي : قل لي خبرك ? فحكيت لها حكايتي .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:18 pm | |
| تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم وبداية حكاية مزين بغداد
الليلة الثانية والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال للدلال : اقبض الألف درهم . وسمع الدلال ذلك عرف أن قضيته مشكلة فتوجه بالعقد إلى كبير السوق وأعطاه إياه فأخذه وتوجه به إلى الوالي وقال له : إن هذا العقد سرق من عندي ووجدنا الحرامي لابساً لباس أولاد التجار . فلم أشعر إلا والظلمة قد أحاطوا بي وأخذوني وذهبوا بي إلى الوالي فسألني الوالي عن ذلك العقد فقلت له ما قلته للدلال فضحك الوالي وقال : ما هذا كلام الحق فلم أدر إلا وحواشيه جردوني من ثيابي وضربوني بالمقارع على جميع بدني فأحرقني الضرب فقلت : أنا سرقته . ولم أقل إن صاحبته مقتولة عندي فيقتلوني فيها ، فلما قلت أني سرقته قطعوا يدي وقلوها في الزيت فغشي علي فسقوني الشراب حتى أفقت فأخذت يدي ورجئت إلى القاعة فقال صاحب القاعة : حيثما جرى لك هذا فاخل القاعة وانظر لك موضعاً آخر لأنك متهم بالحرام . فقلت له : يا سيدي اصبر علي يومين أو ثلاثة حتى أنظر لي موضعاً . قال : نعم . ومضى وتركني ، فبقيت قاعد أبكي وأقول : كيف أرجع إلى أهلي وأنا مقطوع اليد والذي قطع يدي لم يعلم أني بريء فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ، وصرت أبكي بكاء شديداً فلما مضى صاحب القاعة عني لحقني غم شديد فتشوشت يومين وفي اليوم الثالث ما أدري غلا وصاحب القاعة جاءني ومعه بعض الظلمة وكبير السوق وادعى علي أني سرقت العقد فخرجت لهم وقلت : ما الخبر ? فلم يمهلوني بل كتفوني ووضعوا في رقبتي جنزيراً وقالوا لي : إن العقد الذي كان معك طلع لصاحب دمشق ووزيرها وحاكمها . وقالوا : إن هذا العقد قد ضاع من بيت الصاحب من مدة ثلاث سنين ومعه ابنته . فلما سمعت هذا الكلام منهم ارتعدت مفاصلي وقلت في نفسي إنهم سيقتلونني ولا محالة ، والله لابد أنني أحكي للصاحب حكايتي فإن شاء قتلني وإن شاء عفى عني ، فلما وصلنا إلى الصاحب أوقفني بين يديه فلما رآني قال : أهذا هو الذي سرق العقد ونزل به ليبيعه ? إنكم قطعتم يده ظلماً ثم أمر بسجن كبير السوق وقال له : أعط هذا دية يده وإلا أشنقك وآخذ جميع مالك . ثم صاح على أتباعه فأخذوه وجردوه وبقيت أنا والصاحب وحدنا بعد أن فكوا الغل من عنقي بإذنه وحلوا وثاقي ثم نظر إلي الصاحب وقال : يا ولدي حدثني واصدقني كيف وصل إليك هذا العقد ? فقلت : يا مولاي إني أقول لك الحق . ثم حدثته بجميع ما جرى لي مع الصبية الأولى وكيف جاءتني بالثانية وكيف ذبحتها من الغيرة وذكرت له الحديث بتمامه . فلما سمع كلامي هز رأسه وحط منديله على وجهه وبكى ساعة ثم أقبل علي وقال لي : اعلم يا ولدي أن الصبية ابنتي وكنت أحجز عليها فلما بلغت أرسلتها إلى ابن عمها بمصر فجاءتني وقد تعلمت العهر من أولاد مصر وجاءتك أربع مرات ، ثم جاءتك بأختها الصغيرة والاثنتان شقيقتان وكانتا محبتين لبعضهما فلما جرى للكبيرة ما جرى أخرجت سرها على أختها فطلبت مني الذهاب معها ثم رجعت وحدها فسألتها عنها فوجدتها تبكي عليها وقالت : لا اعلم لها خبر . ثم قالت لأمها سراً جميع ما جرى من ذبحها أختها فأخبرتني أمها سراً ولم تزل تبكي وتقول : والله لا أزال أبكي عليها حتى أموت . وكلامك يا ولدي صحيح فإني أعلم بذلك قبل أن تخبرني به فانظر أن أزوجك ابنتي الصغيرة فإنها ليست شقيقة لهما وهي بكر ولا آخذ منك مهراً فأجعل لكما راتباً من عندي وتبقى عندي بمنزلة ولدي . فقلت له : الأمر كما تريد يا سيدي ومن أين لي أن أصل إلى هذا . فأرسل الصاحب في الحال من عنده بريد وأتاني بمالي الذي خلفه والدي والذي أنا اليوم في أرغد عيش . فتعجبت منه وأقمت عنده ثلاثة أيام وأعطاني مالاً كثيراً ، وسافرت من عنده فوصلت إلى بلدكم هذه فطابت لي المعيشة وجرى لي مع الأحدب ما جرى . فقال ملك الصين : ما هذا بأعجب من حديث الأحدب ولا بد لي من شنقكم جميعاً وخصوصاً الخياط الذي هو رأس كل خطيئة . قال : يا خياط إن حدثتني بشيء أعجب من حديث الأحدب وهبت لكم أرواحكم . فعند ذلك تقدم الخياط وقال : اعلم يا ملك الزمان أن الذي جرى لي أعجب مما جرى للجميع لأني كنت قبل أن أجتمع بالأحدب أول النهار في وليمة بعض أصحاب أرباب الصنائع من خياطين وبزازين ونجارين وغير ذلك ، فلما طلعت الشمس حضر الطعام لنأكل ، وإذا بصاحب الدار قد دخل علينا ومعه شاب وهو أحسن ما يكون من الجمال غير أنه أعرج فدخل علينا وسلم فقمنا له ، فلما أراد الجلوس رأى فينا إنساناً مزيناً فامتنع عن الجلوس وأراد أن يخرج من عندنا فمنعناه نحن وصاحب المنزل وشددنا عليه وحلف عليه صاحب المنزل وقال له : ما سبب دخولك وخروجك ? فقال : بالله يا مولاي لا تتعرض لي بشيء فإن سبب خروجي هذا المزين الذي هو قاعد . فلما سمع منه صاحب الدعوة هذا الكلام تعجب غاية العجب وقال : كيف يكون هذا الشاب من بغداد وتشوش خاطره من هذا المزين . ثم التفتنا إليه وقلنا له : إحك لنا ما سبب غيظك من هذا المزين فقال الشاب : يا جماعة إنه جرى لي مع هذا المزين أمر عجيب في بغداد بلدي وكان هو سبب عرجي وكسر رجلي وحلفت أني ما بقيت قاعداً في مكان ولا أسكن في بلد هو ساكن بها وقد سافرت من بغداد ورحلت منها وسكنت في هذه المدينة وأنا الليلة لا أبيت إلا مسافر . فقلنا : بالله عليك أن تحكي لنا حكايتك معه . فاصفر لون المزين حين سألنا الشاب ، ثم قال الشاب : اعلموا يا جماعة الخير أن والدي من أكابر تجار بغداد ولم يرزقها الله تعالى بولد غيري . فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال توفي والدي إلى رحمة الله تعالى وخلف لي مالاً وخدماً وحشماً فصرت ألبس الملابس وآكل أحسن المآكل ، وكان الله سبحانه وتعالى بغضني في النساء إلى أن كنت ماشياً يوماً من الأيام في أزقة بغداد وإذا بجماعة تعرضوا لي في الطريق فهربت ودخلت زقاقاً لا ينفذ وارتكنت في آخره على مصطبة فلم أقعد غير ساعة وإذا بطاقة قبالة المكان الذي أنا فيه فتحت وطلت منها صبية كالبدر في تمامه لم أر في عمري مثلها ولها زرع تسقيه وذلك الزرع تحت الطاقة فالتفتت يميناً وشملاً ثم قفلت الطاقة وغابت عن عيني . فانطلقت في قلبي النار واشتغل خاطري بهما وانقلب بغضي للنساء محبة فما زلت جالساً في المكان إلى المغرب وأنا غائب عن الدنيا من شدة الغرام وإذا بقاضي المدينة راكب وقدامه عبيد ووراءه خدم فنزل ودخل البيت الذي طلت منه تلك الصبية فعرفت أنه أبوها ، ثم إني جئت منزلي وأنا مكروب ووقعت على الفراش مهموماً فدخلن علي جواري وقعدن حولي ولم يعرفن ما بي وأنا لم أبد لهن أمراً ولم أرد لخطابهن جواباً ، وعظم مرضي فصارت الناس تعودني فدخلت علي عجوز فلما رأتني لم يخف عليها حالي ، فقعدت عند رأسي ولاطفتني وقالت لي : قل لي خبرك ? فحكيت لها حكايتي .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:19 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة الثالثة والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما حكى للعجوز حكايته قالت له : يا ولدي إن هذه بنت قاضي بغداد وعليها الحجر والموضع الذي رأيتها فيه هو طبقتها وأبوها له هالة في أسفل وهي وحدها وأنا كثيراً ما أدخل عندهم ولا تعرف وصالها إلا مني فشد حيلك . فتجلدت وقويت نفسي حين سمعت حديثها وفرح أهلي في ذلك اليوم وأصبحت متماسك الأعضاء مرتجياً تمام الصحة ، ثم مضت العجوز ورجعت ووجهها متغيراً فقالت : يا ولدي لا تسأل عما جرى منها ، لما قلت لها ذلك فإنها قالت لي : إن لم تسكتي يا عجوز النحس عن هذا الكلام لأفعلن بك ما تستحقينه ولا بد أن أرجع إليها ثاني مرة . فلما سمعت ذلك منها ازددت مرضاً على مرضي ، فلما كان بعد أيام أتت العجوز وقالت : يا ولدي أريد منك البشارة . فلما سمعت ذلك منها ردت روحي إلى جسمي وقلت لها : لك عندي كل خير . فقالت : إني ذهبت بالأمس إلى تلك الصبية ، فلما نظرتني وأنا منكسرة الخاطر باكية العين . قالت : يا خالتي أراك ضيقة الصدر . فلما قالت لي ذلك بكيت وقلت لها : يا ابنتي وسيدتي إني أتيتك بالأمس من عند فتى يهواك وهو مشرف على الموت من أجلك . فقالت لي وقد رق قلبها : ومن يكون هذا الفتى الذي تذكرينه ? قلت : هو ولدي وثمرة فؤادي ورآك من الطاقة من أيام مضت وأنت تسقين زرعك ورأى وجهك فهام بك عشقاً وأنا أول مرة أعلمته بما جرى لي معك فزاد مرضه ولزم الوساد وما هو إلا ميت ولا محالة . فقالت وقد اصفر لونها : هل هذا كله من أجلي ? قلت : إي والله فماذا تأمرين ? قالت : أمضي إليه وأقرئيه مني السلام وأخبريه أن عندي أضعاف ما عنده فإذا كان يوم الجمعة قبل الصلاة يجيء إلى الدار وأنا أقول افتحوا له الباب وأطلعه عندي وأجتمع أنا وإياه ساعة ويرجع قبل مجيء والدي من الصلاة . فلما سمعت كلام العجوز زال ما كنت أجده من الألم واستراح قلبي ودفعت إليها ما كان علي من الثياب وانصرفت وقالت لي : طيب قلبك . فقلت لها : لم يبق فيه شيء من الألم . وتباشر أهل بيتي وأصحابي بعافيتي ، ولم أزل كذلك إلى يوم الجمعة وإذ بعجوز دخلت علي وسألتني عن حالي فأخبرتها أني بخير وعافية ثم لبست ثيابي وتعطرت ومكثت أنظر الناس يذهبون إلى الصلاة حتى أمضي إليها فقالت لي العجوز : إن معك الوقت اتساعاً زائداً فلو مضيت إلى الحمام وأزلت شعرك لا سيما من أثر المرض لكان في ذلك صلاحك . فقلت لها : إن هذا هو الرأي الصواب لكن أحلق رأسي أولاً ، ثم أدخل الحمام . أرسلت إلى المزن ليحلق لي رأسي وقلت للغلام : امض إلى السوق وائتني بمزين يكون عاقلاً قليل الفضول لا يصدع رأسي بكثرة كلامه . فمضى الغلام وأتى بهذا الشيخ فلما دخل سلم علي فرددت : عليك السلام . فقال : أذهب الله غمك وهمك والبؤس والأحزان عنك . فقلت له : تقبل الله منك . فقال : أبشر يا سيدي فقد جاءتك العافية أتريد تقصير شعرك أو إخراج دم فإنه ورد عن ابن عباس أنه قال : من قصر شعره يوم الجمعة صرف الله عنه سبعين داء وروي أيضاً أنه قال : من أحتجم يوم الجمعة ، فإنه يأمن ذهاب البصر وكثرة المرض . فقلت له : دع عنك هذا الهذيان وقم في هذه الساعة احلق لي رأسي ، فإني رجل ضعيف . فقام ومد يده وأخرج منديلاً وفتحه ، وإذا فيه اصطرلاب وهو سبع صفائح فأخذه ومضى إلى وسط الدار ورفع رأسه إلى شعاع الشمس ونظر ملياً وقال لي : اعلم أنه مضى من يومنا هذا وهو يوم الجمعة ، وهو عاشر صفر سنة ثلاث وسبعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وطالعه بمقتضى ما أوجبه علم الحساب المريخ سبع درج وستة دقائق واتفق أنه يدل على أن حلق الشعر جيد جداً ، ودل عندي على أنك تريد الإقبال على شخص وهو مسعود لكن بعده كلام يقع وشيء لا أذكره لك . فقلت له : لقد أضجرتني وأزهقت روحي وفولت علي ، وأنا ما طلبتك إلا لتحلق رأسي ولا تطل علي الكلام . فقال : والله لو علمت حقيقة الأمر لطلبت مني زيادة البيان وأنا أشير عليك أنك تعمل اليوم بالذي أمرك به ، بمقتضى حساب الكواكب وكان سبيلك أن تحمد الله ولا تخافني ، فإني ناصح لك وشفيق عليك وأود أن أكون في خدمتك سنة كاملة وتقوم بحقي ولا أريد منك أجرة على ذلك . فلما سمعت ذلك منه قلت له : إنك قاتلي في هذا اليوم ، ولا محالة .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:21 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة الرابعة والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال له : إنك قاتلي في هذا اليوم . فقال : يا سيدي أنا الذي تسميني الناس الصامت لقلة كلامي دون إخوتي لأن أخي الكبير اسمه البقبوق والثاني الهدار والثالث بقبق والرابع اسمه الكوز الأصوني والخامس اسمعها العشار والسادس اسمه شقالق والسابع اسمه الصامت وهو أنا . فلما زاد علي هذا المزين بالكلام رأيت أن مرارتي انفطرت ، وقلت للغلام : أعطه ربع دينار وخله ينصرف عني لوجه الله ، فلا حاجة إلى حلاقة رأسي . فقال المزين حين سمع كلامي مع الغلام : يا مولاي ، ما أظنك تعرف بمنزلتي فإن يدي تقع رأس الملوك والأمراء والوزراء والحكماء والفضلاء ، وفي مثلي قال الشاعر : جميع الصنائع مثل العقود ........ وهذا المزين در السلـوك فيعلو على كل ذي حكـمة ........ وتحت يديه رؤوس الملوك فقلت : دع ما لا يعنيك فقد ضيقت صدري وأشلت خاطري . فقال : أظنك مستعجلاً ? فقلت له : نعم . فقال : تمهل على نفسك ، فإن العجلة من الشيطان وهي تورث الندامة والحرمان وقد قال عليه الصلاة والسلام : خير الأمور ما كان فيه تأن وأنا والله رأبني أمرك فأشتهي أن تعرفني ما الذي أنت مستعجل من أجله ولعله خير فإني أخشى أن يكون شيئاً غير ذلك وقد بقي من الوقت ثلاث ساعات . ثم غضب ورمى الموس من يده وأخذ الاصطرلاب ومضى إلى الشمس ووقف حصة مديدة وعاد وقال : قد بقي لوقت الصلاة ثلاث ساعات لا تزيد ولا تنقص . فقلت له : بالله عليك ، اسكت عني فقد فتت كبدي . فأخذ الموس وسنه كما فعل أولاً وحلق بعض رأسي وقال : أنا مهموم من عجلتك فلو أطلعتني على سببها لكان خيراً لك لأنك تعلم أن والدك ما كان يفعل شيئاً إلا بمشورتي . فلما علمت أن مالي منه خلاص قلت في نفسي قد جاء وقت الصلاة وأريد أن أمضي قبل أن تخرج الناس من الصلاة فإن تأخرت ساعة لا أدري أين السبيل إلى الدخول إليها فقلت : أوجز ودع عنك هذا الكلام والفضول فإني أريد أن أمضي إلى دعوة عند أصحابي . فلما سمع ذكر الدعوة قال : يومك يوم مبارك علي لقد كنت البارحة حلفت علي جماعة من أصدقائي ونسيت أن أجهز لهم شيئاً يأكلونه وفي هذه الساعة تذكرت ذلك وافضيحتاه منهم . فقلت له : لا تهتم بهذا الأمر بعد تعريفك أنني اليوم في دعوة فكل ما في داري من طعام وشراب لك إن أنجزت أمري ، وعجلت حلاقة رأسي . فقال : جزاك الله خيراً صف لي ما عندك لأضيافي حتى أعرفه ? فقلت : عندي خمسة أوان من الطعام وعشر دجاجات محمرات وخروف مشوي . فقال : أحضرها لي حتى أنظرها . فأحضرت له جميع ذلك فلما عاينه ، قال : بقي لله درك ما كرم نفسك لكن بقي الشراب . فقلت له : عندي . قال : أحضره . فأحضرته له ، قال : لله درك ما أكرم نفسك لكن بقي البخور الطيب . فأحضرت له درجاً فيه نداً وعوداً وعنبر ومسك يساوي خمسين ديناراً وكان الوقت قد ضاق حتى صار مثل صدري فقلت له : خذ هذا واحلق لي جميع رأسي بحياة محمد . فقال المزين : والله ما آخذه حتى أرى جميع ما فيه . فأمرت الغلام ففتح له الدرج فرمى المزين الصطرلاب من يده وجلس على الأرض يقلب الطيب والبخور والعود الذي في الدرج حتى كادت روحي أن تفارق جسمي ثم تقدم وأخذ الموسى وحلق من رأسه شيئاً يسيراً وقال : والله يا ولدي ما أدري كيف أشكرك وأشكر والدك لأن دعوتي اليوم كلها من بعض فضلك وإحسانك وليس عندي من يستحق ذلك وإنما عندي زيتون الحمامي وصليع الفسخاني وعوكل الفوال وعكرشة البقال ، وحميد الزبال وعكارش اللبان ، ولكل هؤلاء رقصة يرقصها . فضحكت عن قلب مشحون بالغيظ وقلت له : أقض شغلي وأسير أنا في أمان الله تعالى وتمضي أنت إلى أصحابك فإنهم منتظرون قدومك . فقال : ما طلبت إلا أن أعاشك بهؤلاء القوام فإنهم من أولاد الناس الذين ما فيهم فضولي ولو رأيتهم مرة واحدة لتركت جميع أصحابك . فقلت : نعم الله سرورك بهم ولا بد أن أحضرهم عندي يوماً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:21 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة الخامسة والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال للمزين لا بد أن أحضر أصحابك عند يوماً فقال له : إذا أردت ذلك وقدمت دعوى أصحابك في هذا اليوم فاصبر حتى أمضي بهذا الإكرام الذي أكرمتني به وأدعه عند أصحابي يأكلون ويشربون ولا ينتظرون ، ثم أعود إليك وأمضي معك إلى أصدقائك فليس بيني وبين أصدقائي حشمة تمنعني عن تركهم والعود إليك عاجلاً ، وأمضي معك أينما توجهت . فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم امضي أنا إلى أصدقائي وأكون معهم في هذا اليوم فإنهم ينتظرون قدومي . فقال المزين : لأدعك تمضي وحدك . فقلت له : إن الموضع الذي أمضي إليه لا يقدر أحد أن يدخل فيه غيري . فقال : أظنك اليوم في ميعاد واحد وإلا كنت تأخذني معك وأنا أحق من جميع الناس وأساعدك على ما تريد فإني أخاف أن تدخل على امرأة أجنبية فتروح روحك فإن هذه مدينة بغداد لا يقدم أحد أن يعمل فيها شيئاً من هذه الأشياء لا سيما في مثل هذا اليوم وهذا ولي بغداد صار عظيم . فقلت : ويلك يا شيخ الشر أي شيء هذا الكلام الذي تقابلني به . فسكت سكوتا طويلاً وأدركنا وقت الصلاة وجاء وقت الخطبة وقد فرغ من حلق رأسي . فقلت له : أمضي إلى أصحابك بهذا الطعام والشراب وأنا أنتظرك حتى تمضي معي . ولم أزل أخادعه لعله يمضي ، فقال لي : إنك تخادعني وتمضي وحدك وترمي نفسك في مصيبة لا خلاص لك منها ، فبالله لا تبرح حتى أعود إليك وأمضي معك حتى أعلم ما يتم من أمرك ، فقلت له : نعم لا تبطئ علي . فأخذ ما عطيته من الطعام والشراب وغيره وأخرج من عندي فسلمه إلى الحمال ليوصله إلى منزله وأخفى نفسه في بعض الأزقة ثم قمت من ساعتي وقد أعلنوا على المنارات بسلام الجمعة فلبست ثيابي وخرجت وحدي وأتيت إلى الزقاق ووقعت على البيت الذي رأيت فيه تلك الصبية وإذا بالمزين خلفي ولا أعلم به فوجدت الباب مفتوحاً فدخلت وإذا بصاحب الدار عاد إلى منزله من الصلاة ودخل القاعة وغلق الباب ، فقلت من أين أعلم هذا الشيطان بي ? فاتفق في هذه الساعة ، لأمر يريده الله من هتك ستري أن صاحب الدار أذنبت جارية عنده فضربها فصاحت فدخل عنده عبد ليخلصها فضربه فصاح الآخر فاعتقد المزين أنه يضربني فصاح ومزق أثوابه وجثا التراب على رأسه وصار يصرخ ويستغيث والناس حوله وهو يقول : قتل سيدي في بيت القاضي . ثم مضى إلى داري وهو يصيح والناس خلفه وأعلم أهل بيتي وغلماني فما دريت إلا وهم قد أقبلوا يصيحون واسيداه كل هذا والمزين قدامهم وهو يمزق الثياب والناس معهم ولم يزالوا يصرخون وهو في أوائلهم يصرخ وهم يقولوا واقتيلاه وقد أقبلوا نحو الدار التي أنا فيها فلما سمع القاضي ذلك عظم عليه الأمر وقام وفتح الباب فرأى جمعاً عظيماً فبهت وقال : يا قوم ما القصة ? فقال له الغلمان : إنك قتلت سيدنا . فقال : يا قوم وما الذي فعله سيدكم حتى أقتله .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:22 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة السادسة والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن القاضي قال للغلمان : وما الذي فعله سيدكم حتى أقتله وما لي أرى هذا المزين بين أيديكم . فقال له المزين : أنت ضربته في هذه الساعة بالمقارع وأنا أسمع صياحه . فقال القاضي : وما الذي فعله حتى أقتله ومن أدخله داري ومن أين جاء وإلى أين يقصد . فقال له المزين : لا تكن شيخاً نحساً فأنا أعلم الحكاية وسبب دخوله دارك وحقيقة الأمر كله وبنتك تعشقه وهو يعشقها ، فعلمت أنه قد دخل دارك وأمرت غلمانك فضربوه والله ما بيننا وبينك إلا الخليفة أو تخرج لنا سيدنا ليأخذه أهله ولا تحوجني إلى أن أدخل وأخرجه من عندكم وعجل أنت بإخراجه . فالتجم القاضي عن الكلام وصار في غاية الخجل من الناس وقال للمزين : إن كنت صادقاً ، فادخل أنت وأخرجه . فنهض المزين ودخل الدار ، فلما رأيت المزين أردت أن أهرب فلم أجد لي مهرباً غير أني رأيت في الطبقة التي أنا فيها صندوقاً فدخلت فيه ورددت الغطاء عليه وقطعت النفس ، فدخل بسرعة ولم يلتفت إلى غير الجهة التي أنا فيها بل قصد الموضع الذي أنا فيه والتفت يميناً وشمالاً فلم يجد إلا الصندوق الذي أنا فيه فحمله على رأسه . فلما رأيته فعل ذلك غاب رشدي ثم مر مسرعاً فلما علمت أنه ما يتركني فتحت الصندوق وخرجت منه بسرعة ورميت نفسي على الأرض فانكسرت رجلي ، فلما توجهت إلى الباب وجدت خلقاً كثيراً لم أر في عمري مثل هذا الازدحام الذي حصل في ذلك اليوم فجعلت أنثر الذهب على الناس ليشتغلوا به فاشتغل الناس به وصرت أجري في أزقة بغداد وهذا المزين خلفي وأي مكان دخلت فيه يدخل خلفي وهو يقول : أرادوا أن يفجعوني في سيدي الحمد لله الذي نصرني عليهم ، وخلص سيدي من أيديهم فما زلت يا سيدي مولعاً بالعجلة لسوء تدبيرك حتى فعلت بنفسك هذه الأفعال فلولا من الله عليك بي ما كنت خلصت من هذه المصيبة التي وقعت فيها وربما كانوا يرمونك في مصيبة لا تخلص منها أبداً فاطلب من الله أن أعيش لك حتى أخلصك ، والله لقد أهلكتني بسوء تدبيرك وكنت تريد أن تروح وحدك ، ولكن لا نؤاخذك على جهلك لأنك قليل العقل عجول . فقلت له : أما كفاك ما جرى منك حتى تجري ورائي في الأسواق . وصرت أتمنى الموت لأجل خلاصي منه فلا أجد موتاً ينقذني منه ، فمن شدة الغيظ ، فررت ودخلت دكاناً في وسط السوق واستجرت بصاحبها فمنعه عني ، وجلست في مخزن وقلت في نفسي ما بقيت أقدر أن أفترق من هذا المزين ، بل يقيم عندي ليلاً ونهاراً ولم يبق في قدرة على النظر إلى وجهه ، فأرسلت في الوقت أحضر الشهود وكتبت وصية لأهلي وجعلت ناظراً عليهم وأمرته أن يبيع الدار والعقارات وأوصيته بالكبار والصغار ، وخرجت مسافراً من ذلك الوقت حتى أتخلص من ذلك القواد ثم جئت إلى بلادكم فسكنتها ولي فيها مدة فلما عزمت علي وجئت إليكم رأيت هذا القبيح القواد عندكم في صدر المكان فكيف يستريح قلبي ويطيب مقامي عندكم مع هذا وقد فعل معي هذه الفعال وانكسرت رجلي بسببه ثم أن الشاب امتنع من الجلوس . فلما سمعنا حكايته مع المزين قلنا للمزين : أحق ما قاله هذا الشاب عنك ? فقال : والله أنا فعلت ذلك بمعرفتي ولولا أني فعلت لهلك وما سبب نجاته إلا أنا ومن فضل الله عليه بسببي أنه أصاب برجله ولم يصب بروحه ولو كنت كثير الكلام ما فعلت معه ذلك الجميل وها أنا أقول لكم حديثاً جرى لي حتى تصدقوا أني قليل الكلام وما عندي فضول من دون إخوتي وذلك أني كنت ببغداد في أيام خلافة أمير المؤمنين المنتصر بالله ، وكان يحب الفقراء والمساكين ويجالس العلماء والصالحين ، فاتفق له يوماً أنه غضب على عشرة أشخاص فأمر المتولي ببغداد أن يأتيه بهم في زورق فنظرتهم أنا ، فقلت : ما اجتمع هؤلاء إلا لعزومة وأظنهم يقطعون يومهم في هذا الزورق في أكل وشرب ولا يكون نديمهم غيري . فقمت ونزلت معهم واختلطت بهم فقعدوا في الجانب الآخر فجاء لهم أعوان الوالي بالأغلال ووضعوها في رقابهم وضعوا في رقبتي غلال من جملتهم فهذا يا جماعة ما هو من مروءتي وقلة كلامي لأني ما رضيت أن أتكلم فأخذونا جميعاً في الأغلال وقدمونا بين يدي المنتصر بالله أمير المؤمنين فأمر بضر رقاب العشرة فضرب السياف رقاب العشرة .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:23 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة السابعة والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن المزين قال : لما السياف ضرب رقاب العشرة وبقيت أنا فالتفت الخليفة فرآني فقال للسياف : ما بالك لا تضرب رقاب جميع العشرة ? فقال : ضربت رقاب العشرة كلهم . فقال له الخليفة : ما أظنك ضربت رقاب غير تسعة وهذا الذي بين يدي هو العاشر . فقال السياف : وحق نعمتك أنهم عشرة . عدوهم فإذا هم عشرة فنظر إلي الخليفة وقال : ما حملك على سكوتك في هذا الوقت وكيف صرت مع أصحاب الدم ? فلما سمعت خطاب أمير المؤمنين قلت له : اعلم يا أمير المؤمنين أني أنا الشيخ الصامت وعندي من الحكمة شيء أكثر وأما رزانة عقلي وجودة فهمي وقلة كلامي فإنها لا نهاية لها وصنعتي الزيانة فلما كان أمس بكرة النهار ، نظرت هؤلاء العشرة قاصدين الزورق فاختلت بهم ونزلت معهم وظننت أنهم في عزومة فما كان غير ساعة وإذا هم أصحاب جرائم فحضرت إليهم الأعوان ووضعوا في رقابهم الأغلال ووضعوا في رقبتي غلاً من جملتهم ، فمن فرط مروءتي سكت ولم أتكلم بين يديك فأمرت بضرب رقاب العشرة وبقيت أنا بين يدي السياف ولم أعرفكم بنفسي ، أما هذه مروءة عظيمة وقد أحوجتني إلى أن أشاركهم في القتل لكن طول دهري هكذا أفعل الجميل . فلما سمع الخليفة كلامي وعلم أني كثيرة المروءة قليل الكلام ما عندي فضول كما يزعم هذا الشاب الذي خلصته من الأهوال قال الخليفة : وأخوتك الستة مثلك فيهم الحكمة والعلم وقلة الكلام ؟ قلت : لا عاشوا ولا بقوا إن كانوا مثلي ولكن ذممتني يا أمير المؤمنين ولا ينبغي لك أن تقرن أخوتي بي لأنهم من كثرة كلامهم وقلة مروءتهم كل واحد منهم بعاهة ففيهم واحد أعرج وواحد أعور واحد أفكح وواحد أعمى وواحد مقطوع الأذنين والأنف وواحد مقطوع الشفتين وواحد أحول العينين ، ولا تحسب يا أمير المؤمنين أني كثير الكلام ولا بد أن أبين لك أني أعظم مروءة منهم ولكل واحد منهم حكاية اتفقت له حتى صار فيه عاهة ، وإن شئت أن أحكي لك فاعلم يا أمير المؤمنين أن الأول وهو الأعرج كان صنعته الخياطة ببغداد ، فكان يخيط في دكان استأجرها من رجل كثير المال وكان ذلك الرجل ساكناً في الدكان وكان في أسفل دار الرجل طاحون ، فبينما أخي الأعرج جالس في الدكان ذات يوم إذ رفع رأسه فرأى امرأة كالبدر الطالع في روشن الدار وهي تنظر الناس فلما رآها أخي تعلق قلبه بحبها وصار يومه ذلك ينظر إلهيا وترك اشتغاله بالخياطة إلى وقت المساء ، فلما كان وقت الصباح فتح دكانه وقعد يخيط وهو كلما غرز غرزة ينظر إلى الروشن فمكث على ذلك مدة لم يخيط شيئاً يساوي درهماً ، فاتفق أن صاحب الدار جاء إلى أخي يوماً من الأيام ومعه قماش وقال له : فصل لي هذا وخيطه أقمصة . فقال أخي : سمعاً وطاعة . ولم يزل يفصل حتى فصل عشرين قميصاً إلى وقت العشاء وهو لم يذق طعاماً ، ثم قال له : كم أجرة ذلك ? فلم يتكلم أخي فأشارت إليه الصبية بعينها أن لا يأخذ منه شيئاً وكان محتاجاً إلى الفلس واستمر ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب إلا القليل بسبب اجتهاده في تلك الخياطة ، فلما فرغ من الخياطة التي لهم أتى إليهم بالأقمصة وكانت الصبية قد عرفت زوجها بحال أخي وأخي لا يعلم ذلك واتفقت هي وزوجها على استعمال أخي في الخياطة بلا أجرة بل يضحكون عليه فلما فرغ أخي من جميع أشغالهما عملا عليه حيلة وزوجاه بجاريتهما وليلة أراد أن يدخل عليها قالا له : أبت الليلة في الطاحون وإلى الغد يكون خيراً . فاعتقد أخي أن لهما قصداً بريئاً فبات في الطاحون وحده وراح زوج الصبية يغمز الطحان عليه ليدوره في الطاحون فدخل عليه الطحان في نصف الليل وجعل يقول : أن هذا الثور بطال مع أن القمح كثير وأصحاب الطحين يطلبونه فأنا أعلقه في الطاحون حتى يخلص طحين القمح ، فعلقه في الطاحون إلى قرب الصبح . فجاء صاحب الدار ، فرأى أخي معلقاً في الطاحون والطحان يضربه بالسوط فتركه ومضى وبعد ذلك جاءت الجارية التي عقد عليها وكان مجيئها في بكرة النهار فحلته من الطاحون وقالت : قد شق علي وعلى سيدتي ما جرى لك وقد حملنا همك . فلم يكن له لسان يرد جواباً من شدة الضرب ، ثم أن أخي رجع إلى منزله وإذا بالشيخ الذي كتب الكتاب قد جاء وسلم عليه وقال له : حياك الله زواجك مبارك أنت بت الليلة في النعيم والدلال والعناق من العشاء إلى الصباح . فقال له أخي : لا سلم الله الكاذب يا ألف قواد ، والله ما جئت إلا لأطحن في موضع الثور إلى الصباح . فقال له : حدثني بحديثك . فحدثه أخي بما وقع له فقال له : ما وافق نجمك نجمها ولكن إذا شئت أن أغير لك عقد العقد أغيره لك بأحسن منه لأجل أن يوافق نجمك نجمها . فقال له : انظر إن بقي لك حيلة أخرى .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:23 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة الثامنة والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الأعرج لما قال للشيخ : انظر إن بقي لك حيلة أخرى . فتركه وأتى إلى دكانه ينتظر أحداً يأتي إليه بشغل يتقوت من أجرته وإذا هو بالجارية قد أتت إليه وكانت اتفقت مع سيدتها على تلك الحيلة فقالت له : إن سيدتي مشتاقة إليك وقد طلعت السطح لترى وجهك من الروشن . فلم يشعر أخي إلا وهي قد طلعت له من الروشن وصارت تبكي وتقول : لأي شيء قطعت المعاملة بيننا وبينك ؟ فلم يرد عليها جواباً فحلفت له أن جميع ما وقع له في الطاحون لم يكن باختيارها فلما نظر أخي إلى حسنها وجمالها ذهب عنه ما حصل له وقبل عذرها وفرح برؤيتها ، ثم سلم عليها وتحدث معها وجلس في خياطتها مدة وبعد ذلك ذهبت إليه الجارية وقالت له : تسلم عليك سيدتي وتقول لك : إن زوجها قد عزم على أن يبيت عند بعض أصدقائه في هذه الليلة ، فإذا مضى عندهم تكون أنت عندنا وتبيت مع سيدتي في ألذ عيش إلى الصباح . وكان زوجها قد قال لها ما يكون العمل في مجيئه عندك حتى آخذه وأجره إلى الوالي فقالت : دعني أحتال عليه بحيلة وأفضحه فضيحة يشتهر بها في هذه المدينة . وأخي لا يعلم شيئاً من كيد النساء ، فلما اقبل المساء جاءت الجارية إلى أخي وأخذته ورجعت به إلى سيدتها فقالت له : والله يا سيدي إني مشتاقة إليك كثيراً . فقال : بالله عليك عجل بقبلة قبل كل شيء ... فلم يتم كلامه إلا وقد حضر زوج الصبية من بيت جاره فقبض على أخي وقال له : لا أفارقك إلا عند صاحب الشرطة . فتضرع إليه أخي فلم يسمعه بل حمله إلى دار الوالي فضربه بالسياط وأركبه جملاً ودوره في شوارع المدينة والناس ينادون عليه هذا جزاء من يهيم على حرائم الناس ووقع من فوق الجمل فانكسرت رجله فصار أعرج ثم نفاه الوالي من المدينة فخرج لا يدري أين يقصد فاغتظت أنا فلحقته وأتيت به والتزمت بأكله وشربه إلى الآن . فضحك الخليفة من كلامي وقال : أحسنت . فقلت : لا أقبل هذا التعظيم منك دون أن تصغي علي حتى أحكي لك ما وقع لبقية أخوتي ولا تحسب أني كثير الكلام . فقال الخليفة : حدثني بما وقع لجميع أخوتك وشنف مسامعي بهذه الرقائق واسلك سبيل الأطناب في ذكر هذه اللطائف . فقلت : اعلم يا أمير المؤمنين أن أخي الثاني كان اسمه بقبق وقد وقع له أنه كان ماشياً يوماً من الأيام متوجهاً إلى حاجة له وإذا بعجوز قد استقبلته وقالت له : أيها الرجل قف قليلاً حتى أعرض عليك أمراً فإن أعجبك فاقضه لي . فوقف أخي فقالت له : أدلك على شيء وأرشدك إليه بشرط أن لا يكون كلامك كثيراً . فقال لها أخي : هات كلامك . قالت : ما قولك في دار حسنة وماؤها يجري وفاكهة مدام ووجه مليح تشاهده وخد أسيل تقبله وقد رشيق تعانقه ولم تزل كذلك من العشاء إلى الصباح ، فإن فعلت ما أشترط عليك رأيت الخير . فلما سمع أخي كلامها قال لها : يا سيدتي وكيف قصدتيني بهذا الأمر من دون الخلق أجمعين فأي شيء أعجبك مني ? فقالت لأخي : أما قلت لك لا تكن كثير الكلام واسكت وامض معي . ثم ولت العجوز وسار أخي تابعاً لها طمعاً فيما وصفته له حتى دخلا داراً فسيحة وصعدت به من أدنى إلى أعلى فرأى قصراً ظريفاً فنظر أخي فرأى فيه أربع بنات ما رأى الراؤون أحسن منهن وهن يغنين بأصوات تطرب الحجر الأصم ، ثم إن بنتاً منهن شربت قدحاً فقال لها أخي : بالصحة والعافية . وقام ليخدمها فمنعته من الخدمة ثم سقته قدحاً وصفعته على رقبته ، فلما رأى أخي ذلك خرج مغضباً ومكثراً الكلام فتبعته العجوز وجعلت تغمزه بعينها ارجع فرجع وجلس ولم ينطق فأعادت الصفعة على قفاه إلى أن أغمي عليه ثم قام أخي لقضاء حاجته فلحقته العجوز وقالت له : اصبر قليلاً حتى تبلغ ما تريد . فقال لها أخي : إلى كم أصبر قليلاً ? فقالت العجوز : إذا سكرت بلغت مرادك . فرجع أخي إلى مكانه فقامت البنات كلهن وأمرتهن العجوز أن يجردنه من ثيابه وأن يرششن على وجهه ماء ورد ، ففعلن ذلك فقالت الصبية البارعة الجمال منهن : أعزك الله قد دخلت منزلي فإن صبرت على شرطي بلغت مرادك . فقال لها أخي : يا سيدتي أنا عبدك وفي قبضة يدك . فقالت له : اعلم أن الله قد شغفني بحب المطرب فمن أطاعني نال ما يريد . ثم أمرت الجواري أن يغنين فغنين حتى طرب المجلس ، ثم قالت الجارية : خذي سيدك واقض حاجته وائتيني به في الحال . فأخذت الجارية أخي ولا يدري ما تصنع به فلحقته العجوز وقالت له : اصبر ما بقي إلا القليل . فأقبل أخي على الصبية والعجوز تقول : اصبر فقد بلغت ما تريد وإنما بقي شيء واحد وهو أن تحلق ذقنك . فقال لها أخي : وكيف أعمل في فضيحتي بين الناس ? فقالت له العجوز : إنها ما أرادت أن تفعل بك ذلك إلا لأجل أن تصير أمرد بلا ذقن ولا يبقى في وجهك شيء يشكها فإنها صار في قلبها لك محبة عظيمة فاصبر فقد بلغت المنى . فصبر أخي وطاوع الجارية وحلق ذقنه وجاءت به إلى الصبية وإذا هو محلوق الحاجبين والشاربين والذقن فقام ورقص فلم تدع في البيت مخدة حتى ضربته بها وكذلك جميع الجواري صرن يضربنه بمثل نارنجة وليمونة وأترجة إلى أن سقط مغشياً عليه من الضرب ولم يزل الصفع على قفاه والرجم في وجهه إلى أن قالت له العجوز : الآن بلغت مرادك واعلم أنه ما بقي عليك من الضرب شيء وما بقي إلا شيء واحد وذلك أن من عادتها أنها إذا سكرت لا تمكن أحداً من نفسها حتى تقلع ثيابها وسراويلها وتبقى عارية من جميع ما عليها من ثيابها وأنت الآخر تقلع ثيابك وتجري ورائها وهي تجري قدامك كأنها هاربة منك ، ولم تزل تابعها من مكان إلى مكان حتى تمكنك من نفسها . ثم قالت له : قم اقلع ثيابك فقام وهو غائب عن الوجود وقلع ثيابه جميعاً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:24 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة التاسعة والثلاثين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين قلع ثيابه وصار عرياناً ، فقالت الجارية لأخي : قم الآن واجر ورائي وأجري أنا قدامك وإذا أردت شيئاً فاتبعني . فجرت قدامه وتبعها ثم جعلت تدخل من محل إلى محل وتخرج من محل إلى محل آخر وأخي وراءها وقد غلب الشنق كأنه مجنون ولم تزل تجري قدامه وهو يجري وراءها ، حتى سمع منها صوتاً رقيقاً وهي تجري قدامه وهو يجري وراءها ، فبينما هو كذلك إذ رأى نفسه في وسط زقاق وذلك الزقاق في وسط الجلادين وهم ينادون على الجلود فرآه الناس على تلك الحالة وهو عريان محلوق الذقن والحواجب والشوارب ، محمر الوجه فصاحوا عليه وصاروا يضحكون ويقهقهون ، وصار بعضهم يصفعه بالجلود وهو عريان حتى غشي عليه وحملوه على حمار حتى أوصلوه إلى الوالي فقال : ما هذا ? قالوا : هذا وقع لنا من بيت الوزير وهو على هذه الحالة . فضربه الوالي مائة سوط وخرجت أنا خلفه وجئت به وأدخلته المدينة سراً ثم رتبت له ما يقتات به فلولا مروءتي ما كنت أحتمل مثله . وأما أخي الثالث فقد ساقه القضاء والقدر إلى دار كبيرة ، فدق الباب طمعاً أن يكلمه صاحبها فيسأله شيئاً ، فقال صاحب الدار : من بالباب ? فلم يكلمه أحد فسمعه أخي يقول بصوت عال : من هذا ? فلم يكلمه أخي وسمع مشيه حتى وصل إلى الباب وفتحه فقال : ماذا تريد ? قال له أخي : شيئاً لله تعالى . فقال له : هل أنت ضرير ? قال له أخي : نعم . فقال له : ناولني يدك . فناوله يده فأدخله الدار ولم يزل يصعد به من سلم إلى سلم حتى وصل إلى أعلى السطوح ، وأخي يظن أنه يطعمه شيئاً فلما انتهى إلى أعلى مكان ، قال لأخي : ما تريد يا ضرير . قال : أريد شيئاً لله تعالى . فقال له : يفتح الله عليك . فقال له أخي : يا هذا أما كنت تقول لي ذلك وأنا في الأسفل . فقال له : يا أسفل السفلة لم تسألني شيئاً لله حين سمعت كلامي أول مرة وأنت تدق الباب . فقال أخي : هذه الساعة ما تريد أن تصنع بي ? فقال له : ما عندي شيء حتى أعطيك إياه . قال : انزل بي إلى السلالم . فقال لي : الطريق بين يديك . فقام أخي واستقبل السلالم وما زال نازلاً حتى بقي بينه وبين الباب عشرون درجة فزلقت رجله فوقع ولم يزل واقعاً منحدراً من السلالم حتى انشج رأسه فخرج وهو لا يدري أين يذهب فلحقه بعض رفقائه العميان فقال له : أي شيء حصل لك في هذا اليوم ? فحدثهم بما وقع له قال لهم : يا أخوتي أريد أن آخذ شيئاً من الدراهم التي بقيت معنا وأنفق منه على نفسي . وكان صاحب الدار مشى خلفه ليعرف حاله فسمع كلامه وأخي لا يدري بأن الرجل يسعى خلفه إلى أن دخل مكانه ، ودخل الرجل خلفه وهو لا يشعر به ، وقعد أخي ينتظر رفقاءه فلما دخلوا عليه قال لهم : أغلقوا الباب وفتشوا البيت كيلا يكون أحد غريب تبعنا . فلما سمع الرجل كلام أخي قام وتعلق بحبل كان في السقف ، فطافوا البيت جميعه فلم يجدوا أحداً ، ثم رجعوا وجلسوا إلى جانب أخي أخرجوا الدراهم التي معهم وعدوها فإذا هي عشرة آلاف درهم فتركوها في زاوية البيت وأخذ كل واحد مما زاد عنها ما يحتاج إليه ودفنوا العشرة آلاف درهم في التراب ، ثم قدموا بين أيديهم شيئاً من الأكل وقعدوا يأكلون فأحس أخي بصوت غريب في جهته فقال للأصحاب : هل معنا غريب ثم مد يده فتعلقت بيد الرجل صاحب الدار فصاح على رفقائه وقال : هذا غريب . فوقعوا فيه ضرباً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:25 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة الأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين لما صاح على رفقائه وقال : هذا غريب . وقعوا فيه ضرباً فلما طال عليهم ذلك صاحوا : يا مسلمين دخل علينا من يريد أن يأخذ مالنا فاجتمع عليهم خلق فتعامى الرجل الغريب صاحب الدار الذي ادعوا عليه أنه لص وأغمض عينيه وأظهر أنه أعمى مثلهم بحيث لا يشك فيه أحد وصاح : يا مسلمين أنا بالله والسلطان أنا بالله والوالي أنا بالله والأمير فإن عندي نصيحة للأمير . فلم يشعروا إلا وقد احتاطهم جماعة الوالي فأخذوهم وأخي معهم وأحضروهم بين يديه فقال الوالي : ما خبركم ? فقال ذلك الرجل : اسمع كلامي أيها الوالي لا يظهر لك حقيقة حالنا إلا بالعقوبة ، وإن شئت فابدأ بعقوبتي قبل رفقائي . فقال الوالي : اطرحوا هذا الرجل واضربوه بالسياط . فطرحوه وضربوه فلما أوجعه الضرب فتح إحدى عينيه فلما ازداد عليه الضرب فتح عينه الأخرى . فقال له الوالي : ما هذه الفعال يا فاجر ? فقال : أعطني الأمان وأنا أخبرك . فأعطاه الأمان ، فقال : نحن أربعة نعمل حالنا عمياناً ونمر على الناس وندخل البيوت وننظر النساء ونحتال في فسادهن ، واكتساب الأموال من طرقهن وقد حصلنا من ذلك مكسباً عظيماً وهو عشرة آلاف درهم فقلت لرفقائي : أعطوني حقي ألفين وخمسمائة فقاموا وضربوني وأخذوا مالي وأنا مستجير بالله وبك وأنت أحق بحصتي من رفقائي ، وإن شئت أن تعرف صدق قولي فاضرب كل واحد أكثر مما ضربتني فإنه يفتح عينيه . فعند ذلك أمر الوالي بعقوبتهم وأول ما بدأ بأخي وما زالوا يضربونه حتى كاد أن يموت ثم قال لهم الوالي : يا فسقة تجحدون نعمة الله وتدعون أنكم عميان . فقال أخي : والله والله والله ما فينا بصير . فطرحوه إلى الضرب ثانياً ولم يزالوا يضربونه حتى غشي عليه فقال الوالي : دعوه حتى يفيق وأعيدوا عليه الضرب ثالث مرة . ثم أمر بضرب أصحابه كل واحد أكثر من ثلاثمائة عصا والنصير يقول لهم : افتحوا عيونكم وإلا جددوا عليكم الضرب . ثم قال للوالي : ابعث معي من يأتيك بالمال ، فإن هؤلاء ما يفتحون أعينهم ويخافون من فضيحتهم بين الناس . فبعث الوالي معه من أتاه بالمال ، فأخذه وأعطى الرجل منه ألفين وخمسمائة درهم على قدر حصته رغماً عنهم ، وبقي أخي وباقي الثلاثة خارج المدينة فخرجت أنا يا أمير المؤمنين ولحقت أخي وسألته عن حاله فأخبرني بما ذكرته لك فأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب طول عمره . فضحك الخليفة من حكايتي وقال : صلوه بجائزة ودعوه ينصرف . فقلت له : والله ما آخذ شيئاً حتى أبين لأمير المؤمنين ما جرى لبقية أخوتي وأوضح له أني قليل الكلام . فقال الخليفة : أصدع آذاننا بخرافة خبرك وزدنا من عجرك وبجرك . فقلت : وأما أخي الرابع يا أمير المؤمنين وهو الأعور فإنه كان جزاراً ببغداد يبيع اللحم ويربي الخرفان وكانت الكبار وأصحاب الأموال يقصدونه ويشترون منه اللحم فاكتسب من ذلك مالاً عظيماً واقتنى الدواب والدور ، ثم أقام على ذلك زمناً طويلاً فبينما هو في دكانه يوماً من الأيام إذ وقف عليه شيخ كبير اللحية فدفع له دراهم ، وقال : أعطني بها لحماً . فأخذ الدراهم منه وأعطاه اللحم وانصرف ، فتأمل أخي في فضة الشيخ فرأى دراهمه بيضاً بياضها ساطع فعزلها وحدها في ناحية وأقام الشيخ يتردد عليه خمسة أشهر وأخي يطرح دراهمه في صندوق وحدها ثم أراد أن يخرجها ويشتري غنماً فلما فتح الصندوق رأى ما فيه ورقاً أبيض مقصوصاً فلطم وجهه وصاح ، فاجتمع الناس عليه فحدثه بحديثه فتعجبوا منه ثم رجع أخي إلى الدكان على عادته فذبح كبشاً وعلقه خارج الدكان وصار يقول في نفسه : لعل ذلك الشيخ يجيء فأقبض عليه . فما كان إلا ساعة وقد أقبل الشيخ ومعه الفضة فقام أخي وتعلق به وصار يصيح : يا مسلمين ألحقوني واسمعوا قصتي مع هذا الفاجر . فلما سمع الشيخ كلامه قال له : أي شيء أحب إليك أن تعرض عن فضيحتي أو أفضحك بين الناس ? فقال له : يا أخي بأي شيء تفضحني ? قال : بأنك تبيع لحم الناس في صورة لحم الغنم . فقال له : يا أخي كذبت يا ملعون . فقال الشيخ : ما ملعون إلا الذي عنده رجل معلق في الدكان . فقال له أخي : إن كان الأمر كما ذكرت مالي ودمي حلال لك . فقال الشيخ : يا معاشر الناس ، إن هذا الجزار يذبح الآدميين ويبيع لحمهم في صورة لحم الغنم وإن أردتم أن تعلموا صدق قولي فادخلوا دكانه . فهجم الناس على دكان أخي فرؤوا ذلك الكبش صار إنساناً معلقاً فلما رأوا ذلك تعلقوا بأخي وصاحوا عليه : يا كافر يا فاجر . وصار أعز الناس إليه يضربه ويلطمه الشيخ على عينه ، فقلعها وحمل الناس ذلك المذبوح إلى صاحب الشرطة فقال له الشيخ : أيها الأمير إن هذا الرجل يذبح الناس ويبيع لحمهم على أنه لحم غنم وقد أتيناك به فقم واقض حق الله عز وجل . فدافع أخي عن نفسه فلم يسمع منه صاحب الشرطة بل أمر بضربه خمسمائة عصا وأخذوا جميع ماله ولولا كثرة ماله لقتلوه ثم نفوا أخي من المدينة فخرج هائماً لا يدري أين يتوجه فدخل مدينة كبيرة واستحسن أن يعمل إسكافياً ففتح دكاناً وقعد يعمل شيئاً يتقوت منه فخرج ذات يوم في حاجة فسمع صهيل خيل فبحث على سبب ذلك فقيل له أن الملك خارج إلى الصيد والقنص فخرج أخي ليتفرج على الموكب وهو يتعجب من خسة رأيه حيث انتقل من صنعة الأساكفة فالتفت الملك ووقعت عينه على عين أخي فأطرق الملك رأسه ، وقال : أعوذ بالله من شر هذا اليوم . وثنى عنان فرسه ، وانصرف راجعاً فرجع جميع العسكر وأمر الملك غلمانه أن يلحقوا أخي ويضربونه فلحقوه وضربوه ضرباً وجيعاً حتى كاد أن يموت ولم يدر أخي السبب فرجع إلى موضعه وهو في حالة العدم ثم مضى إلى إنسان من حاشية الملك وقص عليه ما وقع له فضحك حتى استلقى على قفاه وقال له : يا أخي اعلم أن الملك لا يطيق أن ينظر إلى أعور لاسيما إن كان الأعور شمالاً فإنه لا يرجع عن قتله . فلما سمع أخي ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:25 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة الحادية والأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الأعور لما سمع ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة وارتحل منها وتحول إلى مدينة أخرى لم يكن فيها ملك وأقام بها زمناً طويلاً ، ثم بعد ذلك تفكر في أمره وخرج يوماً ليتفرج فسمع صهيل خيل خلفه ، فقال : جاء أمر الله . وفر يطلب موضعاً ليستتر فيه فلم يجد ، ثم نظر فرأى باباً منصوباً فدفع ذلك الباب فدخل فرأى دهليزاً طويلاً فاستمر داخلاً فيه فلم يشعر إلا ورجلان قد تعلقا به وقالا : الحمد لله الذي مكننا منك يا عدو الهل هذه ثلاث ليال ما أرحتنا ولا تركتنا ننام ولا يستقر لنا مضجع بل أذقتنا طعم الموت . فقال أخي : يا قوم ما أمركم بالله ? فقالوا : أنت تراقبنا وتريد أن تفضحنا وتفضح صاحب البيت ، أما يكفيك أنك أفقرته وأفقرت أصحابك ولكن أخرج لنا السكين التي تهددنا بها كل ليلة . وفتشوه فوجدوا في وسطه السكين التي يقطع بها النعال . فقال : يا قوم اتقوا الله في أمري واعلموا أن حديثي عجيب . فقالوا : وما حديثك . فحدثهم بحديثه طمعاً أن يطلقوه . فلم يسمعوا منه مقاله ولم يلتفوا إليه بل ضربوه ومزقوا أثوابه ، فلما تمزقت أثوابه وانكشف بدنه وجدوا أثر الضرب بالمقارع على جنبيه فقالوا له : يا ملعون هذا أثر الضرب يشهد على جرمك . ثم أحضروا أخي بين يدي الوالي فقال في نفسه قد وقعت فأتيت إليه وأخذته وأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب . وأما أخي الخامس فإنه كان مقطوع الأذنين ، يا أمير المؤمنين وكان رجلاً فقيراً يسأل الناس ليلاً وينفق ما يحصله بالسؤال نهاراً ، وكان والدنا شيخاً كبيراً طاعناً بالسن فخلف لنا سبعمائة درهم وأما أخي الخامس هذا فإنه لما أخذ حصته تحير ولم يدر ما يصنع بها فبينما هو كذلك إذ وقع في خاطره أنه يأخذ بها زجاجاً من كل نوع ليتجر فيه ويربح فاشترى بالمائة درهم زجاجاً وجعله في قفص كبير وقعد في موضع ليبيع ذلك الزجاج وبجانبه حائط فأسند ظهره إليها وقعد متفكراً في نفسه وقال : إن رأس مالي في هذا الزجاج مائة درهم أنا أبيعه بمائتي درهم ثم أشتري بالمائتي درهم زجاجاً أبيعه بأربعمائة درهم ولا أزال أبيع وأشتري إلى أن يبقى معي مال كثير فأشتري داراً حسنة وأشتري المماليك والخيل والسروج المذهبة وآكل وأشرب ولا أخلي مغنية في المدينة حتى أجيء بها إلى بيتي وأسمع مغانيها . هذا كله ، وهو يحسب في نفسه وقفص الزجاج قدامه . ثم قال : وابعث جميع الخاطبات في خطبة بنات الملوك والوزراء واخطب بنت الوزير فقد بلغني أنها كاملة الحسن بديعة الجمال وأمهرها بألف دينار ، فإن رضي أبوها حصل المراد وإن لم يرض أخذتها قهراً على رغم أنفه ، فإن حصلت في داري اشتري عشرة خدام صغار ، ثم اشتري لي كسوة الملوك والسلاطين وأصوغ لي سرجاً من الذهب مرصعاً بالجوهر ، ثم اركب ومعي المماليك يمشون حولي وقدامي وخلفي حتى إذا رآني الوزير قام إجلالاً لي وأقعدني مكانه ويقعد هو دوني لأنه صهري ويكون معي خادمان بكيسين في كل كيس ألف دينار فأعطيه ألف دينار مهر بنته وأهدي إليه الألف الثاني إنعاماً حتى أظهر له مروءتي وكرمي وصغر الدنيا في عيني ، ثم أنصرف إلى داري فإذا جاء أحد من جهة امرأتي وهبت له دراهم وخلعت عليه خلعة وإن أرسل إلي الوزير هدية رددتها عليه ولو كانت نقيصة ولم أقبل منه حتى يعلموا أني عزيز النفس ولا أخلي نفسي إلا في أعلى مكانة ، ثم أقدم إليهم في إصلاح شأني وتعظيمي فإذا فعلوا ذلك أمرتهم بزفافها ثم أصلح داري إصلاحاً بيناً فإذا جاء وقت الجلاء لبست أفخر ثيابي وقعدت على مرتبة من الديباج لا ألتفت بميناً ولا شمالاً لكبر عقلي ورزانة فهمي وتجيء امرأتي وهي كالبدر في حليها وحللها وأنا أنظر إليها عجباً وتيهاً حتى يقول جميع من حضر : يا سيدي امرأتك وجاريتك قائمة بين يديك فأنعم عليها بالنظر فقد أضر بها القيام ثم يقبلون الأرض قدامي مراراً فعند ذلك أرفع رأسي وأنظر إليها نظرة واحدة ، ثم أطرق برأسي إلى الأرض فيمضون بها وأقوم أنا وأغير ثيابي وألبس أحسن مما كان علي فإذا جاؤوا بالعروسة المرة الثانية ، لا أنظر إليها حتى يسألوني مراراً فأنظر إليها ثم أطرق إلى الأرض ولم أزل كذلك حتى يتم جلاؤها .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:26 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة الثانية والأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين الخامس قال : إني آمر بعض الخدامين أن يرمي كيساً فيه خمسمائة دينار للمواشط فإذا أخذته آمرهن أن يدخلنني عليها لا أنظر إليها ولا أكلمها احتقاراً لها لأجل أن يقال أني عزيز النفس حتى تجيء أمها وتقبل رأسي ويدي وتقول لي يا سيدي انظر جاريتك فإنها تشتهي قربك فأجبر خاطرها بكلمة فلم أرد عليها جواباً ولم تزل كذلك تستعطفني حتى تقوم وتقبل يدي ورجلي مراراً ، ثم تقول : يا سيدي إن بنتي صبية مليحة ما رأت رجلاً فإذا رأت منك الانقباض انكسر خاطرها فمل إليها وكلمها . ثم إنها تقوم وتحضر لي قدحاً وفيه شراباً ثم إن ابنتها تأخذ القدح لتعطيني فإذا جاءتني تركتها قائمة ، بين يدي وأنا متكئ على مخدة مزركشة بالذهب لأنظر إليها من كبر نفسي وجلالة قدري حتى تظن في نفسها أني سلطان عظيم الشأن فتقول : يا سيدي بحق الله عليك ، لا ترد القدح من يد جاريتك . فلا أكلمها فتلح علي وتقول : لا بد من شربه . وتقدمه إلى فمي فأنفض يدي في وجهها وأرفسها وأعمل هكذا . ثم أرفس أخي برجله فجاءت في قفص الزجاج وكان في مكان مرتفع فنزل على الأرض فتكسر كل ما فيه . ثم قال أخي هذا كله من كبر نفسي ولو كان أمره إلى أمير المؤمنين لضربته ألف سوط وشهرته في البلد ثم بعد ذلك صار أخي يلطم على وجهه ومزق ثيابه وجعل يبكي ويلطم على وجهه والناس ينظرون إليه وهم رائحون إلى صلاة الجمعة فمنهم من يرمقه ومنهم من لم يفكر فيه ، وهو على تلك الحالة وراح منه رأس المال والربح ولم يزل جالساً يبكي وإذا بامرأة مقبلة إلى صلاة الجمعة وهي بديعة الجمال تفوح منها رائحة المسك ، وتحتها بغلة بردعتها من الديباج مزركشة بالذهب ومعها عدد من الخدم فلما نظرت إلى الزجاج وحال أخي وبكائه أخذتها الشفقة عليه ورق قلبها له وسألت عن حاله فقيل لها : إنه كان معه طبق زجاج يتعيش منه فانكسر منه فأصابه ما تنظريه . فنادت بعض الخدام وقالت له : ادفع الذي معك إلى هذا المسكين . فدفع له صرة ، فأخذها فلما فتحها وجد فيها خمسمائة دينار فكاد أن يموت من شدة الفرح ، واقبل أخي بالدعاء لها ثم عاد إلى منزله غنياً وقعد متفكراً وإذا بدق يدق الباب فقام وفتح وإذا بعجوز لا يعرفها ، فقالت له : يا ولدي اعلم أن الصلاة قد قرب زوال وقتها وأنا بغير وضوء وأطلب منك أن تدخلني منزلك حتى أتوضأ . فقال لها : سمعاً وطاعة . ثم دخل أخي وأذن لها بالدخول وهو طائر من الفرح بالدنانير فلما فرغت أقبلت إلى الموضع الذي هو جالس فيه وصلت هناك ركعتين ثم دعت لأخي دعاء حسناً شكرها على ذلك وأعطاها دينارين فلما رأت ذلك قالت : سبحان الله أني أعجب ما أحبك وأنت بسمة الصعاليك فخذ مالك عني وإن كنت غير محتاج إليه فأردده إلى التي أعطتك إياه لما انكسر الزجاج منك . فقال لها أخي : يا أمي كيف الحيلة في الوصول إليها ? قالت : يا ولدي إنها تميل إليك لكنها زوجة رجل موسر فخذ جميع مالك معك فإذا اجتمعت بها فلا تترك شيئاً من الملاطفة والكلام الحسن إلا وتفعله معها فإنك تنال من جمالها ومن مالها ، جميع ما تريد . فأخذ أخي جميع الذهب وقام ومشى مع العجوز ، وهو لا يصدق بذلك فلم تزل تمشي وراءها حتى وصلا إلى باب كبير فدقته فخرجت جارية رومية فتحت الباب ، فدخلت العجوز وأمرت أخي بالدخول فدخل دار كبيرة فلما دخلها رأى فيها مجلساً كبيراً مفروشاً وسائد مسبلة . فجلس أخي ووضع الذهب بين يديه ووضع عمامته على ركبته فلم يشعر إلا وجارية أقبلت ما رأى مثلها الراؤون وهي لابسة أفخر القماش فقام أخي على قدميه فلما رأته ضحكت في وجهه وفرحت به ، ثم ذهبت إلى الباب وأغلقته ثم أقبلت على أخي وأخذت يده ومضيا جميعاً إلى أن أتيا إلى حجرة منفردة فدخلاها وإذا هي مفروشة بأنواع الديباج فجلس أخي وجلست بجانبه ولاعبته ساعة زمانية ثم قامت وقالت له : لا تبرح حتى أجيء إليك . وغابت عنه ساعة فبينما هو كذلك إذ دخل عليه عبد أسود عظيم الخلقة ومعه سيف مجرد يأخذ لمعانه بالبصر وقال لأخي : يا ويلك من جاء بك إلى هذا المكان يا أخس الإنس يا ابن الزنا وتربية الخنا . فلم يقدر أخي أن يرد عليه جواباً بل انعقد لسانه في تلك الساعة ، فأخذه العبد وأعراه ولم يزل يضربه بالسيف صحفاً ضربات متعددة أكثر من ثمانين ضربة إلى أن سقط من طوله على الأرض فرجع العبد عنه واعتقد