كاتب الموضوع | رسالة |
---|
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 1:56 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الحادية والخمسين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن عزيز قال لتاج الملوك : ثم دخلت البستان ومشيت حتى أتيت المقعد فوجدت بنت دليلة المحتالة جالسة ورأسها على ركبتها ويدها على خدها وقد تغير لونها وغارت عيناها فلما رأتني قالت : الحمد لله على السلامة وهمت أن تقوم فوقعت من فرحتها . فاستحييت منها ، وطأطأت رأسي . ثم تقدمت إليها وقبلتها وقلت لها : كيف عرفت أني أجيء إليك في هذه الساعة ? قالت : لا علم لي بذلك والله إن لي سنة لم أذق فيها نوماً بل أسهر كل ليلة في انتظار ، وأنا على هذه الحالة من يوم خرجت من عندي وأعطيتك البدلة القماش الجديدة ووعدتني أنك تجيء إلي وقد انتظرتك فما أتيت لا أول ليلة ولا ثاني ليلة ولا ثالث ليلة فاستمريت منتظرة لمجيئك والعاشق هكذا يكون وأريد أن تحكي لي ما سبب غيابك عني هذه السنة ? فحكيت لها . فلما علمت أني تزوجت اصفر لونها ثم قلت لها : إني أتيتك هذه الليلة وأروح قبل الصباح . فقالت : أما كفاها أنها تزوجت بك وعملت عليك حيلة وحبستك عندها سنة كاملة حتى حلفتك بالطلاق أن تعود إليها قبل الصباح ولم تسمح لك بأن تتفسح عند أمك ولا عندي ولم يهن عليها أن تبيت عند أحدنا ليلة واحدة فكيف حال من غبت عنها سنة كاملة وقد عرفتك قبلها ? ولكن رحم الله عزيزة فإنها جرى لها ما لم يجر لأحد وصبرت على شيء لم يصبر عليه مثلها وماتت مقهورة منك وهي التي حمتك مني ، وكنت أظنك تجيء فأطلقت سبيلك مع أني كنت أقدر على حبسك وعلى هلاكك . ثم بكت واغتاظت ونظرت إلي بعين الغضب . فلما رأيتها على تلك الحالة ارتعدت فرائصي وخفت منها وصرت مثل الفولة على النار ثم قالت لي : ما بقي فيك فائدة بعدما تزوجت وصار لك ولد فأنت لا تصلح لعشرتي لأنه لا ينفعني إلا الأعزب وأما الرجل المتزوج فإنه لا ينفعني وقد بعتني بتلك العاهرة والله لأحسرنها عليك وتصير لي ولا لها . ثم صاحت فما أدري إلا وعشر جوار أتين ورمينني على الأرض فلما وقعت تحت أيديهن قامت هي وأخذت سكيناً وقالت : لأذبحنك ذبح التيوس ويكون هذا أقل جزاء لك على ما فعلت مع ابنة عمك . فلما نظرت إلى روحي وأنا تحت جواريها وتعفر خدي بالتراب ورأيت السكين في يدها تحققت الموت .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 1:56 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الثانية والخمسين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان : ثم إن الشاب عزيز قال لتاج الملوك : ثم استغثت بها فلم تزدد إلا قسوة وأمرتهن أن يكتفنني فكتفنني ورمينني على ظهري وجلسن على بطني وأمسكن رأسي ، وقامت جاريتان فأمرتهما أن يضرباني فضرباني حتى أغمي علي وخفي صوتي فلما استفقت قلت في نفسي : إن موتي مذبوحاً أهون علي من هذا الضرب . وتذكرت كلمة ابنة عمي حيث قالت : كفاك الله شرها . فصرخت وبكيت حتى انقطع صوتي ثم سنت السكين وقال للجواري : اكشفن عنه . فألهمني الله أن أقول الكلمتين اللتين أوصتني بهما ابنة عمي وهما : الوفاء مليح والغدر قبيح . فلما سمعت ذلك صاحت وقالت : رحمك الله يا عزيزة سلامة شبابك ، نفعت ابن عمك في حياتك وبعد موتك . ثم قالت لي : والله إنك خلصت من يدي بواسطة هاتين الكلمتين لكن لابد أن أعمل فيك أثراً لأجل نكاية تلك العاهرة التي حجبتك عني . ثم صاحت علي .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 1:57 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الثالثة والخمسين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن عزيز قال : وصاحت على الجواري وقالت لهن : اركبن عليه . وأمرتهن أن يربطن رجلي بالحبال ففعلن ذلك ، ثم قامت من عندي وركبت طاجناً من نحاس على النار وصبت فيه سيرجاً وقلت فيه جبناً وأنا غائب عن الدنيا ثم جاءت عندي وحلت سروالي وفعلت بي ما منع رجولتي . وبقيت مثل المرأة ثم كوت موضع القطع وكبسته بذرور وأنا مغمى علي . فلما أفقت كان الدم قد انقطع فأسقتني قدحاً من الشراب ثم قالت لي : رح الآن لمن تزوجت بها وبخلت علي بليلة واحدة رحم الله ابنة عمك التي هي سبب نجاتك ولولا أنك أسمعتني كلمتيها لكنت ذبحتك فاذهب في هذه الساعة لمن تشتهي ، وأنا ما كان لي عندك سوى ما قطعته والآن ما بقي لي فيك رغبة ولا حاجة لي بك فقم وملس على رأسك وترحم على ابنة عمك . ثم رفستني برجلها فقمت وما قدرت أن أمشي فتمشيت قليلاً قليلاً ، حتى وصلت إلى الباب فوجدته مفتوحاً فرميت نفسي فيه وأنا غائب عن الوجود وإذا بزوجتي خرجت وحملتني وأدخلتني القاعة فوجدتني مثل المرأة فنمت واستغرقت في النوم فلما صحوت وجدت نفسي مرمياً على باب البستان .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 2:00 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الرابعة والخمسين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندن قال للملك ضوء المكان : ثم إن الشاب عزيز قال لتاج الملوك : فلما صحوت وجدت نفسي مرمياً على باب البستان فقمت وأنا أتضجر وتمشيت حتى أتيت إلى منزلي فدخلت فيه فوجدت أمي تبكي علي وتقول : يا هل ترى يا ولدي أنت في أي أرض ? فدنوت منها ورميت نفسي عليها فلما نظرت إلي ورأتني وجدتني على غير استواء وصار على وجهي الاصفرار والسواد ، ثم تذكرت ابنة عمي وما فعلت معي من المعروف وتحققت أنها كانت تحبني فبكيت عليها وبكت أمي ، ثم قالت إلي : ولدي إن والدك قد مات . فازددت غيظاً وبكيت حتى أغمي علي . فلما أفقت نظرت إلى موضع ابنة عمي التي كانت تقعد فيه فبكيت ثانياً حتى أغمي علي من شدة البكاء وما زلت في بكاء ونحيب إلى نصف الليل فقالت لي أمي : إن لوالدك عشرة أيام وهو ميت . فقلت لها : أنا لا أفكر في أحد أبداً غير ابنة عمي لأني أستحق ما حصل لي حيث هملتها وهي تحبني . فقالت : وما حصل لك ? فحكيت لها ما حصل لي . فبكت ساعة ، ثم قامت وأحضرت لي شيئاً من المأكول فأكلت قليلاً وشربت وأعدت لها قصتي ، وأخبرتها جميع ما وقع لي فقالت : الحمد لله حيث جرى لك هذا وما ذبحتك . ثم إنها عالجتني وداوتني حتى برأت وتكاملت عافيتي فقالت لي : يا ولدي الآن أخرج لك الوديعة التي أودعتها ابنة عمك عندي فإنها لك وقد حلفتني أني لا أخرجها لك حتى أراك تتذكرها وتحزن عليها وتقطع علائقك من غيرها والآن رجوت فيك هذه الخصال . ثم قامت وفتحت صندوقاً وأخرجت منه هذه الخرقة التي فيها صورة هذا الغزال وهي التي وهبتها لها أولاً فلما أخذتها وجدت مكتوباً فيها هذه الأبيات : أقمتم عيوني في الهوى وأقعدتم ........ وأسهرتموا جفني القريح ونمتم وقد حملتوا بين الفؤاد وناظـري ........ فلا القلب يسلوكم ولو ذاب منكم وعاهدتموني أنكم كاتموا الهـوى ........ فأغراكم الواشي وقال وقلتـم فبالله إخوانـي إذا مـت فاكتبـوا ........ على لوح قبري إن هذا متـيم فلما قرأت هذه الأبيات بكيت بكاء شديداً ولطمت على وجهي وفتحت الرقعة فوقعت منها ورقة أخرى ففتحتها فإذا مكتوب فيها : اعلم يا ابن عمي أني جعلتك في حل من دمي وأرجو الله أن يوفق بينك وبين من تحب ولكن إذا أصابك شيء من دليلة المحتالة فلا ترجع إليها ولا لغيرها وبعد ذلك فاصبر على بليتك ولولا أجلك المحتم لهلكت من الزمان الماضي ولكن الحمد لله الذي جعل يومي قبل يومك وسلامي عليك واحتفظ على هذه الخرقة التي فيها صورة الغزال ولا تفرط فيها فإن تلك الصورة كانت تؤانسني إذا غبت عني .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 2:00 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الخامسة والخمسين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان : ثم إن الشاب عزيز قال لتاج الملوك : إن ابنة عمي قالت لي : إن قدرت على من صورت هذه الصورة ينبغي أنك تتباعد عنها ولا تخلها تقرب منك ، ولا تتزوج بها وإن لم تقدر عليها ولا تجد لك إليها سبيلاً فلا تقرب واحدة من النساء بعد واعلم أن التي صورت هذه الصورة تصور في كل سنة صورة مثلها وترسلها إلي إلى أقصى البلاد لأجل أن يشيع خبرها وحسن صنعتها التي يعجز عنها أهل الأرض وأما محبوبتك الدليلة المحتالة ، فإنها لما وصلت إليها هذه الخرقة التي فيها صورة الغزال صارت تريها للناس وتقول لهم : إن لي أختاً تصنع هذا مع أنها كاذبة في قولها هتك الله سترها وما أوصيتك بهذه الوصية إلا لأنني أعلم أن الدنيا قد تضيق عليك بعد موتي وربما تتغرب بسبب ذلك وتطوف البلاد وتهيم بصاحبة هذه الصورة فتتشوق نفسك إلى معرفتها واعلم أن الصبية التي صورت هذه الصورة بنت ملك جزائر الكافور . فلما قرأت تلك الورقة وفهمت ما فيها بكيت وبكت أمي لبكائي وما زلت أنظر إليها وأبكي إلى أن اقبل الليل ولم أزل على تلك الحالة مدة سنة وبعد السنة تجهز تجار من مدينتي إلى السفر وهم هؤلاء الذين أنا معهم في القافلة فأشارت علي أمي أن أتجهز وأسافر معهم وقالت لي : لعل السفر يذهب ما بك من هذا الحزن وتغيب سنة أو سنتين أو ثلاثاً حتى تعود القافلة فلعل صدرك ينشرح . وما زالت تلاطفني بالكلام حتى جهزت متجراً وسافرت معهم وأنا لم تنشف لي دمعة مدة سفري وفي كل منزلة ننزل بها أنشر هذه الخرقة قدامي وأنظر إلى هذه الصورة فأتذكر ابنة عمي وأبكي عليها كما تراني فإنها كانت تحبني محبة زائدة وقد ماتت مقهورة مني وما فعلت معها إلا الضرر مع أنها لم تفعل معي إلا الخير ومتى رجعت التجار من سفرهم أرجع معهم وتكمل مدة غيابي سنة وأنا في حزن زائد ، وما زاد همي وحزني إلا لأني جزت علي جزائر الكافور وقلعة البلور وهي سبع جزائر والحاكم عليهم ملك يقال له شهرمان وله بنت يقال لها دنيا فقيل لي إنها هي التي تصور صورة الغزلان وهذه الصورة التي معك من جملة تصويرها . فلما علمت ذلك زادت بي الأشواق وغرقت في بحر الفكر والاحتراق ، فبكيت على روحي لأني بقيت مثل المرأة ولم تبق لي آلة مثل الرجال ولا حيلة لي ومن يوم فراقي لجزائر الكافور وأنا باكي العين حزين القلب ولي مدة على هذا الحال وما أدري هل يمكنني أن أرجع إلى بلدي وأموت عند والدتي أو لا وقد شبعت من الدنيا . ثم بكى وأن واشتكى ونظر إلى صورة الغزال وجرى دمعه على خده وسال وأنشد هذين البيتين : وقائل قال لـي لا بـد مـن فـرج ........ فقلت للغيظ كم لا بد مـن فـرج فقال لي بعد حين قلت يا عجـبـي ........ من يضمن العمر لي يا بارد الحجج وهذه حكايتي أيها الملك . فلما سمع تاج الملوك قصة الشاب ، تعجب غاية العجب وانطلقت من فؤاده النيران حين سمع بجمال السيدة دنيا .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 2:00 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة السادسة والخمسين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير دندان قال لضوء المكان : ثم إن تاج الملوك قال للشاب : والله لقد جرى لك شيء ما جرى لأحد مثله ، ولكن هذا تقدير ربك وقصدي أن أسألك عن شيء . فقال عزيز : وما هو ? فقال : تصف لي كيف رأيت تلك الصبية التي صورت الغزال . فقال : يا مولاي إني توصلت إليها بحيلة وهو أني لما دخلت مع القافلة إلى بلادها كنت أخرج وأدور في البساتين وهي كثيرة الأشجار ، وحارس البساتين شيخ طاعن في السن فقلت له : لمن هذا البستان ? فقال لي : لابنة الملك ، تخرج في البستان فتشم رائحة الأزهار . فقلت له : أنعم علي بأن أقعد في هذا حتى تمر علي أن أحظى منها بنظرة . فقال الشيخ : لا بأس بذلك . فلما قال ذلك أعطيته بعض الدراهم وقلت له : اشتر لنا شيئاً نأكله . ففرح بأخذ الدراهم وفتح الباب وأدخلني معه وسرنا وما زلنا سائرين إلى أن وصلنا إلى مكان لطيف وأحضر لي شيئاً من الفواكه اللطيفة وقال لي : اجلس هنا حتى أذهب وأعود إليك . وتركني ومضى فغاب ساعة ثم رجع ومعه خروف مشوي فأكلنا حتى اكتفينا وقلبي مشتاق إلى رؤية الصبية فبينما نحن جالسون وإذا بالباب قد انفتح ، فقال لي : قم اختف . واختفيت وإذا بطواشي أسود أخرج رأسه من الباب وقال : يا شيخ باب البستان . وإذا بالسيدة دنيا طلعت من الباب فلما رأيتها ظننت أن القمر نزل في الأرض فاندهش عقلي وصرت مشتاق إليها كاشتياق الظمآن إلى الماء وبعد ساعة أغلقت الباب ومضت . فعند ذلك خرجت أنا من البستان وقصدت منزلي وعرفت أني لا أصل إليها ولا أنا من رجالها خصوصاً وقد صرت مثل المرأة فقلت في نفسي : إن هذه ابنة الملك وأنا تاجر فمن أين لي أن أصل إليها . فلما تجهز أصحابي للرحيل تجهزت أنا وسافرت معهم وهم قاصدون هذه المدينة ، فلما وصلنا إلى هذا الطريق اجتمعنا بك وهذه حكايتي وما جرى لي والسلام . فلما سمع تاج الملوك ذلك الكلام اشتغل قلبه بحب السيدة دنيا ثم ركب جواده وأخذ معه عزيز وتوجه به إلى مدينة أبيه وأفرد له داراً ووضع له فيها كل ما يحتاج إليه ، ثم تركه ومضى ودموعه جارية على خدوده لأن السماع يحل محل النظر والاجتماع وما زال تاج الملوك على تلك الحالة ، حتى دخل عليه أبوه فوجده متغير اللون فعلم أنه مهموم ومغموم فقال له : يا ولدي أخبرني عن حالك وما جرى لك حتى تغير لونك . فأخبره بجميع ما جرى له من قصة دنيا من أولها إلى آخرها ، وكيف عشقها على السماع ولم ينظرها بالعين ، فقال له والده : يا ولدي إن أباها ملك وبلاده بعيدة عنا ، فدع عنك هذا وادخل قصر أمك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 2:01 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة السابعة والخمسين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن والد تاج الملوك قال له : يا ولدي إن أباها ملك وبلاده بعيدة عنا فدع عنك هذا وادخل قصر أمك فإن فيه خمسمائة جارية كالأقمار فمن أعجبتك منهن فخذها وإن لم تعجبك منهن نخطب بنتاً من بنات الملوك تكون أحسن من السيدة دنيا . فقال له : يا والدي لا أريد غيرها وهي التي صورت صورة الغزال التي رأيتها فلا بد منها وإلا أهجج في البراري واقتل روحي بسببها . فقال له : يا ولدي أمهل علي حتى أرسل إلى أبيها وأخطبها منه وأبلغك المرام مثل ما فعلت لنفسي مع أمك وإن لم يرض زلزلت عليه مملكته وجردت عليه جيشاً يكون آخره عندي وأوله عنده . ثم دعا الشاب عزيز وقال : يا ولدي هل أنت تعرف الطريق ? قال : نعم . قال له : أشتهي منك أن تسافر مع وزيري . فقال له : سمعاً وطاعة . ثم جهز عزيز مع وزيره وأعطاهم الهدايا فسافروا أياماً وليالي إلى أن أشرفوا على جزائر الكافور فأقاموا على شاطئ نهر وأنفذ الوزير رسولاً من عنده إلى الملك ليخبره بقدومهم ، وبعد ذهاب الرسول بنصف يوم لم يشعر إلا وحجاب الملك وأمراؤه قد أقبلوا عليهم ولاقوهم من مسيرة فرسخ فنقلوهم وساروا في خدمتهم إلى أن دخلوا بهم على الملك فقدموا له الهدايا وأقاموا عنده أربعة أيام وفي اليوم الخامس قام الوزير ودخل على الملك ووقف بين يديه وحدثه بحديثه وأخبره بسبب مجيئه فصار الملك متحيراً في رد الجواب لأن ابنته لا تحب الزواج وأطرق برأسه إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه إلى بعض الخدام وقال له : اذهب إلى سيدتك دنيا وأخبرها بما سمعت وبما جاء به هذا الوزير . فقام الخادم وغاب ساعة ثم عاد إلى الملك وقال له : يا ملك الزمان لما دخلت على السيدة دنيا أخبرتها بما سمعت فغضبت غضباً شديداً ، ونهضت علي بمسوقة وأرادت كسر رأسي ففررت منها هارباً وقالت لي : إن كان يغصبني على الزواج فالذي أتزوج به أقتله . فقال أبوها للوزير وعزيز : سلما على الملك وأخبراه بذلك وإن ابنتي لا تحب الزواج .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تح | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 2:02 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الثامنة والخمسين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد انه عند ذلك رجع الوزير ومن معه من غير فائدة وما زالوا مسافرين إلى أن دخلوا على الملك وأخبروه ، فعند ذلك أمر النقباء أن ينبهوا العسكر إلى السفر من أجل الحرب والجهاد فقال له الوزير : لا تفعل ذلك فإن الملك لا ذنب له وإنما الامتناع من ابنته فإنها حين علمت بذلك أرسلت تقول : إن غصبني على الزواج أقتل من أتزوج به وأقتل نفسي بعده . فلما سمع الملك كلام الوزير خاف على ولده تاج الملوك وقال : إن حاربت أباها وظفرت بابنته قتلت نفسها . ثم إن الملك أعلم ابنه تاج الملوك بحقيقة الأمر فلما علم بذلك قال لأبيه : يا والدي أنا لا أطيق الصبر عنها فأنا أروح إليها وأتسبب في اتصالي بها ولو أموت ولا أفعل غير هذا . فقال له أبوه : وكيف تروح ? فقال : أروح في صفة تاجر . فقال الملك : إن كان ولا بد فخذ معك الوزير وعزيز . ثم إنه أخرج شيئاً من خزانته وهيأ له متجراً بمائة ألف دينار واتفقا معه على ذلك . فلما جاء الليل ذهب تاج الملوك وعزيز إلى منزل الوزير وباتا هناك تلك الليلة وصار تاج الملوك مسلوب الفؤاد ولم يطب له أكل ولا رقاد بل هجمت عليه الأفكار وغرق منها في بحار وهزه الشوق إلى محبوبته فأفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين : ترى هل لنا بعد البعاد وصول ........ فأشكو إليكم صبوتي وأقـول تذكرتكم والليل ناء صباحـه ........ وأسهرتموني والأنام غفـول فلما فرغ من شعره بكى بكاء شديداً وبكا معه عزيز وتذكر ابنة عمه وما زالا يبكيان إلى أن أصبح الصباح ثم قام تاج الملوك ودخل على والدته وهو لابس أهبة السفر فسألته عن حاله فأخبرها بحقيقة الأمر فأعطته خمسين ألف دينار ثم ودعته وخرج من عندها ودعت له بالسلامة والاجتماع بالأحباب ثم دخل على والده واستأذنه أن يرحل فأذن له وأعطاه خمسين ألف دينار وأمر أن تضرب له خيمة وأقاموا فيها يومين ثم سافروا واستأنس تاج الملوك بعزيز وقال له : يا أخي أنا ما بقيت أطيق أن أفارقك . فقال عزيز : وأنا الآخر كذلك وأحب أن أموت تحت رجليك ولكن يا أخي قلبي اشتغل بوالدتي . فقال له تاج الملوك : لما نبلغ المرام لا يكون إلا خيراً . وكان الوزير قد أوصى تاج الملوك بالإصطبار وصار عزيز ينشد له الأشعار ويحدثه بالتواريخ والأخبار ولم يزالوا سائرين بالليل والنهار مدة شهرين فطالت الطريق على تاج الملوك واشتد عليه الغرام وزاد به الوجد والهيام ، فلما قربوا من المدينة فرح تاج الملوك غاية الفرح وزال عنه الهم والترح ثم دخلوها وما زالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى سوق البر . فلما رأى التجار تاج الملوك وشاهدوا حسنه وجماله تحيرت عقولهم وصاروا يقولون : هل رضوان فتح أبواب الجنان وسها عنها فخرج هذا الشاب البديع الحسن . وبعضهم يقول : لعل هذا من الملائكة . فلما دخلوا عند التجار سألوا عن دكان شيخ السوق فدلوهم عليه فتوجهوا إليه فلما قربوا قام إليهم هو ومن معه من التجار وعظموهم خصوصاً الوزير الأجل فإنهم رأوه رجلاً كبيراً مهاباً ومعه تاج الملوك وعزيز فقال التجار لبعضهم : لا شك أن هذا الشيخ والد هذين الغلامين . فقال الوزير : من الشيخ فيكم ? فقالوا : ها هو . فنظر إليه الوزير وتأمله فرآه رجلاً كبيراً صاحب هيبة ووقار وخدم وغلمان ، ثم إن شيخ السوق حياهم تحية الأحباب وبالغ في إكرامهم وأجلسهم جنبه وقال لهم : هل لكم حاجة نفوز بقضائها ? فقال الوزير : نعم إني رجل كبير طاعن في السن ومعي هذان الغلمان وسافرت بهما سائر الأقاليم والبلاد وما دخلت بلدة إلا أقمت بها سنة كاملة حتى يتفرجا عليها ويعرفها أهلها وإني قد أتيت بلدكم هذه واخترت المقام فيها وأشتهي منك دكاناً تكون من أحسن المواضع حتى أجلسهما فيها ليتاجرا أو يتفرجا على هذه المدينة ويتخلقا بأخلاق أهلها ويتعلما البيع والشراء والأخذ والعطاء . فقال شيخ السوق : لا بأس بذلك . ثم نظر إلى الولدين وفرح بهما وأحبهما حباً زائداً وكان شيخ السوق مغرماً بفاتك اللحظات عليه حب البنين على البنات ويميل إلى الحموضة فقال في نفسه : سبحان خالقهما ومصورهما من ماء مهين . ثم قام واقفاً في خدمتهما كالغلام بين أيديهما ، بعد ذلك سعى وهيأ لهما الدكان وكانت في وسط السوق ولم يكن أكبر منها ولا أوجه منها عندهم لأنها كانت متسعة مزخرفة فيها رفوف من عاج وأبنوس ، ثم سلم المفاتيح للوزير وهو في صفة تاجر وقال : جعلها الله مباركة على ولديك . فلما أخذ الوزير مفاتيح الدكان توجه إليها والغلمان ووضعوا فيها أمتعتهم وأمر غلمانهم أن ينقلوا إليها جميع ما عندهم من البضائع والقماش .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 2:02 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة التاسعة والخمسين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير لما أمر غلمانه أن ينقلوا البضائع والقماش وكان ذلك يساوي خزائن مال فنقلوا جميع ذلك إلى الدكان وباتوا تلك الليلة فلما أصبح الصباح أخذهما الوزير ودخل بهما الحمام فلما دخلوا الحمام تنظفوا وأخذوا غاية حظهم ، وكان كل من الغلامين ذا جمال باهر فصارا في الحمام على قول الشاعر : بشرى لقـيتـه إذ لامـسـت يده ........ جسماً تولد بين المـاء والـنـور ما زال يظفر لطفاً مـن صناعتـه ........ حتى جنى المسك من تمثال كافور ثم خرجا من الحمام وكان شيخ السوق لما سمع بدخولهما الحمام قعد في انتظارهما وإذا بهما قد أقبلا وهما كالغزالين وقد احمرت خدودهما واسودت عيونهما ولمعت أبدانهما حتى كأنهما غصنان مثمران أو قمران زاهيان فقال لهما : يا أولادي حمامكم نعيم دائم . فقال تاج الملوك بأعذب كلام : ليتك كنت معنا . ثم إن الاثنين قبلا يديه ومشيا قدامه حتى وصلا إلى الدكان تعظيماً له لأنه كبير السوق وقد أحسن إليهما بإعطائهما الدكان ، فلما رأى أردافهما في ارتجاج زاد به الوجد وهاج وشخر ونخر ولم يبق مصطبراً فأحدق بهما العينين وأنشد هذين البيتين : يطالع القلب باب الاختصاص به ........ وليس يقرأ فيه مبحث الشركه لا غرو في كونه يرتج من قول ........ فكم لذا الفلك الدوار من حركه فلما سمعا هذا الشعر أقسما عليه أن يدخل الحمام ثانياً وكانا قد تركا الوزير داخل الحمام فلما دخل شيخ السوق إلى الحمام ثاني مرة سمع الوزير بدخوله فخرج إليه من الخلوة واجتمع به في وسط الحمام وعزم عليه فامتنع فأمسك بإحدى يديه تاج الملوك وبيده الأخرى عزيز ودخلا به أخرى فانقاد لهما الشيخ الخبيث فحلف تاج الملوك أن لا يحميه غيره وحلف عزيز أن لا يصب عليه الماء غيره فقال له الوزير : إنهما أولادك . فقال شيخ السوق : أبقاهما الله لك لقد حلت في مدينتنا البركة والسعود بقدومكم وقدوم أتباعكم ، ثم أنشد هذين البيتين : أقبلت فاخضرت لدينا الربا ........ وقد زهت بالزهر للمجتلى ونادت الأرض ومن فوقها ........ أهلاً وسهلاً بك من مقبل فشكروه على ذلك ، ومازال تاج الملوك يحميه وعزيز يصب عليه الماء وهو يظن روحه في الجنة حتى أتما خدمته فدعا لهما وجلس جنب الوزير على أنه يتحدث معه ولكن معظم قصده النظر إلى تاج الملوك وعزيز ، ثم بعد ذلك جاء لهم الغلمان بالمناشف فتنشفوا ولبسوا حوائجهم ثم خرجوا من الحمام فأقبل الوزير على شيخ السوق وقال له : يا سيدي إن الحمام نعيم الدنيا . فقال شيخ السوق : جعله الله لك ولأولادك عافية وكفاهما الله شر العين ، فهل تحفظون شيئاً مما قاله البلغاء في الحمام ؟ فقال تاج الملوك : أنا أنشد لك بيتين وهما : إن عيش الحمام أطيب عيش ........ غير أن المقام فيه قـلـيل جنة تكره الإقـامة فـيهـا ........ وجحيم يهيب فيها الدخـول فلما فرغ تاج الملوك من شعره قال عزيز : وأنا أحفظ في الحمام شيئاً . فقال شيخ السوق أسمعني إياه . فأنشد هذين البيتين : وبيت له من جامد الصخر أزهار ........ أنيق إذا أضرمت حوله الـنـار تراه جحيماً وهو في الحق جـنة ........ وأكثر ما فيها شموس وأقمـار فلما فرغ عزيز من شعره تعجب شيخ السوق من شعرهما وفصاحتهما وقال لهما : والله لقد حزتما الفصاحة والملاحة فاسمعا أنتما مني ، ثم أطرب بالنغمات وأنشد الأبيات : يا حسن نار والنعيم عذابـهـا ........ تحيا بهـا الأرواح والأبـدان فأعجبت لبيت لا يزال نعيمـه ........ غضاً وتوقد تحته الـنـيران عيش السرور إن ألم به وقـد ........ سفحت عليه دموعها الغدران فلما سمعوا ذلك تعجبوا من هذه الأبيات ، ثم إن شيخ السوق عزم عليهم فامتنعوا ومضوا إلى منزلهم ليستريحوا من تعب الحمام ، ثم أكلوا وشربوا وباتوا تلك الليلة في منزلهم في أتم ما يكون من الحظ والسرور فلما أصبح الصباح قاموا من نومهم وتوضأوا وصلوا فرضهم وأصبحوا ، ولما طلع النهار وفتحت الدكاكين والأسواق خرجوا من المنزل وتوجهوا إلى السوق وفتحوا الدكان وكان الغلمان قد هيأوها أحسن هيئة وفرشوها بالبساط الحرير ووضعوا فيها مرتبتين كل واحدة منهما تساوي مائة دينار وجعلوا فوق كل مرتبة نطفاً ملوكياً دائره من الذهب . فجلس تاج الملوك على مرتبة وجلس عزيز على الأخرى والوزير في وسط الدكان ووقف الغلمان بين أيديهم وتسامعت بهم الناس فازدحموا عليهم وباعوا بعض أقمشتهم وشاع ذكر تاج الملوك في المدينة واشتهر فيها خبر حسنه وجماله ثم أقاموا على ذلك أياماً وفي كل يوم تهرع الناس إليهم فأقبل الوزير على تاج الملوك وأوصاه بكتمان أمره وأوصى عليه عزيز ومضى إلى الدار ليدير أمراً يعود نفعه عليهم وصار تاج الملوك وعزيز يتحدثان وصار تاج الملوك يقول : عسى أن يجيء أحد من عند السيدة دنيا . ومازال تاج الملوك على ذلك أياماً وليالي وهو لا ينام وقد تمكن منه الغرام وزاد به النحول والأسقام حتى حرم لذيذ المنام وامتنع عن الشراب والطعام وكان كالبدر في تمامه فبينما تاج الملوك جالس وإذا بعجوز أقبلت عليه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأحد سبتمبر 14, 2008 2:03 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد انه بينما تاج الملوك جالس وإذا بعجوز أقبلت عليه وتقدمت إليه وخلفها جاريتان وما زالت ماشية حتى وقفت على دكان تاج الملوك فرأت قده واعتداله وحسنه وجماله فتعجبت من ملاحته ورشحت في سراويلها ، ثم قالت : سبحان من خلقك من ماء مهين سبحان من جعلك فتنة للعالمين . ولم تزل تتأمل فيه وتقول : ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم . ثم دنت منه وسلمت عليه فرد عليها السلام وقام لها واقفاً على الأقدام وابتسم في وجهها هذا كله بإشارة عزيز ثم أجلسها إلى جانبه وصار يروح عليها إلى أن استراحت ، ثم إن العجوز قالت لتاج الملوك : يا ولدي يا كامل الأوصاف والمعاني هل أنت من هذه الديار ? فقال تاج الملوك بكلام فصيح عذب مليح : والله يا سيدتي عمر ما دخلت هذه الديار إلا هذه المرة ولا أقمت فيها إلا على سبيل الفرجة . فقالت : لك الإكرام من قادم على الرحب والسعة ما الذي جئت به معك من القماش فأرني شيئاً مليحاً فإن المليح لا يحمل إلا المليح . فلما سمع تاج الملوك كلامها خفق قلبه ولم يفهم معنى كلامها ، فغمزه عزيز بالإشارة فقال لها تاج الملوك : عندي كل ما تشتهين من الشيء الذي لا يصلح إلا للملوك وبنات الملوك فلمن تريدين حتى اقلب عليك ما يصلح لأربابه . وأراد بذلك الكلام أن يفهم معنى كلامها فقالت له : أريد قماشاً يصلح للسيدة دنيا بنت الملك شهرمان . فلما سمع تاج الملوك ذكر محبوبته فرح فرحاً شديداً وقال لعزيز : ائتني بأفخر ما عندك من البضاعة . فأتاه عزيز ببقجة وحلها بين يديه ، فقال لها تاج الملوك : اختاري ما يصلح لها فإن هذا الشيء لا يوجد عند غيري فاختارت العجوز شيئاً يساوي ألف دينار وقالت : بكم هذا ? فقال لها : وهل أساوم مثلك فيه هذا الشيء الحقير الحمد لله الذي عرفني بك . فقالت له العجوز : أعوذ وجهك المليح برب الفلق ، إن وجهك مليح وفعلك مليح هنيئاً لمن تنام في حضنك وتضم قوامك الرجيح وتحظى بوجهك الصبيح وخصوصاً إذا كانت صاحبة حسن مثلك . فضحك تاج الملوك حتى استلقى على قفاه ثم قال : يا قاضي الحاجات على أيدي العجائز الفاجرات . فقالت : يا ولدي ما الاسم ? قال : اسمي تاج الملوك . فقالت : إن هذا الاسم من أسماء الملوك ولكنك في زي التجار . فقال لها عزيز : من محبته عند أهله ومعزته عليهم سموه بهذا الاسم . فقالت العجوز : صدقت كفاكم الله شر الحساد ولو فتئت بمحاسنكم الأكباد . ثم أخذت القماش ومضت وهي باهتة من حسنه وجماله وقده واعتداله ، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا وقالت لها : يا سيدتي جئت لك بقماش مليح . فقالت دنيا : أين هذا القماش ؟ فقالت لها : يا سيدتي ها هو فقبليه وانظريه . فلما رأته السيدة دنيا قالت لها : يا دادتي إن هذا قماش مليح ما رأيته في مدينتنا . فقالت العجوز : يا سيدتي إن بائعه أحسن منه كأن رضوان فتح أبواب الجنان وسها فخرج منها التاجر الذي يبيع هذا القماش ، وأنا أشتهي في هذه الليلة أن يكون عندك وينام بين نهودك ، فإنه فتنة لمن يراه وقد جاء مدينتنا بهذه الأقمشة لأجل الفرجة . فضحكت السيدة دنيا من كلام العجوز .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 11:59 am | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الحادية والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة دنيا حين ضحكت من كلام العجوز قالت : أخزاك الله يا عجوز النحس إنك خرفت ولم يبق لك عقل . ثم قالت : هات القماش حتى أبصره جيداً . فناولتها إياه فنظرته ثانياً فرأته شيئاً قليلاً وثمنه كثيراً وتعجبت من حسن ذلك القماش لأنها ما رأت في عمرها مثله فقالت لها العجوز : يا سيدتي لو رأيت صاحبه لعرفت أنه أحسن ما يكون على وجه الأرض . فقالت لها السيدة دنيا : هل سألتيه إن كان له حاجة يعلمنا بها فنقضيها له ? فقالت العجوز وقد هزت رأسها : حفظ الله فراستك ، والله إن له حاجة وهل أحد يخلو من حاجة ? فقالت لها السيدة دنيا : اذهبي إليه وسلمي عليه وقولي له : شرفت بقدومك مدينتنا ومهما كان لك من الحوائج قضيناه لك على الرأس والعين . فرجعت العجوز إلى تاج الملوك في الوقت فلما رآها طار قلبه من الفرح ونهض لها قائماً على قدميه وأخذ يدها وأجلسها إلى جانبه ، فلما جلست واستراحت أخبرته بما قالته السيدة دنيا ، فلما سمع ذلك فرح غاية الفرح واتسع صدره وانشرح وقال في نفسه : قد قضيت حاجتي . ثم قال للعجوز : لعلك توصلين إليها كتاباً من عندي وتأتيني بالجواب . فقالت : سمعاً وطاعة . فلما سمع ذلك منها قال لعزيز : ائتني بدواة وقرطاس وقلم من نحاس . فلما أتاه بتلك الأدوات كتب هذه الأبيات : كتبت إليـك يا سؤلي كتـابـاً ........ بما ألقاه من ألم الـفـراق فأول مـا أسطر نـار قلـبـي ........ وثانيه غرامي واشتـياقـي وثالثه مضى عمري وصـبري ........ ورابعه جميع الوجد باقـي وخامسه متى عيني تـراكـم ........ وسادسه متى يوم التلاقـي ثم كتب في إمضائه : إن هذا الكتاب من أسير الأشواق المسجون في سجن الاشتياق الذي ليس له إطلاق إلا بالوصال ولو بطيف الخيال لأنه يقاسي أليم العذاب من فراق الأحباب ، ثم أفاض دمع العين وكتب هذين البيتين : كتبت إليك والعبرات تجـري ........ ودمع العين ليس له انقطاع ولست ببائس من فضل ربي ........ عسى يوم يكون به اجتماع ثم طوى الكتاب وختمه وأعطاه للعجوز وقال : أوصليه إلى السيدة دنيا . فقالت : سمعاً وطاعة . ثم أعطاها ألف دينار وقال : اقبلي مني هذه الهدية . فأخذتها وانصرفت داعية له ، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا فلما رأتها قالت : يا دادتي أي شيء طالب من الحوائج حتى نقضيها له ? فقالت لها : يا سيدتي قد أرسل معي كتاباً ولا أعلم بما فيه . فقرأته وفهمت معناه ثم قالت : من أين إلى أين حتى يراسلني هذا التاجر ويكاتبني ? ثم لطمت وجهها وقالت : لولا خوفي من الله تعالى لصلبته على دكانه . فقالت العجوز : وأي شيء في هذا الكتاب حتى أزعج قلبك هل فيه شكاية مظلمة أو فيه ثمن القماش ? فقالت لها : ويلك ما فيه ذلك وما فيه إلا عشق ومحبة وهذا كله منك وإلا فمن أي يتوصل هذا الشيطان إلى هذا الكلام . فقالت لها العجوز : يا سيدتي أنت قاعدة في قصرك العالي وما يصل إليك أحد ولا الطير الطائر ، سلامتك من اللوم والعتاب وما عليك من نباح الكلاب ، فلا تؤاخذيني حيث أتيتك بهذا الكتاب ولكن الرأي عندي أن تردي إليه جواباً وتهدديه فيه بالقتل وتنهيه عن هذا الهذيان فإنه ينتهي ولا يعود إلى فعلته . فقالت السيدة دنيا : أخاف أن أكاتبه فيطمع . فقالت العجوز : إذا سمع التهديد والوعيد رجع عما هو عليه . فقالت : علي بدواة وقرطاس وقلم من نحاس . فلما أحضروا لها تلك الأدوات كتبت هذه الأبيات : يا مدعي الحب والبلوى مع السهر ........ وما تلاقيه من وجد ومن فـكـر أتطلب الوصل يا مغرور من قمر ........ وهل ينال المنى شخص من القمر إني نصحتك عما أنت طـالـبـه ........ فأقصر فإنك في هذا على خطر وإن رجعت إلى هذا الكلام فـقـد ........ أتاك مني عذاب زائد الـضـرر وحق من خلق الإنسان من علـق ........ ومن أنار ضياء الشمس والقمـر لئن عـدت لـمـا أنـت ذاكـره ........ لأصلبنك في جزع من الشـجـر ثم طوت الكتاب وأعطته للعجوز ، وقالت لها : أعطيه له وقولي له : كف عن هذا الكلام . فقالت لها : سمعاً وطاعة . ثم أخذت الكتاب وهي فرحانة ومضت إلى منزلها وباتت في بيتها ، فلما أصبح الصباح توجهت إلى دكان تاج الملوك فوجدته في انتظارهما فلما رآها كاد أن يطير من الفرح فلما قربت منه نهض إليها قائماً وأقعدها بجانبه فأخرجت له الورقة وناولته إياها وقالت له : اقرأ ما فيها . ثم قالت له : إن السيدة دنيا لما قرأت كتابك اغتاظت ولكنني لاطفتها ومازحتها حتى أضحكتها ورقت لك وردت لك الجواب . فشكرها تاج الملوك على ذلك وأمر عزيز أن يعطيها ألف دينار ، ثم إنه قرأ الكتاب وفهمه وبكى بكاء شديداً فرق له قلب العجوز ، وعظم عليها بكاؤه وشكواه ثم قالت له : يا ولدي وأي شيء في هذه الورقة حتى أبكاك ? فقال لها : إنها تهددني بالقتل والصلب وتنهاني عن مراسلتها وإن لم أراسلها يكون موتي خيراً من حياتي فخذي جواب كتابها ودعيها تفعل ما تريد . فقالت له العجوز : وحياة شبابك لا بد أني أخاطر معك بروحي وأبلغك مرادك وأوصلك إلى ما في خاطرك . فقال لها تاج الملوك : كل ما تفعليه أجازيك عليه ويكون في ميزانك فإنك خبيرة بالسياسة وعارفة بأبواب الدناسة وكل عسير عليك يسير والله على كل شيء قدير ، ثم أخذ ورقة وكتب فيها هذه الأبيات : أمست تهددني بالقتل واحـزنـي ........ والقتل لي راحة والموت مقدور والموت أغنى لصب أن تطول به ........ حياته وهو ممنوع ومقـهـور بالله زوروا محباً قـل نـاصـره ........ فإنني عبد والعـبـد مـأسـور يا سادتي فارحموني في محبتكـم ........ فكل من يعشق الأحرار معذور ثم إنه تنفس الصعداء وبكى حتى بكت العجوز ، وبعد ذلك أخذت الورقة منه وقالت له : طب نفساً وقر عيناً ، فلا بد أن أبلغك مقصودك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:00 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الثانية والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قامت وتركت تاج الملوك على النار وتوجهت إلى السيدة دنيا فرأتها متغيرة اللون من غيظها بمكتوب تاج الملوك فناولتها الكتاب فازدادت غيظاً ، وقالت للعجوز : أما قلت لك أنه يطمع فينا ? فقالت لها : وأي شيء من هذا الكتاب حتى يطمع فيك ? فقالت لها السيدة دنيا : اذهبي إليه وقولي له إن راسلتها بعد ذلك ضربت عنقك . فقالت لها العجوز : اكتبي له هذا الكلام في مكتوب وأنا آخذ المكتوب معي لأجل أن يزداد خوفاً . فأخذت ورقة وكتبت فيها هذه الأبيات : أيا غافلاً عن حادثـا الـطـوارق ........ وليس إلى نيل الوصال بسـابـق أتزعم يا مغرور أن تدرك السهـا ........ وما أنت للبدر المنير بـلا حـق فكيف ترجينا وتأمـل وصـلـنـا ........ لتحظى بضم للقدود الـرواشـق فدع عنك هذا القصد خيفة سطوتي ........ بيوم عبوس فيه شيب المـفـارق ثم طوت الكتاب وناولته للعجوز فأخذته وانطلقت به إلى تاج الملوك فلما رآها قام على قدميه وقال : لا أعدمني الله بركة قدومك . فقالت له العجوز : خذ جواب مكتوبك . فأخذ الورقة وقرأها وبكى بكاء شديداً ، وقال : إني أشتهي من يقتلني الآن فإن القتل أهون علي من هذا الأمر الذي أنا فيه . ثم أخذ دواة وقلماً وقرطاس وكتب مكتوباً ورقم هذين البيتين : فيا منيتي لا تبتغي الهجر والجفـا ........ فإني محب في المحبة غـارق ولا تحسبيني في الحياة مع الجفا ........ فروحي من بعد الأحبة طالـق ثم طوى الكتاب وأعطاه للعجوز وقال لها : قد أتعبتك بدون فائدة . وأمر عزيز أن يدفع لها ألف دينار وقال لها : يا أمي إن هذه الورقة لا بد أن يعقبها كمال الاتصال أو كمال الانفصال . فقالت له : يا ولدي والله ما أشتهي لك إلا الخير ومرادي أن تكون عندك فإنك أنت القمر صاحب الأنوار الساطعة وهي الشمس الطالعة وإن لم أجمع بينكما فليس في حياتي فائدة وأنا قد قطعت عمري في المكر والخداع حتى بلغت التسعين من الأعوام فكيف أعجز عن الجمع بين اثنين في الحرام . ثم ودعته وطيبت قلبه وانصرفت ولم تزل تمشي حتى دخلت السيدة دنيا وقد أخفت الورقة في شعرها . فلما جلست عندها حكت رأسها وقالت : يا سيدتي عساك أن تفلي شوشتي فإن لي زماناً ما دخلت الحمام . فكشفت السيدة دنيا عن مرفقيها وحلت شعر العجوز وصارت تفلي شوشتها فسقطت الورقة من رأسها فرأتها السيدة دنيا فقالت : ما هذه الورقة ? فقالت : كأني قعدت على دكان التاجر فتعلقت معي هذه الورقة هاتيها حتى أوديها له . ففتحتها السيدة دنيا وقرأتها وفهمت ما فيها فاغتاظت غيظاً شديداً وقالت : كل الذي جرى لي من تحت رأس هذه العجوز النحس . فصاحت على الجواري والخدم وقالت : أمسكوا هذه العجوز الماكرة واضربوها بنعالكم . فنزلوا عليها ضرباً بالنعال حتى غشي عليها . فلما أفاقت قالت لها : والله يا عجوز السوء لولا خوفي من الله تعالى لقتلتك . ثم قالت لهم : أعيدوا الضرب . فضربوها حتى غشي عليها ثم أمرتهم أن يجروها ويرموها خارج الباب فسحبوها على وجهها ورموها قدام الباب . فلما أفاقت قامت تمشي وتقعد حتى وصلت إلى منزلها وصبرت إلى الصباح ثم قامت وتمشت حتى أتت إلى تاج الملوك وأخبرته بجميع ما جرى لها ، فصعب عليه ذلك وقال لها : يعز علي يا أمي ما جرى لك ولكن كل شيء بقضاء وقدر . فقالت له : طب نفساً وقر عيناً فإني لا أزال أسعى حتى أجمع بينك وبينها وأوصلك إلى هذه العاهرة التي أحرقتني بالضرب . فقال لها تاج الملوك : أخبريني ما سبب بغضها للرجال ? فقالت : إنها رأت مناماً أوجب ذلك . فقال لها : وما ذلك المنام ? فقالت : إنها كانت نائمة ذات ليلة فرأت صياداً أنصب شركاً في الأرض وبذر حوله قمحاً ثم جلس قريباً منه فلم يبق شيء من الطيور إلا وقد أتى إلى ذلك الشرك ، ورأت في الطيور حمامتين ذكراً وأنثى . فبينما هي تنظر إلى الشرك وإذا برجل الذكر تعلق في الشرك وصار يتخبط فنفرت عنه جميع الطيور ومرت فرجعت إليه امرأته وحامت عليه ثم تقدمت إلى الشرك والصياد غافل فصارت تنقر العين التي فيها رجل الذكر وصارت تجذبه بمنقارها حتى خلصت رجله من الشرك وطارت الطيور هي وإياه فجاء بعد ذلك الصباح وأصلح الشرك وقعد بعيداً عنه فلم يمض غير ساعة حتى نزلت الطيور وعلق الشرك في الأنثى فنفرت عنها جميع الطيور ومن جملتها الطير الذكر ولم يعد لأنثاه فجاء الصياد وأخذ الطير الأنثى وذبحها فانتبهت مرعوبة من منامها وقالت : كل ذكر مثل هذا ما فيه خير والرجال جميعهم ما عندهم خير للنساء . فلما فرغت من حديثها لتاج الملوك قال لها : يا أمي أريد أن أنظر إليها نظرة واحدة ولو كان ذلك مماتي فتحيلي لي بحيلة حتى أنظرها . فقالت له : اعلم أن لها بستاناً تحت قصرها وهو برسم فرجتها وإنها تخرج إليه في كل شهر مرة من باب السر وتقعد فيه عشرة أيام وقد جاء أوان خروجها إلى الفرجة ، فإذا أرادت الخروج أجيء إليك أعلمك حتى تخرج وتصادفها واحرص على أنك لا تفارق البستان فلعلها إذا رأت حسنك وجمالك يتعلق قلبها بمحبتك فإن المحبة أعظم أسباب الاجتماع . فقال : سمعاً وطاعة . ثم قام من الدكان هو وعزيز وأخذا معهما العجوز ومضيا إلى منزلهما وعرفاه لها ثم إن تاج الملوك قال لعزيز : يا أخي ليس لي حاجة بالدكان وقد قضيت حاجتي منها ووهبتها لك بجميع ما فيها لأنك تغربت معي وفارقت بلادك . فقبل عزيز منه ذلك ثم جلسا يتحدثان وصار تاج الملوك يسأله عن غريب أحواله وما جرى له وبعد ذلك أقبلا على الوزير وأعلماه بما عزم عليه تاج الملوك وقالا له : كيف العمل ? فقال : قوموا بنا إلى البستان . فلبس كل واحد منهم أفخر ما عنده وخرجوا وخلفهم ثلاثة مماليك وتوجهوا إلى البستان فرأوه كثير الأشجار غزير الأنهار ورأوا الخولي جالساً على الباب فسلموا عليه فرد عليهم السلام فناوله الوزير مائة دينار وقال : أشتهي أن تأخذ هذه النفقة وتشتري لنا شيئاً نأكله فإننا غرباء ومعي هؤلاء الأولاد وأردت أن أفرجهم . فأخذ البستاني الدنانير وقال لهم : ادخلوا وتفرجوا وجميعه ملككم واجلسوا حتى أحضر لكم بما تأكلون . ثم توجه إلى السوق ودخل الوزير وتاج الملوك وعزيز داخل البستان بعد أن ذهب البستاني إلى السوق ثم بعد ساعة أتى ومعه خروف مشوي ووضعه بين أيديهم فأكلوا وغسلوا أيديهم وجلسوا يتحدثون فقال الوزير : أخبرني عن هذا البستان هل هو لك أم أنت مستأجره ? فقال الشيخ : ما هو لي وإنما لبنت الملك السيدة دنيا . فقال الوزير : كم لك في كل شهر من الأجرة ? فقال : دينار واحد لا غير . فتأمل الوزير في البستان فرأى هناك قصراً عالياً إلا أنه عتيق فقال الوزير : أريد أن أعمل خيراً تذكرني به . فقال : وما تريد أن تفعل من الخير ? فقال : خذ هذه الثلثمائة دينار . فلما سمع الخولي بذكر الدنانير قال : يا سيدي مهما شئت فافعل . ثم أخذ الدنانير فقال له الوزير : إن شاء الله تعالى نفعل في هذا المحل خيراً . ثم خرجوا من عنده وتوجهوا إلى منزلهم وباتوا تلك الليلة . فلما كان الغد أحضر الوزير مبيضاً ونقاشاً وصانعاً جيداً ، وأحضر لهم جميع ما يحتاجون إليه من الآلات ودخل بهم البستان وأمرهم ببياض ذلك القصر وزخرفته بأنواع النقش ثم أمر بإحضار الذهب واللازورد وقال للنقاش : اعمل في صدر هذا الإيوان آدمي صياد كأنه نصب شركه ، وقد وقعت فيه حمامة واشتبكت بمنقارها في الشرك . فلما نقش النقاش جانباً وفرع من نقشه ، قال له الوزير : افعل في الجانب الآخر مثل الأول وصور صورة حمامة في الشرك وأن الصياد أخذها ووضع السكين على رقبتها وأعمل في الجانب الآخر صورة جارح كبير قد قنص ذكر الحمام وأنشب فيه مخالبه . ففعل ذلك فلما فرغ من هذه الأشياء التي ذكرها الوزير ودعوا البستاني ، ثم توجهوا إلى منزلهم وجلسوا يتحدثون . هذا ما كان من أمر هؤلاء . وأما ما كان من أمر العجوز فإنها انقطعت في بيتها واشتاقت بنت الملك إلى الفرجة في البستان وهي لا تخرج إلا بالعجوز فأرسلت إليها وصالحتها وطيبت خاطرها وقالت : إني أريد أن أخرج إلى البستان لأتفرج على أشجاره وأثماره وينشرح صدري بأزهاره . فقالت لها العجوز : سمعاً وطاعة ، ولكن أريد أن أذهب إلى بيتي وألبس أثوابي وأحضر عندك . فقالت : اذهبي إلى بيتك ولا تتأخري عني . فخرجت العجوز من عندها وتوجهت إلى تاج الملوك وقالت له : تجهز والبس أفخر ثيابك واذهب إلى البستان . فقال : سمعاً وطاعة . وجعلت بينها وبينه إشارة ، ثم توجهت إلى السيدة دنيا وبعد ذهابها قام الوزير وعزيز وألبسا تاج الملوك بدلة من أفخر ملابس الملوك تساوي خمسة آلاف دينار وشد في وسطه حياصة من الذهب مرصعة بالجواهر والمعادن ثم توجه إلى البستان . فلما وصل إلى باب البستان وجد الخولي جالساً هناك فلما رآه البستاني نهض له على الأقدام وقابله بالتعظيم والإكرام وفتح له الباب وقال له : ادخل وتفرج في البستان . ويعلم البستاني أن بنت الملك تدخل البستان في هذا اليوم فلما دخل تاج الملوك لم يلبث إلا مقدار ساعة وسمع ضجة فلم يشعر إلا والخدم والجواري خرجوا من باب السر فلما رآهم الخولي ذهب إلى تاج الملوك ، وأعلمه بمجيئها وقال له : يا مولاي كيف يكون العمل وقد أتت ابنة الملك السيدة دنيا ? فقال : لا بأس عليك فإني أختفي في مواضع البستان . فأوصاه البستاني بغاية الاختفاء ، ثم تركه وراح فلما دخلت بنت الملك هي وجواريها والعجوز في البستان قالت العجوز في نفسها : متى كان الخدم معنا فإننا لا ننال مقصودنا . ثم قالت لابنة الملك : يا سيدتي إني أقول لك عن شيء فيه راحة لقلبك . فقالت السيدة دنيا : قولي ما عندك ? فقالت العجوز : يا سيدتي إن هؤلاء الخدم لا حاجة لك بهم في هذا الوقت ولا ينشرح صدرك ما داموا معنا فاصرفيهم عنا . فقالت السيدة دنيا : صدقت . ثم صرفتهم ، وبعد قليل تمشت فصار تاج الملوك ينظر إليها وإلى حسنها وجمالها وهي لا تشعر بذلك وكلما نظر إليها يغشى عليه مما يرى من بارع حسنها ، وصارت العجوز تسارقها الحديث إلى أن أوصلتها إلى القصر الذي أمر الوزير بنقشه ، ثم دخلت ذلك القصر وتفرجت على نقشه وأبصرت الطيور ، والصياد والحمام . فقالت : سبحان الله إن هذه صفة ما رأيته في المنام . وصارت تنظر إلى صور الطيور والصياد والشرك وتتعجب ثم قالت : يا دادتي كنت ألوم الرجال وأبغضهم ولكن انظري الصياد كيف ذبح الطير الأنثى وتخلص الذكر ، وأراد أن يجيء إلى الأنثى ويخلصها فقابله الجارح وافترسه . وصارت العجوز تتجاهل عليها وتشاغلها بالحديث إلى أن قربا من المكان المختفي فيه تاج الملوك فأشارت إليه العجوز أن يتمشى تحت شبابيك القصر . فبينما السيدة دنيا كذلك إذ لاحت منها التفاتة فرأته وتأملت جماله وقده واعتداله ، ثم قالت : يا دادتي من أين هذا الشاب المليح ? فقالت : لا أعلم به غير أني أظن أنه ولد ملك عظيم فإنه بلغ من الحسن النهاية ومن الجمال الغاية . فهامت به السيدة دنيا وانحلت عرى عزائمها وانبهر عقلها من حسنه وجماله وقده واعتداله وتحركت عليها الشهوة ، فقالت للعجوز : يا دادتي إن هذا الشاب مليح . فقالت لها العجوز : صدقت يا سيدتي . ثم إن العجوز أشارت إلى ابن الملك أن يذهب إلى بيته وقد التهب به نار الغرام وزاد به الوجد والهيام فسار وودع الخولي وانصرف إلى منزله ولم يخالف العجوز وأخبر الوزير وعزيز بأن العجوز أشارت إليه بالانصراف فصارا يصبرانه ويقولان له : لولا أن العجوز تعلم في رجوعك مصلحة ما أشارت عليك به . هذا ما كان من أمر تاج الملوك والوزير وعزيز . وأما ما كان من أمر ابنة الملك السيدة دنيا فإنها غلب عليها الغرام وزاد بها الوجد والهيام ، وقالت للعجوز : ما أعرف اجتماعي بهذا الشاب إلا منك . فقالت لها العجوز : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أنت لا تريدين الرجال وكيف حلت بك من عشقه الأوجال ولكن والله ما يصلح لشبابك إلا هو . فقالت لها السيدة دنيا : يا دادتي أسعفيني عليه ولك عندي ألف دينار وخلعة بألف دينار وإن لم تسعفيني بوصاله فإني ميتة لا محالة . فقالت العجوز : امض أنت إلى قصرك وأنا أتسبب في اجتماعكما ، وأبذل روحي في مرضاتكما . ثم إن السيدة دنيا توجهت إلى قصرها وتوجهت العجوز إلى تاج الملوك فلما رآها نهض لها على الأقدام وقابلها بإعزاز وإكرام وأجلسها إلى جانبه فقالت له : إن الحيلة قد تمت . وحكت له ما جرى لها مع السيدة دنيا فقال لها : متى يكون الاجتماع ? قالت : في غد . فأعطاها ألف دينار وحلة بألف دينار فأخذتهما وانصرفت ، وما زالت سائرة حتى دخلت على السيدة دنيا فقالت لها : يا دادتي ما عندك من خبر الحبيب شيء ? فقالت لها : قد عرفت مكانه وفي غد أكون به عندك . ففرحت السيدة دنيا بذلك وأعطتها ألف دينار وحلة بألف دينار فأخذتهما وانصرفت إلى منزلها وباتت فيه إلى الصباح ، ثم خرجت وتوجهت إلى تاج الملوك وألبسته لبس النساء وقالت له : امش خلفي وتمايل في خطواتك ولا تستعجل في مشيك ولا تلتفت إلى من يكلمك . وبعد أن أوصت تاج الملوك بهذه الوصية خرجت وخرج خلفها ، وهو في زي النسوان وصارت تعلمه في الطريق حتى لا يفزع ولم تزل ماشية وهو خلفها حتى وصلا إلى باب القصر فدخلت وهو وراءها وصارت تخرق الأبواب والدهاليز إلى أن جاوزت به سبعة أبواب ولما وصلت إلى الباب السابع قالت لتاج الملوك : قوي قلبك ، وإذا زعقت عليك وقلت لك : يا جارية اعبري فلا تتوان في مشيك وهرول فإذا دخلت الدهليز فانظر إلى شمالك ترى إيواناً فيه خمسة أبواب وادخل الباب السادس فإن مرادك فيه . فقال تاج الملوك : وأين تروحين أنت ? فقالت له : ما أروح موضعاً غير أني ربما أتأخر عنك وأتحدث مع الخادم الكبير . ثم مشت وهو خلفها حتى وصلت إلى الباب الذي فيه الخادم الكبير فرأى معها تاج الملوك في صورة جارية فقال لها : ما شأن هذه الجارية التي معك ? فقالت له : هذه جارية قد سمعت السيدة دنيا بأنها تعرف الأشغال وتريد أن تشتريها . فقال لها الخادم : أنا لا أعرف جارية ولا غيرها ولا يدخل أحد حتى أفتشه كما أمرني الملك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:00 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الثالثة والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قالت للبواب وقد أظهرت الغضب : أنا أعرف أنك عاقل ومؤدب فإذا كان حالك قد تغير فإني أعلمها بذلك وأخبرها أنك تعرضت لجاريتها . ثم زعقت على تاج الملوك وقالت له : اعبري يا جارية . فعند ذلك عبر إلى داخل الدهليز كما أمرته وسكت الخادم ولم يتكلم ، ثم إن تاج الملوك عد خمسة أبواب ودخل الباب السادس فوجد السيدة دنيا واقفة في انتظاره ، فلما رأته عرفته فضمته إلى صدرها وضمها إلى صدره ثم دخلت العجوز عليهما وتحيلت على صرف الجواري ثم قالت السيدة دنيا للعجوز : كوني أنت البوابة . ثم اختلت هي وتاج الملوك ولم يزالا في ضم وعناق والتفاف ساق على ساق إلى وقت السحر . ولما أصبح الصباح أغلقت عليهما الباب ودخلت مقصورة أخرى وجلست على جري عادتها وأتت إليها الجواري فقضت حوائجهن وصارت تحدثهن ، ثم قالت لهن : اخرجن الآن من عندي فإني أريد أن أنشرح وحدي . فخرجت الجواري من عندها ثم إنها أتت إليهما ومعها شيء من الأكل فأكلوا وأخذوا في الهراش إلى وقت السحر فأغلقت عليهما مثل اليوم الأول ، ولم يزالا على ذلك مدة شهر كامل . هذا ما كان من أمر تاج الملوك والسيدة دنيا . وأما ما كان من أمر الوزير وعزيز فإنهما لما توجه تاج الملوك إلى قصر بنت الملك ومكث تلك المدة علما أنه لا يخرج منه أبداً وأنه هالك لا محالة فقال عزيز : يا والدي ماذا نصنع ? فقال الوزير : يا ولدي إن هذا الأمر مشكل وإن لم نرجع إلى أبيه ونعلمه فإنه يلومنا على ذلك . ثم تجهزا في الوقت والساعة وتوجها إلى الأرض الخضراء والعمودين وتخت الملك سليمان شاه وسارا يقطعان الأودية في الليلة والنهار إلى أن دخلا على الملك سليمان شاه وأخبراه بما جرى لولده وأنه من حين دخل قصر بنت الملك لم يعلموا له خبر فعند ذلك قامت عليه القيامة واشتدت به الندامة وأمر أن ينادي في مملكته بالجهاد ثم أبرز العساكر إلى خارج مدينته ونصب لهم الخيام وجلس في سرادقه حتى اجتمعت الجيوش من سائر الأقطار ، وكانت رعيته تحبه لكثرة عدله وإحسانه ثم سار في عسكر سد الأفق متوجهاً في طلب ولده تاج الملوك . هذا ما كان من أمر هؤلاء . وأما ما كان من أمر تاج الملوك والسيدة دنيا فإنهما أقاما على حالهما نصف سنة وهما كل يوم يزدادان محبة في بعضهما وزاد على تاج الملوك العشق والهيام والوجد والغرام حتى أفصح لها عن الضمير وقال لها : اعلمي يا حبيبة القلب والفؤاد أني كلما أقمت عندك ازددت هياماً ووجداً وغراماً لأني ما بلغت المرام بالكلية . فقالت له : وما تريد يا نور عيني ?