أنه مات وصاح صيحة عظيمة بحيث ارتجت الأرض من صوته ودوى له المكان وقال : أين الميلحة ? فأقبلت إليه جارية في يدها طبق مليح فيه ملح أبيض فصارت الجارية تأخذ من ذلك الملح وتحشر الجراحات التي في جلد أخي حتى تهورت وأخي لا يتحرك خيفة أن يعلموا أنه حي فيقتلوه ثم مضت الجارية وصاح العبد صيحة مثل الأولى فجاءت العجوز إلى أخي وجرته من رجليه إلى سرداب طويل مظلم ورمته فيه على جماعة مقتولين فاستقر في مكانه يومين كاملين ، وكان الله سبحانه وتعالى جعل الملح سبباً لحياته لأنه قطع سيلان عروق الدم . فلما رأى أخي في نفسه القوة على الحركة قام من السرداب وفتح طاقة في الحائط وخرج من مكان القتلى وأعطاه الله عز وجل الستر فمشى في الظلام واختفى في هذا الدهليز إلى الصبح فلما كان وقت الصبح خرجت العجوز في طلب سيد آخر فخرج أخي في أثرها وهي لا تعلم به حتى أتى منزله ولم يزل يعالج نفسه حتى بريء ولم يزل يتعهد العجوز وينظر إليها كل وقت وهي تأخذ الناس واحد بعد واحد وتوصلهم إلى تلك الدار وأخي لا ينطق بشيء ثم لما رجعت إليه صحته وكملت قوته عمد إلى خرقة وعمل منها كيساً وملأه زجاجاً وشد في وسطه وتنكر حتى لا يعرفه أحد ولبس ثياب العجم وأخذ سيفاً وجله تحت ثيابه فلما رأى العجوز قال لها بكلام العجم : يا عجوز هل عندك ميزان يسع تسعمائة دينار ? فقالت العجوز : لي ولد صغير صيرفي عنده سائر الموازين فامض معي إليه قبل أن يخرج من مكانه حتى يزن لك ذهبك . فقال أخي : امشي قدامي . فسارت وسار أخي خلفها حتى أتت الباب فدقته فخرجت الجارية وضحكت في وجهه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:27 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة الثالثة والأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن المزين قال فخرجت الجارية وضحكت في وجه أخي فقالت العجوز : أتيتكم بلحمة سمينة . فأخذت الجارية بيد أخي وأدخلته الدار التي دخلها سابقاً وقعدت عنده ساعة وقامت وقالت لأخي : لا تبرح حتى أرجع إليك وراحت فلم يستقر أخي إلا والعبد قد أقبل ومعه السيف المجرد فقال لأخي : قم يا مشؤوم . فقام أخي وتقدم العبد فرمى أخي راسه وسحبه من رجله إلى السرداب ونادى : أين المليحة ? فجاءت الجارية وبيدها الطبق الذي فيه الملح فلما رأت أخي والسيف بيده ولت هاربة فتبعها أخي وضربها فرمى رأسها ثم نادى : أين العجوز ? فجاءت فقال لها : أتعرفيني يا عجوز النحس ? فقالت : لا يا مولاي . فقال لها : أنا صاحب الدنانير الذي جئت وتوضأت عندي وصليت ثم تحيلت علي حتى أوقعتني هنا . فقالت : اتق الله في أمري . فالتفت إليها وضربها بالسيف فصيرها قطعتين ثم خرج في طلب الجارية فلما رأته طار عقلها وطلبت منه الأمان فأمنها ثم قال لها : ما الذي أوقعك عند هذا العبد الأسود ? فقالت : إني كنت جارية لبعض التجار وكانت هذه العجوز تتردد علي فقالت لي يوماً من الأيام إن عندنا فرحاً ما رأى أحد مثله فأحب أن تنظري إليه ، فقلت لها : سمعاً وطاعة . ثم قمت ولبست أحسن ثيابي وأخذت معي صرة فيها مائة دينار ومضيت معها حتى أدخلتني هذه الدار . فلما دخلت ما شعرت إلا وهذا الأسود أخذني ولم أزل عنده على هذا الحال ثلاث سنين بحيلة العجوز الكاهنة . فقال لها أخي : هل له في الدار شيء ? فقالت : عنده شيء كثير فإن كنت تقدر على نقله فانقله . فقام أخي ومشى معها ففتحت له الصناديق فيها أكياس فبقي أخي متحيراً ، فقالت له الجارية : امض الآن ودعني هنا وهات من ينقل المال . فخرج واكترى عشرة رجال ، وجاء فلما وصل إلى الباب وجده مفتوحاً ولم ير الجارية ولا الأكياس ، وإنما رأى شيئاً يسيراً من المال والقماش فعلم أنها خدعته فعند ذلك أخذ المال الذي بقي وفتح الخزائن وأخذ جميع ما فيها من القماش ولم يترك في الجار شيئاً وبات تلك الليلة مسروراً . فلما أصبح الصباح وجد بالباب عشرين جندياً فلما خرج عليهم تعلقوا به وقالوا له : إن الوالي يطلبك . فأخذوه وراحوا إلى الوالي ، فلما رأى أخي قال له : من أين لك هذا القماش ? فقال أخي : أعطني الأمان . فأعطاه منديل الأمان فحدثه بجميع ما وقع له مع العجوز من الأول إلى الآخر ومن هروب الجارية ثم قال للوالي : والذي أخذته خذ منه ما شئت ودع ما اتقوت به . فطلب الوالي جميع المال والقماش وخاف أخي أن يعلم به السلطان فأخذ البعض وأعطى أخي البعض وقال له : اخرج من هذه المدينة وإلا أشنقك . فقال : السمع والطاعة . فخرج إلى بعض البلدان فخرجت عليه اللصوص فعروه وضربوه وقطعوا أذنيه فسمعت بخبره فخرجت إليه وأخذت إليه ثياباً وجئت به إلى المدينة مسروراً ورتبت له ما يأكله وما يشربه . وأما أخي السادس يا أمير المؤمنين وهو مقطوع الشفتين فإنه كان فقيراً جداً لا يملك شيئاً من حطام الدنيا الفانية فخرج يوماً من الأيام يطلب شيئاً يسد به رمقه فبينما هو في بعض الطرق إذ رأى حسنه ولها دهليز واسع مرتفع وعلى الباب خدم وأمر ونهي فسأل بعض الواقفين هناك فقال : هي لإنسان من اولاد الملوك . فتقدم أخي إلى البوابين وسألهم شيئاً فقالوا : ادخل باب الدار تجد ما تحب من صاحبها . فدخل الدهليز ومشى فيه ساعة حتى وصل إلى دار في غاية ما يكون من الملاحة والظرف وفي وسطها بستان ما رأى الراؤون أحسن منه وأرضها مفروشة بالرخام وستورها مسبولة فصار أخي لا يعرف أين يقصد فمضى نحو صدر المكان فرأى أنساناً حسن الوجه واللحية فلما رأى أخي قام إليه ورحب به وسأله عن حاله فأخبره أنه محتاج ، فلما سمع كلام أخي أظهر غماً شديداً ومد يده إلى ثيابه ومزقها وقال : هل أكون أنا ببلد وأنت بها جائع لأصبر من ذلك . ووعده بكل خير ثم قال : لا بد أن تمالحني . فقال : يا سيدي ليس لي صبر وإني شديد الجوع . فصاح : يا غلام هات الطشت والإبريق . ثم قال له : يا ضيفي تقدم واغسل يدك . ثم أومأ كأنه يغسل يده ثم صاح على أتباعه أن قدموا المائدة فجعلت أتباعه تغدو وترجع كأنها تهيء السفرة ، ثم أخذ أخي وجلس معه على تلك السفرة الموهومة وصار صاحب المنزل يومئ ويحرك شفته كأنه يأكل ويقول لأخي : كل ولا تستحي فإنك جائع وأنا أعلم ما أنت فيه من شدة الجوع . فجعل أخي يومئ كأنه يأكل وهو يقول لأخي : كل وانظر هذا الخبز وانظر بياضه . وأخي لا يبدي شيئاً ، ثم إن أخي قال في نفسه : إن هذا الرجل يحب أن يهزأ بالناس . فقال : يا سيدي عمري ما رأيت أحسن من بياض هذا الخبز ولا ألذ من طعمه . فقال الرجل : هذا خبزته جارية لي كنت اشتريتها بخمسمائة دينار . ثم صاح صاحب الدار : يا غلام قدم لنا الكباب الذي لا يوجد مثله في طعام الملوك . ثم قال لأخي : كل يا ضيفي فإنك شديد الجوع ومحتاج إلى الأكل . فصار أخي يدور حنكه ويمضغ كأنه يأكل وأقبل الرجل يستدعي لوناً بعد لون من الطعام ولا يحضر شيئاً ويأمر أخي بالأكل ، ثم قال : يا غلام قدم لنا الفراريج المحشوة بالفستق . ثم قال : كل ما لم تأكل مثله قط . فقال أخي : يا سيدي إن هذا الأكل لا نظير له في اللذة . وأقبل يومئ بيده إلى فم أخي حتى كأنه يلقمه بيده وكان يعدد هذه الألوان ويصفها لأخي بهذه الأوصاف وهو جائع ، فاشتد جوعه وصار بشهوة رغيف من شعير . ثم قال له صاحب الدار : هل رأيت أطيب من أباريز هذه الأطعمة . فقال له أخي : لا يا سيدي . فقال : كثر الأكل ولا تستح . فقال : قد اكتفيت من الطعام . فصاح الرجل على أتباعه أن قدموا الحلويات فحركوا أيديهم في الهواء كأنهم قدموا الحلويات ثم قال صاحب المنزل لأخي : كل من هذا النوع فإنه جيد وكل من هذه القطائف بحياتي وخذ هذه القطيفة قبل أن ينزل منها لجلاب فقال له أخي : لا عدمتك يا سيدي . وأقبل أخي يسأله عن كثرة المسك الذي في القطائف . فقال له : إن هذه عادتي في بيتي فدائماً يضعون لي في كل قطيفة مثقالاً من المسك ونصف مثقال من العنبر . هذا كله وأخي يحرك رأسه وفمه يلعب بين شدقيه كأنه يتلذذ بأكل الحلويات ، ثم صاح صاحب الدار على أصحابه أن أحضروا النقل فحركوا أيديهم في الهواء كأنهم أحضروا النقل وقال لأخي : كل من هذا اللوز ومن هذا الجوز ومن هذا الزبيب . ونحو ذلك وصار يعد له أنواع النقل ويقول له : كل ولا تستح . فقال أخي : يا سيدي قد اكتفيت ولم يبق لي قدرة على أكل شيء . فقال : يا ضيفي إن أردت أن تأكل وتتفرج على غرائب المأكولات فبالله لا تقم جائعاً . ثم فكر أخي في نفسه وفي استهزاء ذلك الرجل به وقال : لأعملن فيه عملاً يتوب بسببه إلى الله عن هذه الفعال . ثم قال الرجل لأتباعه : قدموا لنا الشراب فحركوا أيديهم في الهواء حتى كأنهم قدموا الشراب ، ثم أومأ صاحب المنزل كأنه ناول أخي قدحاً قال : خذ هذا القدح فإنه يعجبك . فقال : يا سيدي هذا من إحسانك . وأومأ أخي بيده كأنه يشرب فقال له : هل أعجبك ? فقال له : يا سيدي ما رأيت ألذ من هذا الشراب . فقال له : اشرب هنيئاً وصحة . ثم إن صاحب البيت أومأ وشرب ثم ناول أخي قدحاً ثانياً فخيل أنه شربه وأظهر انه سكران ثم إن أخي غافله ورفع يده حتى بان بياض إبطه وصفعه على رقبته صفعة رن لها المكان ثم ثنى عليه بصفعة ثانية .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:28 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد
الليلة الرابعة والأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين لما صفع صاحب الدار قال له الرجل : ما هذا يا أسفل العالمين ? فقال : يا سيدي أنا عبدك الذي أنعمت عليه وأدخلته منزلك وأطعمته الزاد وأسقيته الخمر العتيق فسكر وعربد عليك ومقامك أعلى من أن تؤاخذه بجهل . فلما سمع صاحب المنزل كلام أخي ضحك ضحكاً عالياً ثم قال : إن لي زماناً طويلاً أسخر بالناس وأهزأ بجميع أصحاب المزاح والمجون ما رأيت منهم من له طاقة على أن أفعل به هذه السخرية ولا من له فطنة يدخل بها في جميع أموري غيرك والآن عفوت عنك ، فكن نديمي على الحقيقة ولا تفارقني . ثم أمر بإخراج عدة من أنواع الطعام المذكورة أولاً فأكل هو وأخي حتى اكتفيا ثم انتقلا إلى مجلس الشراب فإذا فيه جوار كأن به الأقمار فغنين بجميع الألحان واشتغلن بجميع الملاهي ثم شربا حتى غلب عليهما السكر وأنس الرجل بأخي حتى كأنه أخوه وأحبه محبة عظيمة ، وخلع عليه خلعة سنية . فلما أصبح الصباح عادا لما كانا عليه من الأكل والشرب ولم يزالا كذلك مدة عشرين سنة ثم أن الرجل مات وقبض السلطان على ماله واحتوى عليه فخرج أخي من البلد هارباً فلما وصل إلى نصف الطريق خرج عليه العرب فأسروه وصار الذي أسره يعذبه ويقول له : اشتر روحك مني بالأموال وإلا أقتلك . فجعل أخي يبكي ويقول : أنا والله لا أملك شيئاً يا شيخ العرب ، ولا أعرف طريق شيء من المال وأنا أسيرك وصرت في يدك فافعل بي ما شئت . فأخرج البدوي الجبار من حزامه سكيناً عريضة لو نزلت على رقبة جمل لقطعتها من الوريد إلى الوريد وأخذها في يده اليمنى وتقدم إلى أخي المسكين وقطع بها شفتيه وشك عليه في المطالبة وكان للبدوي زوجة حسنة وكان إذا خرج البدوي تتعرض لأخي وتراوده عن نفسه وهو يمتنع حياء من الله تعالى فاتفق أن راودت أخي يوماً من الأيام فقام ولاعبها وأجلسها في حجره فبينما هما كذلك وإذا بزوجها داخل عليهما فلما نظر إلى أخي قال له : ويلك يا خبيث أتريد الآن أن تفسد علي زوجتي . وأخرج سكيناً فطعنه بها وحمله على جمل وطرحه فوق جبل وتركه وسار إلى حال سبيله فجاز عليه المسافرون فعرفوه فأطعموه وأسقوه وأعلموني بخبره فذهبت إليه وحملته ، ودخلت به المدينة ورتبت له ما يكفيه وها أنا جئت عندك يا أمير المؤمنين وخفت أن أرجع إلى بيتي قبل إخبارك ، فيكون ذلك غلطاً وورائي ستة أخوة وأنا أقوم بهم . فلما سمع أمير المؤمنين قصتي وما أخبرته به عن أخوتي ، ضحك وقال : صدقت يا صامت أنت قليل الكلام ما عندك فضول ولكن الآن أخرج من هذه المدينة وأسكن غيرها . ثم نفاني من بغداد فلم أزل سائراً في البلاد حتى طفت الأقاليم إلى أن سمعت بموته وخلافة غيره فرجعت إلى المدينة فوجدته مات ووقعت عند هذا الشاب وفعلت معه أحسن الفعال ولولاي أنا لقتل وقد اتهمني بشيء ما هو في جميع ما نقله عني من الفضول وكثرة الكلام وكثافة الطبع وعدم الذوق باطل يا جماعة . ثم قال الخياط لملك الصين ، فلما سمعنا قصة المزين وتحققنا فضوله وكثرة كلامه وأن الشاب مظلوم معه أخذنا المزين وقبضنا عليه وحبسناه وجلسنا حوله آمنين ثم أكلنا وشربنا وتمت الوليمة على أحسن حالة ولم نزل جالسين إلى أن أذن العصر فخرجت وجئت منزلي وعشيت زوجتي فقالت : إن طول النهار ، في حظك وأنا قاعدة في البيت حزينة فإن لم تخرجي وتفرجني بقية النهار كان ذلك سبب فراقي منك . فأخذتها وخرجت بها وتفرجنا إلى العشاء ثم رجعنا فلقينا هذا الأحدب والسكر طافح منه وهو ينشد هذين البيتين : رق الزجاج وراقت الخمر ........ فتشابها وتشاكـل الأمـر فكأنما خـمـر ولا قـدح ........ وكأنما قدح ولا خـمـر فعزمت عليه فأجابني وخرجت لأشتري سمكاً مقلياً فاشتريت ورجعت ثم جلسنا نأكل ، فأخذت زوجتي لقمة وقطعة سمك وأدخلتهما فمه وسدته فمات فحملته وتحايلت حتى رميته في بيت هذا الطبيب وتحايل الطبيب ، حتى رماه في بيت المباشر الذي رماه في طريق السمسار وهذه قصة ما لقيته البارحة أما هي أعجب من قصة الحدب . فلما سمع ملك الصين هذه القصة أمر بعض حجابه أن يمضوا مع الخياط ويحضروا المزين وقال لهم : لابد من حضوره لأسمع كلامه ويكون ذلك سبباً في خلاصكم جميعاً ، وندفن هذا الأحدب ونواريه في التراب فإنه ميت من أمس ثم نعمل له ضريحاً لأنه كان سبباً في اطلاعنا على هذه الأخبار العجيبة . فما كان إلا ساعة حتى جاءت الحجاب هم والخياط بعد أن مضوا إلى الحبس وأخرجوا منه المزين وساروا به إلى أن أوقفوه بين يدي هذا الملك ، فلما رآه تأمله فإذا هو شيخ كبير جاوز التسعين أسود الوجه أبيض اللحية والحواجب مقرطم الأذنين طويل الأنف في نفسه كبر فضحك الملك من رؤيته وقال : يا صامت أريد أن تحكي لي شيئاً من حكاياتك . فقال المزين : يا ملك الزمان ما شأن هذا النصراني وهذا بطريق اليهودي وهذا المسلم وهذا الأحدب بينكم ميت وما سبب هذا الجمع . فقال له ملك الصين : وما سؤالك عن هؤلاء ? فقال : سؤالي عنهم حتى يعلم الملك أني غير فضولي ولا أشتغل بما لا يعنيني ، وإنني بريء مما اتهموني به من كثرة الكلام ، وأن لي نصيباً من اسمي حيث لقبوني بالصامت كما قال الشاعر : وكلما أبصرت عيناك ذا لقب ........ إلا ومعناه أن فتشت في لقبي فقال الملك : اشرحوا للمزين حال هذا الأحدب وما جرى له في وقت العشاء واشرحوا له ما حكى النصراني وما حكى اليهودي وما حكى الخياط . فحكوا له حكايات الجميع فحرك المزين رأسه وقال : والله إن هذا الشيء عجيب اكشفوا لي عن هذا الأحدب فكشفوا له عنه فجلس عند رأسه وأخذ رأسه في حجره ونظر في وجهه وضحك ضحكاً عالياً حتى انقلب على قفاه من شدة الضحك وقال : لكل موتة سبب من الأسباب وموتة هذا الأحدب من عجب العجاب يجب أن تؤرخ في المسجلات ليعتبر بما مضى ومن هو آت . فتعجب الملك من كلامه وقال : يا صامت إحك لنا سبب كلامك هذا .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:29 pm | |
| تكملة حكاية مزين بغداد وبداية حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس
الليلة الخامسة والأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد ، أن الملك قال : يا صامت احك لنا سبب كلامك هذا . فقال المزين : يا ملك وحق نعمتك أن الأحدب فيه الروح . ثم إن المزين أخرج من وسطه مكحلة فيها دهن ودهن رقبة الأحدب وغطاها حتى عرقت ثم أخرج كلبتين من حديد ونزل بهما في حلقة فالتقطتا قطعة السمك بعظمها فلما أخرجها رآها الناس بعيونهم ثم نهض الأحدب واقفاً على قدميه وعطس عطسة واستفاق في نفسه وملس بيديه على وجهه وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله . فتعجب الحاضرون من الذي رأوه وعاينوه ، فضحك ملك الصين حتى غشي عليه وكذلك الحاضرون وقال السلطان : والله إن هذه القصة عجيبة ما رأيت أغرب منها . ثم إن السلطان قال : يا مسلمين يا جماعة العسكر ، هل رأيتم في عمركم أحداً يموت ثم يحيا بعد ذلك ولولا رزقه الله بهذا المزين لكان اليوم من أهل الآخرة فإنه كان سبباً لحياته . فقالوا : والله إن هذا من العجب العجاب . ثم إن ملك الصين أمر أن تسطر هذه القصة فسطروها ثم جعلوها في خزانة الملك ثم خلع على اليهودي والنصراني والمباشر وخلع على كل واحد خلعة سنية وجعل الخياطة خياطه ورتب له الرواتب ، وأصلح بينه وبين الأحدب وخلع على الأحدب خلعة سنية مليحة ورتب له الراتب وجعله نديمه وأنعم على المزين وخلع عليه خلعة سنية ورتب له الرواتب ، وجعل له جامكية وجعله مزين المملكة ونديمه ولم يزالوا في ألذ العيش وأهناه إلى أن آتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وليس هذا بأعجب من قصة الوزيرين ، التي فيها ذكر أنيس الجليس . قال الملك شهريار : وما حكاية الوزيرين ?
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أنه كان بالبصرة ملك من الملوك يحب الفقراء والصعاليك ويرفق بالرعية ويهب من ماله لمن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وكان يقال لهذا الملك محمد بن سليمان الزيني وكان له وزيران أحدهما يقال له المعين ابن ساوي والثاني يقال له الفضل بن خاقان وكان الفضل ابن خاقان أكرم أهل زمانه حسن السيرة أجمعت القلوب على محبته ، واتفقت العقلاء على مشورته وكل الناس يدعون له بطول مدته لأنه محضر خير مزيل الشر والضير وكان الوزير معين بن ساوي يكره الناس ولا يحب الخير وكان محضر سوء ، وكان الناس على قدر محبتهم لفضل الدين ابن خاقان يبغضون المعين بن ساوي بقدرة القادر ثم إن الملك محمد بن سليمان الزيني كان قاعداً يوماً من الأيام على كرسي مملكته وحوله أرباب دولته إذ نادى وزيره الفضل بن خاقان وقال له : إني أريد جارية لا يكون في زمانها أحسن منها بحيث تكون كاملة في الجمال ، فائقة في الاعتدال حميدة الخصال . فقال أرباب الدولة : هذه لا توجد إلا بعشرة آلاف دينار . فعند ذلك صاح السلطان على الخازندار وقال : احمل عشرة آلاف دينار ، إلى دار الفضل بن خاقان . فامتثل الخازندار أمر السلطان ونزل الوزير بعدما أمره السلطان أن يعمد إلى السوق في كل يوم ويوصي السماسرة على ما ذكره وأنه لا تباع جارية ثمنها فوق الألف دينار حتى تعرض على الوزير فلم تبع السماسرة جارية حتى يعرضوها عليه فامتثل الوزير أمره ، واستمر على هذا الحال مدة من الزمان ولم تعجبه جارية فاتفق يوماً من الأيام أن بعض السماسرة أقبل على دار الوزير الفضل بن خاقان فوجده راكباً متوجهاً إلى قصر الملك فقبض على ركابه وأنشد هذين البيتين : يا من أعاد رميم الملك منـشـورا ........ أنت الوزير الذي لا زال منصورا أحييت ما مات بين الناس من كرم ........ لا زال سعيك عند الله مشكـورا ثم قال : يا سيدي إن الجارية التي صدر بطلبها المرسوم الكريم قد حضرت . فقال له الوزير : علي بها . فغاب ساعة ثم حضر ومعه جارية رشيقة القد قاعدة النهد بطرف كحيل وخد أسيل وخصر نحيل وردف ثقيل وعليها أحسن ما يكون من الثياب ورضابها أحلى من الجلاب وقامتها تفضح غصون البان وكلامها أرق من النسيم إذا مر على زهر البستان كما قال فيها بعض واصفيها هذه الأبيات : لها بشر مثل الحرير ومنـطـق ........ رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر وعينان قال الله كونا فكـانـتـا ........ فعولان بالألباب ما تفعل الخمر فيا حبها زدني جوى كـل لـيلة ........ ويا سلوة الأيام موعدك الحشر ذوائبها ليل ولكـن جـبـينـها ........ إذا أسفرت يوم يلوح به الفجر فلما رآها الوزير أعجبته غاية الإعجاب فالتفت إلى السمسار وقال له : كم ثمن هذه الجارية ? فقال : وقف سعرها على عشرة آلاف دينار وحلف صاحبها أن العشرة آلاف دينار لم تجيء ثمن الفراريج التي أكلتها ولا ثمن الخلع التي خلعتها على معلميها فإنها تعلمت الخط والنحو واللغة والتفسير وأصول الفقه والدين والطب والتقويم والضرب بالآلات المطربة . فقال الوزير : علي بسيدها . فأحضره السمسار في الوقت والساعة فإذا هو رجل أعجمي عاش زمناً طويلاً حتى صيره الدهر عظماً في جلد .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 4:30 pm | |
| تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس
الليلة السادسة والأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العجمي صاحب الجارية لما حضر بين يدي الوزير الفضل بن خاقان قال له الوزير : رضيت أن تأخذ في هذه الجارية عشرة آلاف دينار من السلطان محمد بن سليمان الزيني ? فقال العجمي : حيث كانت للسلطان فالواجب علي ان أقدمها إليه هدية بلا ثمن . فعند ذلك أمر بإحضار الأموال فلما حضرت وزن الدنانير للعجمي ثم أقبل النخاس على الوزير وقال : عن إذن مولانا الوزير أتكلم . فقال الوزير : هات ما عندك . فقال : عندي من الرأي أن لا تطلع بهذه الجارية إلى السلطان في هذا اليوم ، فإنها قادمة من السفر واختلفت عليها الهواء وأتعبها السفر ولكن خلها عندك في القصر عشرة أيام حتى تستريح فيزداد جمالها ثم أدخلها الحمام وألبسها أحسن الثياب وأطلع بها إلى السلطان فيكون لك في ذلك الحظ الأوفر . فتأمل الوزير كلام النخاس فوجده صواباً فأتى بها إلى قصره وأخلى لها مقصورة ورتب لها كل ما تحتاج إليه من طعام وشراب وغيره فمكثت مدة على تلك الرفاهية وكان للوزير الفضل بن خاقان ولد كأنه البدر إذا أشرق بوجه أقمر وخد أحمر وعليه خال كنقطة عنبر وفيه عذار أخضر كما قال الشاعر في مثله هذه الأبيات : ورد الخدود ودونه شوك القـنـا ........ فمن المحدث نفسه أن يجتـنـى لا تمدد الأيدي إليه فـطـالـمـا ........ شنوا الحروب لأن مددنا الأعينـا يا قلبه القاسـي ورقة خـصـره ........ هلا نقلت إلى هنا مـن هـنـا لو كان رقة خصره في قـلـبـه ........ ما جار قط على المحب ولا جنى يا عاذلي في حبه كـن عـاذري ........ من لي بجسم قد تملكه الضنـى ما الذنب إلا للفـؤاد ونـاظـري ........ لولاهما ما كنت في هذا العنـى وكان الصبي لم يعرف قضية هذه الجارية وكان والده أوصاها وقال لها : يا بنتي اعلمي أني ما اشتريتك إلا سرية للملك محمد بن سليمان الزيني وإن لي ولداً ما ترك صبية في الحارة إلا فعل بها ، فاحفظي نفسك منه وأحذري أن تريه وجهك أو تسمعيه كلامك . فقالت الجارية : السمع والطاعة . ثم تركها وانصرف ، واتفق بالأمر المقدر أن الجارية دخلت يوماً من الأيام الحمام الذي في المنزل وقد حماها بعض الجواري ولبست الثياب الفاخرة فتزايد حسنها وجمالها ودخلت على زوجة الوزير فقبلت يدها فقالت لها : نعيماً يا أنيس الجليس كيف حالك في هذا الحمام ? فقالت : يا سيدتي ما كنت محتاجة إلا إلى حضورك فيه . فعند ذلك قالت سيدة البيت للجواري : هيا بنا ندخل الحمام . فامتثلن أمرها ومضين وسيدتهن بينهن وقد وكلت بباب المقصورة التي فيها أنيس الجليس جاريتين صغيرتين وقالت لهما : لا تمكنا أحد من الدخول على الجارية . فقالتا : السمع والطاعة . فبينما أنيس الجليس قاعدة في المقصورة وإذا بابن الوزير الذي اسمه علي نور الدين قد دخل وسأل عن أمه وعن العائلة ، فقالت له الجاريتان : دخلوا الحمام . وقد سمعت الجارية أنيس الجليس كلام علي نور الدين بن الوزير وهي من داخل المقصورة ، فقالت في نفسها : ياترى ما شأن هذا الصبي الذي قال لي الوزير عنه أنه ما خلا بصبية في الحارة الا وأوقعها والله أني أشتهي أن أنظره . ثم أنها نهضت على قدميها وهي بأثر الحمام وتقدمت جهة باب المقصورة ونظرت إلى علي نور الدين فإذا هو كالبدر في تمامه فأورثتها النظرة ألف حسرة ولاحت من الصبي التفاتة إليها فنظرها نظرة اورثته ألف حسرة ووقع كل منهما في شرك هوى الآخر ، فتقدم الصبي إلى الجاريتين وصاح عليهما فهربتا من بين يديه ووقفا من بعيد ينظرانه وينظران ما يفعل ، وإذا به تقدم من باب المقصورة وفتحه ودخل على الجارية وقال لها : أنت التي اشتراك أبي ? فقالت له : نعم . فعند ذلك تقدم الصبي إليها وكان في حال السكر وشبكت يدها في عنقه واستقبلته بتقبيل وشهيق فأزال بكارتها فلما رأت الجاريتان سيدهما الصغير داخلاً على الجارية أنيس الجليس صرختا وكان قد قضى الصبي حاجته وفر هارباً للنجاة من الخوف عقب الفعل الذي فعله . فلما سمعت سيدة البيت صراخ الجاريتين مضت من الحمام والعرق يقطر منها وقالت : ما سبب هذا الصراخ الذي في الدار . فلما قربت من الجاريتين اللتين أقعدتهما على باب المقصورة قالت لهما : ويلكما ما الخبر . فلما رأياها قالتا : إن سيدي نور الدين جاء وضربنا فهربنا منه فدخل أنيس الجليس وعانقها ولا ندري أي شيء عمل بعد ذلك ، فلما صحا هرب . فعند ذلك تقدمت سيدة البيت إلى أنيس الجليس وقالت لها : ما الخبر ? فقالت لها : يا سيدتي أنا قاعدة وإذا بصبي جميل الصورة دخل علي وقال لي : أنت التي اشتراك أبي لي ? فقلت نعم والله يا سيدتي اعتقدت أن كلامه صحيح فعند ذلك أتى إلي وعانقني . فقالت لها : هل فعل بك شيء غير ذلك ? قالت : نعم ، وأخذ مني ثلاث قبلات . فقالت : ما تركك من غير افتضاض . ثم بكت ولطمت على وجهها هي والجواري خوفاً على علي نور الدين أن يذبحه أبوه ، فبينما هم كذلك وإذا بالوزير دخل وسأل عن الخبر فقالت له زوجته : أحلف أن ما أقوله لك تسمعه . قال : نعم . فأخبرته بما فعله ولده فحزن ومزق ثيابه ولطم على وجهه ونتف لحيته ، فقالت له زوجته : لا تقتل نفسك أنا أعطيك من مالي عشرة آلاف دينار ثمنها . فعند ذلك رفع رأسه إليها وقال لها : ويلك أنا ما لي حاجة بثمنها ولكن خوفي أن تروح روحي ومالي . فقالت له : يا سيدي ما سبب ذلك ? فقال لها : أما تعلمين أن وراءنا هذا العدو الذي يقال له : المعين بن ساوي ، ومتى سمع هذا الأمر تقدم إلى السلطان وقال له ..
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:21 pm | |
| تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس
الليلة السابعة والأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قال لزوجته : أما تعلمين أن وراءنا عدواً يقال له المعين بن ساوي ومتى سمع بهذا الأمر تقدم إلى السلطان وقال له : إن وزيرك الذي تزعم أنه يحبك أخذ منك عشرة آلاف دينار واشترى بها جارية ما رأى أحد مثلها فلما أعجبته قال لابنه : خذها أنت أحق بها من السلطان فأخذها وأزال بكارتها وها هي الجارية عنده فيقول الملك تكذب فيقول للملك عن إذنك أهجم عليه وآتيك بها فيأذن له في ذلك فيهجم على الدار ويأخذ الجارية ويحضرها بين يدي السلطان ثم يسألها فلا تقدر أن تنكر فيقول له يا سيدي أنت تعلم أني ناصح لك ولكن ما لي عندكم حظ فيمثل بي السلطان والناس كلهم يتفرجون علي وتروح روحي . فقالت له زوجته : لا تعلم أحد وسلم أمرك إلى الله في هذه القضية فعند ذلك سكن قلب الوزير وطاب خاطره . هذا ما كان من أمر الوزير ، وأما ما كان من أمر علي نور الدين فإنه خاف عاقبة الأمر فكان يقضي نهاره في البساتين ولا يأتي إلا في آخر الليل لأمه فينام عندها ويقوم قبل الصبح ولا يراه أحد ، ولم يزل كذلك شهراً وهو لم ير وجه أبيه ، فقالت أمه لأبيه : يا سيدي هل تعدم الجارية وتعدم الولد ، فإن طال هذا الأمر على الولد هج . قال لها : وكيف العمل ? قالت : أسهر هذه الليلة فإذا جاء فأمسكه واصطلح أنت وإياه وأعطه الجارية إنها تحبه وهو يحبها وأعطيك ثمنها . فسهر الوزير طول الليل فلما أتى ولده أمسكه وأراد نحره فأدركته أمه وقالت له : أي شيء تريد أن تفعل معه ? فقال لها : أريد أن أذبحه . فقال الولد لأبيه : هل أهون عليك ? فتغرغرت عيناه بالدموع وقال له : يا ولدي كيف هان عليك ذهاب مالي وروحي ? فقال الصبي : اسمع يا والدي مقال الشاعر : هبني جنيت فلم تزل أهل النهـي ........ يهبون للجاني شماحـاً شـامـلا ماذا عسى يرجو عدوك وهو فـي ........ درك الحضيض وأنت أعلى منزلا فعند ذلك قام الوزير من على صدر ولده وأشفق عليه وقام الصبي وقبل يد والده فقال : يا ولدي لو علمت أنك تنصف أنيس الجليس كنت وهبتها لك . فقال : يا والدي كيف لا أنصفها ؟ قال : أوصيك يا ولدي أنك لا تتزوج عليها ولا تضاررها ولا تبعها . قال له : يا والدي أنا أحلف لك أن لا أتزوج عليها ، ولا أبيعها . ثم حلف له أيماناً على ما ذكر ودخل على الجارية فأقام معها سنة ، وأنسى الله تعالى الملك قصة الجارية . وأما المعين بن ساوي فإنه بلغه الخبر ولكنه لم يقدر أن يتكلم لعظم منزلة الوزير عند السلطان فلما مضت السنة دخل الوزير فضل الدين بن خاقان الحمام وخرج وهو عرقان ، فأصابه الهواء فلزم الوساد وطال به السهاد وتسلسل به الضعف فعند ذلك نادى ولده علي نور الدين فلما حضر بين يديه قال له : يا ولدي أن الرزق مقسوم والأجل محتوم ولا بد لكل نسمة من شرب كأس المنون وأنشد هذه الأبيات : من فاته الموت لـم يفـتـه غـدا ........ والكل منا على حوض الردى وردا سوى العظم بمن قد كان محتـقـرا ........ ولم يدع هبة بـين الـورى أحـدا لم يبق من ملك كـلا ولا مـلـك ........ ولا نـبـي يعـيش دائمـاً أبــدا ثم قال : يا ولدي مالي عندك وصية إلا تقوى الله والنظر في العواقب وأن تستوصي بالجارية أنيس الجليس . فقال له : يا أبت ومن مثلك وقد كنت معروفاً بفعل الخير ودعاء الخطباء لك على المنابر . فقال : يا ولدي أرجو من الله تعالى القبول . ثم نطق الشهادتين وشهق شهقة فكتب من أهل السعادة فعند ذلك امتلأ القصر بالصراخ ووصل الخبر إلى السلطان وسمعت أهل المدينة بوفاة الفضل بن خاقان فبكت عليه الصبيان في مكاتبها ونهض ولده علي نور الدين وجهزه وحضرت الأمراء والوزراء وأرباب الدولة وأهل المدينة مشهده وكان ممن حضروا الجنازة الوزير المعين بن ساوي وأنشد بعضهم عند خروج جنازته من الدار هذه الأبيات : قد قلت للرجل المولى غسلـه ........ هلا أطعت وكنت من نصائحه جنبه ماءك ثم غسـله بـمـا ........ أذرت عيون المجد عند بكـائه وأزل مجاميع الحنوط ونحهـا ........ عنه وحنطه بطـيب ثـنـائه ومر الملائكة الكرام بحمـلـه ........ شرفاً ألست تراهموا بـإزائه لاتوه أعناق الرجال بحمـلـه ........ يكفي الذي حملوه من نعمـائه ثم مكث علي نور الدين ، شديد الحزن على والده مدة مديدة فبينما هو جالس يوماً من الأيام في بيت والده إذ طرق الباب طارق فنهض علي نور الدين وفتح الباب وإذا برجل من ندماء والده وأصحابه فقبل يد علي نور الدين ، وقال : يا سيدي من خلف مثلك ما مات وهذا مصير سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم يا سيدي طب نفساً ودع الحزن . فعند ذلك نهض علي نور الدين إلى قاعة الجلوس ونقل إليها ما يحتاج إليه واجتمع عليه أصحابه وأخذ جاريته واجتمع عليه عشرة من أولاد التجار ثم إنه أكل الطعام وشرب الشراب وجدد مقاماً بعد مقام وصار يعطي ويتكرم ، فعند ذلك دخل عليه وكيله وقال له : يا سيدي علي نور الدين أما سمعت قول بعضهم من ينفق ولم يحسب افتقر ، ولقد أحسن من قال هذه الأبيات : أصون دراهمي وأذب عنـهـا ........ لعلمي أنها سيفـي وتـرسـي أأبذلهـا إلـى أعـدا الأعـادي ........ وأبذل في الورى سعدي بنحسي فيأكلها ويشـربـهـا هـنـيئاً ........ ولا يسخو لي أحـد بـفـلـس وأحفظ درهمي عن كل شخص ........ لئيم الطبع لا يصفو لأنـسـي أحب إلي مـن قـول لـنـذل ........ أنلني درهماً لغـد بـخـمـس فيعرض وجهه ويصـدعـنـي ........ فتبقى مثل نفس الكلب نفسـي فيا ذل الرجـال بـغـير مـال ........ ولو كانت فضائلهم كشـمـس ثم قال : يا سيدي النفقة الجزيلة والمواهب العظيمة تفني المال . | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:22 pm | |
| فلما سمع علي نور الدين من وكيله هذا الكلام نظر إليه وقال له : جميع ما قلته لا أسمع منه كلمة فما أحسن قول الشاعر : أنا ما ملكت المال يوماً ولـم أجـد ........ فلا بسطت كفي ولا نهضت رجلي فهاتوا بخيلاً نال مجداً بـبـخـله ........ وهاتوا أروني باذلاً مات من بـذل ثم قال : اعلم أيها الوكيل أني أريد إذا فضل عندك ما يكفيني لغدائي أن لا تحملني هم عشائي . فانصرف الوكيل من عنده إلى حال سبيله وأقبل علي نور الدين ما هو فيه من مكارم الأخلاق وكل من يقول له من ندمائه أن هذا الشيء مليح يقول هو لك هبة أو يقول سيدي أن الدار الفلانية مليحة يقول هي لك هبة ولم يزل علي نور الدين يعقد لندمائه وأصحابه في أول النهار مجلساً وفي آخره مجلساً ومكث على هذا الحال سنة كاملة فبينما هو جالساً يوماً وإذا بالجارية تنشد هذين البيتين : أحسنت ظنك بالأيام إذا حسنـت ........ ولم تخف سوء ما يأتي به القدر وسالمتك الليالي فاغتررت بهـا ........ عند صفو الليالي يحدث الكـدر فلما فرغت من شعرها إذا بطارق يطرق الباب فقام علي نور الدين فتبعه بعض جلسائه من غير أن يعلم به فلما فتح الباب رآه وكيله فقال له علي نور الدين : ما الخبر ? فقال له : يا سيدي الذي كنا أخافه عليك منه قد وقع لك . قال : وكيف ذلك ? قال : اعلم أنه ما بقي لك تحت يدي شيء يساوي درهماً ولا أقل من درهم وهذه دفاتر المصروف الذي صرفته ودفاتر أصل مالك . فلما سمع علي نور الدين هذا الكلام أطرق رأسه إلى الأرض وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله . فلما سمع الرجل الذي تبعها خفية ، وخرج ليسأل عليه وماقاله الوكيل رجع إلى أصحابه وقال لهم : انظروا أي شيء تعملون فإن علي نور الدين قد أفلس . فلما رجع إليهم علي نور الدين ظهر لهم الغم في وجهه فعند ذلك نهض واحد من الندماء على قدميه ، ونظر إلى علي نور الدين وقال له : يا سيدي إني أريد أن تأذن لي بالانصراف . فقال علي نور الدين : لماذا الانصراف في هذا اليوم ? فقال : إن زوجتي تلد في هذه الليلة ولا يمكنني أن أتخلف عنها واريد أن أذهب إليها وأنظرها . فأذن له ونهض آخر وقال له : يا سيدي نور الدين أريد اليوم أن أحضر عند أخي فإنه يطاهر ولده . وكل واحد يستأذنه إلى حال سبيله حتى انصرفوا كلهم وبقي علي نور الدين وحده فعند ذلك دعا جاريته وقال : يا أنيس الجليس أما تنظرين ما حل بي . وحكى لها ما قاله الوكيل فقالت : يا سيدي منذ ليال هممت أن أقول لك على هذا الحال فسمعتك تنشد هذين البيتين : إذا جادت الدنيا عليك فجد بهـا ........ على الناس طرأ قبل ان تتفلت فلا جود يفنيها إذا هي أقبلـت ........ ولا الشح يبقيها إذا هي ولـت فلما سمعتك تنشدهما ولم أبد لك خطاباً . فقال لها : يا أنيس الجليس أنت تعرفين أني ما صرفت مالي إلا على أصحابي وأظنهم لا يتركونني من غير مؤاساة . فقالت أنيس الجليس : والله ما ينفعونك بنافعة . فقال علي نور الدين : فأنا في هذه الساعة أقوم واروح إليهم وأطرق أبوابهم لعلي أنال منهم شيئاً فأجعله في يدي رأس مال وأتجر فيه وأترك اللهو واللعب . ثم إنه نهض من وقته وساعته وما زال سائراً حتى أقبل على الزقاق الذي فيه أصحابه العشرة وكانوا كلهم ساكنين في ذلك الزقاق ، فتقدم إلى أول باب وطرقه فخرجت له جارية وقالت له : من أنت ? فقال : قولي لسيدك علي نور الدين واقف في الباب ويقول لك مملوكك يقبل أياديك وينتظر فضلك . فدخلت الجارية وأعلمت سيدها فصاح عليها وقال لها : ارجعي وقول له : ما هو هنا . فرجعت الجارية إلى علي نور الدين وقالت له : يا سيدي إن سيدي ما هو هنا . فتوجه علي نور الدين وقال في نفسه : إن كان هذا ولد زنا وأنكر نفسه فغيره ما هو ولد زنا . ثم تقدم إلى الباب الثاني وقال كما قال أولاً فأنكر الآخر نفسه فعند ذلك أنشد هذا البيت : ذهب الذين إذا وقفت ببابهـم ........ منوا عليك بما تريد من الندى فلما فرغ من شعره قال : والله لا بد أن أمتحنهم كلهم عسى أن يكون فيهم واحد يقوم مقام الجميع ، فدار على العشرة فلم يجد أحداً منهم فتح له الباب ولا أراه نفسه ولا أمر له برغيف فأنشد هذه الأبيات : المرء في زمن الإقبال كالشجرة ........ فالناس من حولها ما دامت الثمرة حتى إذا أسقطت كل الذي حملت ........ تفرقوا وأرادوا غيرها شـجـرة تباً لأبناء هذا الـدهر كـلهـم ........ فلم أجد واحداً يصفو من العشرة ثم إنه رجع إلى جاريته وقد تزايد همه فقالت له : يا سيدي أما قلت لكإنهم لا ينفعونك بنافعة ? فقال : والله ما فيهم من أراني وجهه . فقالت له : يا سيدي بع من أثاث البيت شيئاً فشيئاً وأنفق . فباع إلى أن باع جميع ما في البيت ولم يبق عنده شيء ، فعند ذلك نظر إلى أنيس الجليس وقال لها : ماذا نفعل الآن ? قالت له : يا سيدي عندي من الرأي أن تقوم في هذه الساعة وتنزل إلى السوق فتبيعني وأنت تعلم أن والدك كان قد اشتراني بعشرة آلاف دينار فلعل الله يفتح عليك ببعض هذا الثمن . وإذا قدر الله باجتماعنا نجتمع ، فقال لها : يا أنيس الجليس ما يهون علي فراقك ساعة واحدة . فقالت له : ولا أنا كذلك لكن للضرورة أحكام كما قال الشاعر : تلجئ الضرورات في الأمور إلى ........ سلـوك مـا لا يلـيق بـالأدب ما حامل نفسه عـلـى سـبب ........ إلا لأمـر يلـيق بـالـسـبـب فعند ذلك أخذت دموع أنيس الجليس تسيل على خديه ، ثم أنشد هذين البيتين : قفوا زودوني نظرة قبل فراقكم ........ أعلل قلباً كاد بالبـين يتـلـف فإن كان تزويدي بذلك كـلفة ........ دعوني في وجدي ولا تتكلفوا ثم مضى وسلمها إلى الدلال وقال له : أعرف مقدار ما تنادي عليه . فقال له الدلال : يا سيدي علي نور الدين الأصول محفوظة . ثم قال له : أها هي أنيس الجليس الذي كان اشتراها والدك مني بعشرة آلاف دينار ? قال : نعم . فعند ذلك طلع الدلال إلى التجار فوجدهم لم يجتمعوا كلهم فصبر حتى اجتمع سائر التجار وامتلأ السوق بسائر أجناس الجواري من تركية ورومية وشركسية وجرجية وحبشية فلما نظر الدلال إلى ازدحام السوق نهض قائماً وقال : يا تجار يا أرباب الأموال ما كل مدور جوزة ولا كل مستطيلة موزة ولا كل حمراء لحمة ولا كل بيضاء شحمة ولا كل صهباء خمرة ولا كل سمراء تمرة ، يا تجار هذه الدرة اليتيمة التي لا تفي الأموال لها بقية بكم تفتحون باب الثمن . فقال واحد : بأربعة آلاف دينار وخمسمائة . وإذا بالوزير المعين بن ساوي في السوق فنظر علي نور الدين واقفاً في السوق فقال في نفسه : ما باله واقفاً فإنه ما بقي عنده شيء يشتري به جواري . ثم نظر بعينيه فسمع المنادي وهو واقف ينادي في السوق والتجار حوله ، فقال الوزير في نفسه : ما أظنه إلا أفلس ونزل بالجارية ليبيعها . ثم قال في نفسه : إن صح ذلك فما أبرده على قلبي . ثم دعا المنادي فأقبل عليه وقبل الأرض بين يديه فقال : إني أريد هذه الجارية التي تنادي عليها . فلم يمكنه المخالفة فجاء بالجارية وقدمها بين يديه ، فلما نظر إليها وتأمل محاسنها من قامتها الرشيقة وألفاظها الرقيقة أعجبتها فقال له : إلى كم وصل ثمنها . فقال : أربعة آلاف وخمسمائة دينار . فلما سمع ذلك التجار ما قدر واحد منهم أن يزيد درهماً ولا ديناراً بل تأخروا لمايعلمون من ظلم ذلك الوزير ، ثم نظر الوزير معين بن ساوي إلى الدلال وقال : ما سبب وقوفك ، روح والجارية على أربعة آلاف ولك خمسمائة دينار . فراح الدلال إلى علي نور الدين وقال له : راحت الجارية عليك بلا ثمن . فقال له : وماسبب ذلك ? فقال له : نحن فتحنا باب سعرها بأربعة آلاف وخمسمائة دينار فجاء هذا الظالم المعين بن ساوي ودخل السوق فلما نظر الجارية أعجبته وقال لي شاور على أربعة آلاف ولك خمسمائة وما أظنه إلا يعرف أن الجارية لك فإن كان يعطيك ثمنها في هذه الساعة يكون ذلك من فضل الله ، لكن أنا أعرف من ظلمه أنه يكتب لك ورقة حوالة على بعض عملائه ثم يرسل إليهم ويقول : لا تعطوه شيئاً فكلما ذهبت إليهم لتطالبهم يقولون : في غد نعطيك ولا يزالون يعدونك ويخلفون يوماً بعد يوم وأنت عزيز النفس ، وبعد أن يضجوا من مطالبتك إياهم يقولون أعطنا ورقة الحوالة إذا أخذوا الورقة منك قطعوها وراح عليك ثمن الجارية . فلما سمع علي نور الدين من الدلال هذا الكلام نظر إليه وقال له : كيف يكون العمل ? فقال له : أنا أشير عليك بمشورة فإن قبلتها مني كان لك الحظ الأوفر . قال : تجيء في هذه الساعة عندي وأنا واقف وسط السوق وتأخذ الجارية من يدي وتلكمها وتقول لها : ويلك قد فديت يميني التي حلفتها ونزلت بك السوق حيث حلفت عليك أنه لا بد من إخراجك إلى السوق ومناداة الدلال عليك فإن فعلت ذلك ربما تدخل عليه الحيلة وعلى الناس ويعتقدون أنك ما نزلت بها إلا لأجل إبراز اليمين . فقال : هذا هو الرأي الصائب . ثم إن الدلال فارقه ، وجاء إلى وسط السوق وأمسك يد الجارية وأشار إلى الوزير المعين بن ساوي وقال : يا مولاي هذا مالكها قد اقبل . ثم جاء علي نور الدين إلى الدلال ونزع الجارية من يده ولكمها وقال : ويلك قد نزلت بك إلى السوق لأجل إبرار يميني . روحي إلى البيت وبعد ذلك لا تخالفيني فلست محتاجاً إلى ثمنك حتى أبيعك وأنا لو بعت أثاث البيت وأمثاله مرات عديدة ما بلغ قدر ثمنك . فلما نظر المعين بن ساوي إلى علي نور الدين قال له : ويلك وهل بقي عندك شيء يباع ويشترى . ثم إن المعين بن ساوي أراد أن يبطش به . فعند ذلك نظر التجار إلى علي نور الدين وكانوا كلهم يحبونه فقال لهم : ها أنا بين أيديكم وقد عرفتم ظلمه . فقال الوزير : والله لولا أنتم لقتلته . ثم رمزوا كلهم إلى بعضهم بعين الإشارة وقالوا : ما أحد منا يدخل بينك وبينه . فعند ذلك تقدم علي نور الدين إلى الوزير بن ساوي وكان علي نور الدين شجاعاً فجذب الوزير من فوق سرجه فرماه إلى الأرض وكان هناك معجنة طين فوقع الوزير في وسطها وجعل نور الدين يلكمه فجاءت لكمة على أسنانه فاختضبت لحيته بدمه وكان مع الوزير عشرة مماليك فلما رأوا نور الدين يفعل بسيدهم هذه الأفعال وضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم وأرادوا أن يهجموا على نور الدين ويقطعونه وإذا بالناس قالوا للمماليك : هذا وزير وهذا ابن وزير وربما اصطلحا مع بعضهما وتكونون مبغوضين عند كل منهما وربما جاءت فيه ضربة فتموتون جميعاً اقبح الموتات ومن الرأي أن لا تدخلوا بينهما . فلما فرغ علي نور الدين من ضرب الوزير أخذ جاريته ومضى إلى داره وأما الوزير ابن ساوي فإنه قام من ساعته وكان قماش ثيابه أبيض فصار ملوناً بثلاثة ألوان الطين ولون الدم ولون الرماد فلما رأى نفسه على هذه الحالة أخذ برشاً وجعله في رقبته وأخذ في يده حزمتين من محلفه وسار إلى أن وقف تحت القصر الذي فيه السلطان وصاح : يا ملك الزمان مظلوم . فأحضروه بين يديه فتأمله فرآه وزيره المعين بن ساوي فقال له : من فعل بك هذه الفعال ? فبكى وانتحب وأنشد هذين البيتين : أيظلمني الزمـان وأنـت فـيه ........ وتأكلني الكلاب وأنت غـيث ويروى من حياضك كل صـياد ........ وأعطش في حماك وأنت غيث ثم قال : يا سيدي هكذا كل من يحبك ويخدمك تجري له هذه المشاق . قال له : ومن فعل بك هذه الفعال ? فقال الوزير : اعلم أني خرجت اليوم إلى سوق الجواري لعلي أشتري جارية طباخة فرأيت في السوق جارية ما رأيت طول عمري مثلها فقال الدلال أنها لعلي بن خاقان وكان مولانا السلطان أعطى أباه سابقاً عشرة آلاف دينار ليشتري له بها جارية مليحة فاشترى تلك الجارية فأعجبته فأعطاها لولده فلما مات أبوه سلك طريق الإسراف حتى باع جميع ما عنده من الأملك والبساتين والأواني فلما أفلس ولم يبق عنده شيء نزل بالجارية إلى السوق على أن يبيعها ثم سلمها إلى الدلال فنادى عليها وتزايد فيها التجار حتى بلغ أربعة آلاف دينار ، فلما سمع كلامي نظر إلي وقال : يا شيخ النحس أبيعها لليهود والنصارى ولا أبيعها لك . فقلت : أنا ما اشتريتها لنفسي وإنما اشتريتها لمولانا السلطان الذي هو ولي نعمتنا . فلما سمع مني هذا الكلام اغتاظ وجذبني ورماني عن الجواد وأنا شيخ كبير وضربني ولم يزل يضربني حتى تركني كما تراني ، وأنا ما أوقعني في هذا كله إلا أني جئت لأشتري هذه الجارية لسعادتك . ثم إن الوزير رمى نفسه على الأرض وجعل يبكي ويرتعد ، فلما نظر السلطان حالته وسمع مقالته قام عرق الغضب بين عينيه ، ثم التفت إلى من بحضرته من أرباب الدولة ، وإذا بأربعين من ضاربي السيف وقفوا بين يديه فقال لهم : انزلوا في هذه الساعة إلى دار ابن خاقان وانهبوها واهدموها وآتوني به وبالجارية مكتفين واسحبوهما على وجوههما واتوا بهما بين يدي . فقالوا : السمع والطاعة . ثم إنهم قصدوا المسير إلى علي نور الدين وكان عند السلطان حاجب يقال له علم الدين سنجر وكان من مماليك الفضل بن خاقان والد علي نور الدين فلما سمع أمر السلطان ورأى الأعداء تهيئوا إلى قتل ابن سيده لم يهن عليه ذلك ، فركب جواده وسار إلى أن أتى بيت علي نور الدين فطرق الباب فخرج له علي نور الدين فلما رآه عرفه وأراد أن يسلم عليه فقال : يا سيدي ما هذا وقت سلام ولا كلام واسمع ما قال الشاعر : ونفسك فز بها إن خفت ضيماً ........ وخل الدار تنعي من بناهـا فإنك واجد أرضـاً بـأرض ........ ونفسك لم تجد نفساً سواها فقال علي نور الدين : ما الخبر ? فقال : انهض وفز بنفسك أنت والجارية فإن المعين بن ساوي نصب لكما شركاً ومتى وقعتما في يده قتلكما وقد أرسل إليكما السلطان أربعين ضارباً بالسيف والرأي عندي أن تهربا قبل أن يحل الضرر بكما . ثم إن سنجر مد يده إلى علي نور الدين بدنانير فعدها فوجدها أربعين ديناراً وقال له : يا سيدي خذ هذه الدنانير ولو كان معي أكثر من ذلك لأعطيتك إياه لكن ما هذا وقت معاتبة . فعند ذلك دخل علي نور الدين على الجارية وأعلمها بذلك فتخبلت ، ثم خرج الاثنان في الوقت إلى ظاهر المدينة وأرسل الله عليهما ستره ومشيا إلى ساحل البحر فوجدا مركباً تجهز للسفر والريس واقف في وسط المركب يقول : من بقي له حاجة من وداع أو زوادة أو نسي حاجته فليأت بها فإننا متوجهون . فقال كلهم : لم يبق لنا حاجة يا ريس . فعندئذ قال الريس لجماعته : هيا حلوا الطرف واقلعوا الأوتاد . فقال نور الدين : إلى أين يا ريس ? فقال : إلى دار السلام بغداد .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:23 pm | |
| تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس
الليلة الثامنة والأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الريس لما قال لعلي نور الدين : إلى دار السلام مدينة بغداد . نزل علي نور الدين ونزلت معه الجارية وعوموا ونشروا القلوع فساع بهم المركب وطاب لهم الريح . هذا ما جرى لهؤلاء وأما ما جرى للأربعين الذين أرسلهم السلطان فإنهم جاؤوا إلى بيت علي نور الدين فكسروا الأبواب ودخلوا وطافوا جميع الأماكن فلم يقفوا لهما على خبر ، فهدموا الدار ورجعوا وأعلموا السلطان فقال : اطلبوهما في أي مكان كانا فيه . فقالوا : السمع والطاعة . ثم نزل الوزير معين بن ساوي إلى بيته بعد أن خلع عليه السلطان خلعة وقال : لا يأخذ بثأرك إلا أنا . فدعا له بطول البقاء واطمأن قلبه ، ثم إن السلطان أمر أن ينادى في المدينة يا معاشر الناس كافة : قد أمر السلطان أن من عثر بعلي نور الدين بن خاقان وجاء به إلى السلطان خلع عليه خلعة وأعطاه ألف دينار ومن أخفاه أو عرف مكانه ولم يخبر به فإنه يستحق ما يجري عليه من النكال . فصار جميع الناس في التفتيش على علي نور الدين فلم يجدوا له أثر . هذا ما كان من هؤلاء . وأما ما كان من أمر علي نور الدين وجاريته فإنهما وصلا بالسلامة إلى بغداد فقال الريس : هذه بغداد وهي مدينة أمينة قد ولى عنها الشتاء ببرده وأقبل عليها فصل الربيع بورده وأزهرت أشجارها وجرت أنهارها . فعند ذلك طلع علي نور الدين هو وجاريته من المركب وأعطى الريس خمسة دنانير ثم سارا قليلاً فرمتهما المقادير بين البساتين فجاءا إلى مكان فوجداه مكنوساً مرشوشاً بمصاطب مستطيلة وقواديس معلقة ملآنة ماء وفوقه مكعب من القصب بطول الزقاق وفي صدر الزقاق باب بستان إلا أنه مغلق فقال علي نور الدين للجارية : والله إن هذا محل ملتح . فقالت : يا سيدي اقعد بنا ساعة على هذه المصاطب . فطلعا وجلسا على المصاطب ثم غسلا وجهيهما وأيديهما واستلذا بمرور النسيم فناما وجل من لا ينام ، وكان البستان يسمى بستان النزهة وهناك قصر يقال له يسمى قصر الفرجة وهو للخليفة هارون الرشيد وكان الخليفة إذا ضاق صدره يأتي إلى البستان ويدخل ذلك القصر فيقعد فيه وكان القصر له ثمانون شباكاً معلقاً فيه ثمانون قنديلاً وفي وسطه شمعدان كبير من الذهب فإذا دخله الخليفة أمر الجواري أن تفتح الشبابيك وأمر إسحق النديم والجواري أن يغنوا ما يشرح صدره ويزول همه ، وكان للبستان خولي شيخ كبير يقال له الشيخ إبراهيم ، واتفق أنه خرج ليقضي حاجة من أشغاله فوجد المتفرجين معهم النساء وأهل الريبة فغضب غضباً شديداً فصبر الشيخ حتى جاء عنده الخليفة في بعض الأيام فأعلمه بذلك فقال الخليفة : كل من وجدته على باب البستان افعل به ما أردت . فلما كان ذلك اليوم خرج الشيخ إبراهيم الخولي لقضاء حاجة عرضت له فوجد الاثنين نائمين في البستان مغطيين بإزار واحد فقال : أما عرفا أن الخليفة أعطاني إذناً أن كل من لقيته قتلته ولكن هذين ضرباً خفيفاً حتى لا يقترب أحد من البستان . ثم قطع جريدة خضراء وخرج إليهما ورفع يده فبان بياض إبطه وأراد ضربهما فتفكر في نفسه وقال : يا إبراهيم كيف تضربهما ولم تعرف حالهما وقد يكونان غريبان أو من أبناء السبيل ورمتهما المقادير هنا . سأكشف عن وجهيهما وأنظر إليهما . فرفع الإزار عن وجهيهما وقال : هذان حسنان لا ينبغي أن أضربهما ، ثم غطى وجهيهما وتقدم إلى رجل علي نور الدين وجعل يكبسها ففتح عينيه فوجده شيخاً كبيراً فاستحى علي نور الدين ولم رجليه واستوى قاعداً وأخذ يد الشيخ فقبلها فقال له : يا ولدي من أين أنتم ? فقال له : يا سيدي نحن غرباء . وفرت الدمعة من عينيه فقال الشيخ إبراهيم : يا ولدي اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إكرام الغريبن . ثم قال له : يا ولدي أما تقوم وتدخل البستان وتتفرج فيه فينشرح صدرك ? فقال له نور الدين : يا سيدي هذا البستان من يخص ? فقال: يا ولدي هذا ورثته من أهلي . وما كان قصد الشيخ إبراهيم بهذا الكلام إلا أن يطمئنهما ليدخلا البستان . فلما سمع نور الدين كلامه شكره وقام هو وجاريته والشيخ إبراهيم قدامهما فدخلوا البستان فإذا هو بستان بابه مقنطر عليه كروم وأعنابه مختلفة الألوان ، الأحمر كأنه ياقوت والأسود كأنه أبنوس ، فدخلوا تحت عريشة فوجدوا فيها الأثمار صنوان والأطيار تغرد بالألحان على الأغصان ، والهزار يترنم والقمر ملأ بصوته المكان والشحرور كأنه في تغريده إنسان والأثمار قد أينعت أثمارها من كل مأكول ومن فاكهة زوجان والمشمش ما بين كافوري ولوزي ومشمش خراسان والبرقوق كأنه لون الحسان والقراصية تذهل عقل كل إنسان والتين ما بين أحمر وأبيض وأخضر من أحسن الألوان والزهر كأنه اللؤلؤ والمرجان والورد يفضح بحمرته خدود الحسان والبنفسج كأنه الكبريت دنا من النيران والآس والمنتور والخزامى مع شقائق النعمان ، وتكالمت تلك الأوراق بمدامع الغمام وضحك ثغر الأقحوان وصار النرجس ناظر إلى ورد بعيون السودان والأترج كأنه أكواب والليمون كبنادق من ذهب وفرشت الأرض بالزهر من سائر الألوان وأقبل الربيع فأشرق ببهجته المكان والنهر في خرير والطير في هدير والريح في صفير والطقس في اعتدال والنسيم في اعتلال . ثم دخل بهما الشيخ إبراهيم القاعة المغلقة ، فابتهجوا بحسن تلك القاعة وما فيها من اللطائف الغريبة .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:24 pm | |
| تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس
الليلة التاسعة والأربعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشيخ إبراهيم دخل القاعة ومعه علي نور الدين والجارية وجلسوا بجانب بعض الشبابيك فتذكر علي نور الدين المقاساة التي مضت له فقال : والله إن هذا المكان في غاية الحسن ، لقد فكرني بما مضى وأطفأ من كربي جمر الغضى . ثم إن الشيخ إبراهيم قدم لهما الأكل فأكلا كفايتهما ثم غسلا ايديهما وجلس علي نور الدين في شباك من تلك الشبابيك وصاح على جاريته فأتت إليه فصارا ينظران إلى الأشجار وقد حملت سائر الأثمار ثم التفت علي نور الدين إلى الشيخ إبراهيم وقال له : يا شيخ إبراهيم أما عندك شيء من الشراب لأن الناس يشربون بعد أن يأكلوا . فجاءه الشيخ إبراهيم بماء حلو بارد فقال له نور الدين : ما هذا الشراب الذي تريده ? فقال له : أتريد خمراً ? فقال له نور الدين : نعم . فقال: أعوذ بالله منها إن لي ثلاثة عشر عاماً ما فعلت ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن شاربه وعاصره وحامله . فقال له نور الدين : اسمع مني كلمتين . قال : قل ما شئت . قال : إذا لم تكن عاصر الخمر ولا شاربه ولا حامله هل يصيبك من لعنهم شيء ? قال : لا . قال : خذ هذين الدينارين وهذين الدرهمين واركب هذا الحمار وقف بعيداً وأي إنسان وجدته يشتري فصح عليه وقل له : خذ هذين الدرهمين واشتر بهما خمراً واحمله على الحمار وحينئذ لا تكون شارباً ولا حاملاً ولا عاصراً ولا يصيبك شيء مما يصيب الجميع . فقال الشيخ إبراهيم وقد ضحك من كلامه : والله ما رأيت أظرف منك ولا أمحل من كلامك . فقال له نور الدين : نحن صرنا محسوبين عليك وما عليك إلا الموافقة فهات لنا بجميع ما نحتاج إليه . فقال له الشيخ إبراهيم : يا ولدي هذا كراري قدامك وهو الحاصل المعد لأمير المؤمنين فادخله وخذ منه ما شئت فإن فيه ما تريد . فدخل علي نور الدين الحاصل فرأى فيه أواني من الذهب والفضة والبلور مرصعة بأصناف الجواهر فأخرج منها ما أراد وسكب الخمر في البواطي والقناني وصار هو وجاريته يتعاطيان واندهشا من حسن ما رأيا . ثم إن الشيخ إبراهيم جاء إليهما بالمشموم وقعد بعيداً عنهما ، فلم يزالا يشربان وهما في غاية الفرح حتى تحكم معهما الشراب واحمرت خدودهما وتغازلت عيونهما واسترخت شعورهما فقال الشيخ إبراهيم : ما لي أقعد بعيداً عنهما ? كيف أقعد عندهما وأي وقت اجتمع في قصرنا مثل هذين الاثنين اللذين كأنهما قمران . ثم إن الشيخ تقدم وقعد في طرف الإيوان فقال له علي نور الدين : يا سيدي بحياتي أن تتقدم عندنا . فتقدم الشيخ عندهما فملأ نور الدين قدحاً ونظر إلى الشيخ إبراهيم وقال له : اشرب حتى تعرف لذة طعمه . فقال الشيخ : أعوذ باله إن لي ثلاث عشرة سنة ما فعلت شيئاً من ذلك . فتغافل عنه نور الدين وشرب القدح ورمى نفسه على الأرض وأظهر أنه غلب عليه السكر . فعند ذلك نظرت إليه أنيس الجليس وقالت له : يا شيخ إبراهيم انظر هذا كيف عمل معي . قال لها : يا سيدتي ماله ? قالت : دائماً يعمل معي هكذا فيشرب ساعة وينام وابقى وحدي لا أجد لي نديماً ينادمني على قدحي فإذا شربت فمن يعاطيني وإذا غنيت فمن يسمعني ? فقال لها الشيخ إبراهيم وقد حنت أعضاؤه ومالت نفسه إليها من كلامها : لا ينبغي من النديم أن يكون هكذا . ثم إن الجارية ملأت قدحاً ونظرت إلى الشيخ إبراهيم وقالت : بحياتي أن تأخذه وتشربه ولا ترده فاقبله واجبر خاطري . فمد الشيخ إبراهيم يده وأخذ القدح وشربه ، وملأت له ثانياً ومدت إليه يدها به وقالت له : يا سيدي بقي لك هذا . فقال لها : والله لا أقدر أن أشربه فقد كفاني الذي شربته . فقال له : والله لا بد منه . فأخذ القدح وشربه ، ثم أعطته الثالث فأخذه وأراد أن يشربه وإذا بنور الدين هم قاعداً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:24 pm | |
| تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس
الليلة الخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن علي نور الدين هم قاعداً فقال له : يا شيخ إبراهيم أي شيء هذا ? أما حلفت عليك من ساعة فأبيت وقلت أن لي ثلاثة عشر عاماً ما فعلته ? فقال الشيخ إبراهيم وقد استحى : ما لي ذنب فإنما هي شددت علي . فضحك نور الدين وقعدوا للمنادمة فالتفتت الجارية وقالت لسيدها : سر يا سيدي اشرب ولا تحلف على الشيخ إبراهيم حتى أفرجك عليه . فجعلت الجارية تملأ وتسقي سيدها وسيدها يملأ ويسقيها ولم يزالا كذلك مرة بعد مرة ، فنظر لهما الشيخ إبراهيم وقال لهما : أي شيء هذا وما هذه المنادمة ولا تسقياني وقد صرت نديمكما . فضحكا من كلامه إلى أن أغمي عليهما ثم شربا وسقياه وما زالوا في المنادمة إلى ثلث الليل فعند ذلك قالت الجارية : يا شيخ إبراهيم عن إذنك هل أقوم وأوقد شمعة من هذا الشمع المصفوف ? فقال لها : قومي ولا توقدي إلا شمعة واحدة . فنهضت على قدميها وابتدأت من أول الشمع إلى أن أوقدت ثمانين شمعة ثم قعدت وبعد ذلك قال نور الدين : يا شيخ إبراهيم وأنا أي شيء حظي عندك أما تخليني أوقد قنديلاً من هذه القناديل ? فقال له الشيخ إبراهيم : قم وأوقد قنديلاً واحداً ولا تتناقل أنت الآخر . فقام وابتدأ من أولها إلى أن أوقد ثمانين قنديلاً فعند ذلك رقص المكان . فقال لهما الشيخ إبراهيم وقد غلب عليه السكر : أنتما أخرع مني . ثم إنه نهض على قدميه وفتح الشبابيك جميعاً وجلس معهما يتنادمون ويتناشدون الأشعار وابتهج بهم المكان فقدر الله السميع العليم الذي جعل لكل شيء سبباً حيث أن الخليفة كان في تلك الساعة جالساً في شبابيك مطلة على ناحية الدجلة في ضوء القمر فنظر إلى تلك الجهة فرأى ضوء القناديل والشموع في البحر ساطعاً فلاحت من الخليفة التفاتة إلى القصر الذي في البستان فرآه يلهج من تلك الشموع والقناديل فقال : علي بجعفر البرمكي . فما كان إلا لحظة وقد حضر جعفر البرمكي بين يدي أمير المؤمنين فقال له : يا كلب الوزراء أتخدمني ولا تعلمني بما يحصل في مدينة بغداد ? فقال له جعفر : وما سبب هذا الكلام ? فقال : لولا أن مدينة بغداد أخذت مني ما كان قصر الفرجة مبتهجاً بضوء القناديل والشموع وانفتحت شبابيكه ويلك من الذي يكون له القدرة على هذه الفعال إلا إذا كانت الخلافة أخذت مني . فقال جعفر وقد ارتعدت فرائصه : ومن أخبرك أن قصر الفرجة أوقدت فيه القناديل والشموع وفتحت شبابيكه ? فقال له : تقدم عندي وانظر . فتقدم جعفر عند الخليفة ونظر ناحية البستان فوجد القصر كأنه شعلة من نور غلب على نور القمر ، فأراد جعفر أن يعتذر عن الشيخ إبراهيم الخولي ربما هذا الأمر بإذنه لما رأى فيه من المصلحة فقال : يا أمير المؤمنين كان الشيخ إبراهيم في الجمعة التي مضت قال لي : يا سيدي جعفر إني أريد أن أفرح أولادي في حياتك وحياة أمير المؤمنين . فقلت له : وما مرادك بهذا الكلام ? فقال لي : مرادي أن آخذ إذناً من الخليفة بأني أظاهر أولادي في القصر . فقلت له : افعل ما شئت من فرح أولادك وإن شاء الله أجتمع بالخليفة وأعلمه بذلك فراح من عندي على هذه الحال ونسيت أن أعلمك . فقال الخليفة : يا جعفر كان لك عندي ذنب واحد فصار لك عندي ذنبان لأنك أخطأت من وجهين : الوجه الأول أنك ما أعلمتني بذلك والوجه الثاني أنك بلغت الشيخ إبراهيم مقصوده فإنه ما جاء إليك وقال لك هذا الكلام إلا تعريضاً بطلب شيء من المال يستعين به على مقصوده فلم تعطه شيئاً ولم تعلمني حتى أعطيه . فقال جعفر : يا أمير المؤمنين نسيت . فقال الخليفة : وحق آبائي وأجدادي ما أتم بقية ليلتي إلا عنده ، فإنه رجل صالح يتردد إليه المشايخ ويساعد الفقراء ويؤاسي المساكين وأظن أن الجميع عنده في هذه الليلة فلا بد من الذهاب إليه لعل واحد منهم يدعو لنا دعوة يحصل لنا بها خيري الدنيا والآخرة وبما يحصل له نفع في هذا الأمر بحضوري ويفرح بذلك هو وأحبابه . فقال جعفر : يا أمير المؤمنين إن معظم الليل قد مضى وهم في هذه الساعة على وجه الانفضاض . فقال الخليفة : لا بد من الرواح عنده . فسكت جعفر وتحير في نفسه وصار لا يدري فنهض الخليفة على قدميه وقام جعفر بين يديه ومعهما مسرور والخادم ومشى الثلاثة متنكرين ونزلوا من القصر وجعلوا يشقون الطريق في الأزقة وهم في زي التجار إلى أن وصلوا إلى البستان المذكور فتقدم الخليفة فرأى البستان مفتوحاً فتعجب وقال : انظر الشيخ إبراهيم كيف ترك الباب مفتوحاً إلى هذا الوقت وما هي عادته . ثم أنهم دخلوا إلى أن انتهوا إلى آخر البستان ووقفوا تحت القصر ، فقال الخليفة : يا جعفر أريد أن أتسلل عليهم قبل أن أطلع عندهم حتى أنظر ما عليه المشايخ من النفحات وواردات الكرمات فإن لهم شؤوناً في الخلوات والجلوات لأننا الآن لم نسمع صوتاً ولم نر لهم أثراً . ثم إن الخليفة نظر فرأى شجرة جوز عالية فقال : يا جعفر أريد أن أطلع على هذه الشجرة فإن فروعها قريبة من الشبابيك وأنظر إليهم . ثم إن الخليفة طلع فوق الشجرة ولم يزل يتعلق من فرع إلى فرع حتى وصل إلى الفرع الذي يقابل الشباك وقعد فوقه ونظر من شباط القصر فرأى صبية وصبياً كأنهما قمران سبحان من خلقهما ورأى الشيخ إبراهيم قاعداً وفي يده قدح وهو يقول : يا سيدة الملاح الشرب بلا طرب غير فلاح ، ألم تسمعي قول الشاعر : أدرها بالكبير وبالصـغـير ........ وخذها من يد القمر المنـير ولا تشرب بلا طرب فإنـي ........ رأيت الخيل تشرب بالصفير فلما عاين الخليفة من الشيخ إبراهيم هذه الفعال قام عرق الغضب بين عينيه ونزل وقال : يا جعفر أنا ما رأيت شيئاً من كرمات الصالحين مثل ما رأيت في هذه الليلة فاطلع أنت الآخر على هذه الشجرة وانظر لئلا تفوتك بركات الصالحين . فلما سمع جعفر كلام أمير المؤمنين صار متحيراً في أمره وصعد إلى أعلى الشجرة وإذا به ينظر فرأى علي نور الدين والشيخ إبراهيم والجارية وكان الشيخ إبراهيم في يده القدح فلما عاين جعفر تلك الحالة أيقن بالهلاك ثم نزل فوقف بين يدي أمير المؤمنين فقال الخليفة : يا جعفر الحمد لله الذي جعلنا من المتبعين لظاهر الشريعة المطهرة وكفانا شر تلبيات الطريقة المزورة . فلم يقدر جعفر أن يتكلم من شدة الخجل ثم نظر الخليفة إلى جعفر وقال : يا هل ترى من أوصل هؤلاء إلى هذا المكان ومن أدخلهم قصري ? ولكن مثل هذا الصبي وهذه الصبية ما رأت عيني حسناً وجمالاً وقداً واعتدالاً مثلهما . فقال جعفر وقد استرجى رضا الخليفة : صدقت يا أمير المؤمنين . فقال : يا جعفر اطلع بنا على هذا الفرع الذي هو مقابلهم لنتفرج عليهم . فطلع الاثنان على الشجرة ونظراهما فسمع الشيخ إبراهيم يقول : يا سيدتي قد تركت الوقار بشرب العقار ولا يلذ ذلك إلا بنغمات الأوتار . فقالت له أنيس الجليس : يا شيخ إبراهيم والله لو كان عندي شيء من آلات الطرب لكان سرورنا كاملاً . فلما سمع الشيخ إبراهيم كلام الجارية نهض قائماً على قدميه فقال الخليفة لجعفر : يا ترى ماذا يريد أن يعمل ? فقال جعفر : لا أدري . فغاب الشيخ إبراهيم وعاد ومعه عوداً فتأمله الخليفة فإذا هو عود إسحق النديم . فقال الخليفة : والله إن غنت الجارية ولم تحسن الغناء صلبتكم كلكم وإن غنت وأحسنت الغناء فإني أعفوا عنهم وأصلبك أنت . فقال جعفر : اللهم اجعلها لا تحسن الغناء . فقال الخليفة : لأي شيء ? فقال : لأجل أن تصلبنا كلنا فيؤانس بعضنا بعضاً . فضحك الخليفة ، وإذا بالجارية أخذت العود وأصلحت أوتاره وضربت ضرباً يذيب الحديد ويفطن البليد وأخذت تنشد هذه الأبيات : أضحى التنائي بديلاً من تدانـينـا ........ وناب عن طيب لقيانا تجافـينـا بنتم وبنا فما ابتلت جـوانـحـنـا ........ شوقاً إليكم ولا جفت مـآقـينـا غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا ........ بأن نغص فقال الدهـر آمـينـا ما الخوف أن تقتلونا في منازلنـا ........ وإنما خوفنا أن تأثـمـوا فـينـا فقال الخليفة : والله يا جعفر عمري ما سمعت صوتاً مطرباً مثل هذا . فقال جعفر : لعل الخليفة ذهب ما عنده من الغيظ ? قال : نعم . ثم نزل من الشجرة هو وجعفر ثم التفت إلى جعفر وقال : أريد أن أطلع وأجلس عندهم واسمع الصبية تغني قدامي . فقال جعفر : إذا طلعت عليهم ربما تكدروا وأما الشيخ إبراهيم فإنه يموت من الخوف . فقال الخليفة : يا جعفر لا بد أن تعرفني حيلة أحتال بها على معرفة حقيقة هذا الأمر من غير أن يشعروا باطلاعنا عليهم . ثم إن الخليفة هو وجعفر ذهبا إلى ناحية الدجلة وهما متفكران في هذا الأمر وإذا بصياد واقف يصطاد وكان الصياد تحت شبابيك القصر فرمى شبكته ليصطاد ما يقتات به وكان الخليفة سابقاً صاح على الشيخ إبراهيم وقال له : ما هذا الصوت الذي سمعته تحت شبابيك القصر ? فقال له الشيخ إبراهيم : صوت الصيادين الذين يصطادون السمك . فقال : انزل وامنعهم من ذلك الموضع . فامتنع الصيادون من ذلك الموضع فلما كانت تلك الليلة جاء صياد يسمى كريماً ورأى باب البستان مفتوحاً فقال في نفسه : هذا وقت غفلة لعلي أستغنم في هذا الوقت صياداً ثم أخذ شبكته وطرحها في البحر وصار ينشد هذه الأبيات : يا راكب البحر في الأهوال والهلكة ........ أقصر عناك فليس الرزق بالحركة أما ترى البحر والصياد منتـصـب ........ في ليلة ونجوم الليل محـتـبـكة قد مد أطنابه والمـوج يلـطـمـه ........ وعينه لم تزل في كلل الـشـبـكة حتى إذا بات مسروراً بهـا فرحـاً ........ والحوت قد حط في فخ الردى حنكه وصاحب القصر أمسى فيه ليلـتـه ........ منعم البال في خير مـن الـبـركة وصار مستيقظاً من بعـد قـدرتـه ........ لكن في ملكه ظبياً وقـد مـلـكـه سبحان ربي يعطي ذا ويمنـع ذا ........ بعض يصيد وبعض يأكل السمكة فلما فرغ من شعره وإذا بالخليفة وحده واقف بجانبه فعرفه الخليفة فقال له : يا كريم . فالتفت إليه لما سمعه سماه باسمه فلما رأى الخليفة ارتعدت فرائصه وقال : والله يا أمير المؤمنين ما فعلته استهزاء بالمرسوم ولكن الفقر العيلة قد حملاني على ما ترى . فقال الخليفة : اصطاد على بختي . فتقدم الصياد وقد فرح فرحاً شديداً وطرح الشبكة وصبر إلى أن أخذت حدها وثبتت في القرار فطلع فيها من أنواع السمك ما لا يحصى ففرح بذلك الخليفة فقال : يا كريم اقلع ثيابك . فقلع ثيابه وكانت عليه جبة فيها مائة رقعة من الصوف الخشن وفيها من القمل الذي له أذناب ومن البراغيث ما يكاد أن يسير بها على وجه الأرض وقلع عمامته من فوق رأسه وكان له ثلاث سنين ما حلها وإنما كان إذا رأى خرقة لفها عليها ، فلما قلع الجبة والعمامة خلع الخليفة من فوق جسمه ثوبين من الحرير الإسكندراني والبعلبكي وملوطة وفرجية ، ثم قال للصياد : خذ هذه والبسها . ثم لبس الخليفة جبة الصياد وعمامته ووضع على وجهه لثاماً ثم قال للصياد : رح أنت إلى شغلك فقبل رجل الخليفة وأنشد هذين البيتين : أوليتني ما لا أقوم بـشـكـره ........ وكفيتني كل الأمور بأسرهـا فلأشكرنك ما حييت وإن أمـت ........ شكرتك مني عظمي في قبرها فلما فرغ الصياد من شعره حتى جال القمل على جلد الخليفة فصار يقبض بيده اليمين والشمال من على رقبته ويرمي ، ثم قال : يا صياد ويلك ما هذا القمل الكثير في هذه الجبة ? فقال : يا سيدي أنه في هذه الساعة يؤلمك فإذا مضت عليك جمعة فإنك لا تحس به ولا تفكر فيه . فضحك الخليفة وقال له : ويلك كيف أخلي هذه الجبة على جسدي ? فقال الصياد : إني أشتهي أن أقول لك كلاماً ولكن أستحي من هيبة الخليفة . فقال له : قل ماعندك ? فقال له : قد خطر ببالي يا أمير المؤمنين أنك إن أردت أن تتعلم الصيد لأجل أن تكون في يدك صنعة تنفعك فإن أردت ذلك يا أمير المؤمنين فإن هذه الجبة تناسبك . فضحك الخليفة من كلام الصياد ثم ولى الصياد إلى حال سبيله وأخذ الخليفة مقطف السمك ووضع فوقه قليلاً من الحشيش وأتى به إلى جعفر ، ووقف بين يديه فاعتقد جعفر أنه كريم الصياد فخاف عليه وقال : يا كريم ما جاء بك هنا انج بنفسك فإن الخليفة هنا في هذه الساعة . فلما سمع الخليفة كلام جعفر ضحك حتى استلقى على قفاه فقال جعفر : لعلك مولانا أمير المؤمنين . فقال الخليفة : نعم يا جعفر وأنت وزيري وجئت أنا وإياك هنا وما عرفتني فكيف يعرفني الشيخ ابراهيم وهو سكران ? فكن مكانك حتى أرجع إليك . فقال جعفر : سمعاً وطاعة . ثم إن الخليفة تقدم إلى باب القصر ودقه فقام الشيخ إبراهيم وقال : من بالباب ? فقال له : أنا يا شيخ إبراهيم . قال له : من أنت ? قال له : أنا كريم الصياد ، وسمعت أن عندك أضيافاً فجئت إليك بشيء من السمك فإنه مليح . وكان نور الدين هو والجارية يحبان السمك فلما سمعا ذكر السمك فرحا به فرحاً شديداً وقالا : يا سيدي افتح له ودعه يدخل لنا عندك بالسمك الذي معه . ففتح الشيخ إبراهيم فدخل الخليفة وهو في صورة الصياد وابتدأ بالسلام ، فقال له الشيخ إبراهيم : أهلا باللص السارق المقامر ، تعال أرنا السمك الذي معك . فأراهم إياه ، فلما نظروه فإذا هو حي يتحرك فقالت الجارية : والله يا سيدي إن هذا السمك مليح يا ليته مقلي . فقال الشيخ إبراهيم : والله صدقت . ثم قال للخليفة : يا صياد ليتك جئت بهذا السمك مقلياً قم فاقله لنا وهاته . فقال الخليفة : على الرأس أقليه وأجيء به . فقال له : عجل بقليه والإتيان به . فقام الخليفة يجري حتى وصل إلى جعفر، وقال : يا جعفر طلبوا السمك مقلياً . فقال : يا أمير المؤمنين هاته وأنا أقليه . فقال الخليفة : وتربة آبائي وأجدادي ما يقليه إلا أنا بيدي . ثم إن الخليفة ذهب إلى خص الخولي وفتش فيه فوجد فيه كل شيء يحتاج إليه من آلة القلي حتى الملح والزعتر وغير ذلك فتقدم للكانون وعلق الطاجن وقلاه قلياً مليحاً فلما استوى جعله على ورق الموز وأخذ من البستان ليموناً ، وطلع بالسمك ووضعه بين أيديهم فتقدم الصبي والصبية والشيخ إبراهيم وأكلوا فلما فرغوا غسلوا أيديهم فقال نور الدين : والله يا صياد إنك صنعت معنا معروفاً هذه الليلة . ثم وضع يده في جيبه وأخرج له ثلاثة دنانير من الدنانير التي أعطاه إياها سنجر وقت خروجه للسفر ، وقال : يا صياد اعذرني فوالله لو عرفتك قبل الذي حصل لي سابقاً لكنت نزعت مرارة الفقر من قلبك ، لكن خذ هذا بحسب الحال . ثم رمى الدنانير للخليفة فأخذها وقبلها ووضعها في جيبه وما كان مراد الخليفة بذلك إلا السماع من الجارية وهي تغني ، فقال الخليفة : أحسنت وتفضلت لكن مرادي من تصدقاتك العميمة أن هذه الجارية تغني لنا صوتاً حتى أسمعها . فقال نور الدين : يا أنيس الجليس . قالت : نعم . قال : لهاك وحياتي أن تغني لنا شيئاً من شأن خاطر هذا الصياد لأنه يريد أن يسمعك . فلما سمعت كلام سيدها أخذت العود وغمزته بعد أن فركت أذنه وأنشدت هذين البيتين: وغادة لعبت بالعود أنـمـلـهـا ........ فعادت النفس عند الجس تختلس قد أسمعت بالأغاني من به صمم ........ وقال احسنت مغنى من به خرس ثم إنها ضربت ضرباً غريباً إلى أن أذهلت العقول فقال نور الدين للصياد : هل أعجبتك الجارية وتحريكها الأوتار ? فقال الخليفة: أي والله . فقال نور الدين : هي هبة مني إليك هبة كريم لا يرجع في عطائه . ثم إن نور الدين نهض قائماً على قدميه وأخذ ملوطة ورماها على الخليفة وهو في صورة الصياد وأمره أن يخرج ويروح بالجارية فنظرت الجارية وقالت : يا سيدي هل أنت رائح بلا وداع إن كان ولا بد فقف حتى أودعك وأنشدت هذين البيتين : لئت غيبتموا عني فإن محلـكـم ........ لفي مهجتي بين الجوانح والحشا وأرجو من الرحمن جمعاً لشملنا ........ وذلك فضل الله يؤتيه من يشـا فلما فرغت من شعرها أجابها نور الدين وهو يقول : ودعتني يوم الفراق وقالـت ........ وهي تبكي من لوعة وفراق ما الذي أنت صانع بعد بعدي ........ قلت قولي هذا لمن هو باقي ثم إن الخليفة لما سمع ذلك صعب عليه التفريق بينهما والتفت إلى الصبي وقال له : يا سيدي نور الدين اشرح لي أمرك . فأخبره نور الدين بحاله من أوله إلى آخره فلما فهم الخليفة هذا الحال قال له : أين تقصد في هذه الساعة ? قال له : بلاد الله فسيحة . فقال له الخليفة : أنا أكتب لك ورقة توصلها إلى السلطان محمد بن سليمان الزيني فإذا قرأها لا يضرك بشيء .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:25 pm | |
| تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس