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:01 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الرابعة والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن دنيا قالت لتاج الملوك : وماذا تريد يا نور عيني وثمرة فؤادي ؟ إن شئت غير الضم والعناق والتفاف الساق على الساق فافعل الذي يرضيك وليس لله فينا شريك . فقال : ليس مرادي هكذا وإنما مرادي أن أخبرك بحقيقتي فاعلمي إني لست بتاجر بل أنا ملك ابن ملك واسم أبي سليمان شاه الذي أنفذ الوزير رسولاً إلى أبيك ليخطبك لي فلما بلغك الخبر ما رضيت . ثم إنه قص عليها قصته من الأول إلى الآخر وليس في الإعادة إفادة ، وأريد الآن أن أتوجه إلى أبي ليرسل رسولاً إلى أبيك ويخطبك منه ونستريح . فلما سمعت ذلك الكلام فرحت فرحاً شديداً لأنه وافق غرضها ثم على هذا الاتفاق ، واتفق في الأمر المقدور أن النوم غلب عليهما في تلك الليلة من دون الليالي واستمرا إلى أن طلعت الشمس ، وفي ذلك الوقت كان الملك شهرمان جالساً في دست مملكته وبين يديه أمراء دولته إذ دخل عليه عريف الصياغ وبيده حق كبير وفتحه بين يدي الملك وأخرج منه علبة لطيفة تساوي مائة ألف دينار لما فيها من الجواهر واليواقيت والزمرد والتفت إلى الخادم الكبير الذي جرى له مع العجوز ما جرى وقال له : يا كافور خذ هذه العلبة وامض بها إلى السيدة دنيا . فأخذها الخادم ومضى حتى وصل إلى مقصورة بنت الملك فوجد بابها مغلقاً والعجوز نائمة على عتبته فقال الخادم : إلى هذه الساعة وأنتم نائمون ? فلما سمعت العجوز كلام الخادم انتبهت من منامها وخافت منه وقالت له : اصبر حتى آتيك بالمفتاح ثم خرجت على وجهها هاربة . هذا ما كان من أمرها . وأما ما كان من أمر الخادم فإنه عرف أنها مرتابة فخلع الثياب ودخل المقصورة فوجد السيدة دنيا معانقة لتاج الملوك وهما نائمان . فلما رأى ذلك تحير في أمره وهم أن يعود إلى الملك فانتبهت السيدة دنيا فوجدته فتغيرت واصفر لونها وقالت له : يا كافور استر ما ستر الله . فقال : أنا ما أقدر أن أخفي شيئاً عن الملك . ثم أقفل الباب عليهما .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:01 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة الخامسة والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الخادم لما أقفل الباب عليهما رجع إلى الملك فقال له : هل أعطيت العلبة لسيدتك ? فقال الخادم : خذ العلبة ها هي وأنا لا أقدر أن أخفي شيئاً ، اعلم أني رأيت عند السيدة دنيا شاباً جميلاً نائماً معها في فراش واحد وهما متعانقان . فأمر الملك بإحضارهما فلما حضرا بين يديه قال لهما : ما هذه الفعال ? واشتد به الغيظ فأخذ نمشة وهم أن يضرب به تاج الملوك وقال له : ويلك من أنت ? ومن أين أنت ? ومن هو أبوك وما جسرك على ابنتي ? فقال تاج الملوك : اعلم أيها الملك إن قتلتني هلكت وندمت أنت ومن معك في مملكتك . فقال له الملك : ولم ذلك ? فقال : اعلم أني ابن الملك سليمان شاه وما تدري إلا وقد أقبل عليك بخيله ورجاله . فلما سمع الملك شهرمان ذلك الكلام أراد أن يؤخر قتله ويضعه في السجن حتى ينظر صحة قوله ، فقال له وزيره : يا ملك الزمان الرأي عندي أن تعجل قتل هذا العلق فإنه تجاسر على بنات الملوك . فقال للسياف : اضرب عنقه فإنه خائن . فأخذه السياف وشد وثاقه ورفع يده وشاور الأمراء أولاً وثانياً وقصد بذلك أن يكون في الأمر توان فزعق عليه الملك وقال : متى تشاور إن شاورت مرة أخرى ضربت عنقك . فرفع السياف يده حتى بان شعر إبطه وأراد أن يضرب عنقه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:02 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق
الليلة السادسة والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن السياف رفع يده وأراد أن يضرب عنقه وإذا بزعقات عالية والناس أغلقوا الدكاكين فقال للسياف : لا تعجل . ثم أرسل من يكشف الخبر فمضى الرسول ثم عاد إليه وقال له : رأيت عسكراً كالبحر العجاج المتلاطم بالأمواج وخيلهم في ركض وقد ارتجت لهم الأرض وما أدري خبرهم . فاندهش الملك وخاف على ملكه أن ينزع منه ثم التفت إلى وزيره وقال له : أما خرج أحد من عسكرنا إلى هذا العسكر ? فما أتم كلامه إلا وحجابه قد دخلوا عليه ومعهم رسل الملك القادم ومن جملتهم الوزير فابتدأه بالسلام فنهض لهم قائماً وقربهم وسألهم عن شأن قدومهم فنهض الوزير من بينهم وتقدم إليه وقال له : اعلم أن الذي نزل بأرضك ليس كالملوك المتقدمين ولا مثل السلاطين السالفين . فقال له الملك : ومن هو ? قال الوزير : هو صاحب العدل والأمان الذي سارت بعلو همته الركبان السلطان سليمان شاه صاحب الأرض الخضراء والعمودين وجبال أصفهان وهو يحب العدل والإنصاف ويكره الجور والاعتساف ويقول لك : إن ابنه عندك وفي مدينتك وهو حشاشة قلبه وثمرة فؤاده ، فإن وجده سالماً فهو المقصود وأنت المشكور المحمود وإن كان فقد من بلادك أو أصابه شيء فأبشر بالدمار وخراب الديار لأنه يصير بلدك قفراً ينعق فيها البوم والغراب ، وها أنا قد بلغتك الرسالة والسلام . فلما سمع الملك شهرمان ذلك الكلام من الرسول انزعج فؤاده وخاف على مملكته وزعق على أرباب دولته ووزرائه وحجابه ونوابه فلما حضروا قال لهم : ويلكم انزلوا وفتشوا على ذلك الغلام . وكان تحت يد السياف وقد تغير من كثرة ما حصل من الفزع ، ثم إن الرسول لاحت منه التفاتة فوجد ابن ملكه على نطع الدم فعرفه وقام ورمى روحه عليه وكذلك بقية الرسل ثم تقدموا وحلوا وثاقه وقبلوا يديه ورجليه ففتح تاج الملوك عينيه فعرف وزير والده وعرف صاحبه عزيز فوقع مغشياً عليه من شدة فرحته بهما . ثم إن الملك شهرمان صار متحيراً في أمره وخاف خوفاً شديداً لا تحقق مجيء هذا العسكر بسبب هذا الغلام فقام وتمشى إلى تاج الملوك وقبل رأسه ودمعت عيناه وقال له : يا ولدي لا تؤاخذني ولا تؤاخذ المسيء بفعله فارحم شيبتي ولا تخرب مملكتي . فدنا منه تاج الملوك وقبل يده وقال له : لا باس عليك وأنت عندي بمنزلة والدي ولكن الحذر أن يصيب محبوبتي السيدة دنيا شيء . فقال الملك شهرمان : لا تخف عليها فما يحصل لها إلا السرور . وسار الملك يعتذر إليه ويطيب خاطر وزير الملك سليمان شاه ووعده بالمال الجزيل على أن يخفي من الملك ما رآه ، ثم بعد ذلك أمر كبراء دولته أن يأخذوا تاج الملوك ويذهبوا به إلى الحمام ويلبسوه بدلة من خيار الملابس ويأتوا بسرعة ففعلوا ذلك وأدخلوه الحمام وألبسوه البدلة التي أفردها له الملك شهرمان ثم أتوا به إلى المجلس . فلما دخل على الملك شهرمان وقف له هو وجميع أرباب دولته وقام الجميع في خدمته . ثم إن تاج الملوك جلس يحدث وزير والده وعزيز بما وقع له ، فقال له الوزير وعزيز : ونحن في تلك المدة مضينا إلى والدك فأخبرناه بأنك دخلت سراية بنت الملك ولم تخرج والتبس علينا أمرك ، فحين سمع بذلك جهز العساكر ثم قدمنا هذه الديار وكان في قدومنا الفرح والسرور . فقال لهما : لا زال الخير يجري على أيديكما أولاً وآخراً . وكان الملك في ذلك الوقت قد دخل على ابنته السيدة دنيا فوجدها تبكي على تاج الملوك وقد أخذت سيفاً وركزت قبضته إلى الأرض وجعلت ذبابته على رأس قلبها بين نهديها وانحنت على السيف وصارت تقول : لابد أن أقتل نفسي ولا أعيش بعد حبيبي . فلما دخل عليها أبوها ورآها على هذه الحالة صاح عليها وقال لها : يا سيدة بنات الملوك لا تفعلي وارحمي أباك وأهل بلدتك . ثم تقدم إليها وقال لها : أحاشيك أن يصيب والدك بسببك سوء . ثم أعلمها بالقصة وأن محبوبها ابن الملك سليمان شاه يريد زواجها وقال لها : إن أمر الخطبة والزواج مفوض إلى رأيك . فتبسمت وقالت له : أما قلت لك إنه ابن سلطان فأنا أخليه يصلبك على خشبة لا تساوي درهمين . فقال لها : بالله عليك أن ترحمي أباك . فقالت له : رح إليه وائتني به . فقال لها : على الرأس والعين . ثم رجع من عندها سريعاً ودخل على تاج الملوك وشاوره بهذا الكلام ، ثم قام معه وتوجها إليها فلما رأت تاج الملوك عانقته قدام أبيها وتعلقت به وقالت له : أوحشتني . ثم التفتت إلى أبيها وقالت : هل أحد يفرط في مثل هذا الشاب المليح وهو ملك ابن ملك ? فعند ذلك خرج الملك شهرمان ورد الباب عليهما ومضى إلى وزير أبي تاج الملوك ورسله وأمرهم أن يعلموا السلطان شاه بأن ولده بخير وعافية وهو في ألذ عيش ، ثم إن السلطان شهرمان أمر بإخراج الضيافات والعلوفات إلى عساكر السلطان سليمان شاه والد تاج الملوك فلما خرجوا جميع ما أمر به أخرج مائة من الخيل ومائة هجين ومائة مملوك ومائة عبد ومائة جارية وأرسل الجميع إليه هدية ، ثم بعد ذلك توجه إليه هو وأرباب دولته وخواصه حتى صاروا في ظاهر المدينة . فلما علم بذلك السلطان سليمان شاه تمشى خطوات إلى لقائه وكان الوزير وعزيز أعلماه ففرح وقال : الحمد لله الذي بلغ ولدي مناه . ثم إن الملك سليمان شاه أخذ الملك شهرمان بالحضن وأجلسه بجانبه على السرير وصار يتحدث هو وإياه ثم قدموا لهم الطعام فأكلوا حتى اكتفوا ثم قدموا لهم الحلويات ولم يمض إلا قليل حتى جاء تاج الملوك وقدم عليه بلباسه وزينته ، فلما رآه والده قام له وقبله وقام له جميع من حضر وجلس بين أيديهم ساعة يتحدثون . فقال الملك سليمان شاه : إني أريد أن أكتب كتاب ولدي على ابنتك على رؤوس الأشهاد . فقال له : سمعاً وطاعة . ثم أرسل الملك شهرمان إلى القاضي والشهود فحضروا وكتبوا الكتاب وفرح العساكر بذلك وشرع الملك شهرمان في تجهيز ابنته . ثم قال تاج الملوك لوالده : أن عزيزاً رجل من الكرام وقد خدمني خدمة عظيمة وتعب وسافر معي وأوصلني إلى بغيتي ولم يزل يصبر لي حتى قضيت حاجتي ومضى معنا سنتان وهو مشتت من بلاده ، فالمقصود أننا نهيء له تجارة لأن بلاده قريبة . فقال له والده : نعم ما رأيت . ثم هيأوا له مائة حمل من أغلى القماش وأقبل عليه تاج الملوك وودعه وقال له : اقبل هذه على سبيل الهدية . فقبلها منه وقبل الأرض قدامه وقدام والده سليمان شاه ثم ركب تاج الملوك وسافر مع عزيز قدر ثلاثة أميال وبعدها أقسم عليه عزيز أن يرجع . وقال : بالله لولا والدتي ما صبرت على فراقك ، فبالله عليك لا تقطع أخبارك عني . ثم ودعه ومضى إلى مدينته فوجد والدته بنت له في وسط الدار قبراً وصارت تزوره ، ولما دخل الدار وجدها قد حلت شعرها ونشرته على القبر وهي تفيض دمع العين وتنشد هذين البيتين : بالله يا قبر هل زالت محاسنـه ........ أو قد تغير ذات المنظر النضر يا قبر ما أنت بستان ولا فلـك ........ فكيف يجمع فيك البدر والزهر ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات : مالي مررت على القبور مسلما ........ قبر الحبيب فلم يرد جـوابـي قال الحبيب وكيف رد جوابكـم ........ وأنا رهين جـنـادل وتـراب أكل التراب محاسني فنسيتكـم ........ وحجبت عن أهلي وعن أحبابي فلما أتمت شعرها إلا وعزيز داخل عليها ، فلما رأته قامت إليه واحتضنته وسألته عن سبب غيابه فحدثها بما وقع له من أوله إلى آخره وأن تاج الملوك أعطاه من المال والأقمشة مائة حمل من القماش ففرحت بذلك وأقام عزيز عند والدته متحيراً فيما وقع له من الدليلة المحتالة التي خصته . هذا ما كان من أمر عزيز . وأما ما كان من أمر تاج الملوك فإنه دخل بمحبوبته السيدة دنيا وأزال بكارتها ، ثم إن الملك شهرمان شرع في تجهيز ابنته للسفر مع زوجها وأبيه فأحضر لهم الزاد والهدايا والتحف ، ثم حملوا وسار معهم الملك شهرمان ثلاثة أيام لأجل الوداع فأقسم عليه الملك سليمان شاه بالرجوع فرجع وما زال تاج الملوك ووالده وزوجته سائرين في الليل والنهار حتى أشرفوا على بلادهم وزينت لهم المدينة .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:03 pm | |
| تكملة حكاية العاشق والمعشوق وعوده لحكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة السابعة والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سليمان شاه لما وصل إلى بلده جلس على سرير مملكته وابنه تاج الملوك في جانبه ثم أعطى ووهب وأطلق من كان في الحبوس ، ثم عمل لولده عرساً ثانياً واستمرت به المغاني والملاهي شهراً كاملاً ، وازدحمت المواشط على السيدة دنيا وهي لا تمل من الجلاء ولا يمللن من النظر إليها ، ثم دخل تاج الملوك على زوجته بعد أن اجتمع مع أبيه وأمه وما زالوا في ألذ العيش وأهنأه . فعند ذلك قال ضوء المكان للوزير دندان : إن مثلك من ينادم الملوك ويسلك في تدبيرهم أحسن السلوك . هذا كله وهم محاصرون للقسطنطينية حتى مضى عليهم أربع سنين ثم اشتاقوا إلى أوطانهم وضجرت العساكر من الحصار وإدامة الحرب في الليل والنهار فأمر الملك ضوء المكان بإحضار بهرام ورستم وتركاش ، فلما حضروا قال لهم : اعلموا أننا قمنا هذه السنين وما بلغنا مراماً فازددنا غماً وهماً ، وقد أتينا لنخلص ثأر الملك عمر النعمان فقتل أخي شركان فصارت الحسرة حسرتين والمصيبة مصيبتين ، هذا كله من العجوز ذات الدواهي فإنها قتلت السلطان في مملكته وأخذت زوجته الملكة صفية وما كفاها ذلك حتى عملت الحيلة علينا ، وذبحت أخي وقد حلفت الأيمان العظيمة أنه لابد من أخذ الثأر فما تقولون أنتم فافهموا هذا الخطاب وردوا علي الجواب . فأطرقوا رؤوسهم وأحالوا الأمر على الوزير دندان . فعند ذلك تقدم الوزير دندان إلى الملك ضوء المكان ، وقال له : اعلم يا ملك الزمان أنه ما بقي في إقامتنا فائدة والرأي أننا نرحل إلى الأوطان ونقيم هناك برهة من الزمان ثم نعود ونغزوا الأعداء . فقال الملك : نعم هذا الرأي لأن الناس اشتاقوا إلى رؤية عيالهم وأنا أيضاً أقلقني الشوق إلى ولدي كان ما كان وإلى ابنة أخي قضى فكان لأنها في دمشق ولا أعلم ما كان من أمرهما . فلما سمعت العساكر ذلك فرحوا ودعوا للوزير دندان ثم إن الملك ضوء المكان أمر المنادي أن ينادي بالرحيل بعد ثلاثة أيام ، فابتدأوا في تجهيز أحوالهم وفي اليوم الرابع دقت الكاسات ونشرت الرايات ، وتقدم الوزير دندان في مقدم العسكر وسار الملك في وسط العساكر ، وبجانبه الحاجب الكبير وسارت الجيوش ومازالوا مجدين السير بالليل والنهار حتى وصلوا إلى مدينة بغداد ففرحت بقدومهم الناس وزال عنهم الهم والبأس ثم ذهب كل أمير إلى داره وطلع الملك إلى قصره ودخل على ولده كان ما كان ، وقد بلغ من العمر سبع سنين وصار ينزل ويركب ولما استراح الملك من السفر دخل الحمام هو وولده كان ما كان ثم رجع وجلس على كرسي مملكته ووقف الوزير دندان بين يديه وطلعت الأمراء وخواص الدولة ووقفوا في خدمته . فعند ذلك أمر الملك ضوء المكان بإحضار صاحبه الوقاد ، الذي أحسن إليه في غربته فحضر بين يديه فلما رآه الملك ضوء المكان قادماً عليه نهض له قائماً وأجلسه إلى جانبه وكان الملك ضوء المكان قد أخبر الوزير دندان بما فعل معه صاحبه الوقاد من المعروف فعظم في عينه وفي أعين الأمراء وكان الوقاد قد غلظ وسمن من الأكل والراحة ، وصار عنقه كعنق الفيل وبطنه كبطن الدرفيل وصار طائش العقل لأنه كان لا يخرج من المكان الذي هو فيه فلم يعرف الملك بسيماه . أقبل عليه الملك وبش في وجهه وحياه أعظم التحيات وقال له : ما أسرع ما نسيتني . فأمعن فيه النظر فلما تحققه وعرفه قام له على الأقدام قال له : يا حبيبي من عملك سلطاناً ? فضحك عليه فأقبل عليه الوزير بالكلام وشرح له بالقصة وقال له : إنه كان أخاك وصاحبك والآن صار ملك الأرض ولابد أن يصل إليك منه خير كثير وها أنا أوصيك إذا قال لك : تمن علي فلا تتمن إلا شيئاً عظيماً لأنك عنده عزيز . فقال الوقاد : أخاف أن أتمنى عليه شيئاً فلا يسمح لي به أو لا يقدر عليه . فقال له الوزير : طيب قلبك والله لو طلبت ولاية دمشق موضع أخيه لولاك عليها . فقال له : والله لابد أن أتمنى عليه الشيء الذي هو في خاطري وكل يوم أرجو منه أن يسمح لي به . فعند ذلك قام الوقاد على قدميه فأشار له ضوء المكان أن يجلس فأبى ، وقال : معاذ الله قد انفضت أيام قعودي في حضرتك . فقال له السلطان : لا بل هي باقية إلى الآن فإنك كنت سبباً لحياتي والله لو طلبت مني مهما أردت لأعطيتك إياه فيمن علي الله . فقال : والله يا سيدي إني أخاف أن أتمنى شيئاً فلا تسمح لي به أو لا تقدر عليه . فضحك السلطان وقال له : لو تمنيت نصف مملكتي لشاركتك فيها فتمن ما تريد . قال الوقاد : أخاف أن أتمنى شيئاً لا تقدر عليه . فغضب السلطان وقال له : تمن ما أردت . فقال له : تمنيت عليك أن تكتب لي مرسوماً بمرافقة جميع الوقادين الذين في مدينة القدس . فضحك السلطان وجميع من حضر وقال له : تمن غير هذا . فقال الوقاد : أنا ما قلت لك إني أن أتمنى شيئاً لا تسمح لي به وما تقدر عليه . فغمزه الوزير ثانياً وفي هذه المرة قال : أتمنى عليك أن تجعلني رئيس الزبالين في مدينة القدس أو في دمشق . فانقلب الحاضرون على ظهورهم من الضحك عليه وضربه الوزير . فالتفت الوقاد إلى الوزير وقال له : ما تكون حتى تضربني ومالي ذنب فإنك أنت الذي قلت لي تمن شيئاً عظيماً . ثم قال : دعوني أسير إلى بلادي . فعرف السلطان أنه يلعب فصبر قليلاً ، ثم أقبل عليه وقال له : يا أخي تمن علي أمراً عظيماً بمقامي لائقاً . فقال له : أتمنى سلطنة دمشق موضع أخيك . فكتب له التوقيع بذلك وقال للوزير دندان : ما يروح معه غيرك ، وإذا أردت العودة فأحضر معك بنت أخي قضى فكان . فقال الوزير : سمعاً وطاعة . ثم أخذ الوقاد ونزل به وتجهز للسفر ، وأمر ضوء المكان أن يخرجوا للوقاد تختاً جديداً وطقم سلطنة وقال للأمراء : من كان يحبني فليقدم إليه هدية عظيمة . ثم سماه السلطان الزبلكان ولقبه بالمجاهد وبعد أن كملت حوائجه وطلع الزبلكان وفي خدمته الوزير دندان ثم دخل على ضوء المكان ليودعه فقام له وعانقه وأوصاه بالعدل بين الرعية وأمره أن يأخذ الأهبة للجهاد بعد سنتين ثم ودعه وانصرف . وسار الملك المجاهد المسمى بالزبلكان ، بعد أن أوصاه الملك ضوء المكان بالرعية خيراً وقدمت له الأمراء المماليك فبلغوا خمسة آلاف مملوك وركبوا خلفه وركب الحاجب الكبير وأمير الديلم بهرام وأمير الترك رستم وأمير العرب تركاش وساروا في توديعه ما زالوا سائرين معه ثلاثة أيام ثم عادوا إلى بغداد وسار السلطان الزبلكان هو والوزير دندان . وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى دمشق وكانت الأخبار قد وصلت إليهم على أجنحة الطيور بأن الملك ضوء المكان سلطن على دمشق ملكاً يقال له : الزبلكان ولقبه بالمجاهد . فلما وصل إليهم الخبر زينوا له المدينة وخرج إلى ملاقاته كل من في دمشق ثم دخل دمشق وطلع القلعة وجلس على سرير المملكة ووقف الوزير دندان في خدمته يعرفه منازل الأمراء ومراتبهم وهم يدخلون عليه ويقبلون يديه ويلوحون له . فأقبل عليهم الملك الزبلكان وخلع وأعطى ووهب ، ثم فتح خزائن الأموال وأنفقها على جميع العساكر كبيراً وصغيراً ، وحكم وعدل وشرع الزبلكان في تجهيز بنت السلطان قضى فكان وجعل لها محفة من الإبريسم وجهز الوزير وقدم له شيئاً من المال . فأتى الوزير دندان ، وقال له : أنت قريب عهد بالملك وربما تحتاج إلى الأموال أو نرسل إليك نطلب منك مالاً للجهاد أو غير ذلك . ولما تهيأ الوزير دندان للسفر ركب السلطان المجاهد إلى وداعه وأحضر قضى فكان وأركبها في المحفة وأرسل معها عشر جوار برسم الخدمة . وبعد أن سافر الوزير دندان رجع الملك المجاهد إلى مملكته ليديرها واهتم بآلة السلاح وصار ينتظر الوقت الذي يرسل فيه الملك ضوء المكان . هذا ما كان من أمر السلطان الزبلكان . وأما ما كان من أمر الوزير دندان فإنه لم يزل يقطع المراحل بقضى فكان حتى وصل إلى الرحبة بعد شهر ، ثم سار حتى أشرف على بغداد وأرسل يعلم ضوء المكان بقدومه فركب وخرج إلى لقائه فأراد الوزير دندان أن يترجل . فأقسم عليه الملك ضوء المكان أن لا يفعل فسار راكباً حتى جاء إلى جانبه وسأله عن المجاهد فأعلمه أنه بخير وأعلمه بقدوم قضى فكان بنت أخيه شركان ففرح وقال له : دونك والراحة من تعب السفر ثلاثة أيام . ثم بعد ذلك تعال عندي فقال : حباً وكرامة . ثم دخل بيته وطلع الملك إلى قصره ودخل على ابنة أخيه قضى فكان وهي ابنة ثمان سنين فلما رآها فرح بها وحزن على أبيها وأعطاها حلياً ومصاغاً عظيماً ، وأمر أن يجعلوها مع ابن عمها كان ما كان في مكان واحد وكانت أحسن أهل زمانها وأشجعهم لأنها كانت صاحبة تدبير وعقل ومعرفة بعواقب الأمور . وأما كان ما كان فإنه كان مولعاً بمكارم الأخلاق ولكنه لا يفكر في عاقبة شيء ثم بلغ عمر كل واحد من الاثنين عشر سنين وصارت قضى فكان تركب الخيل وتطلع مع ابن عمها في البر ، ويتعلمان الضرب بالسيف والطعن بالرمح حتى بلغ عمر كل منهما اثنتي عشرة سنة . ثم إن الملك انتهت أشغاله للجهاد وأكمل الأهبة والاستعداد ، فأحضر الوزير دندان وقال له : اعلم أني عزمت على شيء وأريد إطلاعك عليه فأسرع في رد الجواب . فقال الوزير دندان : ما هو يا ملك الزمان . قال : عزمت على أن أسلطن ولدي كان ما كان وأفرح به في حياتي وأقاتل قدامه إلى أن يدركني الممات فما عندك من الرأي ? فقبل الوزير دندان الأرض بين يدي الملك ضوء المكان ، وقال له : اعلم أيها الملك السعيد صاحب الرأي السديد أن ما خطر ببالك مليح غير أنه لا يناسب في هذا الوقت الخصلتين ، الأولى : أن ولدك كان ما كان صغير السن . والثانية : ما جرت به العادة أن من سلطن ولده في حياته لا يعيش إلا قليلاً ، وهذا ما عندي من الجواب . فقال : اعلم أيها الوزير أننا نوصي عليه الحاجب الكبير صار منا وعلينا ، وقد تزوج أختي ، فهو في منزلة أخي . فقال الوزير : افعل ما بدا لك فنحن ممتثلون أمرك . فأرسل الملك إلى الحاجب الكبير فأحضره وكذلك أكابر مملكته وقال لهم : إن هذا ولدي كان ما كان قد علمتم أنه فارس الزمان وليس له نظير في الحرب والطعان وقد جعلته سلطاناً عليكم والحاجب الكبير وصي عليه . فقال الحاجب : يا ملك الزمان إنما أنا أسير نعمتك . فقال ضوء المكان : أيها الحاجب إن ولدي كان ما كان وابنة أخي قضى فكان ولدا عم وقد زوجتها به وأشهد الحاضرين على ذلك . ثم نقل لولده المال ما يعجز عن وصفه اللسان وبعد ذلك دخل على أخته نزهة الزمان وأعلمها بذلك ففرحت ، وقالت : إن الاثنين ولداي والله تعالى يبقيك لهما مدى الزمان . فقال : يا أختي إني قضيت من الدنيا غرضي وأمنت على ولدي ولكن ينبغي أن تلاحظيه بعينك وتلاحظي أمه ثم أخذ يوصي الحاجب ونزهة الزمان على ولده وعلى زوجته ليالي وأياماً وقد أيقن بكأس الحمام ولزم الوساد وصار الحاجب يتعاطى أحكام العباد وبعد سنة أحضر ولده كان ما كان والوزير دندان ، وقال : يا ولدي إن هذا الوزير والدك من بعدي ، واعلم أني راحل من الدار الفانية إلى الدار الباقية وقد قضيت غرضي من الدنيا ولكن بقي في قلبي حسرة يزيلها الله على يديك . فقال ولده : وما تلك الحسرة يا والدي ? فقال : يا ولدي أن أموت ولم تأخذ بثأر جدك عمر النعمان ، وعمك الملك شركان من عجوز يقال لها ذات الدواهي فإن أعطاك الله النصر لا تغفل عن أخذ الثأر وكشف العار وإياك من مكر العجوز وأقبل ما يقوله لك الوزير دندان لأنه عماد ملكنا من قديم الزمان . فقال له ولده : سمعاً وطاعة . ثم هملت عيناه بالدموع . وبعد ذلك ازداد المرض بضوء المكان وصار أمر المملكة للحاجب فصار يحكم ويأمر وينهي واستمر على ذلك سنة كاملة وضوء المكان مشغول بمرضه ومازالت به الأمراض مدة أربع سنين والحاجب الكبير قائم بأمر الملك ، وارتضى به أهل المملكة ودعت له جميع البلاد . هذا ما كان من أمر ضوء المكان والحاجب . وأما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لم يكن له شغل إلا ركوب الخيل واللعب بالرمح والضرب بالنشاب وكذلك ابنة عمه قضى فكان وكانت تخرج هي وإياه من أول النهار إلى الليل فتدخل إلى أمها ويدخل هو إلى أمه فيجدها جالسة عند رأس أبيه تبكي فيخدمه بالليل . وإذا أصبح يخرج هو وبنت عمه على عادتهما وطالت بضوء المكان التوجعات فبكى وأنشد هذه الأبيات : تفانت قوتـي ومضى زمانـي ........ وها أنا قد بقيت كما ترانـي فيوم العز كنت أعز قـومـي ........ وأسبقهم إلى نـيل الأمـانـي وقد فارقت ملكي بعـد عـزي ........ إلى ذل تخـلـل بـالـهـوان ترى قبل الممـات أرى غلامي ........ يكون على الورى ملكاً مكاني ويفتك بالـعـداة لأخـذ ثـأر ........ بضرب السيف أو طعن السنان أنا المغبون فـي هـزل وجد ........ إذا مولاي لا يشفي جنـانـي فلما فرغ من شعره وضع رأسه على الوسادة ونام فرأى في منامه قائلاً يقول له : أبشر فإن ولدك يملك البلاد وتطيعه العباد . فانتبه من منامه مسروراً ثم بعد أيام قلائل طرقه الممات فأصاب أهل بغداد مصاب عظيم وبكى عليه الوضيع والعظيم ومضى عليه الزمان كأنه ما كان وتغير حال كان ما كان وعزله أهل بغداد وجعلوه هو وأمه في بيت على حدتهم . فلما رأت أم كان ما كان ذلك صارت في أذل الأحوال ثم قالت : لابد من قصد الحاجب الكبير وأرجو الرأفة من اللطيف الخبير . فقامت من منزلها إلى أن أتت إلى بيت الحاجب الذي صار سلطاناً فوجدته جالساً على فراشه . فدخلت عند زوجته نزهة الزمان ، وقالت : إن الميت ماله صاحب فلا أحوجكم الله مدى الدهور والأعوام ولا زلتم تحكمون بالعدل بين الخاص والعام قد سمعت أذناك ورأت عيناك ما كنا فيه من الملك والعز والجاه والمال وحسن المعيشة والحال والآن انقلبت علينا الزمان وقصدنا الدهر بالعدوان ، وأتيت إليك قاصدة إحسانك بعد إسدائي للإحسان لأن الرجل إذا مات ذلت بعده النساء والبنات ، ثم أنشدت هذه الأبيات : كفاك بان الموت بادي العجـائب ........ وما غائب الأعمار عنا بغـائب وما هـذه الأيـام إلا مـراحـل ........ مواردها ممزوجة بالمصـائب وحاضر قلبي مثل فقـد أكـارم ........ أحاطت بهم مستعظمات النوائب فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام تذكرت أخاها ضوء المكان وابنه كان ما كان فقربتها وأقبلت عليها وقالت : أنا غنية وأنت فقيرة فوالله ما تركنا افتقارك إلا خوفاً من انكسار قلبك ، لئلا يخطر ببالك أن ما نهديه إليك صدقة مع أن جميع ما نحن فيه من الخير منك ومن زوجك ، فبيتنا بيتك ولك ما لنا وعليك ما علينا . ثم خلعت عليها ثياباً فاخرة وأفردت لها مكاناً في القصر ملاصقا لمقصورتها وأقامت عندهم في عشية طيبة هي وولدها كان ما كان وخلعت عليه ثياب الملوك وأفردت لهما جواري برسم كل منهما . ثم إن نزهة الزمان بعد مدة قليلة ذكرت لزوجها حديث زوجة أخيها ضوء المكان فدمعت عيناه وقال : إن شئت أنت تنتظري الدنيا بعدك فانظريها بعد غيرك فأكرمي مثواها .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:04 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الثامنة والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن هذا ما كان من أمر نزهة الزمان وزوجها وزوجة ضوء المكان . وأما ما كان من أمر كان ما كان وابنة عمه قضى فكان فإنهما كبرا وترعرعا حتى صار كأنهما غصنان مثمران أو قمران أزهران . وبلغنا من العمر خمسة عشر عاماً وكانت قضى فكان من أحسن البنات المخدرات ، بوجه جميل وخصر نحيل وردف ثقيل وريق كالسلسبيل وقد رشيق وثغر ألذ من الرحيق كما قال فيها بعض واصفيها هذين البيتين : كان سلاف الخمر من ريقها بـدت ........ وعنقودها من ثغرها الدر يقطف وأعنابها مالت إذا ما ثـنـيتـها ........ فسبحان خلاق لـهـا لا يكـيف وقد جمع الله كل المحاسن فيها فقدها يخجل الأغصان والورد يطلب من خدها الأمان وأما الريق فإنه يهزأ بالرحيق تسر القلب والناظر كما قال فيها الشاعر : مليحة الوصف قد تمت محاسنها ........ أجفانها تفضح التكحيل بالكحل كأن ألحاظها في قلب عاشقهـا ........ سيف بكف أمير المؤمنين علي وأما كان ما كان فإنه كان بديع الجمال فائق الكمال عز في الحسن عن مثال الشجاعة تلوح بين عينيه تشهد له لا عليه وقيل كل القلوب إليه وحين اخضر منه العذار كثرت فيه الأشعار كقول بعضهم : ما بان عذري فيـه حتـى عـذرا ........ ومشى الدجى في خده متحـيرا فأعجب لهم شهدوا ومسكنهم لظى ........ ولباسهم فيها الحرير الأخضـر واتفق في بعض الأعياد أن قضى فكان خرجت تعيد على بعض أقاربها من الدولة والحواري حواليها ، والحسن قد عمها وورد الخد يحسد خالها والأقحوان يبتسم عن بارق ثغرها فجعل كان ما كان يدور حولها ويطلق النظر إليها وهي كالقمر الزاهر فقوى جنانه بالشعر لسانه وأنشد هذين البيتين : متى يشتفي قلب الدنو من الـبعد ........ ويضحك ثغر الوصل من زائد الصد فيا ليت شعري هـل أبـيتن ليلة ........ بوصل حبيب عنده بعض ما عنـدي فلما سمعت قضى فكان هذا الشعر أظهرت له الملامة والعتاب وتوعدته بأليم العقاب فاغتاظ كان ما كان وعاد إلى بغداد وهو غضبان ثم طلعت قضى فكان إلى قصرها وشكت ابن عمها إلى أمها فقالت لها : يا بنتي لعله ما أرادك بسوء وهل هو إلا يتيم ومع هذا لم يذكر شيئاً يعيبك فإياك أن تعلمي بذلك أحداً ، فربما بلغ الخبر إلى السلطان فيقصر عمره ويخمد ذكره ويجعل أثره كأمس الدابر والميت الغابر . وشاع في بغداد حب كان ما كان لقضى فكان وتحدثت به النسوان ثم إن كان ما كان ضاق صدره وقل صبره اشتغل باله ولم يخف على الناس حاله واشتهى أن يبوح بما في قلبه من لوعة البين فخاف من غضبها وأنشد هذين البيتين : إذا خفت يوماً عتاب التـي ........ تغير أخلاقها الـصـافـية صبرت عليها كصبر الفتى ........ على الكي في طلب العافية
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:04 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة التاسعة والستين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب الكبير لما صار سلطان ، ثم أنه بلغه حب كان ما كان لقضي فكان فندم على جعلهما معاً في محل واحد . ثم دخل على زوجته نزهة الزمان وقال : إن الجمع بين الخلفة والنار لمن أعظم الأخطار وليست الرجال على النساء بمؤتمنين ما دامت العيون في عج والمعاطف في لين وابن أخيك كان ما كان قد بلغ مبلغ الرجال فيجب منعه عن الدخول على ربات الحجال ومنع ابنتك عن الرجال أوجب لأن مثلها ينبغي أن يحجب . فقالت : صدقت أيها الملك العاقل والهمام الكامل . فلما أصبح الصباح جاء كان ما كان ودخل على عمته نزهة الزمان على جري عادته وسلم عليها ، فردت عليه السلام وقالت له : عندي لك كلام ما كنت احب أن أقوله لك ، ولكن أخبرك به رغماً عني . فقال لها : وما ذاك الكلام ? قالت : إن الملك سمع بحبك لقضي فكان فأمر بحجبها عنك وإذا كان لك حاجة فأنا أرسلها إليك من خلف الباب ولا تنظر قضي فكان . فلما سمع كلامها رجع ولم ينطق بحرف واحد وأعلم والدته بما قالته عمته فقالت له : إنما نشأ هذا من كثرة كلامك وقد علمت أن حديث حبك لقضي فكان شاع وانتشر في كل مكان وكيف تأكل زادهم وبعد ذلك تعشق ابنتهم ? فقال : إني أريد الزواج بها لأنها بنت عمي وأنا أحق بها . فقالت له أمه : أسكت لئلا يصل الخبر إلى الملك سلسان فيكون ذلك سبباً لغرقك في بحر الأحزان وهم يبعثوا لنا في هذه الليلة عشاء ولو كنا في بلد غير هذه لمتنا من ألم الجوع أو ذل السؤال . فلما سمع كان ما كان كلام أمه زادت بقلبه الحسرات وأنشد هذه الأبيات : أقلي من اللوم الـذي لا يفـارق ........ فقلبي إلى من تيمتني مفـارق ولا تطلبي عند الـصـبـر ذرة ........ فصبري وبيت الله من طالـق إذا سامني اللوام نهيا عصيتهـم ........ وهاأنا في دعوى المحبة صادق وقد منعوني عنوة أن أزورهـا ........ وإني والرحمن ما أنا فـاسـق وإن عظامي حين تسمع ذكرهـا ........ تشابه طيراً خلقهـن بـواشـق ألا قل لمن قد لام في الحب أنني ........ وحق إلهي لبنت عمي لعاشـق ولما فرغ من شعره قال لأمه : ما بقي لي عند عمتي ولا عند هؤلاء القوم مقام بل أخرج من القصر وأسكن في أطراف المدينة بجوار قوم صعاليك . ثم خرج وفعل كما قال وصارت أمه تتردد إلى بيت الملك سلسان وتأخذ منه ما تقتات به هي وإياه . ثم إن قضي فكان اختلت بأم كان ما كان وقالت لها : يا امرأة عمي ، كيف حال ولدك ? فقالت : أنه باكي العين حزين القلب ليس له من أسر الغرام فكاك ومقتنص من هواك في أشراك . فبكت قضي فكان وقالت : والله ما هجرته بغضاً له ولكن خوفاً عليه من الأعداء وعندي من الشوق أضعاف ما عنده ولولا عثرات لسانه وخفقان جنانه ما قطع أبي عنه إحسانه وأولاه منعه وحرمانه ولكن أيام الورى دول والصبر في كل الأمور أجمل ولعل من حكم بالفراق أن يمن علينا بالتلاق . ثم أفاضت دمع العينين وأنشدت هذين البيتين : فعندي يا ابن عمي من غرامي ........ كأمثال الذي قد حل عـنـدك ولكن كتمت عن الناس وجدي ........ فهلا كنت أنت كتمت وجدك فشكرتها أم كان ما كان وخرجت من عندها وأعلمت ولدها كان ما كان بذلك فزاد شوقه إليها وقال : ما أبدلها من الحور بألفين وأنشد هذين البيتين : فو الله لا أصغي إلى قـوم لائـم ........ ولا بحت بالسر الذي كنت كاتما وقد غاب عني من أرجى وصاله ........ وقد سهرت عيني وقد بات نائما ثم مضت الأيام والليالي وهو يتقلب على جمر المقالي حتى مضى له من العمر سبعة عشر عاماً وقد كمل حسنه ، ففي بعض الليالي أخذه السهر وقال في نفسه : ما لي أرى جسمي يذوب وإلى متى لا أقدر على نيل المطلوب وما لي عيب سوى عدم الجاه والمال ، ولكن عند الله بلوغ الآمال ، فينبغي أن أشرد نفسي عن بلادها حتى تموت أو تحظى بمرادها . ثم أضمر هذه العزمات وأنشد هذه الأبيات : دع مهجتي تزداد في خفقانـهـا ........ ليس التذلل في الورى من شأنها واعذر فإن حشاشـتي كصحـيفة ........ لا شك أن الدمع من عنوانـهـا ها بنت عمي قـد بـدت حـورية ........ نزلت إلينا عن رضا رضوانهـا من رام ألحاظ العـيون معارضـاً ........ فتكاتها لم ينج من عـدوانـهـا سأسير في الأرض الوسيعة منقذاً ........ نفسي وأمنحها سوى حرمانهـا وأعود مسرور الفؤاد بمطلـبـي ........ وأقاتل الأبطال في مـيدانـهـا ولسوف أشتاق الغـنـائم عـائداً ........ وأصول مقتدراً على أقرانـهـا ثم إن كان ما كان خرج من القصر حافياً في قميص قصير الأكمام وعلى رأسه لبدة لها سبعة أعوام وصحبته رغيف له ثلاثة أيام ، ثم سار في حندس الظلام حتى وصل إلى باب بغداد فوقف هناك . ولما فتحوا باب المدينة كان أول من خرج منه ، ثم صار يقطع الأودية والقفار في ذلك النهار ولما أتى الليل طلبته أمه فلم تجده فضاقت عليها الدنيا باتساعها ولم تلتذ بشيء من متاعها ومكثت تنتظر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم إلى أن مضى عشرة أيام فلم تر له خبراً فضاق صدرها ونادت قائلة : يا مؤنسي قد هيجت أحزاني حيث فارقتني وتركت أوطاني يا ولدي من أي الجهات أناديك ? ويا هل ترى أي بلدٍ يأويك ? ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات : علمنا بأن بعد غيبـتـكـم نـبلـى ........ ومدت قسى للفراق لـنا نـبلا وقد خلفوني بعـد شـد رحالـهـم ........ أعالج كرب الموت إذ قطعوا الرملا لقد هتف بي حنـين لـيل حـمامة ........ مطوقة ناحت فقلت لهـا مـهـلا لعمرك لو كانت كمثـلـي حـزينـة ........ لما لبست طوقاً ولا خضبت رجـلا وفارقني ألفي فـألـفـيت بـعـده ........ دواعي الهم لا تفارقـنـي أصـلا ثم أنها امتنعت من الطعام والشراب وزادت في البكاء والانتحاب وصار بكائها على رؤوس الأشهاد ، واشتهر حزنها بين العباد والبلاد ، وصار الناس يقولون أين عينك يا ضوء المكان ويا ترى ما جرى على كان ما كان حتى بعد عن وطنه وخرج من المكان ، وكان أبوه يشبع الجيعان ويأمر بالعدل والإحسان ، ووصل خبر كان ما كان إلى الملك سلسان .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:05 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة السبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان وصل إليه خبر كان ما كان من الكبار وقال : إنه ولد ملكنا ومن ذرية الملك عمر النعمان وقد بلغنا أنه تغرب عن الأوطان . فلما سمع الملك سلسان هذا الكلام اغتاظ غيظاً شديداً وتذكر إحسان أبيه إليه وانه أوصاه عليه فحزن على كان ما كان وقال : لابد من التفتيش عليه في سائر البلاد ثم بعث في طلبه الأمير تركاش في مائة فارس فغاب عشرة أيام ثم رجع وقال له : ما اطلعت له على خبر ولا وقفت له على أثر . فحزن عليه الملك سلسان حزناً شديداً ، وأما أمه فإنها صارت لا يقر لها قرار ولا يطاوعها اصطبار وقد مضى له عشرون يوماً . هذا ما كان من أمر هؤلاء . و أما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لما خرج من بغداد صار متحيراً في أمره ولم يدر إلى أين يتوجه ، ثم إنه سافر في البر ثلاثة أيام وحده ولم ير راجلاً ولا فارساً فطار رقاده وزاد سهاده وتفكر أهله وبلاده وصار يتقوت من نبات الأرض ويشرب من أنهارها ويقبل وقت الحر تحت أشجارها ، ثم خرج من تلك الطريق إلى طريق أخرى وسار فيها ثلاثة أيام ، وفي اليوم الرابع أشرف على أرض معشبة الفلوات مليحة النبات وهذه الأرض قد شربت من كؤوس الغمام على أصوات القمري والحمام فاخضرت رباها وطاب فلاها فتذكر كان ما كان بلاد أبيه فأنشد من فرط ما هو فيه : خرجت وفي أملي عودة ........ ولكني لست أدري متى وشردني أنني لـم أجـد ........ سبيلاً إلى دفع ما قد أتى فلما فرغ من شعره أكل من ذلك النبات وتوضأ وصلى ما كان عليه من الفريضة وجلس يستريح ومكث طول ذلك النهار ، فلما جاء الليل نام واستمر نائماً إلى نصف الليل ثم انتبه فسمع صوت إنسان ينشد هذه الأبيات : ما العيش إلا أن يرى لك بارق ........ من ثغر من تهوى ووجه رائق والموت أسهل من صدود حبيبة ........ لم يغشني منها خـيال طـارق يا فرحة الندماء حيث تجمعـوا ........ وأقام معشوق هناك وعاشـق لا سيما وقت الربـيع وزهـره ........ طاب الزمان بما إليه تسابـق يا شارب الصهباء دونك ما ترى ........ أرض مزخرفة ومـاء دافـق فلما سمع كان ما كان هذه الأبيات هاجت به الأشجان وجرت دموعه على خده كالغدران وانطلقت من قلبه النيران فقام ينظر قائل هذا الكلام فلم ير أحداً في جنح الظلام فأخذه القلق ونزل في مكانه إلى أسفل الوادي ومشى على شاطئ النهر فسمع صاحب الصوت يصعد الزفرات وينشد هذه الأبيات : إن كنت تضمر ما في الحب إشفاقاً ........ فأطلق الدمع يوم البين إطـلاقـا بيني وبين أحبائي عـهـود هوى ........ لذا إليهم أظل الدهر مـشـتـاقـا يرتاح قلبي إلى تيم ويطـربـنـي ........ نسيم تيم إذا مـا هـب أشـواقـا يا سعد هل ربة الخلخال تذكرنـي ........ بعد البعاد لنا عـهـداً ومـيثـاقـا وهل تعود ليالي الوصل تجمعـنا ........ يوماً ويشرح كل بعضٍ ما لاقـى قالت فتنت بنا وجدا فقلـت لـها ........ كم قد فتنت رعاك الله عـشـاقـا لا متع الله طرفي في محاسنـها ........ إن كان من بعدها طيب الكرى ذاقا يا لسعة في فؤادي ما رأيت لـها ........ سوى الوصال ورشف الثغر ترياقا فلما سمع كان ما كان هذه الأشعار من صاحب الصوت ثاني مرة ولم ير شخصه عرف أن القائل عاشق منع من الوصول إلى من يحبه فقال في نفسه : لعلي اجتمع بهذا فيشكو كل واحد لصاحبه وأجعله أنيسي في غيبتي . ثم تنحنح ونادى : أيها السائر في الليل العاكر تقرب مني وقص علي لعلك تجدني معيناً لك على بليتك . فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام أجابه قائلاً : أيها المنادي السامع لإنشادي من تكون من الفرسان وهل أنت من الأنس أو الجان ? فعجل علي بكلامك قبل دنو حمامك وامش . فقال كان ما كان : لا تفعل يا أخا العرب لأن أهلي لا يشتروني بفضة ولا ذهب وأنا رجل فقر ولا معي قليل ولا كثير فدع عنك هذه الأخلاق واتخذني من الرفاق واخرج بنا من أرض العراق . فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام وكان اسمه صباح غضب وزاد به الالتهاب وقال له : ويلك تراددني في الجواب يا أخس الكلاب ، أدر كتافك وإلا أنزلت عليك العذاب . فتبسم كان ما كان وقال : كيف أدير الكتاف ، أما عندك أوصاف ? أما تخشى معايرة العربان حيث تأسر غلاماً بالذل والهوان وما اختبرته في حومة الميدان وعلمت أهو فارس أم جبان ?. فضحك صباح وقال : يا الله العجب إنك في سن الغلام ولكنك كبير الكلام لأن هذا القول لا يصدر إلا عن البطل المصدام . فقال كان ما كان : الإنصاف أنك إذا شئت أخذي أسيراً خادماً لك أن ترمي سلاحك وتخفف لباسك وتصارعني وكل من صرع صاحبه بلغ منه مرامه وجعله غلامه . فضحك صباح وقال : ما أظن كثرة كلامك إلا لدنو حمامك . ثم رمى سلاحه وشمر أذياله ودنا من كان ما كان وتجاذبا فوجده البدوي يرجح عليه كما يرجح للقنطار على الدينار ، ونظر إلى ثبات رجليه في الأرض فوجدهما كالمأذنتين المؤسستين أو الجبلين الراسخين فعرف في نفسه قصر باعه وندم على الدنو من صراعه وقال في نفسه : ليتني قاتلته بسلاحي . ثم إن كان ما كان قبضه وتمكن منه وهزه فأحس أن أمعاءه تقطعت في بطنه . فصاح : أمسك يدك يا غلام . فلم يلتفت إلى ما أبداه من الكلام بل حمله من الأرض وقصد به النهر فناداه صباح قائلاً : أيها البطل ما تريد أن تفعل بي . قال : أريد أن أرميك في هذا النهر فإنه يوصلك إلى دجلة ، والدجلة يوصلك إلى نهر عيسى ونهر عيسى يوصلك إلى الفرات والفرات يلقيك إلى بلادك فيراك قومك فيعرفونك ويعرفون مروءتك وصدق محبتك . فصاح صباح ونادى : يا فارس البطاح لا تفعل فعل القباح أطلقني بحياة بنت عمك سيدة الملاح . فحطه كان ما كان في الأرض فلما رأى نفسه خالصاً ذهب إلى ترسه وسيفه وأخذهما وصار يشاور نفسه على الهجوم عليه فعرف كان ما كان ما يشاور نفسه عليه فقال له : قد عرفت ما في قلبك حيث أخذت سيفك وترسك فإنه قد خطر ببالي أنه ليس لك يد في الصراع تطول ، ولو كنت على فرس تجول لكنت بسيفك تصول وهاأنا أبلغك ما تختار حتى لا يبقى في قلبك إنكار فأعطني الترس واهجم علي بالسيف فإما تقتلني أو أقتلك . فرمى الترس وجرد سيفه وهجم به على كان ما كان فتناول الترس بيمينه وصار يلاقي به عن نفسه وصار صباح يضربه ويقول : ما بقي إلا هذه الضربة الفاصلة . فيتلقاها كان ما كان وتروح ضائعة ولم يكن مع كان ما كان ما يضرب به ولم يزل صباح يضرب بالسيف حتى كلت يده وعرف كان ما كان ضعف قوته وانحلال عزيمته فهجم عليه وهزه وألقاه في الأرض وكتفه بحبائل سيفه وجره من رجليه إلى جهة النهر. فقال صباح : ما تريد أن تصنع بي يا فارس الزمان وبطل الميدان ? قال : ألم أقل لك أنني أرسلك إلى قومك في النهر حتى لا يشغل خاطرهم عليك وتتعوق عن عرس بنت عمك . فتضجر صباح وبكى وصاح وقال : لا تفعل بي يا فارس الزمان واجعلني لك من بعض الغلمان . ثم أفاض دمع العينين وأنشد هذين البيتين : تغربت عن أهلي فيا طول غربتي ........ ويا ليت شعري هل أموت غريبا أموت وأهلي ليس تعرف مقتلـي ........ وأودي غريباً لا أزور حـبـيبـا فرحمه كان ما كان ، وأطلقه بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق أنه يصحبه في الطريق ويكون له نعم الرفيق ، ثم إن صباحاً أراد أن يقبل يد كان ما كان فمنعه من تقبيلها ، ثم قام البدوي إلى جرابه وفتحه وأخذ منه ثلاث قرصات شعير وحطها قدام كان ما كان وجلس معه على شاطئ النهر وأكلا مع بعضهما ، ثم توضأ وصليا وجلسا يتحدثان فيم ألقياه من صروف هذا الزمان . فقال كان ما كان للبدوي : أين تقصد ? فقال صباح : أقصد بغداد بلدك ، وأقيم بها حتى يرزقني الله بالصداق . فقال له : دونك والطريق . ثم ودعه البدوي وتوجه في طريق بغداد وأقام كان ما كان وقال في نفسه : يا نفسي أي وجه للرجوع مع الفقر والفاقة والله لا أرجع خائباً ولابد لي من الفرج إن شاء الله تعالى . ثم تقدم إلى النهر وتوضأ وصلى ، فلما سجد ووضع جبهته على التراب ونادى به ربه قائلاً : اللهم منزل القطر ورازق الدود في الصخر أسألك أن ترزقني بقدرتك ولطيف رحمتك ثم سلم من صلاته وضاق به كل مسلك . فبينما هو جالس يلتفت يميناً وشمالاً وإذا بفارس أقبل على جواد ، وقد اقتعد ظهره وأرخى عنانه فاستوى كان ما كان جالساً وبعد ساعة وصل إليه الفارس وهو في آخر نفس لأنه كان به جرح بالغ ، فلما وصل إليه جرى دمعه على خده مثل أفواه القرب وقال لكان ما كان : يا وجه العرب اتخذني ما عشت لك صديقاً فإنك لا تجد مثلي واسقني قليلاً من الماء ، وإن كان شرب الماء لا يصلح للجروح لاسيما وقت خروج الروح وإن عشت أعطيتك ما يدفع فقرك وإن مت فأنت المسعود بحسن نيتك . وكان تحت الفارس حصان يتحير في حسنه الإنسان ويكل عن وصفه اللسان وله قوائم مثل أعمدة الرخام معد ليوم الحرب والزحام ، فلما نظر كان ما كان إلى ذلك الحصان أخذه الهيام وقال في نفسه : إن هذا الحصان لا يكون في هذا الزمان . ثم أنه أنزل الفارس ورفق به وجرعه يسيراً من الماء ثم صبر عليه حتى أخذ الراحة وأقبل عليه وقال له : من الذي فعل بك هذه الفعال ? فقال الفارس : أنا أخبرك بحقيقة الحال ، إني رجل سلال غيار طول دهري أسل الخيل وأختلسها في الليل والنهار واسمي غصان آفة كل فرس وحصان وقد سمعت بهذا الحصان في بلاد الروم عند الملك أفريدون وقد سماه بالقانون ولقبه بالمجنون وقد سافرت إلى القسطنطينية من أجله وصرت أراقبه فبينما أنا كذلك إذ خرجت عجوز معظمة عند الروم وأمرها عندهم في الخداع متناهي تسمى شواهي ذات الدواهي ، ومعها هذا الجواد وصحبتها عشرة عبيد لا غير برسم خدمة هذا الحصان وهي تقصد بغداد تريد الدخول على الملك سلسان لتطلب منه الصلح والأمان ، فخرجت في أثرهم طمعاً في الحصان وما زلت أتابعهم ، ولا أتمكن من الوصول إليه لأن العبيد شداد الحرس عليه إلى أن أتوا تلك البلاد وخفت أن يدخلوا مدينة بغداد ، فبينما أنا أشاور نفسي في سرقة الحصان إذ طلع عليهم غبار حتى سد الأقطار ثم انكشف الغبار عن خمسين فارساً مجتمعين لقطع الطريق على التجار ورئيسهم يقال لهم كهرداش ولكنه في الحرب كأسد يجعل الأبطال كالفراش .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:05 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الحادية والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الفارس المجروح قال لكان ما كان : فخرج على العجوز ومن معها كهرداش ثم أحاط بهم وهاش وناش فلم تمض ساعة حتى ربط العشرة عبيد والعجوز وتسلم الحصان وسار بهم وهو فرحان فقلت في نفسي : قد ضاع تعبي وبلغت أربي ثم صبرت حتى أنظر ما يؤول الأمر إليه . فلما رأت العجوز روحها في الأسر بكت وقالت لكهرداش : أيها الفارس الهمام والبطل الضرغام ماذا تصنع بالعجوز والعبيد وقد بلغت من الحصان ما تريد ? وخادعته بلين الكلام ، وحلفت أنها تسوق له الخيل والأنعام فأطلقها هي والعبيد ، ثم سار هو والعبيد وأصحابه وتبعتهم حتى وصلت إلى هذه الديار وأنا ألاحظه . فلما وجدت إليه سبيلاً سرقته وركبته ، وأخرجت من مخلاتي سوطاً فضربته ، فلما أحسوا بي لحقوني وأحاطوا بي من كل مكان ورموني بالسهام والسنان وأنا ثابت عليه وهو يقاتل عني بيديه ورجليه إلى أن خرج بي من بينهم مثل النجم الطارق والسهم الراشق ، ولكن لما اشتد الكفاح أصابتني بعض الجراح وقد مضى لي على ظهره ثلاثة أيام ولم أستطعم بطعام وقد ضعفت مني القوى وهانت علي الدنيا أحسنت إلي وأشفقت علي وأراك عاري الجسد ظاهر عليك الكمد ، ويلوح عليك أثر النعمة فما يقال لك ?. فقال كان ما كان : أنا يقال لي كان ما كان ابن الملك ضوء المكان بن الملك عمر النعمان قد مات والدي وربيت يتيماً وتولى رجل لئيم وصار ملكاً على الحقير والعظيم ثم حدثه بحديثه من أوله إلى آخره . فقال الرجل السلال وقد رق له : إنك ذو حسب عظيم وشرف جسيم وليس لك شأن وتصير أفرس هذا الزمان فإن قدرت أن تحملني وتركب ورائي وتوديني إلى بلادي يكن لك الشرف في الدنيا والجر في يوم التناد فإنه لم يبق لي قوة أمسك بها نفسي وإن أمت في الطريق فزت بهذا الحصان وأنت أولى به من كل إنسان . فقال له كان ما كان : والله لو قدرت أن أحملك على أكتافي لفعلت ولو كان عمري بيدي لأعطيتك نصفه من غير هذا الجواد لأني من أهل المعروف وإغاثة الملهوف وفعل الخير لوجه الله تعالى يسد سبعين باباً من البلاء . وعزم على أن يمله على الحصان ويسير متوكلاً على اللطيف الخبير ، فقال له : اصبر علي قليلاً . ثم أغمض عينيه وفتح يديه وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله . وتهيأ للممات وأنشد هذه الأبيات : ظلمت العباد وطفـت الـبـلاد ........ وأمضيت عمري بشرب الخمور وخضت السيول لسل الـخـيول ........ وهدم الطلول بفعل الـنـكـور وأمري عظيم وجرمي جـسـيم ........ وفاتول منـي تـمـام الأمـور وأملت أنـي أنـال الـمـنـى ........ بذاك الحصان فأعيا مـسـيري وطول الحـياة أسل الـخـيول ........ فكانت وفاتي عـنـد الـغـدير وآخر أمـري أنـي تـعـبـت ........ لرزق الغري اليتيم الـفـقـير فلما فرغ من شعره أغمض عينيه وفتح فاه وشهق شهقة ففارق الدنيا فحفر له كان ما كان حفرة وواراه التراب ، ثم مسح وجه الحصان ورآه لا يوجد في حوزة الملك سلسان ، ثم أتته الأخبار من التجار بجميع ما جرى في غيبته بين الملك سلسان والوزير دندان خرج عن طاعة الملك سلسان هو ونصف العسكر وحلفوا أنهم ما لهم سلطان إلا كان ما كان واستوثق منهم بالأيمان ودخل بهم إلى جزائر الهند والبربر وبلاد السودان واجتمع معهم عساكر مثل البحر الزاخر لا يعرف لهم أول من آخر وعزم على أن يرجع بجميع الجيوش إلى البلاد ويقتل من يخالفه من العباد وأقسم أنه لا يرد سيف الحرب إلى غمده حتى يملك كان ما كان . فلما بلغته هذه الأخبار غرق في بحر الأفكار ، ثم إن الملك سلسان علم أن الدولة انحرفت عليه الكبار والصغار فغرق في بحر الهموم والأكدار وفتح الخزائن وفرق على أرباب الدولة الأموال والنعم وتمنى أن يقدم عليه كان ما كان ويجذب قلبه إليه بالملاطفة والإحسان ويجعله أميراً على العساكر الذين لم يزالوا تحت طاعته لتقوى به شرارة جمرته ، ثم إن كان ما كان لما بلغه ذلك الخبر من التجار رجع مسرعاً إلى بغداد على ظهر ذلك الجواد . فبينما الملك سلسان في ربكته حيران إذ سمع بقدوم كان ما كان فأخرج جميع العساكر ووجهاء بغداد ولاقوه ومشوا قدامه إلى القصر ودخلت الطواشية بالأخبار إلى أمه فجاءت إليه وقبلته بين عينيه ، فقال : يا أماهد عيني أمضي إلى عمي السلطان سلسان الذي غمرني بالنعمة والإحسان . ثم إن أرباب الدولة تحيروا في وصف ذلك الحصان وفي وصف صاحبه سيد الفرسان وقالوا للملك سلسان : أيها الملك إننا ما رأينا مثل هذا الإنسان . ثم ذهب الملك سلسان وسلم عليه . فلما رآه كان ما كان مقبلاً عليه قام إليه وقبل يديه ورجليه وقدم إليه الحصان هدية فرحب به وقال : أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان ، والله لقد ضاقت بي الأرض لأجل غيبتك والحمد لله على سلامتك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:06 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الثانية والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان قال لكان ما كان : أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان والله لقد ضاقت بي الأرض لجل غيبتك والحمد لله على سلامتك . ثم نظر السلطان إلى هذا الحصان المسمى القانون ، فعرف أنه الحصان الذي رآه سنة كذا وكذا في حصار عبدة الصلبان مع أبيه ضوء المكان حين قتل عمه شركان وقال له : لو قدر عليه أبوك لاشتراه بألف جواد ولكن الآن عاد العز إلى أهله وقد قبلناه ومنا لك وهبناه وأنت أحق به من كل إنسان لأنك سيد الفرسان . ثم أمر أن يحضر لكان ما كان خلعة سنية وجملة من الخيل وأفرد له في القصر أكبر الدور وأقبل عليه العز والسرور ، وأعطاه مالاً جزيلاً وأكرمه غاية الإكرام لأنه كان يخشى عاقبة الوزير دندان ففرح بذلك كان ما كان وذهب عنه الذل والهوان ودخل بيته وأقبل على أمه وقال : يا أمي ما حال ابنة عمي . فقالت : والله يا ولدي انه كان عندي من غيبتك ما شغلني عن محبوبتك . فقال : يا أمي اذهبي إليها وأبلي عليها لعلها تجود علي بنظرة . فقالت له : إن المطامع تذل أعناق الرجال فدع عنك هذا المقال لئلا يقضي بك إلى الوبال فأنا أذهب إليها ولا أدخل بهذا الكلام عليها . فلما سمع من أمه ذلك أخبرها بما قاله السلال من أن العجوز ذات الدواهي طرقت البلاد وعزمت على أن تدخل بغداد وقال : هي التي قتلت عمي وجدي ولا بد أن أكشف العار وآخذ بالثأر . ثم ترك أمه وأقبل على عجوز عاهرة محتالة ماكرة اسمها سعدانة وشكا إليها حاله وما تجده من حب قضي فكان وسألها أن تتوجه العجوز إليها وتستعطفها عليه ، فقالت له العجوز : سمعاً وطاعة . ثم فارقته ومضت إلى قصر قضي فكان واستعطفت قلبها عليه ، ثم رجعت إليه وأعلمته بأن قضي فكان تسلم عليه ووعدتها أنها في نصف الليل تجيء إليه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:08 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الثالثة والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قالت لكان ما كان بأنها ستجيء إليك في نصف الليل ففرح لوعد ابنة عمه قضي فكان ، فلما جاء نصف الليل أتته بملاءة سوداء من الحرير ودخلت عليه ونبهته من نومه وقالت له : كيف تدعي أنك تحبني وأنت خلي البال نائم على أحسن حال . فانتبه وقال : والله يا منية القلب أني ما نمت إلا طمعاً في أن يزورني منك طيف الخيال . فعند ذلك عاتبته بعتاب لطيف الكلمات وأنشدت هذه الأبيات : لو كنت تصدق في المحبة ........ ما جنحت إلى المـنـام يا مدعي طـرق المحـبة ........ في المـودة والـغـرام والله يا ابـن الـعـم مـا ........ رقدت عيون المستهـام فاستحيا منها كان ما كان ، وتعانقا وتشاكيا ألم الفراق وعظيم الوجد والاشتياق ولم يزالا كذلك إلى أن بدت غرة الصباح وطلع الفجر ولاح فبكى كان ما كان بكاءً شديداً وصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات : فيا زائري من بعد فـرط صـدوده ........ وفي الثغر منه الدر في نظم عقده فقبلته ألـفـاً وعـانـقـت قـده ........ وبت وخدي لاصق تحـت خـده إلى أن بدا نور الصباح فراعـنـا ........ كحد حسام لاح من جوف غمـده فلما فرغ من شعره ودعته قضي فكان ورجعت إلى خدرها وأظهرت بعض الجواري على سرها فذهبت جارية منهن إلى الملك سلسان وأعلمته بالخبر فتوجه إلى قضي فكان وجرد عليها الحسام وأراد أن يضرب عنقها فدخلت عليه أمها نزهة الزمان ، وقالت له : بالله لا تفعل بها ضرراً فإنك إن فعلت بها ضرراً يشيع الخبر بين الناس وتبقى معيرة عند ملوك الزمان وإن كان ما كان صاحب عرض ومروءة ولا يفعل أمراً يعاب عليه فاصبر ولا تعجل فإن أهل القصر وجميع بغداد قد شاع عندهم أن الوزير دندان ، قاد العسكر من جميع البلدان وجاء بهم ليملكوا كان ما كان . فقال لها : لابد أن أرميه في بلية بحيث لا أرض تقله ولا سماء تظلله وإني ما طيبت خاطره إلا لأجل أهل مملكتي ، لئلا يميلوا إليه وسوف ترين ما يكون . ثم تركها وخرج يدير أمر مملكته . هذا ما كان من أمر الملك سلسان . وأما كان ما كان فإنه أقبل على أمه في ثاني يوم وقال لها : يا أمي إني عزمت على شن الغارات وقطع الطرقات وسوق الخيل والنعم والعبيد والمماليك وإذا كثر مالي وحسن حالي خطبت قضي فكان من عمي سلسان . فقالت : يا ولدي إن أموال الناس غير سائبة ، لأن دونها ضرب الصفاح وطعن الرمح ورجالاً تقتنص الأسود وتصيد الفهود . فقال لها كان ما كان : هيهات أن أرجع عن عزيمتي إلا إذا بلغت منيتي . ثم أرسل العجوز إلى قضي فكان ليعلمها أنه يريد السير حتى يحصل لها مهراً يصلح لها وقال للعجوز : لابد أن تأتيني منها بالجواب . فقالت له : سمعاً وطاعة . ثم ذهبت إليها ورجعت له بالجواب . وقالت له : إنها في منتصف الليل تكون عندك . فأقام سهران إلى نصف الليل من قلقه فلم يشعر إلا وهي داخلة عليه وتقول له : روحي فداك من السهر . فنهض لها قائماً وقال : يا منية القلب روحي فداك من جميع الأسواء . ثم أعلمها بما عزم عليه فبكت فقال لها : لا تبكي يا بنت العم فأن الذي حكم علينا بالفراق أن يمن علينا بالتلاق والوفاق . ثم إن كان ما كان أخذ في السفر ودخل على أمه وودعها ونزل من القصر ونقله بسيفه وتعمم وتلثم وركب جواده القانون ومشى في شوارع المدينة وهو كالبدر حتى وصل إلى باب بغداد وإذا برفيقه صباح بن رباح خارج من المدينة ، فلما رآه جرى في ركابه وحياه فرد عليه السلام فقال صباح : يا أخي كيف صار لك هذا الجواد وهذا المال ، وأنا الآن لا أملك غير سيفي ? فقال له كان ما كان : لا يرجع الصياد بصيد إلا إلى قدر نيته وبعد فراقك بساعة حصلت لي السعادة وهل لك أن تأتي معي وتخلص النية في صحبتي ونسافر في تلك البرية ? فقال : ورب الكعبة ما بقيت أدعوك إلا مولاي . ثم جرى قدام الجواد وسيفه على عاتقه وجرابه بين كتفيه ولم يزالا سائرين في البر أربعة أيام وهما يأكلان من صيد الغزلان ويشربان من ماء العيون وفي اليوم الخامس أشرفا على تلٍ عال تحته مراتع فيها إبل وغنم وبقر خيل قد ملأت الروابي والبطاح وأولادها الصغار تلعب حول المراح . فلما رأى ذلك كان ما كان ، زادت به الأفراح وامتلأ صدره بالإنشراح وعول على القتال وأخذ النياق والجمال فقال لصباح : انزل بنا على هذا المال الذي عن أهله وحيد ونقاتل دونه القريب والبعيد حتى يكون لنا في أخذه نصيب . فقال صباح : يا مولاي إن أصحابه خلق كثير وجم غفير وفيهم أبطال من فرسان ورجال وإن رمينا أرواحنا في هذا الخطب الجسيم فإننا نكون من هوله على خطر عظيم . فضحك كان ما كان وعلم أنه جبان فتركه وانحدر من الرابية عازماً على شن الغارات وترنم بإنشاد هذه الأبيات : وآل نعمان هم ذوو الهـمـم ........ والسادة الضاربون في القسم قوم إذا ما الهياج قام لـهـم ........ قاموا بأسواقه علـى قـدم تنام عين الفقـير بـينـهـم ........ ولا يرى قبح صور العـدم وإنني أرتـجـي مـعـاونة ........ من مالك الملك بارئ النسم ثم حمل على ذلك المال مثل الجمل الهائج وساق جميع الإبل والبقر والغنم والخيل قدامه فتبادرت إليه العبيد بالسيوف النقال والرماح الطوال وفي أولهم فارس تركي إلا أنه شديد الحرب والكفاح عارف بأعمال سمر القنا وبيض الصفاح فحمل على كان ما كان وقال له : ويلك لو علمت لمن هذا المال ما فعلت هذه الفعال ، اعلم أن هذه الأموال للعصابة الرومية والفرقة الجركسية الذين ما فيهم إلا كل بطل عابس وهم مائة فارس قد خرجوا عن طاعة كل سلطان وقد سرق منهم حصان وحلفوا بان لا يرجعوا من هنا إلا به . فلما سمع كان ما كان هذا الكلام صاح قائلاً : هذا هو الحصان الذي تعنون وأنتم له طالبون وفي قتالي بسببه راغبون فبارزوني كلكم أجمعون وشانكم وما تريدون . ثم صرخ بين أذني القانون فخرج عليهم مثل الغول وعطف على الفارس وطعنه فأخرج كلاه ومال على ثانٍ وثالث ورابع فأعدمهم الحياة فعند ذلك هابته العبيد فقال لهم : يا بني الزواني سوقوا المال والخيول وإلا خضبت من دمائكم سناني . فساقوا المال وأخذوا في الانطلاق وانحدر إليه صباح وأعلن بالصياح وزادت به الأفراح وإذا بغبار قد علا وطار حتى سد الأقطار وبان من تحته مائة فارس مثل الليوث العوابس . فلما رآهم صباح فر إلى الرابية وترك البطاح وصار يتفرج على الكفاح ، وقال : ما أنا بفارس إلا في اللعب والمزاح . ثم إن المائة فارس داروا حول كان ما كان وأحاطوا به من كل مكان فتقدم إليه منهم وقال : أين تذهب بهذا المال ? فقال له كان ما كان : دونك والقتال واعلم أن من دونه أسداً أروع وبطل صميدع وسيفاً أينما مال قطع . فلما سمع الفارس ذلك الكلام التفت إليه فرآه فارساً كالأسد الضرغام إلا أن وجهه بدر التمام وكان ذلك الفارس رئيس المائة فارس واسمه كهرداش . فلما رأى كان ما كان مع كمال فروسيته بديع المحاسن يشبه حسنه حسن معشوقة له يقال لها فاتن وكانت من أحسن النساء وجهاً قد أعطاها الله من الحسن والجمال وكرم الخصال ما يعجز عن وصفه اللسان ويشغل قلب كل إنسان وكانت فرسان القوم تخشى سطوتها وأبطال ذلك القطر تخاف هيبتها وحلفت أنها لا تتزوج إلا من يقهرها وكان كهرداش من جملة خطابها فقالت لأبيها : ما يقربني إلا من يقهرني في الميدان وموقف الحرب والطعان . فلما بلغ كهرداش هذا القول اختشى أن يقاتل جارية وخاف من العار فقال في بعض خواصه : أنت كامل الخصال في الحسن والجمال فلو قاتلتها وكانت أقوى منك فإنك تغلبها لأنها إذا رأت حسنك وجمالك تنهزم قبالك حتى تملكها لأن النساء لهن غرض في الرجال ولا يخفى عنك هذا الحال . فأبى كهرداش وامتنع من قتالها واستمر على امتناعه من القتال إلى أن جرت له مع كان ما كان هذه الأفعال فظن أنه محبوبته فاتن قد عشقته لما سمعت بحسنه وشجاعته فتقدم إلى كان ما كان وقال : ويلك يا فاتن قد أتيت لتريني شجاعتك فانزلي عن جوادك حتى أتحدث معك فإني قد سقت هذه الأموال وقطعت الطريق على الفرسان والأبطال وكل هذا لحسنك وجمالك الذي ما له مثيل وتزوجيني حتى تخدمك بنات الملوك وتصيري ملكة هذه الأقطار . فلما سمع كان ما كان هذا الكلام صارت نار غيظه في اضطرام وقال : ويلك يا كلب الأعجام دع فاتناً وما بها ترتاب وتقدم إلى الطعن والضراب فعن قليل تبقى على التراب . ثم صال وجال وطلب الحرب والنزال فلما نظر كهرداش إليه علم أنه فارس همام وبطل مصدام وتبين خطأ ظنه حيث لاح له عذار أخضر فوق خده كآس نبت خلال ورد أحمر وقال للذين معه : ويلكم ليحمل واحد منكم عليه ويظهر له السيف البتار والرمح الخطار واعلموا أن قتال الجماعة للواحد عار ولو كان في سنان رمحه بشعلة نار . | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:09 pm | |