الليلة الخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن علي نور الدين هم قاعداً فقال له : يا شيخ إبراهيم أي شيء هذا ? أما حلفت عليك من ساعة فأبيت وقلت أن لي ثلاثة عشر عاماً ما فعلته ? فقال الشيخ إبراهيم وقد استحى : ما لي ذنب فإنما هي شددت علي . فضحك نور الدين وقعدوا للمنادمة فالتفتت الجارية وقالت لسيدها : سر يا سيدي اشرب ولا تحلف على الشيخ إبراهيم حتى أفرجك عليه . فجعلت الجارية تملأ وتسقي سيدها وسيدها يملأ ويسقيها ولم يزالا كذلك مرة بعد مرة ، فنظر لهما الشيخ إبراهيم وقال لهما : أي شيء هذا وما هذه المنادمة ولا تسقياني وقد صرت نديمكما . فضحكا من كلامه إلى أن أغمي عليهما ثم شربا وسقياه وما زالوا في المنادمة إلى ثلث الليل فعند ذلك قالت الجارية : يا شيخ إبراهيم عن إذنك هل أقوم وأوقد شمعة من هذا الشمع المصفوف ? فقال لها : قومي ولا توقدي إلا شمعة واحدة . فنهضت على قدميها وابتدأت من أول الشمع إلى أن أوقدت ثمانين شمعة ثم قعدت وبعد ذلك قال نور الدين : يا شيخ إبراهيم وأنا أي شيء حظي عندك أما تخليني أوقد قنديلاً من هذه القناديل ? فقال له الشيخ إبراهيم : قم وأوقد قنديلاً واحداً ولا تتناقل أنت الآخر . فقام وابتدأ من أولها إلى أن أوقد ثمانين قنديلاً فعند ذلك رقص المكان . فقال لهما الشيخ إبراهيم وقد غلب عليه السكر : أنتما أخرع مني . ثم إنه نهض على قدميه وفتح الشبابيك جميعاً وجلس معهما يتنادمون ويتناشدون الأشعار وابتهج بهم المكان فقدر الله السميع العليم الذي جعل لكل شيء سبباً حيث أن الخليفة كان في تلك الساعة جالساً في شبابيك مطلة على ناحية الدجلة في ضوء القمر فنظر إلى تلك الجهة فرأى ضوء القناديل والشموع في البحر ساطعاً فلاحت من الخليفة التفاتة إلى القصر الذي في البستان فرآه يلهج من تلك الشموع والقناديل فقال : علي بجعفر البرمكي . فما كان إلا لحظة وقد حضر جعفر البرمكي بين يدي أمير المؤمنين فقال له : يا كلب الوزراء أتخدمني ولا تعلمني بما يحصل في مدينة بغداد ? فقال له جعفر : وما سبب هذا الكلام ? فقال : لولا أن مدينة بغداد أخذت مني ما كان قصر الفرجة مبتهجاً بضوء القناديل والشموع وانفتحت شبابيكه ويلك من الذي يكون له القدرة على هذه الفعال إلا إذا كانت الخلافة أخذت مني . فقال جعفر وقد ارتعدت فرائصه : ومن أخبرك أن قصر الفرجة أوقدت فيه القناديل والشموع وفتحت شبابيكه ? فقال له : تقدم عندي وانظر . فتقدم جعفر عند الخليفة ونظر ناحية البستان فوجد القصر كأنه شعلة من نور غلب على نور القمر ، فأراد جعفر أن يعتذر عن الشيخ إبراهيم الخولي ربما هذا الأمر بإذنه لما رأى فيه من المصلحة فقال : يا أمير المؤمنين كان الشيخ إبراهيم في الجمعة التي مضت قال لي : يا سيدي جعفر إني أريد أن أفرح أولادي في حياتك وحياة أمير المؤمنين . فقلت له : وما مرادك بهذا الكلام ? فقال لي : مرادي أن آخذ إذناً من الخليفة بأني أظاهر أولادي في القصر . فقلت له : افعل ما شئت من فرح أولادك وإن شاء الله أجتمع بالخليفة وأعلمه بذلك فراح من عندي على هذه الحال ونسيت أن أعلمك . فقال الخليفة : يا جعفر كان لك عندي ذنب واحد فصار لك عندي ذنبان لأنك أخطأت من وجهين : الوجه الأول أنك ما أعلمتني بذلك والوجه الثاني أنك بلغت الشيخ إبراهيم مقصوده فإنه ما جاء إليك وقال لك هذا الكلام إلا تعريضاً بطلب شيء من المال يستعين به على مقصوده فلم تعطه شيئاً ولم تعلمني حتى أعطيه . فقال جعفر : يا أمير المؤمنين نسيت . فقال الخليفة : وحق آبائي وأجدادي ما أتم بقية ليلتي إلا عنده ، فإنه رجل صالح يتردد إليه المشايخ ويساعد الفقراء ويؤاسي المساكين وأظن أن الجميع عنده في هذه الليلة فلا بد من الذهاب إليه لعل واحد منهم يدعو لنا دعوة يحصل لنا بها خيري الدنيا والآخرة وبما يحصل له نفع في هذا الأمر بحضوري ويفرح بذلك هو وأحبابه . فقال جعفر : يا أمير المؤمنين إن معظم الليل قد مضى وهم في هذه الساعة على وجه الانفضاض . فقال الخليفة : لا بد من الرواح عنده . فسكت جعفر وتحير في نفسه وصار لا يدري فنهض الخليفة على قدميه وقام جعفر بين يديه ومعهما مسرور والخادم ومشى الثلاثة متنكرين ونزلوا من القصر وجعلوا يشقون الطريق في الأزقة وهم في زي التجار إلى أن وصلوا إلى البستان المذكور فتقدم الخليفة فرأى البستان مفتوحاً فتعجب وقال : انظر الشيخ إبراهيم كيف ترك الباب مفتوحاً إلى هذا الوقت وما هي عادته . ثم أنهم دخلوا إلى أن انتهوا إلى آخر البستان ووقفوا تحت القصر ، فقال الخليفة : يا جعفر أريد أن أتسلل عليهم قبل أن أطلع عندهم حتى أنظر ما عليه المشايخ من النفحات وواردات الكرمات فإن لهم شؤوناً في الخلوات والجلوات لأننا الآن لم نسمع صوتاً ولم نر لهم أثراً . ثم إن الخليفة نظر فرأى شجرة جوز عالية فقال : يا جعفر أريد أن أطلع على هذه الشجرة فإن فروعها قريبة من الشبابيك وأنظر إليهم . ثم إن الخليفة طلع فوق الشجرة ولم يزل يتعلق من فرع إلى فرع حتى وصل إلى الفرع الذي يقابل الشباك وقعد فوقه ونظر من شباط القصر فرأى صبية وصبياً كأنهما قمران سبحان من خلقهما ورأى الشيخ إبراهيم قاعداً وفي يده قدح وهو يقول : يا سيدة الملاح الشرب بلا طرب غير فلاح ، ألم تسمعي قول الشاعر : أدرها بالكبير وبالصـغـير ........ وخذها من يد القمر المنـير ولا تشرب بلا طرب فإنـي ........ رأيت الخيل تشرب بالصفير فلما عاين الخليفة من الشيخ إبراهيم هذه الفعال قام عرق الغضب بين عينيه ونزل وقال : يا جعفر أنا ما رأيت شيئاً من كرمات الصالحين مثل ما رأيت في هذه الليلة فاطلع أنت الآخر على هذه الشجرة وانظر لئلا تفوتك بركات الصالحين . فلما سمع جعفر كلام أمير المؤمنين صار متحيراً في أمره وصعد إلى أعلى الشجرة وإذا به ينظر فرأى علي نور الدين والشيخ إبراهيم والجارية وكان الشيخ إبراهيم في يده القدح فلما عاين جعفر تلك الحالة أيقن بالهلاك ثم نزل فوقف بين يدي أمير المؤمنين فقال الخليفة : يا جعفر الحمد لله الذي جعلنا من المتبعين لظاهر الشريعة المطهرة وكفانا شر تلبيات الطريقة المزورة . فلم يقدر جعفر أن يتكلم من شدة الخجل ثم نظر الخليفة إلى جعفر وقال : يا هل ترى من أوصل هؤلاء إلى هذا المكان ومن أدخلهم قصري ? ولكن مثل هذا الصبي وهذه الصبية ما رأت عيني حسناً وجمالاً وقداً واعتدالاً مثلهما . فقال جعفر وقد استرجى رضا الخليفة : صدقت يا أمير المؤمنين . فقال : يا جعفر اطلع بنا على هذا الفرع الذي هو مقابلهم لنتفرج عليهم . فطلع الاثنان على الشجرة ونظراهما فسمع الشيخ إبراهيم يقول : يا سيدتي قد تركت الوقار بشرب العقار ولا يلذ ذلك إلا بنغمات الأوتار . فقالت له أنيس الجليس : يا شيخ إبراهيم والله لو كان عندي شيء من آلات الطرب لكان سرورنا كاملاً . فلما سمع الشيخ إبراهيم كلام الجارية نهض قائماً على قدميه فقال الخليفة لجعفر : يا ترى ماذا يريد أن يعمل ? فقال جعفر : لا أدري . فغاب الشيخ إبراهيم وعاد ومعه عوداً فتأمله الخليفة فإذا هو عود إسحق النديم . فقال الخليفة : والله إن غنت الجارية ولم تحسن الغناء صلبتكم كلكم وإن غنت وأحسنت الغناء فإني أعفوا عنهم وأصلبك أنت . فقال جعفر : اللهم اجعلها لا تحسن الغناء . فقال الخليفة : لأي شيء ? فقال : لأجل أن تصلبنا كلنا فيؤانس بعضنا بعضاً . فضحك الخليفة ، وإذا بالجارية أخذت العود وأصلحت أوتاره وضربت ضرباً يذيب الحديد ويفطن البليد وأخذت تنشد هذه الأبيات : أضحى التنائي بديلاً من تدانـينـا ........ وناب عن طيب لقيانا تجافـينـا بنتم وبنا فما ابتلت جـوانـحـنـا ........ شوقاً إليكم ولا جفت مـآقـينـا غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا ........ بأن نغص فقال الدهـر آمـينـا ما الخوف أن تقتلونا في منازلنـا ........ وإنما خوفنا أن تأثـمـوا فـينـا فقال الخليفة : والله يا جعفر عمري ما سمعت صوتاً مطرباً مثل هذا . فقال جعفر : لعل الخليفة ذهب ما عنده من الغيظ ? قال : نعم . ثم نزل من الشجرة هو وجعفر ثم التفت إلى جعفر وقال : أريد أن أطلع وأجلس عندهم واسمع الصبية تغني قدامي . فقال جعفر : إذا طلعت عليهم ربما تكدروا وأما الشيخ إبراهيم فإنه يموت من الخوف . فقال الخليفة : يا جعفر لا بد أن تعرفني حيلة أحتال بها على معرفة حقيقة هذا الأمر من غير أن يشعروا باطلاعنا عليهم . ثم إن الخليفة هو وجعفر ذهبا إلى ناحية الدجلة وهما متفكران في هذا الأمر وإذا بصياد واقف يصطاد وكان الصياد تحت شبابيك القصر فرمى شبكته ليصطاد ما يقتات به وكان الخليفة سابقاً صاح على الشيخ إبراهيم وقال له : ما هذا الصوت الذي سمعته تحت شبابيك القصر ? فقال له الشيخ إبراهيم : صوت الصيادين الذين يصطادون السمك . فقال : انزل وامنعهم من ذلك الموضع . فامتنع الصيادون من ذلك الموضع فلما كانت تلك الليلة جاء صياد يسمى كريماً ورأى باب البستان مفتوحاً فقال في نفسه : هذا وقت غفلة لعلي أستغنم في هذا الوقت صياداً ثم أخذ شبكته وطرحها في البحر وصار ينشد هذه الأبيات : يا راكب البحر في الأهوال والهلكة ........ أقصر عناك فليس الرزق بالحركة أما ترى البحر والصياد منتـصـب ........ في ليلة ونجوم الليل محـتـبـكة قد مد أطنابه والمـوج يلـطـمـه ........ وعينه لم تزل في كلل الـشـبـكة حتى إذا بات مسروراً بهـا فرحـاً ........ والحوت قد حط في فخ الردى حنكه وصاحب القصر أمسى فيه ليلـتـه ........ منعم البال في خير مـن الـبـركة وصار مستيقظاً من بعـد قـدرتـه ........ لكن في ملكه ظبياً وقـد مـلـكـه سبحان ربي يعطي ذا ويمنـع ذا ........ بعض يصيد وبعض يأكل السمكة فلما فرغ من شعره وإذا بالخليفة وحده واقف بجانبه فعرفه الخليفة فقال له : يا كريم . فالتفت إليه لما سمعه سماه باسمه فلما رأى الخليفة ارتعدت فرائصه وقال : والله يا أمير المؤمنين ما فعلته استهزاء بالمرسوم ولكن الفقر العيلة قد حملاني على ما ترى . فقال الخليفة : اصطاد على بختي . فتقدم الصياد وقد فرح فرحاً شديداً وطرح الشبكة وصبر إلى أن أخذت حدها وثبتت في القرار فطلع فيها من أنواع السمك ما لا يحصى ففرح بذلك الخليفة فقال : يا كريم اقلع ثيابك . فقلع ثيابه وكانت عليه جبة فيها مائة رقعة من الصوف الخشن وفيها من القمل الذي له أذناب ومن البراغيث ما يكاد أن يسير بها على وجه الأرض وقلع عمامته من فوق رأسه وكان له ثلاث سنين ما حلها وإنما كان إذا رأى خرقة لفها عليها ، فلما قلع الجبة والعمامة خلع الخليفة من فوق جسمه ثوبين من الحرير الإسكندراني والبعلبكي وملوطة وفرجية ، ثم قال للصياد : خذ هذه والبسها . ثم لبس الخليفة جبة الصياد وعمامته ووضع على وجهه لثاماً ثم قال للصياد : رح أنت إلى شغلك فقبل رجل الخليفة وأنشد هذين البيتين : أوليتني ما لا أقوم بـشـكـره ........ وكفيتني كل الأمور بأسرهـا فلأشكرنك ما حييت وإن أمـت ........ شكرتك مني عظمي في قبرها فلما فرغ الصياد من شعره حتى جال القمل على جلد الخليفة فصار يقبض بيده اليمين والشمال من على رقبته ويرمي ، ثم قال : يا صياد ويلك ما هذا القمل الكثير في هذه الجبة ? فقال : يا سيدي أنه في هذه الساعة يؤلمك فإذا مضت عليك جمعة فإنك لا تحس به ولا تفكر فيه . فضحك الخليفة وقال له : ويلك كيف أخلي هذه الجبة على جسدي ? فقال الصياد : إني أشتهي أن أقول لك كلاماً ولكن أستحي من هيبة الخليفة . فقال له : قل ماعندك ? فقال له : قد خطر ببالي يا أمير المؤمنين أنك إن أردت أن تتعلم الصيد لأجل أن تكون في يدك صنعة تنفعك فإن أردت ذلك يا أمير المؤمنين فإن هذه الجبة تناسبك . فضحك الخليفة من كلام الصياد ثم ولى الصياد إلى حال سبيله وأخذ الخليفة مقطف السمك ووضع فوقه قليلاً من الحشيش وأتى به إلى جعفر ، ووقف بين يديه فاعتقد جعفر أنه كريم الصياد فخاف عليه وقال : يا كريم ما جاء بك هنا انج بنفسك فإن الخليفة هنا في هذه الساعة . فلما سمع الخليفة كلام جعفر ضحك حتى استلقى على قفاه فقال جعفر : لعلك مولانا أمير المؤمنين . فقال الخليفة : نعم يا جعفر وأنت وزيري وجئت أنا وإياك هنا وما عرفتني فكيف يعرفني الشيخ ابراهيم وهو سكران ? فكن مكانك حتى أرجع إليك . فقال جعفر : سمعاً وطاعة . ثم إن الخليفة تقدم إلى باب القصر ودقه فقام الشيخ إبراهيم وقال : من بالباب ? فقال له : أنا يا شيخ إبراهيم . قال له : من أنت ? قال له : أنا كريم الصياد ، وسمعت أن عندك أضيافاً فجئت إليك بشيء من السمك فإنه مليح . وكان نور الدين هو والجارية يحبان السمك فلما سمعا ذكر السمك فرحا به فرحاً شديداً وقالا : يا سيدي افتح له ودعه يدخل لنا عندك بالسمك الذي معه . ففتح الشيخ إبراهيم فدخل الخليفة وهو في صورة الصياد وابتدأ بالسلام ، فقال له الشيخ إبراهيم : أهلا باللص السارق المقامر ، تعال أرنا السمك الذي معك . فأراهم إياه ، فلما نظروه فإذا هو حي يتحرك فقالت الجارية : والله يا سيدي إن هذا السمك مليح يا ليته مقلي . فقال الشيخ إبراهيم : والله صدقت . ثم قال للخليفة : يا صياد ليتك جئت بهذا السمك مقلياً قم فاقله لنا وهاته . فقال الخليفة : على الرأس أقليه وأجيء به . فقال له : عجل بقليه والإتيان به . فقام الخليفة يجري حتى وصل إلى جعفر، وقال : يا جعفر طلبوا السمك مقلياً . فقال : يا أمير المؤمنين هاته وأنا أقليه . فقال الخليفة : وتربة آبائي وأجدادي ما يقليه إلا أنا بيدي . ثم إن الخليفة ذهب إلى خص الخولي وفتش فيه فوجد فيه كل شيء يحتاج إليه من آلة القلي حتى الملح والزعتر وغير ذلك فتقدم للكانون وعلق الطاجن وقلاه قلياً مليحاً فلما استوى جعله على ورق الموز وأخذ من البستان ليموناً ، وطلع بالسمك ووضعه بين أيديهم فتقدم الصبي والصبية والشيخ إبراهيم وأكلوا فلما فرغوا غسلوا أيديهم فقال نور الدين : والله يا صياد إنك صنعت معنا معروفاً هذه الليلة . ثم وضع يده في جيبه وأخرج له ثلاثة دنانير من الدنانير التي أعطاه إياها سنجر وقت خروجه للسفر ، وقال : يا صياد اعذرني فوالله لو عرفتك قبل الذي حصل لي سابقاً لكنت نزعت مرارة الفقر من قلبك ، لكن خذ هذا بحسب الحال . ثم رمى الدنانير للخليفة فأخذها وقبلها ووضعها في جيبه وما كان مراد الخليفة بذلك إلا السماع من الجارية وهي تغني ، فقال الخليفة : أحسنت وتفضلت لكن مرادي من تصدقاتك العميمة أن هذه الجارية تغني لنا صوتاً حتى أسمعها . فقال نور الدين : يا أنيس الجليس . قالت : نعم . قال : لهاك وحياتي أن تغني لنا شيئاً من شأن خاطر هذا الصياد لأنه يريد أن يسمعك . فلما سمعت كلام سيدها أخذت العود وغمزته بعد أن فركت أذنه وأنشدت هذين البيتين: وغادة لعبت بالعود أنـمـلـهـا ........ فعادت النفس عند الجس تختلس قد أسمعت بالأغاني من به صمم ........ وقال احسنت مغنى من به خرس ثم إنها ضربت ضرباً غريباً إلى أن أذهلت العقول فقال نور الدين للصياد : هل أعجبتك الجارية وتحريكها الأوتار ? فقال الخليفة: أي والله . فقال نور الدين : هي هبة مني إليك هبة كريم لا يرجع في عطائه . ثم إن نور الدين نهض قائماً على قدميه وأخذ ملوطة ورماها على الخليفة وهو في صورة الصياد وأمره أن يخرج ويروح بالجارية فنظرت الجارية وقالت : يا سيدي هل أنت رائح بلا وداع إن كان ولا بد فقف حتى أودعك وأنشدت هذين البيتين : لئت غيبتموا عني فإن محلـكـم ........ لفي مهجتي بين الجوانح والحشا وأرجو من الرحمن جمعاً لشملنا ........ وذلك فضل الله يؤتيه من يشـا فلما فرغت من شعرها أجابها نور الدين وهو يقول : ودعتني يوم الفراق وقالـت ........ وهي تبكي من لوعة وفراق ما الذي أنت صانع بعد بعدي ........ قلت قولي هذا لمن هو باقي ثم إن الخليفة لما سمع ذلك صعب عليه التفريق بينهما والتفت إلى الصبي وقال له : يا سيدي نور الدين اشرح لي أمرك . فأخبره نور الدين بحاله من أوله إلى آخره فلما فهم الخليفة هذا الحال قال له : أين تقصد في هذه الساعة ? قال له : بلاد الله فسيحة . فقال له الخليفة : أنا أكتب لك ورقة توصلها إلى السلطان محمد بن سليمان الزيني فإذا قرأها لا يضرك بشيء .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:26 pm | |
| تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس وبداية حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
الليلة الحادية والخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة لما قال لعلي نور الدين : أنا أكتب لك ورقة توصلها إلى السلطان محمد بن سليمان الزيني ، فإذا قرأها لا يضرك بشيء . فقال له على نور الدين : وهل في الدنيا صياد يكاتب الملوك ? إن هذا شيء لا يكون أبداً . فقال له الخليفة : صدقت ولكن أنا أخبرك بالسبب اعلم أني أنا قرأت أنا وإياه في مكتب واحد عن فقيه وكنت أنا عريفه ثم أدركته السعادة وصار سلطاناً وجعلني الله صياداً ولكن لم أرسل إليه في حاجة إلا قضاها ولو أدخلت إليه في كل يوم من شأن ألف حاجة لقضاها . فلما سمع نور الدين كلامه قال له : اكتب حتى أنظر . فأخذ دواة وقلماً ، وكتب : بعد البسملة أما بعد فإن هذا الكتاب من هارون الرشيد بن المهدي إلى حضرة محمد بن سليمان الزيني المشمول بنعمتي الذي جعلته نائباً عني في بعض مملكتي أعرفك أن الموصل إليك هذا الكتاب نور الدين بن خاقان الوزير فساعة وصوله عندكم تنزع نفسك من الملك وتجلسه مكانك فإني قد وليته على ما كنت وليتك عليه سابقاً فلا تخالف أمري والسلام . ثم أعطى علي نور الدين بن خاقان الكتاب فأخذه نور الدين وقبله وحطه في عمامته ونزل في الوقت مسافراً وطلع قصر السلطان ثم صرخ صرخة عظيمة فسمعه السلطان فطلبه فلما حضر بين يديه قبل الأرض قدامه ثم أخرج الورقة وأعطاه إياها فلما رأى عنوان الكتاب بخط أمير المؤمنين قام واقفاً على قدميه وقبلها ثلاث مرات وقال : السمع والطاعة لله تعالى ولأمير المؤمنين . ثم أحضر القضاة الأربعة والأمراء وأراد أن يخلع نفسه من الملك وإذا بالوزير المعين بن ساوي قد حضر فأعطاه السلطان ورقة أمير المؤمنين فلما قراها عن آخرها وأخذها في فمه ومضغها ورماها . فقال له السلطان وغضب : ويلك ما الذي حملك على هذه الفعال ? قال له : هذا ما اجتمع بالخليفة ولا بوزيره وإنما هو علق شيطان مكار وقع بورقة فيها خط الخليفة فزورها وكتب فيها ما أراد فلأي شيء تعزل نفسك من السلطنة مع أن الخليفة لم يرسل إليك رسولاً بخط شريف ولو كان هذا الأمر صحيحاً لأرسل معه حاجباً أو وزيراً لكنه جاء وحده . فقال له : وكيف العمل ? قال له : أرسل معي هذا الشاب وأنا آخذه وأتسلمه منك وأرسله صحبة حاجب إلى مدينة بغداد فإن كان كلامه صحيحاً يأتينا بخط شريف وتقليد وإن كان غير صحيح ترسلوه إلينا مع الحاجب وأنا آخذ حقي من غريمي . فلما سمع السلطان كلام الوزير ودخل عقله صاح على الغلمان فطرحوه وضربوه إلى أن أغمي عليه ثم أمر أن يضعوا في رجليه قيداً وصاح على السجان فلما حضر قبل الأرض بين يديه وكان هذا السجان يقال له قطيط ، فقال له : يا قطيط أريد أن تأخذ هذا وترميه في مطمورة من المطامير التي عندك في السجن ، وتعاقبه بالليل والنهار . فقال له السجان : سمعاً وطاعة . ثم أن السجان أدخل نور الدين في السجن وقفل عليه الباب ثم أمر بكنس مصطبة وراء الباب وفرشها بسجادة أو مخدة وأقعد نور الدين عليها وفك قيده وأحسن إليه ، وكان كل يوم يرسل إلى السجان ويأمر بضربه والسجان يظهر أنه يعاقبه ، وهو يلاطفه ولم يزل كذلك مدة أربعين يوماً . فلما كان اليوم الحادي والأربعون جاءت هدية من عند الخليفة فلما رآها السلطان أعجبته فشاور الوزراء في أمرها فقال : لعل هذه الهدية كانت للسلطان الجديد ? فقال الوزير المعين بن ساوي : لقد كان المناسب قتله وقت قدومه . فقال السلطان : والله لقد ذكرتني به انزل هاته واضرب عنقه . فقال الوزير : سمعاً وطاعة .ف قام وقال له : إن قصدي أن أنادي في المدينة من أراد أن يتفرج على ضرب رقبة نور الدين علي بن خاقان فليأت إلى القصر فيأتي جميع الناس ليتفرجوا عليه لأشفي فؤادي وأكمد حسامي . فقال له السلطان : افعل ما تريد . فنزل الوزير وهو فرحان مسرور وأقبل على الوالي وأمره أن ينادي بما ذكرناه فلما سمع الناس المنادي حزنوا وبكوا جميعاً حتى الصغار في المكاتب والسوقة في دكاكينهم وتسابق الناس يأخذون لهم أماكن ليتفرجوا فيها وذهب بعض الناس إلى السجن حتى يأتي معه ونزل الوزير ومعه عشرة مماليك إلى السجن ثم إنهم نادوا على نور الدين : هذا أقل جزاء من يزور مكتوباً على الخليفة إلى السلطان . ولا زالوا يطوفون به في البصرة إلى أن أوقفوه تحت شباك القصر وجعلوه في منقع الدم وتقدم إليه السياف وقال له : أنا عبد مأمور فإن كان لك حاجة فأخبرني بها حتى أقضيها لك ، فإنه ما بقي من عمرك إلا قدر ما يخرج السلطان وجهه من الشباك . فعند ذلك نظر يميناً وشمالاً ، وانشد هذه الأبيات : فهل فيكم خـل شـفـيق يعـينـنـي ........ سألتـكم بالـله رد جوابـي مضى الوقت من عمري وحانت منيتي ........ فهل راحم لي كي ينـال ثوابي وينظر في حالي ويكشف كـربـتـي ........ بشربة ماء كي يهـون عذابي فتباكت الناس عليه وقام السياف وأخذ شربة ماء يناوله إياها ، فنهض الوزير من مكانه وضرب قلة الماء بيده فكسرها وصاح على السياف وأمره بضرب عنقه فعند ذلك عصب عيني علي نور الدين فصاح الناس على الوزير ، وأقاموا عليه الصراخ وكثر بينهم القيل والقال فبينما هم كذلك وإذا بغبار قد علا وعجاج ملأ الجو والفلا فلما نظر إليه السلطان وهو قاعد في القصر قال : انظروا ما الخبر ؟ فقال الوزير : نصبر حتى نضرب عنق هذا قبل .... فقال له السلطان : اصبر أنت حتى ننظر الخبر . وكان ذلك الغبار غبار جعفر وزير الخليفة ومن معه وكان السبب في مجيئهم أن الخليفة مكث ثلاثين يوماً لم يتذكر قصة علي نور الدين بن خاقان ولم يذكرها له أحد إلى أن جاء ليلة من الليالي إلى مقصورة أنيس الجليس فسمع بكاءها وهي تنشد بصوت رقيق قول الشاعر : خيالك في التباعد والتداني ........ وذكرك لا يفارقه لساني وتزايد بكاؤها وإذا قد فتح الباب ودخل المقصورة فرأى أنيس الجليس وهي تبكي ، فلما رأت الخليفة وقعت على قدميه وقبلتهما ثلاث مرات ، ثم أنشدت هذين البيتين : أيا من زكا أصـلاً وطـاب ولادة ........ وأثمر غصناً يانعاً وزكا جنـسـا أذكرك الوعد الذي سـمـت بـه ........ محاسنك الحسنا وحاشاك أن تنسى فقال الخليفة : من أنت ? قالت : أنا هدية علي بن خاقان إليك ، وأريد إنجاز الوعد الذي وعدتني به من أنك ترسلني إليه مع الشريف ، والآن لي هنا ثلاثون يوماً لم أذق طعم النوم . فعند ذلك طلب الخليفة جعفر البرمكي ، وقال : من مدة ثلاثين يوماً لم أسمع بخبر علي بن خاقان وما أظن إلا أن السلطان قتله ولكن وحياة رأسي وتربة آبائي وأجدادي إن كان جرى له أمر مكروه لأهلكن من كان سبباً فيه ولو كان أعز الناس عندي وأريد أن تسافر أنت في هذه الساعة إلى البصرة وتأتي بأخبار الملك محمد بن سليمان الزيني مع علي بن خاقان . فامتثل أمره وسافر ، فلما أقبل جعفر نظر ذلك الهرج والمرج والازدحام فقال الوزير جعفر : ما هذا الازدحام ? فذكروا له ما هم فيه من أمر علي نور الدين بن خاقان . فلما سمع جعفر كلامهم أسرع بالطلوع إلى السلطان وسلم عليه وأعلمه بما جاء فيه وأنه إذا كان وقع لعلي نور الدين أمر مكروه فإن السلطان يهلك ما كان السبب في ذلك ثم إنه قبض على السلطان والوزير المعين بن ساوي وأمر بإطلاق علي نور الدين بن خاقان وأجلسه سلطاناً في مكان السلطان محمد بن سليمان الزيني وقعد ثلاثة أيام في البصرة مدة الضيافة فلما كان صبح اليوم الرابع التفت علي بن خاقان إلى جعفر وقال : إني اشتقت إلى رؤية أمير المؤمنين . فقال جعفر للملك محمد بن سليمان : تجهز للسفر فإننا نصلي الصبح وتنوجه إلى بغداد . فقال : السمع والطاعة . ثم إنهم وصلوا الصبح وركبوا جميعهم ومعهم الوزير المعين بن ساوي وصار يتندم على فعله وأما علي نور الدين بن خاقان فإنه ركب بجانب جعفر ، وما زالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى بغداد دار السلام ، وبعد ذلك دخلوا على الخليفة ، فلما دخلوا عليه حكوا له قصة علي نور الدين فعند ذلك أقبل الخليفة على علي نور الدين بن خاقان وقال له : خذ هذا السيف واضرب به رقبة عدوك . فأخذه وتقدم إلى المعين بن ساوي فنظر إليه وقال : أنا عملت بمقتضى طبيعتي فاعمل أنت بمقتضى طبيعتك . فرمى السيف من يده ونظر إلى الخليفة وقال : يا أمير المؤمنين إنه خدعني وأنشد قول الشاعر : فخدعته بخديعة لمـا أتـى ........ والحر يخدعه الكلام الطيب فقال الخليفة : اتركه أنت . ثم قال لمسرور : يا مسرور قم أنت واضرب رقبته . فقام مسرور ورمى رقبته فعند ذلك قال الخليفة لعلي بن خاقان : تمن علي . فقال له : يا سيدي أنا ما لي حاجة بملك البصرة وما أريد إلا مشاهدة وجه حضرتك . فقال الخليفة : حباً وكرامة ثم إن الخليفة دعا بالجارية فحضرت بين يديه فأنعم عليهما وأعطاهما قصراً من قصور بغداد ورتب لهما مرتبات وجعله من ندمائه وما زال مقيماً عنده إلى أن أدركه الممات وليس هذا بأعجب من حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنه ? قال الملك شهريار : وكيف ذلك ?
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان تاجر من التجار له مال وله ولد كأنه البدر ليلة تمامه فصيح اللسان اسمه غانم بن أيوب المتيم المسلوب . وله أخت اسمها فتنة من فرط حسنها وجمالها فتوفي والدهما وخلف لهما مالاً جزيلاً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:28 pm | |
| تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
الليلة الثانية والخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن ذلك التاجر خلف لهما مالاً جزيلاً ومن جملة ذلك مائه حمل من الخز والديباج ونوافج المسك ، ومكتوب على الأحمال هذا بقصد بغداد وكان مراده أن يسافر إلى بغداد فلما توفاه الله تعالى ومضت مدة أخذ ولده هذه الأحمال وسافر بها إلى بغداد وكان ذلك في زمن هارون الرشيد وودع أمه وأقاربه وأهل بلدته قبل سيره وخرج متوكلاً على الله تعالى وكتب الله له السلامة ، حتى وصل إلى بغداد وكان مسافراً بصحبة جماعة من التجار فاستأجر له داراً حسنة وفرشها بالبسط والوسائد وأرخى عليها الستور وأنزل فيها تلك الأحمال والبغال والجمال ، وجلس حتى استراح وسلم عليه تجار بغداد وأكابرها ثم أخذ بقجة فيها عشرة تفاصيل من القماش النفيس مكتوب عليها أثمانها ونزل بها إلى سوق التجار فلاقوه وسلموا عليه وأكرموه وتلقوه بالترحيب وأنزلوه على دكان شيخ السوق وباع التفاصيل ، فربح في كل دينار دينارين ، ففرح غانم وصار يبيع القماش والتفاصيل شيئاً فشيئاً ولم يزل كذلك سنة وفي أول السنة الثانية جاء إلى ذلك السوق فرأى بابه مقفولاً فسأل عن سبب ذلك فقيل له أنه توفي واحد من التجار وذهب التجار كلهم يمشون في جنازته فهل لك أن تكسب أجراً وتمشي معهم ? فقال : نعم . ثم سأل عن محل الجنازة فدلوه على المحل فتوضأ ثم مشى مع التجار إلى أن وصلوا المصلى وصلوا على الميت ثم مشى التجار جميعهم قدام الجنازة إلى المقبرة فتبعهم غانم إلى أن وصلوا بالجنازة خارج المدينة ومشوا بين المقابر حتى وصلوا إلى المدفن فوجدوا أهل الميت نصبوا على القبر خيمة وأحضروا الشموع والقناديل ، ثم دفنوا الميت وجلس القراء يقرؤون على ذلك القبر فجلس التجار ومعهم غانم بن أيوب وهو غالب عليه الحياء فقال في نفسه : أنا لم أقدر أن أفارقهم حتى أنصرف معهم . ثم إنهم جلسوا يسمعون القرآن إلى وقت العشاء فقدموا لهم العشاء والحلوى ، فأكلوا حتى اكتفوا وغسلوا أيديهم ثم جلسوا مكانهم فاشتغل خاطر غانم ببضاعته ، وخاف من اللصوص وقال في نفسه : أنا رجل غريب ومنهم بالمال ، فإن بت الليلة بعيداً عن منزلي سرق اللصوص ما فيه من المال والأحمال . وخاف على متاعه فقام وخرج من بين الجماعة واستأذنهم على أنه يقضي حاجة فسار يمشي ويتتبع آثار الطريق حتى جاء إلى باب المدينة وكان ذلك الوقت نصف الليل فوجد باب المدينة مغلقاً ولم ير أحداً غادياً ولا رائحاً ولم يسمع صوتاً سوى نبيح الكلاب ، وعوي الذئاب فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله كنت خائفاً على مالي وجئت من أجله فوجدت الباب مغلقاً فصرت الآن خائفاً على روحي . ثم رجع ينظر له محلاً ينام فيه إلى الصباح فوجد تربة محوطة بأربع حيطان ، وفيها نخلة ولها باب من الصوان مفتوح ، فدخلها وأراد أن ينام فلم يجئه نوم وأخذته رجفة ووحشة وهو بين القبور ، فقام واقفاً على قدميه وفتح باب المكان ونظر فرأى نوراً يلوح على بعد في ناحية المدينة فمشى قليلاً فرأى النور مقبلاً في الطريق التي توصل إلى التربة التي هو فيها فخاف غانم على نفسه ، وأسرع برد الباب وتعلق حتى طلع فوق النخلة وتدارى في قلبها فصار النور يتقرب من التربة فتأمل النور فرأى ثلاثة عبيد اثنان حاملان صندوقاً والثالث في يده فأس وفانوس فلما قربوا من التربة قال أحد العبدين الحاملين الصندوق : ويلك يا صواب . فقال العبد الآخر : مالك يا كافور ? فقال : إنا كنا هنا وقت العشاء وخلينا الباب مفتوحاً . فقال : نعم هذا الكلام صحيح . فقال : ها هو مغلق . فقال لهما الثالث وهو حامل الفأس والنور وكان اسمه بخيتاً : ما أعقل عقلكما أما تعرفان أن أصحاب الغيطان يخرجون من بغداد ويترددون هنا فيمسي عليهم المساء فيدخلون هنا ويغلقون عليهم الباب خوفاً من السودان الذين هم مثلنا أن يأخذوهم ويشووهم ويأكلوهم . فقالوا له : صدقت وما فينا أقل عقلاً منك . فقال لهم : إنكم لم تصدقوني حتى ندخل التربة ونجد فيها أحداً ، وأظن أنه كان فيها أحداً ورأى النور وهرب فوق النخلة . فلما سمع غانم كلام العبيد قال في نفسه : ما أمكر هذا العبد فقبح الله السودان لما فيهم من الخبث واللؤم . ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وما الذي يخلصني من هذه الورطة ؟ ثم إن الاثنين الحاملين للصندوق قالا لمن معه الفأس : تعلق على الحائط وافتح الباب لنا يا بخيت لأننا تعبنا من الصندوق على رقابنا فإذا فتحت لنا الباب لك علينا واحد من الذين نمسكهم ونقليه لك قلياً جيداً بحيث لا يضيع من دهنه شيء . فقال بخيت : أنا خائف من شيء تذكرته من قلة عقل وهو أننا نرمي الصندوق وراء الباب لأنه ذخيرتنا . فقالا له : إن رميناه ينكسر . فقال : أنا فكرت أن يكون في داخل التربة حرامية من الذين يقتلون الناس ويسرقون أموالهم لأنهم إذا أمسى عليهم الوقت يدخلون في هذه الأماكن ويقسمون معهم . فقال له الاثنان الحاملان للصندوق : يا قليل العقل هل يقدرون أن يدخلوا هذا المكان ؟ فحملا الصندوق وتعلقا على الحائط ونزلا وفتحا الباب والعبد الثالث الذي هو خبيث واقف لهما بالنور والمقطف الذي فيه بعض من الجبس . ثم إنهم جلسوا وقفلوا الباب فقال واحد منهم : يا أخوتي نحن تعبنا من المشي والشيل والحط وفتح الباب وقفله وهذا الوقت نصف الليل ، ولم يبق فينا قوة لفتح الباب ودفن الصندوق ولكننا نجلس هنا ثلاث ساعات لنستريح ثم نقوم ونقضي حاجتنا ولكن كل واحد منا يحكي سبب تطويشه وجميع ما وقع له من المبتدأ إلى المنتهى لأجل فوات هذه الليلة .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:29 pm | |
| تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
الليلة الثالثة والخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العبيد الثلاثة لما قالوا لبعضهم : كل واحد يحكي جميع ما وقع له . قال الأول وهو الذي كان حامل النور : أنا أحكي لكم حكايتي . فقالوا له : تكلم . قال لهم : اعلموا يا أخواني أني لما كنت صغيراً جاء بي الجلاب من بلدي وعمري خمس سنين فباعني لواحد جاويش وكان له بنت عمرها ثلاث سنوات فتربيت معها وكانوا يضحكون علي وأنا ألاعب البنت وأرقص معها إلى أن صار عمري اثنتي عشرة سنة وهي بنت عشر سنين ولا يمنعونني عنها إلى أن دخلت عليها يوماً من الأيام وهي جالسة في البيت لأنها كانت معطرة مبخرة ووجهها مثل القمر في ليلة أربعة عشر فلاعبتني ولاعبتها ، فدفعتني إلى الأرض فوقعت على ظهري وركبت على صدري وصارت تتمرغ علي ، فهاجت الحرارة عندي وحضنتها فشبكت يديها في عنقي وفرطت علي بجسدها فلم أشعر إلا وأنا قد أزلت بكارتها ، فلما عاينت ذلك هربت عند أصحابي فدخلت عليها أمها فلما رأت حالها غابت عن الدنيا ، ثم تداركت أمرها وأخفت حالها عن أبيها وكتمته وصبرت عليها مدة شهرين ، كل هذا وهم ينادونني ويلاطفونني حتى أخذوني من المكان الذي كنت فيه ولم يذكروا شيئاً من هذا الأمر لأبيها لأنهم كانوا يحبونني كثيراً . ثم إن أمها خطبت لها شاباً مزين كان يزين أباها وأمهرتها من عندها وجهزتها كل هذا وأبوها لا يعلم بحالها وصاروا يجتهدون في تحصيل جهازها ثم إنهم أمسكوني على غفلة فعلوا بي ما منعني من رجولتي ولما زفوها للعريس جعلوني طواشياً لها أمشي قدامها أينما راحت سواء كان رواحها إلى الحمام أو إلى بيت أبيها وقد ستروا أمرها . وليلة الدخلة ذبحوا على قميصها حمامة ومكثت عندها مدة طويلة وأنا أتملى بحسنها وجمالها على قدر ما أمكنني من تقبيل وعناق إلى أن ماتت هي وزوجها وأمها وأبوها ، ثم أخذت بيت المال وصرت هذا المكان وقد ارتفعت بكم وهذا سبب ما قطع عندي والسلام . فقال العبد الثاني : اعلموا يا إخواني اني كنت في ابتداء أمري ابن ثمان سنين ولكن كنت أكذب على الجلابة كل سنة كذبة حتى يقعوا في بعضهم ، فقلق مني الجلاب وأنزلني في يد الدلال وأمره أن ينادي من يشتري هذا العبد على عيبه فقيل له : وما عيبه ? قال : يكذب في كل سنة كذبة واحدة . فتقدم رجل تاجر إلى الدلال وقال له : كم أعطوا في هذا العبد من الثمن على عيبه ? قال : أعطوا ستمائة درهم . قال : ولك عشرون . فجمع بينه وبين الجلاب وقبض منه الدراهم وأوصلني الدلال إلى منزل ذلك التاجر وأخذ دلالته ، فكساني التاجر ما يناسبني ومكثت عنده باقي سنتي إلى أن هلت السنة الجديدة بالخير وكانت سنة مباركة مخصبة بالنبات فصار التجار يعملون العزومات وكل يوم على واحد منهم إلى أن جاءت العزومة على سيدي في بستان خارج البلد فراح هو والتجار وأخذ لهم ما يحتاجون إليه من أكل وغيره فجلسوا يأكلون ويشربون ويتنادمون إلى وقت الظهر فاحتاج سيدي إلى مصلحة من البيت فقال : يا عبد اركب البغلة وروح إلى المنزل وهات من سيدتك الحاجة الفلانية وارجع سريعاً . فامتثلت لأمره ورحت إلى المنزل وأخبرتهم أن سيدي جلس تحت الحائط لقضاء حاجة فوقع الحائط عليه ومات . فلما سمع أولاده وزوجته ذلك الكلام صرخوا وشقوا ثيابهم ولطموا على وجوههم فأتت إليهم الجيران ، وأما زوجة سيدي فإنها قلبت متاع البيت بعضه على بعض وخلعت رفوفه وكسرت طبقاته وشبابيكه وسخمت حيطانه بطين ونيلة وقالت : ويلك يا كافور تعال ساعدني واخرب هذه الدواليب وكسر هذه الأواني والصيني . فجئت إليها وأخرجت معها رفوف البيت وأتلفت ما عليها ودواليبه وأتلفت ما فيها ودرت على السقوف وعلى كل محل حتى أخرجت الجميع وأنا أصيح واسيداه ثم خرجت سيدتي مكشوفة الوجه بغطاء رأسها لا غير وخرج معها البنات والأولاد وقالوا : يا كافور امش وأرنا مكان سيدك الذي هو ميت فيه تحت الحائط حتى نخرجه من تحت الردم ونحمله في تابوت ونجيء به إلى البيت فنخرجه خرجة مليحة . فمشيت قدامهم وأنا أصيح واسيداه وهم خلفي مكشوفوا الوجوه والرؤوس يصيحون : وامصيبتاه وانكبتاه . فلم يبق أحد من الرجال ولا من النساء ولا من الصبيان ولا صبية ولا عجوزة إلا جاءت معنا وصاروا كلهم يلطمون وهم في شدة البكاء فمشيت بهم في المدينة فسأل الناس عن الخبر فأخبروهم بما سمعوا مني فقال الناس : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إننا نمضي للوالي ونخبره . فلما وصلوا إلى الوالي أخبروه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:30 pm | |
| تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
الليلة الرابعة والخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العبد قال : فلما وصلوا إلى الوالي وأخبروه قام الوالي وركب وأخذ معه الفعلة بالمساحي والقفف ومشوا تابعين أثري ومعهم كثير من الناس وأنا أبكي وأصيح وأحثو التراب على رأسي وألطم على وجهي فلما دخلت عليهم ورآني سيدي بهت واصفر لونه وقال : ما لك يا كافور وما هذا الحال وما الخبر ? فقلت له : إنك لما أرسلتني إلى البيت لأجيء لك بالذي طلبته رحت إلى البيت ودخلته فرأيت الحائط التي في القاعة وقعت فانهدمت القاعة كلها على سيدتي وأولادها . فقال لي : وهل سيدتك لم تسلم ? فقال : لا ما سلم منهم أحد وأول من مات منهم سيدتي الكبيرة . فقال : وهل سلمت بنتي الصغيرة ? فقلت : لا . فقال لي : وما حال البغلة التي أركبها هل هي سالمة ? فقلت له : لا يا سيدي فإن حيطان البيت وحيطان الاصطبل انطبقت على جميع ما في البيت حتى على الغنم والإوز والدجاج وصاروا كلهم كوم لحم وصاروا تحت الردم ولم يبق منهم أحد . فقال لي : ولا سيدك الكبير ? فقلت له : لا فلم يسلم منهم أحد ، وفي هذه الساعة لم يبق هناك دار ولا سكان ولم يبق من ذلك كله أثر ، وأما الغنم والإوز والدجاج فإن الجميع أكلها القطط والكلاب . فلما سمع سيدي كلامي صار الضياء في وجهه ظلاماً ولم يقدر أن يتمالك نفسه ولا عقله ولم يقدر أن يقف على قدميه بل جاءه الكساح وانكسر ظهره ومزق أثوابه ونتف لحيته ولطم على وجهه ورمى عمامته من فوق رأسه وما زال يلطم وجهه حتى سال منه الدم وصار يصيح : آه.. وا أولاداه آه وا زوجتاه.. آه وا مصيبتاه من جرى له مثل ما جرى لي . فصاح التجار رفقاؤه لصياحه وبكوا معه ورثوا لحاله وشقوا أثوابهم وخرج سيدي من ذلك البستان وهو يلطم من شدة ما جرى له وأكثر اللطم على وجهه وصار كأنه سكران ، فبينما الجماعة خارجون من باب البستان وإذا هم نظروا غبرة عظيمة وصياحات بأصوات مزعجة فنظروا إلى تلك الجهة فرأوا الجماعة المقبلين وهم الوالي وجماعته والخلق والعالم الذين يتفرجون وأهل التاجر وراءهم يصرخون ويصيحون وهم في بكاء وحزن زائد فأول من لاقى سيدي زوجته وأولادها فلما رآهم بهت وضحك وقال لهم : ما حالكم أنتم ? وما حصل في الدار وما جرى لكم ? فلما رأوه قالوا : الحمد لله على سلامتك أنت . ورموا أنفسهم عليه وتعلقت أولاده به وصاحوا : وأبتاه الحمد لله على سلامتك يا أبانا . وقالت له زوجته : الحمد لله الذي أرانا وجهك بسلامة . وقد اندهشت وطار عقلها لما رأته وقالت له : كيف كانت سلامتك أنت وأصحابك ? فقال لها : وكيف كان حالكم في الدار ? فقالوا : نحن طيبون بخير وعافية وما أصاب دارنا شيء من الشر غير أن عبد كافوراً جاء إلينا مكشوف الرأس مزق الأثواب وهو يصيح : وا سيداه واسيداه . فقلنا له : ما الخبر يا كافور ? فقال : إن سيدي جلس تحت حائط في البستان ليقضي حاجة فوقعت عليه فمات . فقال لهم سيده : والله إنه أتاني في هذه الساعة وهو يصيح : وا سيدتاه وقال : أن سيدتي وأولادها ماتوا جميعاً . ثم نظر إلى جانبه فرآني وعمامتي ساقطة في رأسي وأنا أصيح وأبكي بكاء شديداً وأحثو التراب على رأسي فصرخ علي فأقبلت عليه فقال لي : ويلك يا عبد النحس يا ابن الزانية يا ملعون الجنس ما هذه الوقائع التي عملتها ولكن والله لأسلخن جلدك عن لحمك وأقطعن لحمك عن عظمك . فقلت : والله ما تقدر أن تعمل معي شيئاً لأنك قد اشتريتني على عيبي وأنت عالم به وهو أني أكذب في كل سنة كذبة واحدة وهذه نصف كذبة فإذا كملت السنة كذبت نصفها الآخر فتبقى كذبة واحدة . فصاح علي : يا ألعن العبيد هل هذا كله نصف كذبة وإنما هو داهية كبيرة ، اذهب عني فأنت حر . فقلت : والله إن أعتقتني أنت ما أعتقك أنا حتى تكمل السنة وأكذب نصف الكذبة الباقي وبعد أن أتمها فانزل بي السوق وبعني بما اشتريتني به على عيبي ولا تعتقني فإنني ما لي صنعة أقتات منها وهذه المسألة التي ذكرتها لك شرعية ذكرها الفقهاء في باب العتق . فبينما نحن في الكلام وإذا بالخلايق والناس وأهل الحارة نساء ورجالاً قد جاؤوا يعملون العزاء وجاء الوالي وجماعته فراح سيدي والتجار إلى الوالي وأعلموه بالقضية وإن هذه نصف كذبة ، فلما سمع الحاضرون ذلك منه استعظموا تلك الكذبة وتعجبوا غاية العجب فلعنوني وشتموني فبقيت واقفاً أضحك وأقول : كيف يقتلني سيدي وقد اشتراني على هذا العيب ? فلما مضى سيدي إلى البيت وجده خراباً وأنا الذي أخربت معظمه وكسرت فيه شيئاً يساوي كثيراً من المال . فقالت له زوجته : إن كافور هو الذي كسر الأواني الصيني . فازداد غيظه وقال : والله ما رأيت عمري ولد زنا مثل هذا العبد ولأنه يقول نصف كذبة فكيف لو كانت كذبة كاملة فحينئذ كان أخرب مدينة أو مدينتن . ثم ذهب من شدة غيظه إلى الوالي فضربني علقة شديدة حتى غبت عن الدنيا وغشي علي فأتاني بالمزين في حال غشيتي ففعل بي ما منعني من رجولتي وكواني ، فلما أفقت وجدت نفسي هكذا وقال لي سيدي : مثل ما أحرقت قلبي على أعز الشيء عندي أحرقت قلبك على أعز الشيء عندك . ثم أخذني فباعني بأغلى ثمن لأني صرت طواشياً وما زلت ألقى الفتن في الأماكن التي أباع فيها .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:30 pm | |
| تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
الليلة الخامسة والخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العبد قال : وما زلت ألقى الفتن في الأماكن التي أباع فيها وانتقل من أمير إلى أمير ومن كبير إلى كبير بالبيع والشراء حتى دخلت قصر أمير المؤمنين وقد انكسرت نفسي وضعفت قوتي وأعدمت رجولتي . فلما سمع العبدان كلامه ضحكا عليه وقالا له : إنك خبيث ابن خبيث قد كذبت كذباً شنيعاً . ثم قالوا للعبد الثالث : احك لنا حكايتك . قال لهم : يا أولاد عمي كل ما حكي هذا بطال فأنا أحكي لكم سبب قطع رجولتي وقد كنت أستحق أكثر من ذلك لأني كنت نكحت سيدتي وابن سيدتي والحكاية معي طويلة وما هذا وقت حكايتها الآن الصباح يا أولاد عمي قريب وربما يطلع علينا الصباح ، ومعنا هذا الصندوق فننفضح بين الناس وتروح أرواحنا فدونكم فتح الباب فإذا فتحناه ودخلنا محلنا قلت لكم على سبب قطع رجولتي . ثم تعلق ونزل من الحائط وفتح الباب ، فدخلوا وحطوا الشمع وحفروا حفرة على قد الصندوق بين أربعة قبور وصار كافور يحفر وصواب ينقل التراب بالقفف إلى أن حفروا نصف قامة ثم حطوا الصندوق في الحفرة وردوا عليه التراب وخرجوا من التربة وردوا الباب وغابوا عن عين غانم بن أيوب . فلما خلا لغانم المكان وعلم أنه وحده اشتغل سره بما في الصندوق ، وقال في نفسه : يا ترى أي شيء في الصندوق ? ثم صبر حتى كشف الصندوق وخلصه ثم أخذ حجراً وضرب القفل فكسره وكشف الغطاء ونظر فرأى صبية نائمة مبنجة ونفسها طالع ونازل إلا أنها ذات حسن وجمال وعليها حلي ومساغ من الذهب وقلائد من الجوهر تساوي ملك السلطان ما يفي بثمنها مال فلما رآها غانم بن أيوب عرف أنهم تغامزوا عليها ، فلما تحقق ذلك الأمر عالج فيها حتى أخرجها من الصندوق وأرقدها على قفاها فلما استنشقت الأرياح ودخل الهواء في مناخرها عطست ثم شرقت وسعلت فوقع من حلقها قرص بنج لو شمه الفيل لرد من الليل إلى الليل ففتحت عينيها وأدارت طرفها ، وقالت بكلام فصيح : ويلك يا ريح ما فيك ري للعطشان ، ولا أنس للريان أين زهر البستان . فلم يجاوبها أحد فالتفتت وقالت : صبيحة شجرة الدرنور ، الهدى نجمة الصبح أنت في شهر نزهة حلوة ظريفة تكلموا فلم يجبها أحد . فجالت بطرفها وقالت : ويلي عند إنزالي في القبور يا من يعلم ما في الصدور ويجازي يوم البعث والنشور من جاء بي من بين الستور والخدور ووضعني بين أربعة قبور . هذا كله وغانم واقف على قدميه . فقال لها : يا سيدتي لا خدور ولا قصور ولا قبور ، ما هذا إلا عبدك غانم بن أيوب ساقه إليك الملك وعلام الغيوب حتى ينجيك من هذه الكروب ويحصل لك غاية المطلوب . وسكت فلما تحققت الأمر قالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله . والتفتت إلى غانم وقد وضعت يديها على صدرها وقالت له بكلام عذب : أيها الشاب المبارك من جاء بي إلى هذا المكان فها أنا قد أفقت ? فقال : يا سيدتي ثلاثة عبيد أتوا وهم حاملون هذا الصندوق . ثم حكى لها ما جرى وكيف أمسى عليه المساء حتى كان سبب سلامتها وإلا كانت ماتت بغصتها ثم سألها عن حكايتها وخبرها فقالت له : أيها الشاب الحمد لله الذي رماني عند مثلك فقم الآن وحطني في الصندوق واخرج إلى الطريق وأوصلني إلى بيتك ، فإذا صرت في دارك يكون خيراً وأحكي لك حكايتي وأخبرك بقصتي ويحصل لك الخير من جهتي . ففرح وخرج إلى البرية وقد شعشع النهار وطلعت الشمس بالأنوار وخرجت الناس ومشوا فاكترى رجلاً ببغل وأتى به إلى التربة فحمل الصندوق بعدما حط فيه الصبية ، ووقعت محبتها في قلبه وسار بها وهو فرحان لأنها جارية تساوي عشرة آلاف دينار وعليها حلي وحلل يساوي مالاً جزيلاً وما صدق أن يصل إلى داره وأنزل الصندوق وفتحه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:31 pm | |
| تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
الليلة السادسة والخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن غانم بن أيوب وصل إلى داره بالصندوق وفتحه وأخرج الصبية منه ونظرت فرأت هذا المكان محلاً مليحاً مفروشاً بالبسط الملونة والأوان المفرحة وغير ذلك ورأت قماشاً محزوماً وأحمالاً وغير ذلك فعلمت أنه تاجر كبير صاحب أموال ، ثم إنها كشفت وجهها ونظرت إليه فإذا هو شاب مليح ، فلما رأته أحبته وقالت له : هات لنا شيئاً نأكله . فقال لها غانم : على الرأس والعين . ثم نزل السوق واشترى خروفاً مشوياً وصحن حلاوة وأخذ معه نقلاً وشمعاً وأخذ معه نبيذاً وما يحتاج إليه الأمر من ألة المشموم وأتى إلى البيت ودخل بالحوائج فلما رأته الجارية ضحكت وقبلته واعتنقته وصارت تلاطفه فازدادت عنده المحبة واحتوت على قلبه ثم أكلا وشربا إلى أن أقبل الليل وقد أحب بعضهما بعضاً لأنهما كانا في سن واحد . فلما أقبل الليل قام المتيم المسلوب غانم بن أيوب وأوقد الشموع والقناديل فأضاء المكان وأحضر آلة المدام ثم نصب الحضرة وجلس هو وإياها . وكان يملأ ويسقيها وهي تملأ وتسقيه وهما يلعبان ويضحكان وينشدان الأشعار وزاد بهما الفرح وتعلقا بحب بعضهما فسبحان مؤلف القلوب ، ولم يزالا كذلك إلى قريب الصبح فغلب عليهما النوم فنام كل منهما في موضعه إلى أن أصبح الصباح فقام غانم بن أيوب وخرج إلى السوق ، واشترى ما يحتاج إليه من خضرة ولحم وخمر وغيره ، وأتى به إلى الدار وجلس هو وإياها يأكلان ، فأكلا حتى اكتفيا وبعد ذلك أحضر الشراب وشربا ولعبا مع بعضهما حتى احمرت وجنتاهما واسودت أعينهما واشتاقت نفس غانم بن أيوب إلى تقبيل الجارية والنوم معها فقال لها : يا سيدتي ائذني لي بقبلة في فيك لعلها تبرد نار قلبي ? فقالت : يا غانم اصبر حتى أسكر وأغيب وأسمح لك سراً بحيث لم أشعر أنك قبلتني . ثم إنها قامت على قدميها وخلعت بعض ثيابها وقعدت في قميص رفيع وكوفية فعند ذلك تحركت الشهوة عند غانم وقال : يا سيدتي أما تسمحين لي بما طلبته منك ? فقالت : والله لا يصح لك ذلك لأنه مكتوب على دكة سروالي قول صعب . فانكسر خاطر غانم بن أيوب فأنشدت : سألت من أمر ضنى ........ في قبلة تشفي السقم فقـال لا لا أبــدا ........ قلت له نعم نـعـم فقالت خذها بالرضا ........ من الحلال وابتسـم فقلت غصباً قـال لا ........ ألا على رأس علـم فلا تسل عما جـرى ........ واستغفر الله ونـم فظن ما شئت بـنـا ........ فالحب يحلو بالتهم ولا أبالـي بـعد أن ........ باح يومـاً أو كتم ثم زادت محبته وانطلقت النيران في مهجته هذا وهي تتمنع منه وتقول : ما لك وصول إلي . ولم يزالا في عشقهما ومنادمتهما وغانم بن أيوب غريق في بحر الهيام وأما هي فإنها قد ازداد قسوة وامتناعاً ، إلى أن دخل الليل بالظلام وأرخى عليها ذيل المنام فقام غانم وأشعل القناديل وأوقد الشموع ، وزاد بهجة المقام وأخذ رجليها وقبلهما فوجدهما مثل الزبد الطري ، فمرغ وجهه عليها وقال : يا سيدتي ارحمي أسير هواك ومن قتلت عيناك كنت سليم القلب لولاك . ثم بكى قليلاً فقالت : أنا والله لك عاشقة وبك متعلقة ولكن أنا أعرف أنك لا تصل إلي . فقال لها : وما المانع ? فقالت له : سأحكي لك في هذه الليلة قصتي حتى تقبل عذري . ثم إنها ترامت عليه وطوقت على رقبته بيديها وصارت تقبله وتلاطفه ثم وعدته بالوصال ولم يزالا يلعبان ويضحكان حتى تمكن حب بعضهما من بعض ولم يزالا على ذلك الحال وهما في كل ليلة ينامان في فراش واحد وكلما طلب منها الوصال تتعزز عنه مدة شهر كامل وتمكن حب كل واحد منهما من قلب الآخر ولم يبق لهما صبر عن بعضهما إلى أن كانت ليلة من الليالي وهو راقد معها والاثنان سكرانان فمد يده على جسدها وملس ثم مر بيده على بطنها ونزر إلى سرتها فانتبهت وقعدت وتعهدت السروال فوجدته مربوطاً فنامت ثانياً فملس عليها بيده ونزل بها إلى سراويلها وتكتها وجذبها فانتبهت وقعدت وقعد غانم بجانبها . فقالت له : ما الذي تريد ? قال : أريد أن أنام معك وأتصافى أنا وأنت . فعند ذلك ، قالت له : أنا الآن أوضح لك أمري حتى تعرف قدري وينكشف لك عذري . قال : نعم . فعند ذلك شقت ذيل قميصها ومدت يدها إلى تكة سروالها وقالت : يا سيدي اقرأ الذي على هذا الطرف . فأخذ طرف التكة في يده ونظره فوجده مرقوماً عليه بالذهب : أنا لك وأنت لي يا ابن عم النبي . فلما قرأه نثر يده وقال لها : اكشفي لي عن خبرك ? قالت : نعم أنا محظية أمير المؤمنين واسمي قوت القلوب وإن أمير المؤمنين لما رباني في قصره وكبرت نظر إلى صفائي وما أعطاني ربي من الحسن والجمال فأحبني محبة زائدة وأخذني وأسكنني في مقصورة وأمر لي بعشر جوار يخدمنني ثم إنه أعطاني ذلك المصاغ الذي تراه معي ثم إن الخليفة سافر يوماً من الأيام إلى بعض البلاد فجاءت السيدة زبيدة إلى بعض الجواري التي في خدمتي وقالت : إذا نامت قوت القلوب فحطي هذه القلقة البنج في أنفها أو في شرابها ولك علي من المال ما يكفيك . فقالت لها الجارية : حباً وكرامة . ثم إن الجارية أخذت البنج منها وهي فرحانة لأجل المال ولكونها كانت في الأصل جاريتها فجاءت إلي ووضعت البنج في جوفي فوقعت على الأرض وصارت رأسي عند رجلي ورأيت نفسي في دنيا أخرى ولما تمت حيلتها حطتني في ذلك الصندوق وأحضرت العبيد سراً وأنعمت عليهم وعلى البوابين ، وأرسلتني مع العبيد في الليلة التي كنت نائماً فيها فوق النخلة وفعلوا معي ما رأيت ، وكانت نجاتي على يديك وأنت أتيت بي إلى هذا المكان وأحسنت إلى غاية الإحسان وهذه قصتي وما أعرف الذي جرى للخليفة في غيبتي فأعرف قدري ولا تشهر أمري . فلما سمع غانم بن أيوب كلام قوت القلوب وتحقق أنها محظية الخليفة تأخر إلى ورائه خيفة من هيبة الخليفة وجلس وحده في ناحية من المكان يعاتب نفسه ، ويتفكر في أمره وصار متحيراً في عشق التي ليس له إليها الوصول ، فبكى من شدة الغرام ولوعة الوجد والهيام وصار يشكو الزمان وما له من العدوان فسبحان من شغل قلوب الكرام بالمحبة ولم يعط الأنذال منها وزن حبة ، وأنشد هذين البيتين : قلب المحب على الأحباب متعوب ........ وعقله مع بديع الحسن منهـوب وقائل قال لي ما المحب قلت له ........ الحب عذب ولكن فيه تـعـذيب فعند ذلك قامت إليه قوت القلوب واحتضنته وقبلته وتمكن حبه في قلبها وباحت له بسرها وما عندها من المحبة وطوقت على رقبته بيديها وقبلته وهو يتمنع عنها خوفاً من الخليفة ، ثم تحدثا ساعة من الزمان وهما غريقان في بحر محبة بعضهما إلى أن طلع النهار فقام غانم ولبس أتوابه وخرج إلى السوق على عادته وأخذ ما يحتاج إليه الأمر وجاء إلى البيت فوجد قوت القلوب تبكي فلما رأته سكتت عن البكاء وتبسمت وقالت له : أوحشتني يا محبوب قلبي ، والله إن هذه الساعة التي غبتها عني كسنة فإني لا أقدر على فراقك وها أنا قد بينت لك حالي من شدة ولعي بك فقم الآن ودع ما كان واقض أربك مني . قال : أعوذ بالله ، إن هذا شيء لا يكون كيف يجلس الكلب في موضع السبع والذي لمولاي يحرم علي أن أقربه . ثم جذب نفسه منها وجلس في ناحية وزادت هي محبة بامتناعه عنها ثم جلست إلى جانبه ونادمته ولاعبته فسكرا وهامت بالافتضاح به فغنت منشدة هذه الأبيات : قلب المتيم كـاد أن يتفـتـت ........ فإلى متى هذا الصدود إلى متى يا معرضاً عني بغير جـناية ........ فعوائد الغزلان أن تتـلـفـتـا صد وهـجر زائد وصـبابة ........ ما كل هذا الأمر يحمله الفتـى فبكى غانم بن أيوب ، وبكت هي لبكائه ولم يزالا يشربان إلى الليل ، ثم قام غانم وفرش فرشين كل فرش في مكان وحده فقالت له قوت القلوب : لمن هذا الفرش الثاني ? فقال لها : هذا لي والآخر لك ومن الليلة لا ننام إلا على هذا النمط وكل شيء للسيد حرام على العبد . فقالت : يا سيدي دعنا من هذا وكل شيء يجري بقضاء وقدر . فأبى فانطلقت النار في قلبها وزاد غرامها فيه وقالت : والله ما ننام إلا سوياً . فقال : معاذ الله . وغلب عليها ونام وحده إلى الصباح فزاد بها العشق والغرام ، واشتد بها الوجد والهيام وأقاما على ذلك ثلاثة أشهر طوال وهي كلما تقرب منه يمتنع عنها ويقول : كل ما هو مخصوص بالسيد حرام على العبد . فلما طال بها المطال مع غانم بن أيوب المسلوب وزادت بها الشجون والكروب أنشدت هذه الأبيات : بديع الحسن كما هذا التجنـي ........ ومن أغراك بالإعراض عني حويت من الرشاقة كل معنى ........ وحوت من الملاحة كل فـن وأجريت الغرام لكل قـلـب ........ وكللت السهاد بكل جـفـن وأعرف قلبك الأغصان تجني ........ فيا غصن الأراك أراك تجني وعهدي بالظبا صيد فمـالي ........ أراك تصيد أرباب المـجـن وأعجب ما أحدث عنك أنـي ........ فتنت وأنت لم تعلـم بـأنـي فلا تسمح بوصلك لي فإنـي ........ أغار عليك منك فكيف مني ولست بقائل ما دمـت حـياً ........ بديع الحسن كما هذا التجني وأقاموا على هذا الحال مدة والخوف يمنعه عنها فهذا ما كان من أمر المتيم المسلوب غانم بن أيوب . وأما ما كان من أمر زبيدة فإنها في غيبة الخليفة فعلت بقوت القلوب ذلك الأمر ، ثم صارت متحيرة تقول في نفسها ما أقول للخليفة إذا جاء وسأل عنها وما يكون جوابي له ، فدعت بعجوز كانت عندها وأطلعتها على سرها ، وقالت لها : كيف أفعل وقوت القلوب قد فرط فيها الفرط ؟ فقالت لها العجوز لما فهمت الحال : اعلمي يا سيدتي أنه قرب مجيء الخليفة ولكن أرسلي إلى النجار وأمريه أن يعمل صورة ميت من خشب ويحفروا له قبراً وتوقد حوله الشموع والقناديل وأمري كل من في القصر أن يلبسوا الأسود وأمري جواريك والخدام إذا علموا أن الخليفة أتى من سفره أن يشيعوا الحزن في الدهليز فإذا دخل وسأل عن الخبر يقول : إن قوت القلوب ماتت ويعظم الله أجرك فيها ومن معزتها عند سيدتنا دفنتها في قصرها . فإذا سمع ذلك يبكي ويعز عليه ثم يسهر القراء على قبرها لقراءة الختمان فإن قال في نفسه إن بنت عمي زبيدة من غيرتها سعت في هلاك قوت القلوب أو غلب عليه الهيام فأمر بإخراجها من القبر فلا تفزعي من ذلك ولو حفروا على تلك الصورة التي على هيئة ابن آدم ، وأخرجوا وهي مكفنة بالأكفان الفاخرة فإن أراد الخليفة إزالة الأكفان عنها لينظرها فامنعيه أنت من ذلك والأخرى تمنعه وتقول : رؤية عورتها حرام فيصدق حينئذ أنها ماتت . فيردها إلى مكانها ويشكرك على فعلك وتخلصين إن شاء الله تعالى من هذه الورطة . فلما سمعت السيدة زبيدة كلامها ورأت أنه صواب خلعت عليها وأمرتها أن تفعل ذلك بعدما أعطتها جملة من المال فشرعت العجوز في ذلك الأمر حالاً ، وأمرت النجار أن يعمل لها صورة كما ذكرنا وبعد تمام الصورة جاءت بها إلى السيدة زبيدة فكفنتها وأوقدت الشموع والقناديل وفرشت البسط حول القبر ، ولبست السواد وأمرت الجواري أن يلبسن السواد واشتهر الأمر في القصر أن قوت القلوب ماتت ثم بعد مدة أقبل الخليفة من غيبته وطلع إلى قصره ولكن ما شغل إلا قوت القلوب فرأى الغلمان والخدام والجواري كلهم لابسين السواد فارتجف فؤاده . فلما دخل القصر على السيدة زبيدة رآها لابسة السواد فسأل عن ذلك فأخبروه بموت قوت القلوب ، فوقع مغشياً عليه فلما أفاق سأل عن قبرها ، فقالت له السيدة زبيدة : اعلم يا أمير المؤمنين أنني من معزتها عندي دفنتها في قصري . فدخل الخليفة بثياب السفر إلى القصر ليزور قوت القلوب فوجد البسط مفروشة والشموع والقناديل موقودة ، فلما رأى ذلك شكرها على فعلها ، ثم إنه صار حائراً في أمره لم يزل ما بين مصدق ومكذب فلما غلب عليه الوسواس أمر بحفر القبر وإخراجها منه فلما رأى الكفن وأراد أن يزيله عنها ليراها خاف من الله تعالى فقالت العجوز : ردوها إلى مكانها . ثم إن الخليفة أمر في الحال بإحضار الفقهاء والمقرئين ، وقرؤوا الختمات على قبرها وجلس بجانب القبر يبكي إلى أن غشي عليه ولم يزل قاعداً على قبرها شهراً كاملاً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:32 pm | |
| تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
الليلة السابعة والخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة دخل الحريم بعد انفضاض الأمراء والوزراء من بين يديه إلى بيوتهم ونام ساعة فجلست عند رأسه جارية وعند رجليه جارية وبعد أن غلب عليه النوم تنبه وفتح عينيه فسمع الجارية التي عند رأسه تقول للتي عند رجليه : ويلك يا خيزران . قالت : لأي شيء يا قضيب ? قالت لها : إن سيدنا ليس عنده علم بما جرى حتى أنه يسهر على قبر لم يكن فيه إلا خشبة منجرة صنعة النجار . فقالت لها الأخرى : وقوت القلوب أي شيء أصابها ? فقالت : اعلمي أن السيدة زبيدة أرسلت مع جارية بنجاً وبنجتها فلما تحكم البنج منها وضعتها في صندوق وأرسلتها مع صواب وكافور وأمرتهما أن يرمياها في التربة . فقالت خيزران : ويلك يا قضيب هل السيدة قوت القلوب لم تمت ? فقالت : سلامة شبابها من الموت ولكن أنا سمعت السيدة زبيدة تقول إن قوت القلوب عند شاب تاجر اسمه غانم الدمشقي وأن لها عنده إلى هذا اليوم أربعة أشهر وسيدنا هذا يبكي ويسهر الليالي على قبر لم يكن فيه الميت . وصارتا تتحدثان بهذا الحديث والخليفة يسمع كلامهما . فلما سمع فرغ الجاريتان من الحديث وعرف القضية وأن هذا القبر زور وأن قوت القلوب عند غانم بن أيوب مدة أربعة أشهر غضب غضباً شديداً وقام وأحضر أمراء دولته فعند ذلك أقبل الوزير جعفر البرمكي وقبل الأرض بين يديه ، فقال له الخليفة بغيظ : انزل يا جعفر بجماعة واسأل عن بيت غانم بن أيوب واهجموا على داره وائتوني بجاريتي قوت القلوب ولا بد لي أن أعدمه . فأجابه جعفر بالسمع والطاعة فعند ذلك نزل جعفر وأتباعه والوالي صحبته ولم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى دار غانم كان غانم خرج في ذلك الوقت وجاء بقدر لحم واراد أن يمد يده ليأكل منها هو وقوت القلوب فلاحت منه التفاتة فوجد البلاط أحاط بالدار والوزير والوالي والظلمة والمماليك بسيوف مجردة وداروا به كما يدور بالعين السواد فعند ذلك عرفت أن خبرها وصل إلى الخليفة سيدها فأيقنت بالهلاك واصفر لونها وتغيرت محاسنها ثم أنها نظرت إلى غانم وقالت له : يا حبيبي فر بنفسك . فقال لها : كيف أعمل وإلى أين أذهب ? ومالي ورزقي في هذا الدار ? فقالت له : لا تمكث لئلا تهلك ويذهب مالك . فقال لها : يا حبيبتي ونور عيني كيف أصنع في الخروج وقد أحاطوا بالدار ? فقالت له : لا تخف . ثم إنها نزعت ما عليه من الثياب وألبسته خلقاناً بالية ، وأخذت القدر التي كان فيها اللحم ووضعتها فوق رأسه وحطت فيها بعض خبز وزبدية طعام وقالت له : اخرج بهذه الحيلة ولا عليك مني فأنا أعرف أي شيء في يدي من الخليفة . فلما سمع غانم كلام قوت القلوب وما أشارت عليه به ، خرج من بينهم وهو حامل القدر وستر عليه الستار ونجا من المكايد والأضرار ببركة نيته ، فلما وصل الوزير جعفر إلى ناحية الدار ترجل عن حصانه ودخل البيت ونظر إلى قوت القلوب وقد تزينت وتبهرجت وملأت صندوقاً من ذهب ومصاغ وجواهر وتحف مما خف حمله وغلا ثمنه ، فلما دخل عليها جعفر قامت على قدميها وقبلت الأرض بين يديه وقالت له : يا سيدي جرى أنكم بما حكم الها . فلما رأى ذلك جعفر قال لها : والله يا سيدتي إنه ما أوصاني إلا بقبض غانم بن أيوب . فقالت : اعلم أنه حزم تجاراته وذهب إلى دمشق ولا علم لي بغير ذلك واريد أن تحفظ لي الصندوق وتحمله إلى قصر أمير المؤمنين . فقال :جعفر السمع والطاعة . ثم أخذ الصندوق وأمر بحمله وقوت القلوب معهم إلى دار الخلافة وهي مكرمة معززة وكان هذا بعد أن نهبوا دار غانم ، ثم توجهوا إلى الخليفة فحكى له جعفر جميع ما جرى فأمر الخليفة لقوت القلوب بمكان مظلم وأسكنها فيه وألزم بها عجوزاً لقضاء حاجتها لأنه ظن أن غانماً فحش بها ثم كتب مكتوباً للأمير محمد بن سليمان الزيني وكان نائباً في دمشق ومضمونه : ساعة وصول المكتوب إلى يديك تقبض على غانم بن أيوب وترسله إلي . فلما وصل المرسوم إليه قبله ووضعه على رأسه ونادى في الأسواق : من أراد أن ينهب فعليه بدار غانم بن أيوب . فجاؤوا إلى الدار فوجدوا أم غانم ، وأخته قد صنعتا لهما قبراً وقعدتا عنده تبكيان فقبضوا عليهما ونهبوا الدار ولم يعلما ما الخبر ، فلما أحضرهما عند السلطان سألهما عن غانم بن أيوب ، فقالتا له : من مدة سنة ما وقفنا له على خبر . فردوهما إلى مكانهما ، هذا ما كان من أمرهما . وأما ما كان من أمر غانم بن أيوب المتيم المسلوب ، فإنه لما سلبت نعمته تحير في أمره وصار يبكي على نفسه حتى انفطر قلبه وسار ولم يزل سائراً إلى آخر النهار وقد ازداد به الجوع وأضر به المشي حتى وصل إلى بلد فدخل المسجد وجلس على برش وأسند ظهره إلى حائط المسجد وارتمى وهو في غاية الجوع والتعب ولم يزل مقيماً هناك إلى الصباح ، وقد خفق قلبه من الجوع وركب جلده القمل وصارت رائحته منتنة وتغيرت أحواله ، فأتى أهل تلك البلدة يصلون الصبح فوجدوه مطروحاً ضعيفاً من الجوع وعليه آثار النعمة لائحة فلما أقبلوا عليه وجدوه بردان جائعاً ، فألبسوه ثوباً عتيقاً قد بليت أكمامه وقالوا له : من أين أنت يا غريب ، وما سبب ضعفك ? ففتح عينيه ونظر إليهم وبكى ولم يرد عليهم جواباً ، ثم إن بعضهم عرف شدة جوعه فذهب وجاء له بكرجة عسل ورغيفين فأكل وقعدوا عنده حتى طلعت الشمس ، ثم انصرفوا لأشغالهم ولم يزل على هذه الحالة شهراً وهو عندهم وقد تزايد عليه الضعف والمرض فتعطفوا عليه وتشاوروا مع بعضهم في أمره ، ثم اتفقوا على أن يوصلوه إلى المارستان الذي ببغداد . فبينما هم كذلك وإذا بامرأتين سائلتين قد دخلتا عليه وهما أمه وأخته ، فلما رآهما أعطاهما الخبز الذي عند رأسه ونامتا عنده تلك الليلة ولم يعرفهما فلما كان ثاني يوم أتاه أهل القرية وأحضروا جملاً وقالوا لصاحبه : احمل هذا الضعيف فوق الجمل فإذا وصلت إلى بغداد فأنزله على باب المارستان لعله يتعافى فيحصل لك الأجر . فقال لهم : السمع والطاعة . ثم إنهم أخرجوا غانم بن أيوب من المسجد وحملوه بالبرش الذي هو نائم عليه فوق الجمل وجاءت أمه وأخته يتفرجان عليه من جملة الناس ولم يعلما به ثم نظرتا إليه وتأملتاه وقالتا : إنه يشبه غانماً ابننا فيا ترى هل هو هذا الضعيف أو لا ? وأما غانم فإنه لم يفق إلا وهو محمول فوق الجمل ، فصار يبكي وينوح وأهل القرية ينظرون وأمه وأخته تبكيان عليه ولم يعرفانه ثم سافرت أمه وأخته إلى أن وصلتا إلى بغداد وأما الجمال فإنه لم يزل سائراً به حتى أنزله على باب المارستان وأخذ جمله ورجع فمكث غانم راقداً هناك إلى الصباح . فلما درجت الناس في الطريق نظروا إليه وقد صار رق الحلال ولم يزل الناس يتفرجون عليه حتى جاء شيخ السوق ومنع الناس عنه ، وقال : أنا أكتسب الجنة بهذا المسكين لأنهم متى أدخلوه المارستان قتلوه في يوم واحد . ثم أمر صبيانه بحمله إلى بيته وفرش له فرشاً جديداً ووضع له مخدة جديدة وقال لزوجته : اخدميه يصح . فقالت : على الرأس . ثم تشمرت وسخنت له ماء وغسلت يديه ورجليه وبدنه والبسته ثوباً من لبس جواريها وسقته قدح شراب ورشت عليه ماء ورد فأفاق وتذكر محبوبته قوت القلوب فزادت به الكروب . هذا ما كان من أمره . وأما ما كان من أمر قوت القلوب فإنه لما غضب عليها الخليفة .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:33 pm | |
| تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
الليلة الثامنة والخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن قوت القلوب لما غضب عليها الخليفة وأسكنها في مكان مظلم استمرت فيه على هذا الحال ثمانين يوماً ، فاتفق أن الخليفة مر يوماً من الأيام على ذلك المكان فسمع قوت القلوب تنشد الأشعار فلما فرغت من إنشادها قالت : يا حبيبي يا غانم ما أحسنك وما أعف نفسك قد أحسنت لمن أساءك وحفظت حرمة من انتهك حرمتك وسترت حريمه ، وهو سباك وسبى أهلك ولا بد أن تقف أنت وأمير المؤمنين بين يدي حاكم عادل وتنتصف عليه في يوم يكون القاضي هو الله ، والشهود هم الملائكة . فلما سمع الخليفة كلامها وفهم شكواها علم أنها مظلومة فدخل قصره وأرسل الخادم لها فلما حضرت بين يديه أطرقت وهي باكية العين حزينة القلب ، فقال : يا قوت القلوب أراك تنظلمين مني وتنسبينني إلى الظلم وتزعمين أني أسأت إلى من أحسن إلي فمن هو الذي حفظ حرمتي وانتهكت حرمته وستر حريمي وسبيت حريمه . فقالت له : غانم بن أيوب فإنه لم يقربني بفاحشة وحق نعمتك يا أمير المؤمنين . فقال الخليفة : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم يا قوت القلوب تمني علي فأنا أبلغك مرادك . قالت : تمنيت عليك محبوبي غانم بن أيوب . فلما سمع كلامها قال : أحضره إن شاء الله مكرماً . فقالت : يا أمير المؤمنين إن أحضرته أتهبني له ? فقال : إن أحضرته وهبتك هبة كريم لا يرجع في عطائه . فقالت : يا أمير المؤمنين ائذن لي أن أدور عليه لعل الله يجمعني به ? فقال لها : افعلي ما بدا لك . ففرحت وخرجت ومعها ألف دينار فزارت المشايخ وتصدقت عنه وطلعت ثاني يوم إلى التجار وأعطت عريف السوق دراهم وقالت له : تصدق بها على الغرباء . ثم طلعت ثاني جمعة ومعها ألف دينار ودخلت سوق الصاغة وسوق الجواهرجية وطلبت عريف السوق فحضر فدفعت له ألف دينار وقالت له : تصدق بها على الغرباء . فظهر إليها العريف وهو شيخ السوق وقال لها : هل لك أن تذهبي إلى داري وتنظري إلى هذا الشاب الغريب ما أظرفه وما أكمله ? وكان هو غانم بن أيوب المتيم المسلوب ولكن العريف ليس له به معرفة وكان يظن أنه رجل مسكين مديون سلبت نعمته أو عاشق فارق أحبته ، فلما سمعت كلامه خفق قلبها وتعلقت به أحشاؤها . فقالت له : أرسل معي من يوصلني إلى دارك . فأرسل معها صبياً صغيراً ، فأوصلها إلى الدار التي فيها الغريب فشكرته على ذلك فلما دخلت تلك الدار وسلمت على زوجة العريف قامت زوجة العريف وقبلت الأرض بين يديها لأنها عرفتها فقالت لها قوت القلوب : أين الضعيف الذي عندكم ? فبكت وقالت : ها هو يا سيدتي إلا أنه ابن ناس وعليه أثر النعمة . فالتفتت إلى الفرش الذي هو راقد عليه وتأملته فرأته كأنه هو بذاته ولكنه قد تغير حاله وزاد نحوله ورق إلى أن صار كالخلال وأنبهم عليها أمره فلم تتحقق أنه هو ولكن أخذتها الشفقة عليه فصارت تبكي وتقول : إن الغرباء مساكين وإن كانوا أمراء في بلادهم . ورتبت له الشراب والأدوية ، ثم جلست عند رأسه ساعة وركبت وطلعت إلى قصرها وصارت تطلع في كل سوق لأجل التفتيش على غانم ثم أن العريف أتى بأمه وأخته فتنة ودخل بهما على قوت القلوب وقال : يا سيدة المحسنات قد دخل مدينتنا في هذا اليوم امرأة وبنت ، وهما من وجوه الناس وعليهما أثر النعمة لائح لكنهما لابستان ثياباً من الشعر وكل واحدة معلقة في رقبتها مخلاة وعيونهما باكية وقلوبهما حزينة ، وها أنا أتيت بهما إليك لتأويهما وتصونيهما من ذل السؤال لأنهما لستا أهلاً لسؤال اللئام وإن شاء الله ندخل بسببهما الجنة . فقالت : والله يا سيدي لقد شوقتني إليهما واين هم ? فأمرهما بالدخول فعند ذلك دخلت فتنة وأمها على قوت القلوب فلما نظرتهما قوت القلوب وهما ذاتا جمال بكت عليهما ، وقالت : والله إنهما أولاد نعمة ويلوح عليهما أثر الغنى . فقال العريف : يا سيدتي إننا نحب الفقراء والمساكين لأجل الثواب وهؤلاء ربما جار عليهم الظلمة وسلبوا نعمتهم وأخربوا ديارهم . ثم إن المرأتين بكيتا بكاء شديداً وتفكرتا غانم بن أيوب المتيم المسلوب فزاد نحيبهما فلما بكيتا بكت قوت القلوب لبكائهما ثم إن أمه قالت : نسأل الله أن يجمعنا بمن نريده وهو ولدي غانم بن أيوب . فلما سمعت قوت القلوب هذا الكلام علمت أن هذه المرأة أم معشوقها وأن الأخرى أخته فبكت هي حتى غشي عليها ، فلما أفاقت أقبلت عليهما وقالت لهما : لا بأس عليكما فهذا اليوم يوم سعادتكما ، وآخر شقاوتكما فلا تحزنا .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:34 pm | |
| تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
الليلة التاسعة والخمسين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن قوت القلوب قالت لهما : لا تحزنا . ثم أمرت العريف أن يأخذهما إلى بيته ويخلي زوجته تدخلهما الحمام وتلبسهما ثياباً حسنة وتتوصى بهما وتكرمهما غاية الإكرام وأعطته جملة من المال ، وفي ثاني يوم ركبت قوت القلوب وذهبت إلى بيت العريف ودخلت عند زوجته فقامت إليها وقبلت يديها وشكرت إحسانها ، ورأت أم غانم وأخته وقد أدخلتهما زوجة العريف الحمام ونزعت ما عليهما من الثياب فظهرت عليهما آثار النعمة فجلست تحادثهما ساعة ثم سألت زوجة العريف عن المريض الذي عندها فقالت : هو بحاله . فقالت : قوموا بنا نطل عليه ونعود . فقامت هي وزوجة العريف وأم غانم وأخته ودخلن عليه وجلسن عنده . فلما سمعهن غانم بن أيوب المتيم المسلوب يذكرن قوت القلوب وكان قد انتحل جسمه ورق عظمه ردت له روحه ورفع رأسه من فوق المخدة ونادى : يا قوت القلوب . فنظرت إليهم وتحققته فعرفته وصاحت بدورها : نعم يا حبيبي . فقال لها : اقربي مني . فقالت له : لعلك غانم بن أيوب المتيم المسلوب . فقال لها : نعم أنا هو . فعند ذلك وقعت مغشياً عليها . فلما سمعت أمه وأخته كلامهما صاحتا بقولهما : وافرحتاه . ووقعتا مغشياً عليهما وبعد ذلك استفاقتا فقالت له قوت القلوب : الحمد لله الذي جمع شملنا بك وبأمك وأختك . وتقدمت إليه وحكت له جميع ما جرى لها مع الخليفة وقالت : إني قلت له قد أظهرت لك الحق يا أمير المؤمنين فصدق كلامي ورضي عنك وهو اليوم يتمنى أن يراك . ثم قالت لغانم : إن الخليفة وهبني لك . ففرح بذلك غاية الفرح فقالت لهم قوت القلوب : لا تبرحوا حتى أحضر . ثم إنها قامت من وقتها وساعتها وانطلقت إلى قصرها وحملت الصندوق الذي أخذته من داره وأخرجت منه دنانير وأعطت العريف إياها وقالت له : خذ هذه الدنانير واشتر لكل شخص منهم أربع بدلات كوامل من أحسن القماش وعشرين منديلاً وغير ذلك مما يحتاجون إليه ثم إنها دخلت بهما وبغانم الحمام وأمرت بغسلهم وعملت لهم المساليق وماء الخولجان وماء التفاح بعد أن خرجوا من الحمام ولبسوا الثياب وأقامت عندهم ثلاثة أيام وهي تطعمهم لحم الدجاج والمساليق وتسقيهم السكر المكرر وبعد ثلاثة أيام ردت لهم أرواحهم وأدخلتهم الحمام ثانياً وخرجوا وغيرت عليهم الثياب وخلتهم في بيت العريف وذهبت إلى الخليفة وقبلت الأرض بين يديه وأعلمته بالقصة وأنه قد حضر سيدها غانم بن أيوب المتيم المسلوب وأن أمه وأخته قد حضرتا . فلما سمع الخليفة كلام قوت القلوب قال للخدام : علي بغانم . فنزل جعفر إليه وكانت قوت القلوب قد سبقته ودخلت على غانم وقالت له : إن الخليفة قد أرسل إليك ليحضرك بين يديه فعليك بفصاحة اللسان وثبات الجنان وعذوبة الكلام . وألبسته حلة فاخرة وأعطته دنانير بكثرة وقالت له : أكثر البذل إلى حاشية الخليفة وأنت داخل عليه . وإذا بجعفر أقبل عليه وهو على بغلته فقام غانم وقابله وحياه وقبل الأرض بين يديه وقد ظهر كوكب سعده وارتفع طالع مجده فأخذه جعفر ولم يزالا سائرين حتى دخلا على أمير المؤمنين ، فلما حضرا بين يديه نظر إلى الوزراء والأمراء والحجاب والنواب وأرباب الدولة وأصحاب الصولة وكان غانم فصيح اللسان ثابت الجنان رقيق العبارة أنيق الإشارة فأطرق برأسه إلى الأرض ، ثم نظر إلى الخليفة وأنشد هذه الأبيات : أفديك من ملك عظـيم الـشـان ........ متتابع الحسنـات والإحـسـان متوقد العزمات فياض الـنـدى ........ حدث عن الطوفان والـنـيران لا يلجون بغيره مـن قـيصـر ........ في ذا المقام وصاحـب الإيوان تضع الملوك على ثرى أعتابـه ........ عند السلام جواهر الـتـيجـان حتى إذا شخصت له أبصارهـم ........ خروا لهيبته عـلـى الأذقـان ويفيدهم ذاك المقام مع الرضـا ........ رتب العلا وجلالة السلـطـان ضاقت بعسكرك الفيافي والفـلا ........ فاضرب خيامك في ذرى كيوان وأقري الكواكب بالمواكب محسناً ........ لشريف ذاك العالم الروحانـي وملكت شامخة الصياصي عنوة ........ من حسن تدبير وثبت جـنـان ونشرت عدلك في البسيطة كلها ........ حتى استوى القاصي بها والداني فلما فرغ من شعره طرب الخليفة من محاسن رونقه وأعجبه فصاحة لسانه وعذوبة منطقه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:36 pm | |
| تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة وبداية حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الستين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن غانم بن أيوب لما أعجب الخليفة فصاحته ونظمه وعذوبة منطقه قال له : ادن مني . فدنا منه ثم قال له : اشرح لي قصتك وأطلعني على حقيقة خبرك . فقعد وحدث الخليفة بما جرى له من المبتدأ إلى المنتهى ، فلما علم الخليفة أنه صادق خلع عليه وقربه إليه وقال : أبري ذمتي . فأبرأ ذمته وقال له : يا أمير المؤمنين إن العبد وما ملكت يداه لسيده . ففرح الخليفة بذلك ثم أمر أن يفرد له قصر ورتب له من الجوامك والجرايات شيئاً كثيراً فنقل أمه وأخته إليه وسمع الخليفة بأن أخته فتنة في الحسن فخطبها منه وقال له غانم : إنها جاريتك وأنا مملوكك . فشكره وأعطاه مائة ألف دينار وأتى بالقاضي والشهود وكتبوا الكتاب ودخل هو وغانم في نهار واحد فدخل الخليفة على فتنة وغانم بن أيوب على قوت القلوب فلما أصبح الصباح أمر الخليفة أن يؤرخ جميع ما جرى لغانم من أوله إلى آخره وأن يدون في السجلات لأجل أن يطلع عليه من يأتي بعده فيتعجب من تصرفات الأقدار ويفوض الأمر إلى خالق الليل والنهار وليس هذا بأعجب من حكاية عمر النعمان وولده ضوء المكان وما جرى لهم من العجائب والغرائب . قال الملك شهريار : وما حكايتهم ?
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أنه كان بمدينة دمشق قبل خلافة عبد الملك بن مروان ملك يقال له عمر النعمان وكان من الجبابرة الكبار وقد قهر الملوك الأكاسرة والقياصرة وكان لا يصطلى له بنار ولا يجاريه أحد في مضمار وإذا غضب يخرج من منخريه لهيب النار وكان قد ملك جميع الأقطار ونفذ حكمه في سائر القرى والأمصار وأطاع له جميع العباد ووصلت عساكره إلى أقصى البلاد ودخل في حكمه المشرق والمغرب وما بينهما من الهند والسند والصين واليمن والحجاز والسودان والشام والروم وديار بكر وجزائر البحار وما في الأرض من مشاهير الأنهار كسيحون وحجيجون والنيل والفرات وأرسل رسله إلى أقصى البلاد ليأتوا بحقيقة الأخبار فرجعوا وأخبروه بأن سائر الناس أذعنت لطاعته وجميع الجبابرة خضعت لهيبته وقد عمهم بالفضل والامتنان وأشاع بينهم العدل والأمان لأنه كان عظيم الشأن وحملت إليه الهدايا من الكل فكان واجبي إليه خراج الأرض في طولها وعرضها . وكان له ولد وقد سماه شركان لأنه نشأ آفة من آفات الزمان وقهر الشجعان وأباد الأقران فأحبه والده حباً شديداً ما عليه من مزيد وأوصى له بالملك من بعده . ثم إن شركان هذا حين بلغ مبلغ الرجال وصار له من العمر عشرون سنة أطاع له جميع العباد لما به من شدة البأس والعناد وكان والده عمر النعمان له اربع نساء بالكتاب والسنة لكنه لم يرزق منهن بغير شركان وهو من إحداهن والباقيات عواقر لم يرزق من واحدة منهن بولد ومع ذلك كله كان له ثلاثمائة وستون سرية على عدد أيام السنة القبطية وتلك السراري من سائر الأجناس وكان قد بنى لكل واحدة منهن مقصورة وكانت المقاصير من داخل القصر ، فإنه بنى اثني عشر قصراً على عدد شهور السنة وجعل في كل قصر ثلاثين مقصورة فكانت جملة المقاصير ثلاثمائة وستون مقصورة وأسكن تلك الجواري في هذه المقاصير وفرض لكل سرية منهن ليلة يبيتها عندها ولا يأتيها إلا بعد سنة كاملة ، فأقام على ذلك مدة من الزمن ، ثم إن ولده شركان اشتهر في سائر الأنحاء ففرح به والده وازداد قوة فطغى وتجبر وفتح الحصون والبلاد واتفق بالأمر المقدر أن جارية من جواري النعمان قد حملت واشتهر حملها وعلم الملك بذلك ففرح فرحاً شديداً وقال : لعل ذريتي ونسلي تكون كلها ذكوراً . فأرخ يوم حملها وصار يحسن إليها فعلم شركان بذلك فاغتم وعظم الأمر .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الجمعة سبتمبر 12, 2008 5:37 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الواحدة والستين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن شركان لما علم أن جارية أبيه قد حملت اغتم وعظم عليه ذلك وقال : قد جاءني من ينازعني في المملكة . فأضمر في نفسه أن هذه الجارية إن ولدت ذكر أقتله وكتم ذلك في نفسه ، هذا ما كان من أمر شركان . وأما ما كان من أمر الجارية فإنها كانت رومية وكان قد بعثها إليه هدية ملك الروم صاحب قيسارية وأرسل معها تحفاً كثيرة وكان اسمها صفية وكانت أحسن الجواري وأجملهن وجهاً وأصونهن عرضاً وكانت ذات عقل وافر وجمال باهر وكانت تخدم الملك ليلة مبيته عندها وتقول له : أيها الملك كنت أشتهي من إله السماء أن يرزقك مني ولد ذكراً حتى أحسن تربيته لك وأبالغ في أدبه وصيانته . فيفرح الملك ويعجبه ذلك الكلام ، فما زالت كذلك حتى كملت أشهرها فجلست على كرسي الطلق وكانت على صلاح تحسن العبادة فتصلي وتدعو الله أن يرزقها بولد صالح ويسهل عليها ولادته فتقبل الله منها دعاءها وكان الملك قد وكل بها خادماً يخبره بما تضعه هل هو ذكر أو أنثى وكذلك ولده شركان كان أرسل من يعرفه بذلك ، فلما وضعت صفية ذلك المولود تأملته القوابل فوجدنه بنتاً بوجه أبهى من القمر ، فأعلمن الحاضرين بذلك فرجع رسول الملك وأخبره بذلك وكذلك رسول شركان أخبره بذلك ففرح فرحاً شديداً . فلما انصرف الخدام قالت صفية للقوابل : أمهلوا علي ساعة فإني أحس بأن أحشائي فيها شيء آخر ، ثم تأوهت وجاءها الطلق ثانياً وسهل الله عليها فوضعت مولوداً ثانياً فنظرت إليه القوابل فوجدته ذكراً يشبه البدر بجبين أزهر وخد أحمر مورد ففرحت به الجارية والخدام والحشم وكل من حضر ورمت صفية الخلاص وقد أطلقوا الزغاريد في القصر فسمع بقية الجواري بذلك فحسدنها . وبلغ عمر النعمان الخبر ففرح واستبشر وقام ودخل عليها وقبل رأسها ونظر إلى المولود ثم انحنى وقبله وضربت الجواري بالدفوف ولعبت بالآلات وأمر الملك أن يسموا المولود ضوء المكان وأخته نزهة الزمان فامتثلوا أمره وأجابوه بالسمع والطاعة ، ورتب لهم من يخدمهم من المراضع والخدم والحشم ورتب لهم الرواتب من السكر والأشربة والأدهان وغير ذلك مما يكل عن وصفه اللسان . وسمع أهل دمشق وأقبل الأمراء والوزراء وأرباب الدولة وهنئوا الملك عمر النعمان بولده ضوء المكان وبنته نزهة الزمان فشكرهم الملك على ذلك وخلع عليهم وزاد إكرامهم من الأنعام وأحسن إلى الحاضرين من الخاص والعام ، وما زال على تلك الحالة إلى أن مضت أربعة أعوام وهو في كل يوم يسأل عن صفية وأولادها ، وبعد الأربعة أعوام أمر أن ينقل إليها من المصاغ والحلي والحمل والأموال شيء كثير وأوصاهم بتربيتهما وحسن أدبهما ، كل هذا وابن الملك شركان لا يعلم أن والده عمر النعمان رزق ولداً ذكراً ولم يعلم أنه رزق سوى نزهة الزمان وأخفوا عليه خبر ضوء المكان إلى أن مضت أيام وأعوام وهو مشغول بمقارعة الشجعان ومبارزة الفرسان . فبينما عمر النعمان جالس يوماً من الأيام إذ دخل عليه الحجاب وقبلوا الأرض بين يديه وقالوا : أيها الملك قد وصلت إلينا رسل من ملك الروم صاحب القسطنطينية العظمى وإنهم يريدون الدخول عليك والتمثل بين يديك فإن أذن لهم الملك بذلك ندخلهم وإلا فلا مرد لأمره . فعند ذلك أمر لهم بالدخول فلما دخلوا عليه مال إليهم وأقبل عليهم وسألهم عن حالهم وما سبب إقبالهم فقبلوا الأرض بين يديه وقالوا : أيها الملك الجليل صاحب الباع الطويل اعلم أن الذي أرسلنا إليك الملك أفريدون صاحب البلاد اليونانية والعساكر النصرانية المقيم بمملكة القسطنطينية يعلمك أنه اليوم في حرب شديد مع جبار عنيد هو صاحب قيسارية والسبب في ذلك أن بعض ملوك العرب اتفق أنه وجد في بعض الفتوحات كنزاً من قديم الزمان في عهد الإسكندر فنقل منه أموالاً لا تعد ولا تحصى ، ومن جملة ما وجد فيه ثلاث خرزات مدورات على قدر بيض النعام ، وتلك الخرزات من أغلى الجواهر الأبيض الخالص الذي لا يوجد له نظير وكل خرزة منقوش عليها بالقلم اليوناني أمور من الأسرار ولهن منافع وخواص كثيرة ومن خواصهن أن كل مولود علقت عليه خرزة منهن لم يصبه ألم ما دامت الخرزة معلقة عليه ولا يحمي ولا يسخن . فلما وضع يده عليها ووقع بها وعرف ما فيها من الأسرار أرسل إلى الملك أفريدون هدية من التحف والمال ومن جملتها الثلاث خرزات وجهز مركبين واحد فيه مال والآخر فيه رجال يحفظون تلك الهدايا ممن يتعرض لها في البحر ، وكان يعرف من نفسه أنه لا أحد يقرر أن يتعدى عليه لكونه ملك العرب ولا سيما وطريق المراكب التي فيها الهدايا في البحر الذي في مراكبه مملكة القسطنطينية وهي متوجهة غليه وليس في سواحل ذلك البحر إلا رعاياه ، فلما جهز المركبين سافر إلى أن قربا من بلادنا فخرج عليهما بعض قطاع الطرق من تلك الأرض وفيهم عساكر من عند صاحب قيسارية فأخذوا جميع ما في المركبين من التحف والأموال والذخائر والثلاث خرزات وقتلوا الرجال فبلغ ذلك ملكنا فأرسل إليهم عسكراً فهزموه ، فأرسل إليهم عسكراً أقوى من الأول فهزموه أيضاً . فعنذ ذلك اغتاظ الملك وأقسم أنه لا يخرج إليهم إلا بنفسه في جميع عسكره وأنه لا يرجع عنهم حتى يخرب قيسارية ويترك أرضها وجميع البلاد التي يحكم عليها ملكاً والمراد من صاحب القوة والسلطان الملك عمر النعمان أن يمدنا بعسكر من عنده حتى يصير الفجر وقد أرسل إليك ملكنا معنا شيئاً من أنواع الهدايا ويرجو من إنعامك قبولها والتفضل عليه بالإنجاز . ثم أن الرسل قبلوا الأرض بين يدي الملك عمر النعمان .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
| تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! | |
|