| فعند ذلك حمل عليه فارس تحته جواد أدهم بتحجيل وغرة كالدرهم يحير العقل والناظر كما قال فيه الشاعر : قد جاءك المهر الذي نزل الوغى ........ جذلان يخلط أرضه بسـمـائه وكأنما لطم الصبـاح جـبـينـه ........ واقتص منه فخاض في أحشائه ثم إن الفارس حمل عليه كان ما كان وتجاولا في الحرب برهة من الزمان وتضاربا ضرباً يحير الأفكار ويغشي الأبصار فسبقه كان ما كان بضربة بطل شجاع قطعت منه العمامة والمغفر فمال عن جواده كأنه البعير إذا انحدر وحمل عليه الثاني والثالث والرابع والخامس ففعل بهم كالأول ، ثم حمل عليه الباقون وقد اشتد بهم القلق وزادت الحرق فما كان إلا ساعة التقطهم بسنان رمحه . فنظر كهرداش إلى هذا الحال فخاف من الإرتحال وعرف من نفسه أن عنده ثبات الجنان واعتقد أنه أوجد الأبطال والفرسان فقال لكان ما كان : قد وهبت لك دمك ودم أصحابي فخذ من المال ما شئت واذهب إلى حال سبيلك فقد رحمتك لحسن شبابك والحياة أولى بك . فقال له كان ما كان : لا عدمت مروءة الكرام ولكن اترك عنك هذا الكلام وفز بنفسك ولا تخشى الملام ولا تطمع نفسك في رد الغنيمة واسلك لنجاة نفسك طريقة مستقيمة . فعند ذلك اشتد بكهرداش الغضب وحصل عنده ما يوجب العطب فقال لكان ما كان : ويلك لو عرفت من أنا ما نطقت بهذا الكلام في حومة الزحام فاسأل عني الأسد البطاش المعروف بكهرداش الذي نهب الملوك الكبار وقطع الطريق على جميع السفار وأخذ أموال التجار وهذا الحصان الذي تحتك طلبتي وأريد أن تعرفني كيف وصلت إليه حتى استوليت عليه . فقال كان ما كان : اعلم أن هذا الجواد كان سائراً إلى عمي الملك سلسان تحت عجوز كبيرة ولنا عندها ثأر من جهة جدي الملك عمر النعمان وعمي الملك شركان . فقال كهرداش : ويلك ومن أبوك لا أم لك . فقال كان ما كان : اعلم أني كان ما كان ابن الملك ضوء المكان بن عمر النعمان . فلما سمع كهرداش هذا الخطاب قال : لا يستنكر عليك الكمال والجمع بين الفروسية والجمال . ثم قال له : توجه بأمان فإن أباك كان ذا فضل وإحسان . فقال له كان ما كان : أنا والله ما أوقرك يا مهان . فاغتاظ البدوي ثم حمل كل منهما على صاحبه فشدت لهما الخيل أذانها ورفعت أذنابها ولم يزالا يصطدمان حتى ظن كل منهما أن السماء قد انشقت ، ثم بعد ذلك تقاتلا ككباش النطاح واختلفت بينهما طعنات الرماح فحاوله كهرداش بطعنة فزاغ عنها كان ما كان ثم كر عليه وطعنه في صدره فطلع السنان يلمع من ظهره وجمع الخيل والأسلاب وصاح في العبيد : دونكم والسوق الشديد . فنزل عند ذلك صباح وجاء إلى كان ما كان وقال له : أحسنت يا فارس الزمان إني دعوت لك واستجاب ربي لدعائي . ثم إن صباح قطع رأس كهرداش فضحك كان ما كان وقال له : ويلك يا صباح إني كنت أظن أنك فارس الحرب والكفاح . فقال : لا تنسى عبدك من هذه الغنيمة لعلي أصل بسببها إلى زواج بنت عمي نجمة . فقال له : لابد لك من نصيب ولكن كن محافظاً على الغنيمة والعبيد . ثم إن كان ما كان سار متوجهاً إلى الديار ولم يزل سائراً بالليل والنهار حتى أشرف على مدينة بغداد وعلمت به جميع الأجناد ورأوا ما معه من الغنيمة والأموال ورأس كهرداش على رمح صباح وعرف التجار رأس كهرداش ففرحوا وقالوا : لقد أراح الله الخلق منه لأنه كان قاطع الطريق . وتعجبوا من قتله ودعوا لقاتله ، وأتى أهل بغداد إلى كان ما كان بما جرى من الأخبار فهابته جميع الرجال وخافته الفرسان والأبطال وساق ما معه إلى أن أوصله تحت القصر وركز الرمح الذي عليه رأس كهرداش إلى باب القصر وهب للناس وأعطاهم الخيل والجمال فأحبه أهل بغداد ومالت إليه القلوب ثم أقبل على صباح وأنزله في بعض الأماكن الفساح ثم دخل على أمه وأخبرها بما جرى له في سفره . وقد وصل إلى الملك خبره فقام من مجلسه واختلى بخواصه وقال لهم : اعلموا أني أريد البوح لكم بسري وأبدي لكم مكنون أمري اعلموا أن كان ما كان هو الذي يكون سبباً لانقلاعنا من هذه الأوطان لأنه قتل كهرداش مع أن قبائل من الأكراد والأتراك وأمرنا معه إلى الهلاك وأكثر خوفنا من أقاربه ، وقد علمتم بما فعل الوزير دندان فإنه جحد معروفي بعد الإحسان وخانني في الأيمان وبلغني أنه جمع عساكر البلدان وقصد أن يسلطن كان ما كان لأن السلطنة كانت لأبيه وجده ، ولا شك أنه قاتلي لا محالة . فلما سمع خواص مملكته منه هذا الكلام قالوا له : أيها الملك إنه أقل من ذلك ولولا أننا علمنا بأنه تربيتك لم يقبل عليه منا أحد واعلم أننا بين يديك إن شئت قتله قتلناه وإن شئت ابعاده أبعدناه . فلما سمع كلامهم قال : إن قتله هو الصواب ولكن لابد من أخذ الميثاق . فتحالفوا على أنهم لا بد أن يقتلوا كان ما كان فإذا أتى الوزير دندان وسمع بقتله تضعف قوته عما هو عازم عليه ، فلما أعطوه العهد والميثاق على ذلك أكرمهم غاية الإكرام ثم دخل بيته وقد تفرق عنه الرؤساء وامتنعت العساكر من الركوب والنزول حتى يبصروا ما يكون لأنهم رأوا غالب العسكر مع الوزير دندان ، ثم إن الخبر وصل إلى قضى فكان فحصل عندها غم زائد وأرسلت إلى العجوز التي عادتها أن تأتيها من عند ابن عمها بالأخبار فلما حضرت عندها أمرتها أن تذهب إليه وتخبره بالخبر ، فلما سمع ذلك قال : بلغي بنت عمي سلامي وقولي لها : إن الأرض لله عز وجل يورثها من يشاء من عباده ، وما أحسن قول الشاعر : الملك لله ومن يظفر بنيل منـي ........ يردده قهر ويضمن عنده الدركا لو كان لي أو لغيري قدر أنملة ........ من التراب لكان الأمر مشتركا فرجعت العجوز إلى بنت عمه وأخبرتها بما قاله وأعلمتها بأن كان ما كان أقام في المدينة ، ثم إن الملك سلسان صار ينتظر خروجه من بغداد ليرسل وراءه من يقتله فاتفق أنه خرج إلى الصيد والقنص وخرج صباح معه لأنه كان لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً فاصطاد عشر غزلان وفيهن غزالة حلاء العيون صارت تتلفت يميناً وشمالاً فأطلقها فقال له صباح : لأي شيء أطلقت هذه الغزالة ? فضحك كان ما كان وأطلق الباقي وقال : إن من المروءة إطلاق الغزلان التي لها أولاد وما تتلفت تلك الغزالة إلا لأن لها أولاد فأطلقتها وأطلقت الباقي في كرامتها . فقال له صباح : أطلقني حتى أروح إلى أهلي . فضحك وضربه بعقب الرمح على قلبه فوقع على الأرض يتلوى كاثعبان ، فبينما هما كذلك وإذا بغبرة سائرة وخيل تركض وبان من تحتها فرسان شجعان وسبب ذلك أن الملك سلسان أخبروه أن كان ما كان خرج إلى الصيد والقنص فأرسل أمير من الديلم يقال له جامع ومعه عشرين فارساً ودفع لهم المال ثم أمرهم أن يقتلوا كان ما كان فلما قربوا منه حملوا عليه وحمل عليهم فقتلهم عن آخرهم وإذا بالملك سلسان ركب وسار ولحق بالعسكر فوجدهم مقتولين فتعجب ورجع وإذا بأهاليهم قبضوا عليه وشدوا وثاقه ، ثم إن كان ما كان توجه بعد ذلك من المكان وتوجه معه صباح البدوي . فبينما هو سائر في طريقه رأى شاباً على باب داره فألقى كان ما كان عليه السلام فرد الشاب عليه السلام ثم دخل وخرج ومعه قصعتان إحداهما فيها لبن والثانية ثريد والسمن في جوانبها يموج ووضع القصعتين قدام كان ما كان وقال له : تفضل علينا بالأكل من زادنا . فامتنع كان ما كان وقال له الشاب : مالك أيها الإنسان لا تأكل ? فقال له كان ما كان : اعلم أن الملك سلسان غصب ملكي ظلماً وعدواناً ثم إن ذلك الملك كان لأبي وجدي من قبلي فاستولى عليه قهراً بعد موت أبي ولم يعتبرني لصغر سني فنذرت أنني لا آكل لأحد زاد حتى أشفي فؤادي من غريمي . فقال له الشاب : ابشر فقد وفى الله نذرك واعلم أنه مسجون في مكان وأظنه يموت قريباً . فقال له كان ما كان : في أي بيت هو معتقل ? فقال له : في تلك القبة العالية . فنظر كان ما كان إلى قبة عالية ورأى الناس في تلك القبة يدخلون وعلى سلسان يلطمون وهو يتجرع غصن المنون فقام كان ما كان ومشى حتى وصل إلى تلك القبة وعاين ما فيها ثم عاد إلى موضعه وقعد على الأكل وأكل ما تيسر ووضع ما بقي من اللحم في مزودة ثم جلس مكانه ولم يزل جالساً إلى أن أظلم الليل ونام الشاب الذي ضيفه ثم ذهب كان ما كان إلى القبة التي فيها سلسان وكان حولها كلاب يحرسونها فوثب عليه كلب من الكلاب فرمى له قطعة لحم من الذي في مزوده وما زال يرمي للكلاب لحماً حتى وصل إلى القبة وتوصل إلى أن صار عند الملك سلسان ووضع يده على رأسه ، فقال له بصوت عال : من أنت ? فقال : أنا كان ما كان الذي سعيت في قتله فأوقعك الله في سوء تدبيرك أما يكفيك أخذ ملكي وملك أبي وجدي حتى تسعى في قتلي ? فحلف له الملك سلسان الأيمان الباطلة أنه لم يسع في قتله وأن هذا الكلام غير صحيح فصفح عنه كان ما كان وقال له : اتبعني . فقال الملك سلسان : لا أقدر أن أخطو خطوة واحدة لضعف قوتي . فقال كان ما كان : إذا كان الأمر كذلك نأخذ لنا فرسين ونركب أنا وأنت ونطلب البر . ثم فعل كما قال وركب هو وسلسان وسارا حتى الصباح ثم صليا الصبح وسارا ولم يزالا كذلك حتى وصلا إلى بستان فجعلا يتحدثان فيه ثم قام كان ما كان إلى سلسان وقال له : هل بقي في لقبك من أمر تكرهه ? قال سلسان : لا والله ثم اتفقوا على أنهم يرجعا إلى بغداد . فقال صباح البدوي : أنا أسبقكما لأبشر الناس . فسبق يبشر النساء والرجال فخرجت إليه الناس بالدفوف والمزامير وبرزت قضي فكان وهي مثل البدر بهي الأنوار في دياجي الإعتكار فقابلها كان ما كان وحنت الأرواح للأرواح واشتاقت الأشباح للأشباح ولم يبق لأهل القصر حديث إلا في كان ما كان وشهد له الفرسان أنه أشجع أهل الزمان وقالوا : لا يصلح أن يكون سلطاناً علينا إلا كان ما كان ويعود إلى ملك جده كما كان . وأما سلسان فإنه دخل على نزهة الزمان فقالت له : إني أرى الناس ليس لهم حديث إلا في كان ما كان ويصفونه بأوصاف يعجز عنها اللسان . فقال لها : ليس الخبر كالعيان ، فإني رأيته ولم أر فيه صفة من صفات الكمال وما كل ما يسمع يقال ولكن الناس يقلد بعضهم بعضاً في مدحه ومحبته وأجرى الله على ألسنة الناس مدحه حتى مالت إليه قلوب أهل بغداد والوزير دندان الغادر الخوان قد جمع له عساكر من سائر البلدان ومن الذي يكون صاحب الأقطار ويرضى أن يكون تحت يد حاكم يتيم ما له مقدار . فقالت له نزهة الزمان : وعلى ماذا عولت ? قال الملك سلسان : عولت على قتله ويرجع الوزير دندان خائباً في قصده ، ويدخل تحت أمري وطاعتي ولا يبقى له إلا خدمتي . فقالت له نزهة الزمان : الغدر قبيح بالأجانب فكيف بالأقارب والصواب أن تزوجه ابنتك قضي فكان وتسمع ما قيل فيما مضى من الزمان : إذا رفع الزمان عليـك شخصـاً ........ وكنت أحق فمنه ولو تصاعـد أنله حتـى رتـبـتـه تـجـده ........ ينيلك إن دنوت وإن تـبـاعـد ولا تقـل الـذي تـدريه فـيه ........ تكن ممن عن الحسنى تقاعـد فكم في الخدر أبهى من عروسه ........ ولكن للعروس الدهر سـاعـد فلما سمع سلسان هذا الكلام وفهم الشعر والنظام قام مغضباً من عندها وقال : لولا أني أعرف أنك تمزحين لعلوت رأسك بالسيف وأخمدت أنفاسك . فقالت نزهة الزمان : حيث غضبت مني فأنا أمزح معك . ثم وثبت إليه وقبلت رأسه ويديه وقالت له : الصواب ما تراه وسوف أتدبر أنا وأنت في حيلة نقتله بها . فلما سمع منها هذا الكلام فرح وقال لها : عجلي بالحيلة وفرجي كربتي فلقد ضاق علي باب الحيل . فقالت له : سوف أتحيل لك على إتلاف مهجته . فقال لها : بأي شيء ? فقالت له : بجاريتنا التي اسمها باكون فإنها بالمكر ذات فنون . وكانت هذه الجارية من أنحس العجائز وعدم الخبث في مذهبها غير جائز وكانت ربت كان ما كان وقضي فكان غير أن كان ما كان يميل إليها كثيراً ومن فرط ميله كان ينام تحت رجليها . فلما سمع الملك سلسان من زوجته هذا الكلام قال : إن هذا الرأي هو الصواب . ثم أحضر الجارية باكون وحدثها بما جرى وأمرها أن تسعى في قتله ووعدها بكل جميل ، فقالت له : أمرك مطاع ولكن أريد يا مولاي أن تعطيني خنجراً قد سقي بماء الهلاك لأعجل لك بإتلافه . فقال لها سلسان : مرحباً بك . ثم أحضر لها خنجراً يكاد أن يسبق القضاء وكانت هذه الجارية قد سمعت الحكايات والأشعار وتحفظ النوادر والأخبار فأخذت الخنجر وخرجت من الديار مفكرة فيما يكون به الدمار وأتت إلى كان ما كان وهو قاعد ينتظر وعد السيدة قضي فكان وكان في تلك الليلة قد تذكر بنت عمه قضي فكان فالتهبت من حبها في قلبه النيران . فبينما هو كذلك وإذا بالجارية باكون داخلة عليه وهي تقول : آن أوان الوصال ومضت أيام الإنفصال . فلما سمع ذلك قال لها : كيف حال قضي فكان ؟ فقالت له باكون : اعلم أنها مشتغلة بحبك . فعند ذلك قام كان ما كان إليها وخلع أثوابها عليها ووعدها بكل جميل فقالت له : اعلم أنني أنام عندك الليلة وأحدثك بما سمعت من الكلام وأسليك بحديث كل متيم أمرضه الغرام . فقال لها كان ما كان : حدثيني بحديث يفرح به قلبي ويزول به كربي . فقالت له باكون : حباً وكرامةً . ثم جلست إلى جانبه وذلك الخنجر من داخل أثوابها ، فقالت له : اعلم أن أعذب ما سمعت أذني أن رجلاً كان يعشق الملاح وصرف عليهن ماله حتى افتقر وصار لا يملك شيئاً فضاقت عليه الدنيا فصار يمشي في الأسواق ويفتش على شيء يقتات به بينما هو ماش وإذا بقطعة مسمار شكته في إصبعه فسال دمه فقعد ومسح الدم وعصب إصبعه ثم قال وهو يصرخ ، حتى جاز على الحمام ودخلها ثم قلع ثيابه فلما صار داخل الحمام وجدها نظيفة فجلس على الفسقية وما زال ينزح الماء على رأسه إلى أن تعب .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:09 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الرابعة والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز الماكره باكون قالت لكان ما كان : ثم خرج إلى الحوض البارد فلم يجد أحداً فاختلى بنفسه وأطلع قطعة حشيش وبلعها فساحت في مخه فانقلب على الرخام وخيل له الحشيش أن مهتاراً كبيراً يكبسه وعبدين واقفان على رأسه واحد معه الطاسة والآخر معه آلة الحمام وما يحتاج إليه البلان فلما رأى ذلك قال في نفسه : كأن هؤلاء غلطوا في أو من طائفتنا الحشاشين . ثم إنه مد رجليه فتخيل له أن البلان قال له : يا سيدي قد أزف الوقت على طلوعك ، واليوم نوبتك . فضحك وقال في نفسه : ما شاء الله يا حشيش . ثم قعد وهو ساكت ، فقام البلان وأخذ بيده وأدار على وسطه مئزراً من الحرير الأسود ومشى وراءه العبدان بالطاسات والحوائج ولم يزالا به حتى أدخلاه الخلوة ، وأطلقا فيها البخور فوجدها ملآنة من سائر الفواكه والمشموم ، وشقا له بطيخة وأجلساه على كرسي من الآبنوس ووقف البلان يغسله والعبدان يصبان الماء ثم دلكوا دلكاً جيداً وقالوا له : يا مولانا الصاحب نعيم دائم . ثم خرجوا وردوا عليه الباب . فلما خيل له ذلك قام ورفع المئزر من وسطه وصار يضحك إلى أن غشي عليه واستمر ساعة يضحك ، ثم قال في نفسه : ما لهم يخاطبونني خطاب الوزير ويقولون : يا مولانا الصاحب فلعل الأمر التبس عليهم في هذه الساعة بعد ذلك يعرفونني ويقولون هذا زليط ويشبعون صكاً في رقبتي . ثم إنه استحمى وفتح الباب ، فتخيل له أن مملوكاً صغيراً وطواشياً قد دخلا عليه فالمملوك معه بقجة ففتحها وأخرج منها ثلاث فوط من الحرير فرمى الأولى على رأسه والأخرى على أكتافه وحزمه بالثالثة ، وقدم له الطواشي قبقاباً فلبسه وأقبلت عليه مماليكه وطواشيه وصاروا يستندونه وكل ذلك حصل وهو يضحك إلى أن خرج وطلع الليوان فوجد فرشاً عظيماً ، لا يصلح إلا للملوك وتبادرت إليه الغلمان وأجلسوه على المرتبة وصاروا يكبسونه ، حتى غلب عليه النوم . فلما نام رأى في حضنه صبية فباسها ووضعها بين فخذيه وجلس منها مجلس الرجل من المرأة وسحبها وعصرها تحت عنده وإذا بواحد يقول : إنتنبه يا زليط قد جاء الظهر وأنت نائم . ففتح عينيه فوجد نفسه على الحوض البارد وحوله جماعة يضحكون عليه والفوطة انحلت من وسطه وتبين له أن كل هذا أضغاث أحلام أو تخيلات حشيش فاغتم ونظر إلى الذي نبهه وقال : كنت اصبر حتى أنتهي من الحلم . فقال له الناس : أما تستحي يا حشاش وأنت نائم هكذا . وصكوه حتى احمر قفاه وهو جيعان وقد ذاق طعم السعادة في المنام . فلما سمع كان ما كان من الجارية هذا الكلام ضحك حتى استلقى على قفاه وقال لباكون : يا دادتي إن هذا حديث عجيب فإني ما سمعت مثل هذه الحكاية فهل عندك غيرها ? فقالت العجوز الماكره باكون : نعم . ثم إنها لم تزل تحدث كان ما كان بمخاوف حكايات ونوادر مضحكات حتى غلبه النوم ولم تزل تلك الجارية جالسة عند رأسه حتى مضى غالب الليل فقالت في نفسها : هذا وقت تجوز الفرصة ثم نهضت وسلت الخنجر ووثبت على كان ما كان وأرادت ذبحه وإذ بأم كان ما كان دخلت عليهما فلما رأتها باكون قامت لها واستقبلتها ، ثم لحقها الخوف فصارت تنتفض كأنها الحمى فلما رأتها أم كان ما كان تعجبت ونبهت ولدها من النوم . فلما استيقظ وجد أمه جالسة فوق رأسه وكان السبب في حياته مجيئها وسبب مجيء أمه أن قضي فكان سمعت الحديث والإتفاق على قتله فقالت لأمه : يا زوجة العم الحقي ولدك قبل أن تقتله العاهرة باكون . وأخبرتها بما جرى من أوله إلى آخره فخرجت وهي لا تعقل شيئاً حتى دخلت في الساعة التي نام فيها وهمت باكون عليه تريد ذبحه فلما استيقظ قال لأمه : لقد جئت يا أمي في وقت طيب ودادتي باكون حاضرة عندي في تلك الليلة . ثم التفت إلى باكون وقال لها : بحياتي عليك هل تعرفين حكاية أحسن من هذه الحكاية التي جدلتيني بها ? فقالت له باكون : وأين ما حدثتك به سابقاً مما أحدثك به الآن فإنه أعذب وأغرب ولكن أحكيه لك في غير هذا الوقت . ثم قامت باكون وهي لا تصدق بالنجاة فقال لها : مع السلامة . ولمحت بمكرها أن أمه عندها خبر بما حصل فذهبت إلى حالها . فعند ذلك قالت له والدته : يا ولدي هذه ليلة مباركة حيث نجاك الله من الملعونة . فقال لها : وكيف ذلك ? فأخبرته بالأمر من أوله إلى آخره فقال لها : يا والدتي الحي ما له قاتل وإن قتل لا يموت ولكن الأحوط لنا أن نرحل عن هؤلاء الأعداء والله يفعل ما يريد . فلما أصبح الصباح خرج كان ما كان من المدينة واجتمع بالوزير دندان ، وبعد خروجه حصلت أمور بين الملك سلسان ونزهة الزمان أوجبت خروج نزهة الزمان أيضاً من المدينة فاجتمعت بهم واجتمع عليهم جميع أرباب دولة الملك سلسان الذين يميلون إليهم فجلسوا يدبرون الحيلة ، فاجتمع رأيهم على غزو ملك الروم وأخذ الثأر فلما توجهوا إلى غزو ملك الروم وقعوا في أسر الملك رومزان بعد أمور يطول شرحها كما يظهر من السياق . فلما أصبح الصباح أمر الملك رومزان أن يحضر كان ما كان والوزير دندان وجماعتهما فحضروا بين يديه وأجلسهم بجانبه وأمر بإحضار الموائد فأكلوا وشربوا واطمأنوا بعد أن أيقنوا بالموت لما أمر بإحضارهم ، وقالوا لبعضهم : إنه ما أرسل إلينا إلا لأنه يريد قتلنا . وبعد أن اطمأنوا قال لهم : إني رأيت مناماً قصصته على الرهبان فقالوا : ما يفسره لك إلا الوزير دندان . فقال الوزير دندان : خير ما رأيت يا ملك الزمان . فقال له الملك : أيها الوزير رأيت إني في حفرة على ضفة بئر أسود وكان قوماً يعذبونني فأردت القيام فلما نهضت وقفت على أقدامي وما قدرت على الخروج من تلك الحفرة ، ثم التفت فيها فرأيت فيها منطقة من ذهب فمددت يدي لآخذها فلما رفعتها من الأرض رأيتها منطقتين فشددت وسطي بهما فإذا هما قد صارتا منطقة وحدة وهذا أيها الوزير منامي والذي رأيته في لذيذ أحلامي . فقال له الوزير دندان : اعلم يا مولانا أن رؤياك تدل على أن لك أخاً أو ابن أخ أو ابن عم أو أحد يكون من أهلك من دمك ولحمك وعلى كل حال هو من العصب . فلما سمع الملك هذا الكلام نظر إلى كان ما كان ونزهة الزمان وقضي فكان والوزير دندان ومن معهم من الأساري وقال في نفسه : إذا رميت رقاب هؤلاء انقطعت قلوب عسكرهم بهلاك أصحابهم ورجعت إلى بلادي عن قريب لئلا يخرج الملك من يدي . ولما صمم على ذلك استدعى بالسياف وأمره أن يضرب رقبة كان ما كان من وقته وساعته وإذا بداية الملك قد أقبلت في تلك الساعة فقالت له : أيها الملك السعيد على ماذا عولت ? فقال لها : عولت على قتل هؤلاء الأساري الذين في قبضتي ، وبعد ذلك أرمي رؤوسهم إلى أصحابهم ، ثم أحمل أنا وأصحابي عليهم حملة واحدة فنقتل الذي نقتله ونهزم الباقي وتكون هذه وقعة الإنفصال وأرجع إلى بلادي عن قريب قبل أن يحدث بعد الأمور أمور في مملكتي . فعندما سمعت منه دايته هذا الكلام أقبلت عليه وقالت له بلسان الإفرنج : كيف يطيب عليك أن تقتل ابن أخيك وأختك وابنة أختك . فلما سمع الملك من دايته هذا الكلام اغتاظ غيظاً شديداً ، وقال لها : يا ملعونة ألم تعلمي أن أمي قد قتلت وأن أبي قد مات مسموماً وأعطيتيني خرزة وقلت لي إن هذه الخرزة كانت لأبيك فلم لا تصدقيني في الحديث ? فقالت له : كل ما أخبرتك به صدق ، ولكن شأني وشأنك عجيب وأمري وأمرك غريب فأنني أنا اسمي مرجانة واسم أمك ابريزة وكانت ذات حسن وجمال وشجاعتها تضرب بها الأمثال واشتهرت بالشجاعة بين الأبطال وأما أبوك فإنه الملك عمر النعمان صاحب بغداد وخراسان من غير شك ولا ريب ولا زحم بالغيب وكان قد أرسل ولده شركان إلى بعض غزواته صحبة هذا الوزير دندان وكان منهم الذي كان ، وكان أخوك الملك شركان تقدم على الجيوش وانفرد وحده عن عسكره فوقع عند أمك الملكة ابريزة في قصرها ونزلنا وإياها في خلوة للصراع فصادفناه ونحن في تلك الحالة فتصارع مع أمك فغلبته لباهر حسنها وشجاعتها ثم استضافته أمك مدة خمسة أيام في قصرها فبلغ أباها ذلك الخبر من العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي وكانت أمك قد أسلمت على يد شركان أخيك فأخذها وتوجه بها إلى مدينة بغداد سراً وكنت أنا وريحانة وعشرون جارية معها وكنا قد أسلمنا كلنا على يد الملك شركان ، فلما دخلنا على أبيك الملك عمر النعمان ورأى أمك الملكة ابريزة وقع في قلبه محبتها فدخل عليها ليلة واختلى بها فحملت بك وكان مع أمك ثلاث خرزات فاعطتها لأبيك فأعطى خرزة لابنته نزهة الزمان ، وأعطى الثانية لأخيك ضوء المكان وأعطى الثالثة لأخيك الملك شركان فأخذته منه الملكة ابريزة وحفظتها لك فلما قربت ولادتها اشتاقت أمك إلى أهلها واطلعتني على سرها فاجتمعت بعبد أسود يقال له الغضبان وأخبرته بالخبر سراً ورغبته في أن يسافر معنا فأخذنا العبد وطلع بنا من المدينة وهرب بنا وكانت أمك قربت ولادتها . فلما دخلنا على أوائل بلادنا في مكان منقطع أخذ أمك الطلق بولادتها ، فحدث العبد نفسه بالزنا فأتى أمك فلما قرب منها راودها على الفاحشة فصرخت عليه صرخة عظيمة وانزعجت منه فمن عظم انزعاجها ، وضعتك حالاً وكان في تلك الساعة قد طلع علينا في البر من ناحية بلادنا غبار قد علا وطار حتى سد الأقطار فخشي العبد على نفسه من الهلاك فضرب الملكة ابريزة بسيفه فقتلها من شدة غيظه وركب جواده وتوجه إلى حال سبيله وبعدما راح العبد انكشف الغبار عن جدك الملك حردوب ملك الروم فرأى أمك ابنته وهي في ذلك المكان قتيلة على الأرض جديلة فصعب ذلك عليه ، وكبر لديه وسألني عن سبب قتلها وعن سبب خروجها خفية عن بلاد أبيها فحكيت له جميع ذلك من الأول إلى الآخر وهذا هو سبب العداوة بين أهل الروم وبين أهل بغداد . فعند ذلك حملنا أمك وهي قتيلة ودفناها في قصرها وقد احتملتك أنا وربيتك وعلقت لك الخرزة التي كانت مع أمك الملكة ابريزة ، ولما كبرت وبلغت مبلغ الرجال لم يمكنني أن أخبرك بحقيقة الأمر لأنني لو أخبرتك بذلك لثارت بينكم الحروب وقد أمرني جدك بالكتمان ولا قدرة لي على مخالفة أمر جدك حردوب ملك الروم فهذا سبب كتمان الخبر عنك وعدم إعلامك بأن أباك الملك عمر النعمان . فلما استقللت بالمملكة أخبرتك وما أمكنني أن أعلمك إلا في هذا الوقت يا ملك الزمان وقد كشفت السر والبرهان وهذا ما عندي من الخبر وأنت برأيك أخبر . وكان الأساري قد سمعوا من الجارية مرجانة داية الملك هذا الملك جميعه فصاحت نزهة الزمان من وقتها وساعتها صيحة عظيمة وقالت : هذا الملك رومزان أخي من أبي عمر النعمان وأمه الملكة ابريزة بنت الملك حردوب ملك الروم وأنا أعرف هذه الجارية حق المعرفة . فلما سمع الملك رومزان هذا الكلام أخذته الحدة وصار متحيراً في أمره وأحضر من وقته وساعته نزهة الزمان بين يديه ، فلما رآها حن الدم للدم واستخبرها عن قصته فحكت له فوافق كلامها كلام دايته فصح عند الملك أنه من غير شك ولا ارتياب وأن أباه الملك عمر النعمان فقام من تلك الساعة وحل كتاف أخته نزهة الزمان فتقدمت إليه وقبلت يديه ودمعت عيناها فبكى الملك لبكائها وأخذه حنو الأخوة ومال قلبه إلى ابن أخيه السلطان كان ما كان وقام ناهضاً على قدميه وأخذ السيف من السياف فأيقن الأسارى بالهلاك لما رأوا منه ذلك فأمر بإحضارهم بين يديه وفك وثاقهم وقال لدايته مرجانة : اشرحي حديثك الذي شرحتيه إلى هؤلاء الجماعة . فقالت دايته مرجانة : اعلم أيها الملك أن هذا الشيخ هو الوزير دندان وهو لي أكبر شاهد لأنه يعرف حقيقة الأمر . ثم إنها أقبلت عليهم من وقتها وساعتها وعلى من حضرهم من ملوك الروم وملوك الإفرنج وحدثتهم بذلك الحديث والملكة نزهة الزمان والوزير دندان ومن معها من الأسارى يصدقونها على ذلك ، وفي آخر الحديث لاحت من الجارية مرجانة التفاتة فرأت الخرزة الثالثة بعينها رفيقة الخرزتين اللتين كانتا مع الملكة ابريزة في رقبة السلطان كان ما كان فعرفتها فصاحت صيحة عظيمة دوى لها الفضاء وقالت للملك : يا ولدي اعلم أنه قد زاد في ذلك صدق يقيني لأن هذه الخرزة التي في رقبة هذا الأسير نظير الخرزة التي وضعتها في عنقك وهذا الأسير هو ابن أخيك وهو كان ما كان . ثم إن الجارية التفت إلى كان ما كان وقالت له : أرني هذه الخرزة يا ملك الزمان . فنزعها من عنقه وناولها لتلك الجارية داية الملك رومزان فاخذتها منه ثم سألت نزهة الزمان عن الخرزة الثالثة فأعطتها لها . فلما صارت الخرزتان في يد الجارية ناولتهما للملك رومزان فظهر له الحق والبرهان وتحقق أنه عم السلطان كان ما كان وأن أباه الملك عمر النعمان ، فقام من وقته وساعته إلى الوزير دندان وعانقه ثم عانق الملك كان ما كان وعلا الصياح بكثرة الأفراح ، وفي تلك الساعة انتشرت البشائر ودقت الكاسات والطبول وزمرت الزمور وزادت الأفراح وسمع عساكر العراق والشام ضجيج الروم بالأفراح فركبوا عن آخرهم وركب الملك الزبلكان وقال في نفسه : يا ترى ما سبب هذا الصياح والسرور الذي في عسكر الإفرنج والروم ? وأما عساكر العراق فإنهم قد أقبلوا وعلى القتال عولوا وصاروا في الميدان ومقام الحرب والطعان . فالتفت الملك رومزان فرأى العساكر مقبلين للحرب متهيئين فسأل عن سبب ذلك فأخبروه بالخبر فأمر قضي فكان ابنة أخيه شركان أن تسير من وقتها وساعتها إلى عسكر الشام والعراق وتعلمهم بحصول الاتفاق وأن الملك رومزان ظهر أنه عم السلطان كان ما كان فسارت قضي فكان بنفسها ونفت عنها الشرور والأحزان حتى ولت الملك الزبلكان وسلمت عليه وأعلمته بما جرى من الاتفاق وأن الملك رومزان ظهر أنه عمها وعم كان ما كان وحين أقبلت عليه وجدته باكي العين خائفاً على الأمراء والأعيان فشرحت له القصة من أولها إلى آخرها فزادت أفراحهم وزالت أتراحهم وركب الملك الزبلكان هو وجميع الأكابر والأعيان وسارت قدامهم الملكة قضي فكان حتى أوصلتهم إلى سرادق الملك رومزان ، فلما دخلوا عليه وجدوه جالساً مع ابن أخيه السلطان كان ما كان وقد استشاره هو والوزير دندان في أمر الملك الزبلكان فاتفقوا على أنهم يسلمون إليه مدينة دمشق الشام ويتركونه ملكاً عليها كما كان مثل العادة وهم يدخلون إلى العراق فجعلوا الملك الزبلكان عاملاً على دمشق الشام ، ثم أمروه بالتوجه إليها فتوجه بعساكره إليها ومشوا معه ساعة لأجل الوداع واجتمع العسكران مع بعضهم ، ثم إن الملوك قالوا لبعضهم : ما بقيت قلوبنا تستريح ولا يشفي غيظنا إلا بأخذ الثأر وكشف العار بالإنتقام من العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي . فعند ذلك سار الملك رومزان مع خواصه وأرباب دولته وفرح السلطان كان ما كان بعمه الملك رومزان ودعا للجارية مرجانة حيث عرفتهم ببعضهم ثم ساروا ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى أرضهم فسمع الحاجب الكبير سلسان فطلع وقبل يد الملك رومزان فخلع عليه ، ثم إن الملك رومزان جلس وأجلس ابن أخيه السلطان كان ما كان إلى جانبه ، فقال كان ما كان لعمه الملك رومزان : يا عم ما يصلح هذا الملك إلا لك . فقال له الملك رومزان : معاذ الله أن أعارضك في ملكك . فعند ذلك أشار إليهما الوزير دندان أن يكون الاثنان في الملك سواء وكل واحد يحكم يوماً فارتضيا بذلك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:10 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الخامسة والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أنهما اتفقا على أن كل واحد يحكم يوماً واحداً ، ثم أولموا الولائم وذبحوا الذبائح وزادت بهم الأفراح وأقاموا على ذلك مدة من الزمان كل ذلك والسلطان كان ما كان يقطع ليله مع بنت عمه قضي فكان ، وبعد تلك المدة بينما وهم قاعدون فرحون بهذا الأمر وانصلاح الشأن إذ ظهر لهم غبار قد علا وطار حتى سد الأقطار وقد أتى إليهم من التجار صارخ يستغيث وهو يصيح ويقول : يا ملوك الزمان كيف أسلم في بلاد الكفار وأنهب في بلادكم وهي بلاد العدل والأمان ? فأقبل عليه الملك رومزان وسأله عن حاله فقال له : أنا تاجر من التجار ولي غائب عن الأوطان مدة مديدة من الزمان واستغرقت في البلاد نحو عشرين سنة من الأعوام وأن معي كتاباً من مدينة دمشق كان قد كتبه إلي المرحوم الملك شركان وسبب ذلك أنني أهديت له جارية ، فلما قربت من تلك البلاد وكان معي مائة حمل من تحف الهند وأتيت بها إلى بغداد التي هي حرمكم ومحل أمنكم وعدلكم خرجت علينا عربان ومعهم أكراد مجتمعة من جميع البلاد فقتلوا رجالي ونهبوا أموالي وهذا شرح حالي . ثم إن التاجر بكى بين يد الملك رومزان وحوقل واشتكى فرحمه الملك ورق إليه وكذلك رحمه ابن أخيه الملك كان ما كان وحلفوا أنهم يخرجون إليه فخرجوا إليه في مائة فارس كل فارس يعد بين الرجال بألوف وذلك التاجر سار أمامهم يدلهم على الطريق ، ولم يزالوا سائرين ذلك النهار وطول الليل إلى السحر حتى أشرفوا على واد غزير الأنهار كثير الأشجار فوجد القوم قد تفرقوا في ذلك وقسموا بينهم أحمال ذلك التاجر وبقي البعض فأطبق عليهم المائة فارس وأحاطوا بهم من كل مكان وصاح عليهم الملك رومزان وابن أخيه كان ما كان ، فما كان غير ساعة حتى أسروا الجميع وكانوا ثلاثمائة فارس مجتمعين من أوباش العربان فلما أسروهم أخذوا ما معهم من مال التاجر وشدوا وثاقهم وطلعوا بهم إلى مدينة بغداد ، فعند ذلك جلس الملك رومزان هو وابن أخيه الملك كان ما كان على تخت واحد مع بعضهما ثم عرضوا الجميع بين أيديهما وسألاهم عن حالهم وعن كبارهم فقالوا : ما لنا كبار سوى ثلاثة أشخاص وهم الذين جمعونا من سائر النواحي والأقطار . فقالا لهم : ميزونا بأعيانهم . فميزوهم لهما فأمر بالقبض عليهم وإطلاق بقية أصحابهم بعد أخذ جميع ما معهم من الأموال وتسليمه للتاجر ، فتفقد التاجر قماشه وماله فوجده قد هلك ربعه فوعدوه أنهم يعوضون له جميع ما ضاع منه ، فعند ذلك أخرج التاجر كتابين أحدهما بخط شركان والآخر بخط نزهة الزمان وقد كان التاجر اشترى نزهة الزمان من البدوي وهي بكر وقدمها لأخيها شركان وجرى بينهما ما جرى ، ثم سمع أن الملك كان ما كان وقف على الكتابين وعرف خط عمه شركان وسمع حكاية عمته نزهة الزمان فدخل بذلك الكتاب الثاني الذي كانت كتبته للتاجر الذي ضاع منه المال وأخبرها كان ما كان بقصة التاجر من أولها إلى آخرها فعرفته نزهو الزمان وعرفت خطها ، وأخرجت للتاجر الضيافات وأوصت عليه أخاها الملك رومزان وابن أخيها الملك كان ما كان فأمر له بأموال وعبيد وغلمان من أجل خدمته وأرسلت إليه نزهة الزمان مائة ألف درهم من المال وخمسين حملاً من البضائع وقد أتحفته بهدايا وأرسلت إليه تطلبه . فلما حضر طلعت وسلمت عليه وأعلمته أنها بنت الملك عمر النعمان وأن أخاها الملك رومزان وابن أخيها الملك كان ما كان ففرح التاجر بذلك فرحاً شديداً وهنأها بسلامتها واجتماعها بأخيها وابن أخيها وقبل يديها وشكرها على فعلها وقال لها : والله ما ضاع الجميل معك . ثم دخلت إلى خدرها وأقام التاجر عندهم ثلاثة أيام ، ثم ودعهم ورحل إلى الشام وبعد ذلك أحضر الملوك الثلاثة أشخاص اللصوص الذين كانوا رؤساء قطاع الطريق وسألوهم عن حالهم فتقدم واحد منهم وقال : اعلموا أني رجل بدوي أقف في الطريق لأخطف الصغار والبنات البكار وأبيعهم للتجار ودمت على ذلك مدة من الزمان إلى هذه الأيام وأغراني الشيطان فاتفقت مع هذين الشقيين على جمع الأوباش من الأغراب والبلدان لأجل نهب الأموال وقطع طريق التجار . فقلوا له : احك لنا على أعجب ما رأيت في خطفك الصغار والبنات . فقال لهم : أعجب ما جرى لي يا ملوك الزمان أنني من مدة اثنتين وعشرين سنة خطفت بنتاً من بيت المقدس ، ذات يوم من الأيام وكانت تلك البنت ذات حسن وجمال غير أنها كانت خدامة وعليها أثواب خلقة وعلى رأسها قطعة عباءة فرأيتها قد خرجت من الخان فخطفتها بحيلة في تلك الساعة ، وحملتها على جمل وسقت بها ، وكان أملي في أنني أذهب بها إلى أهلي في البرية وأجعلها عندي ترعى الجمال وتجمع البعر من الوادي فبكت بكاءً شديداً فدنوت منها وضربتها ضرباً وجيعاً وأخذتها إلى مدينة دمشق فرآها معي تاجر فتحير عقله لما رآها وأعجبته فصاحتها وأراد اشتراءها مني ولم يزل يزيدني في ثمنها حتى بعتها له بألف درهم ، فعندما طلبتها له رأيت منها فصاحة عظيمة وبلغني أن التاجر كساها كسوة مليحة وقدمها إلى صاحب دمشق فأعطاه قدر المبلغ الذي دفعه إلي مرتين وهذا يا ملوك الزمان أعجب ما جرى ، ولعمري إن ذلك الثمن قليل في تلك البنت . فلما سمع الملوك هذه الحكاية ولما سمعت نزهة الزمان من البدوي ما حكاه صار الضياء في وجهها ظلاماً وصاحت وقالت لأخيها رومزان : إن هذا البدوي الذي خطفني من بيت المقدس بعينه من غير شك . ثم إن نزهة الزمان حكت لهم جميع ما جرى لها معه في غربتها من الشدائد والضرب والجوع والذل والهوان ، ثم قالت لهم : الآن حل لي قتله . ثم جذبت السيف وقامت إلى البدوي لقتله وإذا هو صاح وقال : يا ملوك الزمان لا تدعوها تقتلني حتى احكي لكم ما جرى لي من العجائب . فقال لها ابن أخيها كان ما كان : يا عمتي دعيه يحكي لنا حكاية وبعد ذلك افعلي ما تريدين . فرجعت عنه فقال له الملوك : الآن احك لنا حكاية . فقال البدوي : يا ملوك الزمان إن حكيت لكم حكاية عجيبة تعفوا عني . قالوا له : نعم . فابتدأ البدوي يحدثهم بأعجب ما وقع له وقال : اعلموا أني من مدة يسيرة أرقت ليلة أرقاً شديداً وما صدقت أن الصباح طلعت حتى قمت من وقتي وساعتي وتقلدت بسيفي وركبت جوادي واعتقلت رمحي وخرجت أريد الصيد والقنص ، فواجهني جماعة في الطريق فسألوني عن قصدي فأخبرتهم به فقالوا : ونحن رفقاؤك فنزلنا كلنا مع بعضنا فبينما نحن سائرون وإذا بنعامة ظهرت لنا فقصدناها ففرت من بين أيدينا وهي فاتحة أجنحتها ولم تزل شاردة ونحن خلفها إلى الظهر حتى رمتنا في برية لا نبات فيها ولا ماء ولا نسمع فيها غير صفير الحيات وزعيق الجان وصريخ الغيلان . فلما وصلنا إلى ذلك المكان غابت عنا فلم ندر أفي سماء طارت أم في الأرض غارت فرددنا رؤوس الخيل وأردنا الرواح ، ثم رأيت أن الرجوع في هذا الوقت الشديد الحر لا خير فيه ولا إصلاح وقد اشتد علينا الحر وعطشنا عطشاً شديداً ووقفت خيولنا فأيقنا بالموت . فبينما نحن كذلك إذ نظرنا من بعيد مرجاً أفيح فيه غزلان تمرح وهناك خيمة مضروبة وفي جابن الخيمة حصان مربوط وسنان يلمع على رمح مركوز فانتعشت نفوسنا من بعد اليأس ورددنا رؤوس خيلنا نحو تلك الخيمة نطلب ذلك المرج والماء وتوجه إليه جميع أصحابي وأنا في أولهم ولم نزل سائرين حتى وصلنا إلى ذلك المرج فوقفنا على عين فشربنا وسقينا خيلنا فأخذتني حمية الجاهلية وقصدت باب ذلك الخباء فرأيت فيه شاباً لا نبات بعارضيه وهو كأنه هلال وعن يمينه جارية هيفاء كأنها قضيب بان ، فلما نظرت إليها وقعت محبتها في قلبي فسلمت على ذلك الشاب فرد علي السلام فقلت : يا أخا العرب أخبرني من أنت وما تكون لك تلك الجارية التي عندك ? فأطرق الشاب رأسه إلى الأرض برهة ثم رفع رأسه وقال : أخبرني من أنت وما الخيل التي معك ? فقلت له : أنا حماد بن الفزاري الفارس الموصوف الذي أعد بين العرب بخمسمائة فارس ونحن خرجنا من محلنا نريد الصيد والقنص فأدركنا العطش فقصدت أنا باب تلك الخيمة لعلي أجد عندكم شربة ماء . فلما سمع مني ذلك الكلام التفت إلى جارية مليحة وقال : ائتي إلى هذا الرجل بالماء وما حصل من الطعام . فقامت الجارية تسحب أذيالها والحجال الذهب تخشخش في رجليها وهي تتعثر في شعرها وغابت قليلاً ثم أقبلت وفي يدها اليمنى إناء من فضة مملوء ماء بارد وفي يدها اليسرى قدح ملآن تمراً ولبناً وما حضر من لحم الوحوش فما استطعت أن آخذ من الجارية طعاماً ولا شراباً من شدة محبتي لها فتمثلت بهذين البيتين وقلت : كأن الخضاب علـى كـفـهـا ........ غراب على ثـلـجة واقـف ترى الشمس والبدر من وجهها ........ قريبـين خـاف وذا خـائف ثم قلت للشاب بعد أن أكلت وشربت : يا وجيه العرب اعلم أني أوقفك على حقيقة خبري وأريد أن تخبرني بحالك وتوقفني على حقيقة خبرك . فقال الشاب : أما هذه الجارية فهي أختي . فقلت له : أريد أن تزوجني بها طوعاً وإلا أقتلك وآخذها غصباً . فعند ذلك أطرق الشاب رأسه إلى الأرض ساعة ثم رفع بصره إلي وقال لي : لقد صدقت في دعواك أنك فارس معروف وبطل موصوف وأنك أسد البيداء ولكن إن هجمتم علي غدراً وقتلتموني قهراً وأخذتم أختي فإن هذا يكون عاراً عليكم ، وإن كنتم على ما ذكرتم من أنكم فرسان تعدون من الأبطال ولا تبالون بالحرب والنزال فأمهلوني قليلاً حتى ألبس آلة حربي وأتقلد سيفي وأعتقل برمحي وأركب فرسي وأصير وإياكم في ميدان الحرب فإن ظفرتم بي وقتلتموني فهذه الجارية أختي لكم . فلما سمعت منه هذا الكلام قلت له : إن هذا هو الإنصاف وما عندنا خلاف . ثم رددت رأس جوادي إلى خلفي وقد زاد بي الجنون في محبة تلك الجارية ورجعت إلى أصحابي ووصفت لهم حسنها وجمالها وحسن الشاب الذي عندها وشجاعته وقوة جنانه وكيف أنه يصادم ألف فارس ، ثم أعلمت أصحابي بجميع ما في الخباء من الأموال والتحف وقلت لهم : اعلموا أن هذا الشاب ما هو منقطع في تلك الأرض إلا لكونه ذا شجاعة عظيمة وأنا أوصيكم أن كل من يقتل هذا الغلام يأخذ أخته . فقالوا : رضينا بذلك . ثم إن أصحابي لبسوا آلة حربهم وركبوا خيولهم وقصدوا الغلام فوجدوه قد لبس آلة حربه وركب جواده ووثبت إليه أخته وتعلقت بركابه وبلت برقعها بدموعها وهي تنادي بالويل والثبور من خوفها على أخيها وتنشد هذه الأبيات : إلى الله أشكـو مـحـنة وكـآبة ........ لعل إله العرش يرهقهم رعبـا يريدون قتلاً يا أخـي تـعـمـدا ........ ولا شيء من قبل القتال ولا ذنبا وقد عرف الأبطال أنـك فـارس ........ وأشجع من حل المشارق والغربا تحامي من الأخت التي قل عزمها ........ فأنت أخوها وهي لك تدعو الربّا فلا تترك الأعداء تملك مهجتـي ........ وتأخذني قهراً وتأسرني غصبـا ولست وحق الله أبقـى بـبـلدة ........ وأسكن لحداً فيه أفترش التربـا فلما سمع أخوها شعرها بكى بكاءً شديداً ورد جواده إلى أخته وأجابها على شعرها بقوله : قفي وانظري مني وقوع عجائب ........ إذا ما التقينا حين أثخنهم ضربا وإن برز الليث المقـدم فـيهـم ........ وأشجعهم قلباً وأثبتـهـم لـبـا سأسقيه مني ضربة ثعـلـبـية ........ وأترك الرمح يستغرق الكعبـا وإن لم أقاتل عنك أختـي فليتني ........ قتيل وليت الطير تنهبني نهبا أقاتل عنك ما استطعت تكرمــا ........ هذا حديث بعدنا يملأ الكتبـا فلما فرغ من شعره قال : يا أختي اسمعي ما أقول لك وما أوصيك به . فقالت له : سمعاً وطاعة . فقال لها : إن هلكت فلا تمكني أحداً من نفسك . فعند ذلك لطمت على وجهها وقالت : معاذ الله أن أراك صريعاً وأمكن الأعداء مني . فعند ذلك مد الغلام يده إليها وكشف برقعها عن وجهها فلاحت لنا صورتها كالشمس من تحت الغمام فقبلها بين عينيها وودعها وبعد ذلك التفت وقال لنا : يا فرسان هل أنتم ضيفان أو تريدون الضرب والطعان ، فإن كنتم ضيفاناً فأبشروا بالقرى وإن كنتم تريدون القمر الزاهر فليبرز لي منكم فارس بعد فارس في هذا الميدان ومقام الحرب والطعان . فعند ذلك برز إليه شجاع فقال له الشاب : ما اسمك وما اسم أبيك فإني حالف أني ما أقتل من اسمه موافق لاسمي واسم أبيه موافق لاسم أبي ، فإن كنت بهذا الوصف فقد سلمت إليك الجارية . فقال له الفارس : اسمي بلال . فأجابه الشاب بقوله : كذبت في قولك مـن بـلال ........ وجئت بالزور وبالمـحـال إن كنت شهماً فاستمع مقالي ........ مجندل الأبطال في المجـال وصارمي ماض كما الهـلال ........ فاصبر لطعن مرجف الجبال ثم حملا على بعضهما فطعنه الشاب في صدره فخرج السنان من ظهره ثم برز إليه واحد فقال الشاب : يا أيها الكلب وخيم الرجـس ........ فأين عال سعره من بخـس وإنما الليث الكريم الجنـس ........ من لم يبال في الوغى بنفس ثم لم يمهله الشاب دون أن تركه غريقاً في دمه ، ثم نادى الشاب : هل من مبارز ? فبرز إليه واحد فانطلق على الشاب وجعل يقول : إليك أقبلت وفي قلبي لـهـب ........ منه أنادي عند صحبي بالحرب لما قتلت اليوم سادات العـرب ........ فاليوم لا تلقى فكاكاً من طلب فلما سمع الشاب كلامه أجاب بقوله : كذبت بئس أنت من الشيطان ........ قد جئت بالزور والبهتـان اليوم تلقى فاتك الـسـنـان ........ في موقف الحرب والطعان ثم طعنه في صدره فطلع السنان من ظهره ، ثم قال : هل من مبارز ? فخرج إليه الرابع وسأله الشاب عن اسمه فقال له الفارس : اسمي هلال . فأنشد يقول : أخطأت إذا أردت خوض بحري ........ وجئت بالزور وكـل أمـري أنا الذي تسمع مني شـعـري ........ أختلس النفس ولسـت تـدري ثم حملا على بعضهما واختلف بينهما ضربتا فكانت ضربة الشاب هي السابقة إلى الفارس فقتله وصار كل من نزل إليه يقتله ، فلما نظرت أصحابي قد قتلوا قلت في نفسي : إن نزلت إليه في الحرب لم أطقه وإن هربت أبقى معيرة بين العرب . فلم يمهلني الشاب دون أن انقض علي وجذبني بيده فأطاحني من سرجي فوقعت مغشياً علي ورفع سيفه وأراد أن يضرب عنقي فتعلقت باذياله فحملني بكفه فصرت معه كالعصفور ، فلما رأت ذلك الجارية فرحت بفعل أخيها وأقبلت عليه وقبلته بين عينيه ، ثم إنه سلمني إلى أخته وقال لها : دونك وإياه وأحسني مثواه لأنه دخل في زمامنا . فقبضت الجارية على أطواق درعي وصارت تقودني كما تقود الكلب وفكت عن أخيها لامة الحرب وألبسته بدلة ونصبت له كرسياً من العاج فجلس عليها وقالت له : بيض الله عرضك وجعلك عدة للنائبات فأجابها بهذه الأبيات : تقول وقد رأت في الحرب أختي ........ لوامع غرتي مثل الـشـعـاع ألا لـلـه درك مـن شـجـاع ........ تذل لحربـه أسـد الـبـقـاع فقلت لها سلي الأبطال عـنـي ........ إذا ما فـر أربـاب الـقـراع أنا المعروف في سعدي وجـدي ........ وعزمي قد علا أي ارتـفـاع أيا حماد قد نـازلـت جـيشـاً ........ يريك الموت يسعى كالأفاعـي فلما سمعت شعره حرت في أمري ونظرت إلى حالتي وما صرت إليه من الأسر وتصاغرت إلى نفسي ، ثم نظرت إلى الجارية أخت الشاب وإلى حسنها فقلت في نفسي : هذه هي الفتنة . وصرت أتعجب من جمالها ، وأجريت العبرات وأنشدت هذه الأبيات : خليلي كف عن لومي وعذلـي ........ فإنني للـمـلامة غـير واع كلفت بـغـادة لـم تـبـد إلا ........ أن دعتني في محبتها الدواعي أخوها في الهوى أمسى رقيبي ........ وصاحب همة وطويل بـاع ثم إن الجارية أحضرت لأخيها الطعام فدعاني إلى الأكل معه ففرحت وأمنت على نفسي من القتل ، ولما فرغ أخوها من الأكل أحضرت له آنية المدان ، ثم إن الشاب أقبل على المدام وشرب حتى شعشع المدام في رأسه واحمر وجهه ، فالتفت إلي وقال : أنا عابد بد تميم بن ثعلبة ، إن الله وهب لك نفسك وأبقى عليك عرسك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:10 pm | |
| تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان وبداية حكايات تتعلق بالطيور
الليلة السادسة والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن البدوي حماد قال : ثم أن عابد بن تميم بن ثعلبة قال لي : إن الله وهب لك نفسك وأبقى عليك عرسك . وحياني بقدح شربته وحياني بثان وثالث ورابع فشربت الجميع ونادمني وحلفني أني لا أخونه فحلفت له ألفاً وخمسمائة يمين أني لا أخونه قط بل أكون له معيناً . فعند ذلك أمر أخته أن تأتيني بعشر خلع من الحرير وهذه بدلة منها على جسدي وأمرها أن تأتيني بناقة من أحسن النياق فاتتني بناقة محملة من التحف والزاد وأمرها أن تحضر لي الحصان الأشقر فأحضرته لي ثم وهب لي جميع ذلك وقمت عندهم ثلاثة أيام قال لي : يا أخي حماد أريد أن أنام قليلاً لأريح نفسي وقد استأمنت على نفسي وإن رأيت خيلاً ثائرة فلا تفزع منها واعلم أنهم من ثعلبة يطلبون حربي ، ثم توسد رأسه ونام . فلما استغرق في النوم وسوس لي إبليس بقتله فقمت بسرعة وجذبت سيفه من تحت رأسه وضربته ضربة أطحت برأسه عن جثته فعلمت بي أخته فوثبت من جانب الخباء ورمت بنفسها على أخيها وشقت عليها الثياب وأنشدت هذه الأبيات : إلى الأهل بلغ ذا الشآم الـخـبـر ........ وما لامرئ مما الحكيم قضى مفر وأنت صريع يا أخـي متـجـنـدل ........ ووجهك يحكي حسنه دورة القمر لقد كان يوم الشؤم يوم لـقـبـته ........ ورمحك بعد اطراد قد انكـسـر وبعدك لا يرتاح للـخـيل راكـب ........ ولا تلد الأنثى نظيرك مـن ذكـر وأصبح حماد لـك الـيوم قـاتـلاً ........ وقد خان أيماناً وبالعهد قد غـدر يريد بـهـذا أن ينـال مــراده ........ لقد كذب الشيطان في كل ما أمر فلما فرغت من شعرها قالت : يا ملعون الجدين لماذا قتلت أخي وخنته وكان مراده أن يردك إلى بلادك بالزاد والهدايا وكان مراده أن يزوجني لك في أول الشهر . ثم جذبت سيفاً كان عندها وجعلت قائمه في الأرض وطرفه في صدرها وانحنت عليه حتى طلع من ظهرها فخرت على الأرض ميتة فحزنت عليها وندمت حيث لا ينفع الندم وبكيت ، ثم قمت مسرعاً إلى الخباء وأخذت ما خف حمله وغلا ثمنه وسرت إلى حال سبيلي ، ومن خوفي وعجلتي لم ألتفت إلى أحد من أصحابي ولا دفنت الصبية ولا الشاب ، وهذه الحكاية أعجب من حكايتي الأولى مع البنت الخادمة التي خطفتها من بيت المقدس . فلما سمعت نزهة الزمان من البدوي هذا الكلام تبدل النور في عينيها بالظلام وقامت وجردت السيف وضربت به البدوي على عاتقه فأطلعته من علائقه فقال لها الحاضرون : لأي شيء استعجلت على قتله ? فقالت : الحمد لله الذي فسح من أجلي حتى أخذت ثأري بيدي . ثم أنها أمرت العبيد أن يجروه من رجليه ويرموه للكلاب وبعد ذلك أقبلوا على الاثنين الباقيين من الثلاثة وكان أحدهم عبداً أسود فقالوا له : ما اسمك أنت فأصدقنا في حديثك . قال العبد : اسمي الغضبان . وأخبرهم بما وقع له مع الملكة ابريزة بنت الملك حردوب ملك الروم وكيف قتلها وهرب ، فلم يتم العبد كلامه حتى رمى الملك رومزان رقبته بالحسام . وقال : الحمد لله الذي أحياني وأخذت ثأر أمي بيدي . وأخبرهم أن دايته مرجانة حكت له عن هذا العبد الذي اسمه الغضبان ، وبعد ذلك أقبلوا على الثالث وكان هو الجمال الذي اكتراه بيت المقدس إلى حمل ضوء المكان وتوصيله إلى المارستان الذي في دمشق الشام فذهب به وألقاه في المستوقد وذهب في حال سبيله ، ثم قالوا له : أخبرنا أنت بخبرك وأصدق في حديثك فحكى لهم جميع ما وقع له مع السلطان ضوء المكان وكيف حمله من بيت المقدس بالدراهم وهو ضعيف على أن يوصله إلى الشام ويرميه بالمارستان وكيف جاء له أهل المقدس بالدراهم فأخذها وهرب بعد أن رماه في مستوقد الحمام . فلما أتم كلامه أخذ السلطان كان ما كان السيف وضربه فرمى عنقه وقال : الحمد لله الذي أحياني حتى جازيت هذا الخائن بما فعل مع أبي ، فإني قد سمعت هذه الحكاية بعينها من والدي السلطان ضوء المكان . فقال الملوك لبعضهم : ما بقي علينا إلا العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي فإنها سبب هذه البلايا حيث أوقعنا في الرزايا ومن لنا بها حتى نأخذ منها الثأر ونكشف العار . فقال لهم الملك رومزان عم كان ما كان : لابد من حضورها . ثم إن الملك رومزان كتب كتاباً من وقته وساعته وأرسله إلى جدته العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي وذكر لها فيه أنه غاب عن مملكته دمشق والموصل والعراق وكسر عسكر المسلمين وأسر ملوكهم وقال : أريد أن تحضري عندي من كل بد أنت والملكة صفية بنت الملك أفريدون ملك القسطنطينية ومن شئتم من أكابر النصارى من غير عسكر ، فإن البلاد أمان لأنها صارت تحت أيدينا . فلما وصل الكتاب إليها وقرأته وعرفت خط الملك رومزان فرحت فرحاً شديداً وتجهزت من وقتها وساعتها للسفر هي والملكة صفية أم نزهة الزمان ومن صحبتهم ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى بغداد فتقدم الرسول وأخبرهم بحضورها فقال رومزان : إن المصلحة تقتضي أن نلبس اللبس الإفرنجي ونقابل العجوز حتى نأمن من خداعها وحيلها . فقالوا له : سمعاً وطاعة . ثم أنهم لبسوا لباس الإفرنج فلما رأت ذلك قضي فكان قالت : وحق الرب المعبود لولا أني أعرفكم لقلت أنكم إفرنج . ثم إن الملك رومزان تقدم أمامهم وخرجوا يقابلون العجوز في ألف فارس ، فلما وقعت العين على العين ترجل رومزان عن جواده وسعى إليها فلما رأته وعرفته ترجلت إليه وعانقته ففرط بيده على أضلاعها حتى كاد أن يقصفها فقالت : ما هذا ? فلم تتم كلامها حتى نزل إليها كان ما كان والوزير دندان وزعقت الفرسان على من معها من الجواري والغلمان وأخذوهم جميعهم ورجعوا إلى بغداد وأمرهم رومزان أن يزينوا بغداد فزينوها ثلاثة أيام ، ثم أخرجوا شواهي الملقبة بذات الدواهي وعلى رأسها طرطور أحمر مكلل بروث الحمير وقدامها مناد ينادي : هذا جزاء من يتجارى على الملوك وعلى أولاد الملوك ثم صلبوها على باب بغداد . وأصحابها أسلموا كلهم جميعاً ثم إن كان ما كان وعمه رومزان ونزهة الزمان والوزير دندان تعجبوا لهذه السيرة العجيبة وأمروا الكتاب أن يؤرخوها في الكتب حتى تقرأ من بعدهم وأقاموا بقية الزمان في ألذ عيش وأهنأه إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وهذا آخر ما انتهى إلينا من تصاريف الزمان بالملك عمر النعمان وولده شركان وولده ضوء المكان وولده كان ما كان ونزهة الزمان وقضي فكان . ثم إن الملك شهريار قال لشهرزاد : أشتهي أن تحكي لي شيئاً من حكاية الطيور . فقالت شهرزاد : حباً وكرامة . فقالت لها أختها : لم أر الملك في طول هذه المدة انشرح صدره غير هذه الليلة وأرجو أن تكون عاقبتك معه محمودة .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:11 pm | |
| تكملة حكايات تتعلق بالطيور
الليلة السابعة والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد ، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان طاووس يأوي إلى جانب البحر مع زوجته وكان ذلك الموضع كثير السباع وفيه من الوحوش ، غير أنه كثير الأشجار والأنهار وذلك الطاووس هو وزوجته يأويان إلى شجرة من تلك الأشجار ليلاً من خوفهما من الوحوش ويغدوان في طلب الرزق نهاراً ولم يزالا كذلك حتى كثر خوفهما فسارا يبغيان موضعاً غير موضعهما يأويان إليه . فبينما هما يفتشان على موضع فإذا بهم تظهر لهم جزيرة كثيرة الأشجار والأنهار فنزلا في تلك الجزيرة وأكلا من ثمارها وشربا من أنهارها فبينما هما كذلك وإذا ببطة أقبلت عليهما وهي في شدة الفزع ، ولم تزل تسعى حتى أتت إلى الشجرة التي عليها الطاووس هو وزوجته فاطمأنت فلم يشك الطاووس في أن تلك البطة لها حكاية عجيبة فسألها عن حالها وعن سبب خوفها فقالت : إنني مريضة من الحزن وخوفي من ابن آدم فالحذر ، ثم الحذر من بني آدم . فقال لها الطاووس : لا تخافي حيث وصلت إلينا . فقالت البطة : الحمد لله الذي فرج عني همي وغمي بقربكما وقد أتيت راغبة في مودتكما . فلما فرغت من كلامهما نزلت إليها زوجة الطاووس وقالت لها : أهلاً وسهلاً ومرحباً لا بأس عليك ومن أين يصل إلينا ابن آدم ونحن في تلك الجزيرة التي في وسط البحر ? فمن البر لا يقدر أن يصل إلينا ، ومن البحر لا يمكن أن يطلع علينا فابشري وحدثينا بالذي نزل بك واعتراك من بني آدم . فقالت البطة : اعلمي أيتها الطاووسة أني في هذه الجزيرة طول عمري آمنة لا أرى مكروهاً فنمت ليلة من الليالي فرأيت في منامي صورة ابن آدم وهو يخاطبني وأخاطبه وسمعت قائلاً يقول : أيتها البطة احذري من ابن آدم ولا تغتري بكلامه ولا بما يداخله عليك فإنه كثير الحيل والخداع فالحذر الحذر من مكره فإنه مخادع ماكر كما قال الشاعر : يعطيك من طرف اللسان حلاوة ........ ويروغ منك كما يروغ الثعلب واعلمي أن ابن آدم يحتال على الحيتان فيخرجها من البحار ويرمي الطير ببندقة من طين ويوقع الفيل بمكره وابن آدم لا يسلم أحد من شره ولا ينجو منه طير ولا وحش وقد بلغتك ما سمعته عن ابن آدم . فاستيقظت من منامي خائفة مرعوبة وأنا إلى الآن ما انشرح صدري خوفاً على نفسي من ابن آدم لئلا يدهمني بحيلته ويصيدني بحبائله ولم يأت على آخر النهار إلا وقد ضعفت قوتي وبطلت همتي ثم إني اشتقت إلى الأكل والشرب فخرجت أتمشى وخاطري مكدر وقلبي مقبوض فلما وصلت إلى ذلك الجبل وجدت على باب المغارة شبلاً أصفر اللون ، فلما رآني ذلك الشبل فرح بي فرحاً شديداً وأعجبه لوني وكوني لطيفة الذات فصاح علي وقال لي : اقتربي مني . فلما قربت منه قال لي : ما اسمك وما جنسك ? فقلت له : اسمي بطة وأنا من جنس الطيور . ثم قلت له : ما سبب قعودك إلى هذا الوقت في هذا المكان ? فقال الشبل : سبب ذلك أن والدي الأسد له أيام وهو يحذرني من ابن آدم فاتفق أنني رأيت في هذه الليلة في منامي صورة ابن آدم . ثم إن الشبل حكى لي نظير ما حكيته لك فلما سمعت كلامه قلت له : يا أسد لأني قد لجأت إليك في أن تقتل ابن آدم وتجزم رأيك في قتله فإني أخاف على نفسي منه خوفاً شديداً وازددت خوفاً على خوفي من خوفك من ابن آدم مع أنك سلطان الوحوش . وما زلت يا أختي أحذر الشبل من ابن آدم وأوصيته بقتله حتى قام من وقته وساعته من المكان الذي كان فيه ، وتمشى وتمشيت وراءه ، ففرقع بذنبه على ظهره ولم يزل يمشي وأنا أمشي وراءه إلى مرق الطريق فوجدنا غبرة طارت وبعد ذلك انكشفت الغبرة فبان من تحتها حمار شارد عريان وهو تارة يقمص ويجري وتارة يتمرغ فلما رآه الأسد صاح عليه فأتى إليه خاضعاً . فقال له : أيها الحيوان الخريف العقل ما جنسك وما سبب قدومك إلى هذا المكان ? فقال : يا ابن السلطان أنا جنسي حمار وسبب قدومي إلى هذا المكان هروبي من ابن آدم . فقال له الشبل : وهل أنت خائف من ابن آدم أن يقتلك ? فقال الحمار : لا يا ابن السلطان وإنما خوفي أن يعمل حيلة علي ويركبني لأن عنده شيئاً يسميه البردعة فيجعلها على ظهري وشيئاً يسميه الحزام ، فيشده على بطني وشيئاً يسميه الطفر فيجعله تحت ذنبي وشيئاً يسميه اللجام فيجعله في فمي ويحمل منخاساً ينخسني به ويكلفني ما لا أطيق من الجري وإذا عثرت لعنني وإذا نهقت شتمني وبعد ذلك إذا كبرت ولم أقدر على الجري يجعل لي رجلاً من الخشب ويسلمني إلى السقائين فيحملون الماء على ظهري من البحر في القرب ونحوها كالجرار ولا أزال في ذل وهوان وتعب حتى أموت فيرموني فوق التلال للكلاب فأي شيء أكبر من هذا الهم ، وأي مصيبة أكبر من هذه المصائب ? فلما سمعت أيتها الطاووسة كلام الحمار اقشعر جسدي من ابن آدم وقلت للشبل : يا سيدي إن الحمار معذور وقد زادني كلامه رعباً على رعبي . فقال الشبل للحمار : إلى أين أنت سائر ? فقال له الحمار : إني نظرت ابن آدم قبل إشراق الشمس من بعيد ففررت هرباً منه ، وهاأنا أريد أنطلق ولم أزل أجري من مدة خوفي منه فعسى أن أجد لي موضعاً يأويني من ابن آدم الغدار . فبينما ذلك الحمار يتحدث مع الشبل ذلك الكلام وهو يريد أن يودعنا ويروح إذ ظهرت لنا غبرة فنهق الحمار ونظر بعينيه إلى ناحية الغبرة وضرط ضراطاً عالية وبعد ساعة انكشفت الغبرة عن فرس أدهم بغرة كالدرهم وذلك الفرس ظريف الغرة مليح التحجيم حسن القوائم والصهيل ولم يزل يجري حتى وقف بين يدي الشبل ابن الأسد . فلما رآه الشبل استعظمه وقال له : ما جنسك أيها الوحش الجليل وما سبب شرودك في هذا البر العريض الطويل ? فقال : يا سيد الوحوش أنا فرس من جنس الخيل وسبب شرودي هروبي من ابن آدم . فتعجب الشبل من كلام الفرس وقال : لا تقل هذا الكلام فإنه عيب عليك وأنت طويل غليظ وكيف تخاف ابن آدم مع عظم جثتك وسرع جريك ? وأنا مع صغر جسمي قد عزمت على أن ألتقي مع ابن آدم فأبطش به ، وآكل لحمه وأسكن روع هذه البطة المسكينة وأقرها في وطنها وها أنت لما أتيت في هذه الساعة قطعت قلبي بكلامك وأرجعتني عما أردت أن أفعله فإذا كنت أنت مع عظمك قد قهرك ابن آدم ولم يخف من طولك وعرضك مع أنك لو رفسته برجلك لقتلته ولم يقدر عليك بل تسقيه كأس الردى . فضحك الفرس لما سمع كلام الشبل وقال : هيهات أن أغلبه يا ابن الملك فلا يغرك طولي ولا عرضي ولا ضخامتي مع ابن آدم ، لأنه من شدة حيله ومكره يصنع لي شيئاً يقال له الشكال ويضع في أربعة من قوائمي شكالين من حبال الليف الملفوفة باللباد ويصلبني من رأسي في وتد عال وأبقى واقفاً وأنا مصلوب لا أقدر أن أقعد ولا أنام وإذا أراد أن يركبني يعمل لي شيئاً في رجلي من الحديد اسمه الركاب ويضع على ظهري شيئاً اسمه السرج ، ويشده بحزامين من تحت إبطي ويضع في فمي شيئاً من الحديد يسميه اللجام ويضع فيه شيئاً من الجلد يسميه السرج فإذا ركب فوق ظهري على السرج يمسك السرج بيده ويقودني ويهمزني بالركاب في خواصري حتى يدميها ولا تسأل يا ابن السلطان فيما أقاسيه من ابن آدم ، فإذا كبرت وانتحل ظهري ولم أقدر على سرعة الجري يبيعني للطحان ليدورني في الطاحون فلا أزل دائراً فيها ليلاً ونهاراً إلى أن أهرم فيبيعني للجزار فيذبحني ويسلخ جلدي وينتف ذنبي ويبيعها للغرابلي والمناخلي ويسلي شحمي . فلما سمع الشبل كلام الفرس ازداد غيظاً وغماً وقال له : متى فارقت ابن آدم ? قال : فارقته نصف النهار وهو في أثري . فبينما الشبل يتحدث مع الفرس في هذا الكلام وإذا بغبرة ثارت وبعد ذلك انكشفت الغبرة وبان من تحتها جمل هائج وهو يبعبع ويخبط برجليه في الأرض ولم يزل يفعل كذلك حتى وصل إلينا ، فلما رآه الشبل كبيراً غليظاً ظن أنه ابن آدم فأراد الوثوب عليه فقلت له : يا ابن السلطان هذا ما هو ابن آدم وإنما هو جمل وكأنه هارب من ابن آدم . فبينما أنا يا أختي مع الشبل في هذا الكلام وإذا بالجمل تقدم بين أيادي الشبل وسلم عليه فرد السلام وقال له : ما سبب مجيئك إلى هذا المكان ? قال الجمل : جئت هارباً من ابن آدم . فقال له الشبل : وأنت مع عظم خلقتك وطولك وعرضك كيف تخاف من ابن آدم ولو رفسته برجلك رفسة لقتلته . فقال له الجمل : يا ابن السلطان اعلم أن ابن آدم له دواهي لا تطاق وما يغلبه إلا الموت لأنه يضع في رأسي مقوداً ويسلمني إلى أصغر أولاده فيجرني الولد الصغير بالخيط مع كبري وعظمي ويحملونني أثقل الأحمال ويسافرون بي الأسفار الطوال ويستعملونني في الأشغال الشاقة إناء الليل وأطراف النهار ، وإذا كبرت وشخت وانكسرت فلم يحفظ صحبتي بل يبيعني للجزار فيذبحني ويبيع جلدي للدباغين ولحمي للطباخين ولا تسأل عما أقاسي من ابن آدم . فقال له الشبل : أي وقت فارقت ابن آدم ? فقال له الجمل : فارقته وقت الغروب وأظنه يأتي عند انصرافي فلم يجدني فيسعى في طلبي فدعني يا ابن السلطان حتى أهيج في البراري والقفار . فقال الشبل : تمهل قليلاً يا جمل حتى تنظر كيف أفترسه وأطعمك من لحمه وأهشم عظمه وأشرب من دمه . فقال له الجمل : يا ابن السلطان أنا خائف عليك منه فإنه مخادع ماكر ، ثم انشد قول الشاعر : إذا حل الثقيل بأرض قـوم ........ فما للساكنين سوى الرحيل فبينما الجمل يتحدث مع الشبل في هذا الكلام وإذا بغبرة طلعت وبعد ساعة انكشفت عن شيخ قصير رقيق البشرة على كتفه مقطف فيه عدة نجار وعلى رأسه شعبة وثمانية ألواح وبيده أطفال صغار وهو يهرول في مشيه وما زال يمشي حتى قرب من الشبل فلما رأيته يا أختي وقعت من شدة الخوف وأما الشبل فإنه قام وتمشى إليه ولاقاه ، فلما وصل إليه ضحك النجار في وجهه وقال بلسان فصيح : أيها الملك الجليل صاحب الباع الطويل أسعد الله مساءك ومسعاك وزاد في شجاعتك وقواك أجرني مما دهاني وبشره رماني لأني ما وجدت لي نصيراً غيرك . ثم إن النجار وقف بين يدي الأسد وبكى وأنّ واشتكى . فلما سمع الشبل بكاءه وشكواه قال له : أجرتك مما تخشاه فمن الذي ظلمك وما تكون أيها الوحش الذي ما رأيت عمري مثلك ولا أحسن صورة وأفصح لساناً منك فما شانك ? فقال له النجار : يا سيد الوحوش أما أنا فنجار وأما الذي ظلمني فإنه ابن آدم وفي صباح هذه الليلة يكون عندك في هذا المكان . فلما سمع الشبل من النجار هذا الكلام تبدل الضياء في وجهه بالظلام وشخر ونخر ورمت عيناه بالشرر وصاح وقال : والله لأسهرن في هذه الليل إلى الصباح ولا أرجع إلى والدي حتى أبلغ مقصدي . ثم إن الشبل التفت إلى النجار وقال له : أرى خطواتك قصيرة ولا أقدر أن اكسر باطرك لأني ذو مروءة أظن أنك لا تقدر أن تماشي الوحوش فأخبرني إلى أين تذهب ؟ فقال له النجار : اعلم أني رائح إلى وزير والدك الفهد لأنه لما بلغه أن ابن آدم داس هذه الأرض خاف على نفسه خوفاً عظيماً وأرسل إلي رسولاً من الوحوش لأصنع له بيتاً يسكن فيه ويأوي إليه يمنع عنه عدوه حتى لا يصل إليه أحد من بني آدم فلما جاءني الرسول أخذت هذه الألواح وتوجهت إليه . فلما سمع الشبل كلام النجار أخذه الحسد للفهد فقال له : بحياتي لابد أن تصنع لي هذه الألواح بيتاً قبل أن تصنع للفهد بيته وإذا فرغت من شغلي فامض إلى الفهد واصنع له ما يريد . فلما سمع النجار من الشبل هذا الكلام قال له : يا سيد الوحوش ما أقدر أن أصنع لك شيئاً إلا إذا صنعت للفهد ما يريد ثم أجئ إلى خدمتك وأصنع لك بيتاً يحصنك من عدوك . فقال له الشبل : والله ما أخليك تروح من هذا المكان حتى تصنع لي هذه الألواح بيتاً . ثم أن الشبل هم على النجار ، ووثب وأراد أن يمزح معه فلطشه بيده فرمى المقطف من على كتفه ووقع النجار مغشياً عليه فضحك الشبل عليه وقال له : ويلك يا نجار إنك ضعيف وما لك قوة فأنت معذور إذا خفت من ابن آدم . فلما وقع النجار على ظهره اغتاظ غيظاً شديداً ولكنه كتم ذلك عن الشبل من خوفه منه ثم قعد النجار في وجه الشبل وقال له : هاأنا أصنع لك البيت . ثم إن النجار تناول الألواح التي كانت معه وسمر البيت ، وجعله مثل القالب قياس الشبل وخلى بابه مفتوحاً لأنه جعله على صورة صندوق وفتح له طاقة كبيرة وجعل له غطاء وثقب ثقباً كثيراً وأخرج منها مسامير مطرفة وقال للشبل : أدخل في هذا البيت من هذه الطاقة لأقبيه عليك . ففرح الشبل بذلك واتى تلك الطاقة فرآها ضيقة فقال له النجار : ادخل وابرك على يديك ورجليك . ففعل الشبل ذلك ودخل الصندوق وبقي ذنبه خارجاً ، ثم أراد الشبل أن يتأخر إلى ورائه ويخرج ، فقال له النجار : أمهل حتى أنظر هل يسع ذنبك معك أم لا . فامتثل الشبل أمره ثم إن النجار لف ذنب الشبل وحشاه في الصندوق ورد اللوح على الطاقة سريعاً وسمره فصاح الشبل قائلاً : يا نجار ما هذا البيت الضيق الذي صنعته لي دعني أخرج منه . فقال له النجار : هيهات لا ينفع الندم على ما فات إنك لا تخرج من هذا المكان . ثم ضحك النجار وقال للشبل : إنك وقعت في القفص وكنت أخبث الوحوش . فقال له : يا أخي ما هذا الخطاب الذي تخاطبني به ? فقال له النجار : اعلم يا كلب البر أنك وقعت فيما كنت تخاف منه وقد رماك القدر ولم ينفعك الحذر . فلما سمع الشبل كلامه يا أختي علم أنه ابن آدم الذي حذره منه أبوه في اليقظة والهاتف في المنام وتحققت أنه هو بلا شك ولا ريب فخفت منه على نفسي خوفاً عظيماً وبعدت عنه قليلاً وصرت أنتظر ماذا يفعل بالشبل فرأيت يا أختي ابن آدم حفر حفرة في هذا المكان بالقرب من الصندوق الذي فيه الشبل ورماه في تلك الحفرة وألقى عليه الحطب وأحرقه بالنار فكبر يا أختي خوفي ولي يومان هاربة من ابن آدم وخائفة منه فلما سمعت الطاووسة من البطة هذا الكلام .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:11 pm | |
| تكملة حكايات تتعلق بالطيور
الليلة الثامنة والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الطاووسة لما سمعت من البطة هذا الكلام تعجبت منه غاية العجب وقالت : يا أختي إنك أمنت من بني آدم لأننا في جزيرة من جزائر البحر وليس لابن آدم فيها مسلك فاختاري المقام عندنا إلى أن يسهل الله أمرك وأمرنا . قالت البطة : أخاف أن يطرقني طارق والقضاء لا ينفعك عنه آبق . فقالت الطاووسة : اقعدي عندنا وأنت مثلنا . ولا زالت بها حتى قعدت وقالت : يا أختي أنت تعلمين قلة صبري ولولا أني رأيتك هنا ما كنت قعدت . فقالت الطاووسة : إن كان جبيننا شيء نستوفاه وإن كان أجلنا فمن يخلصنا ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها . فبينما هما في هذا الكلام إذ طلعت عليهما غبرة فعند ذلك صاحت البطة ونزلت البحر وقالت : الحذر والحذر وإن لم يكن مفر من القدر . وكانت الغبرة عظيمة فلما انكشفت الغبرة ظهر من تحتها ظبي فاطمأنت البطة والطاووسة ، ثم قالت البطة : يا أختي إن الذي تفزعين منه ظبي وها هو قد أقبل نحونا فليس علينا منه بأس لأن الظبي إنما يأكل الحشائش من نبات الأرض وكما أنت من جنس الطير هو الآخر من جنس الوحوش فاطمئني ولا تهتمي فإن الهم ينحل البدن . فلم تتم البطة كلامها حتى وصل الظبي إليها يستظل تحت الشجرة ، فلما رأى البطة والطاووسة سلم عليهما وقال لهما : إني دخلت هذه الجزيرة اليوم فلم أر أكثر منها خصباً ولا أحسن منها مسكناً . ثم دعاهما لمرافقته ومضافاته ، فلما رأت البطة والطاووسة تودده إليهما أقبلتا عليه ورغبتا في عشرته وتحالفوا على ذلك وصار مبيتهم واحد ومأكلهم سواء ولم يزالوا آمنين آكلين شاربين حتى مرت بهم سفينة كانت تائهة في البحر فأرست قريباً منهم فطلع الناس وتفرقوا في الجزيرة فرأوا الظبي والطاووسة والبطة مجتمعين فأقبلوا عليهم فشرد الظبي في البرية وطارت الطاووسة وبقيت البطة مخبلة ولم يزالوا بها حتى صادوها وصاحت قائلة : لم ينفعني الحذر من القضاء والقدر . وانصرفوا بها إلى سفينتهم . فلما رأت الطاووسة ما جرى للبطة ارتحلت من الجزيرة وقالت : لا أرى الآفاق الأمر أصدر لكل أحد ولولا هذه السفينة ما حصل بيني وبين هذه البطة افتراق ولقد كانت من خيار الأصدقاء . ثم طارت الطاووسة واجتمعت بالظبي فسلم عليها وهنأها بالسلامة وسألها عن البطة فقالت له : قد أخذها العدو وكرهت المقام في تلك الجزيرة بعدها . ثم بكت على فراق البطة وأنشدت تقول : إن يوم الفراق قطع قلبي ........ قطع الله قلب يوم الفراق وأنشدت أيضاً : تمنيت الوصال يعود يوماً ........ لأخبره بما صنع الفراق فاغتم الظبي غماً شديداً ، ثم رد عزم الطاووسة عن الرحيل فأقام معها في تلك الجزيرة آمنين آكلين شاربين غير أنهما لم يزالا حزينين على فراق البطة فقال الظبي الطاووسة : يا أختي قد علمت أن الناس الذين طلعوا لنا من المركب كانوا سبب فراقنا ولهلاك البطة فاحذريهم واحترسي منهم ومن مكر ابن آدم وخداعه . قالت الطاووسة : قد علمت يقيناً أن ما قتلها غير تركها التسبيح ، ولقد قلت لها : إني أخاف عليك من تركك التسبيح لأن كل ما خلقه الله يسبحه فإن غفل عن التسبيح عوقب بهلاكه . فلما سمع الظبي كلام الطاووسة قال : أحسن الله صورتك . وأقبل على التسبيح لا يفتر عنه ساعة وقد قيل أن الظبي يقول في تسبيحه : سبحان الملك الديان ذي الجبروت والسلطان . وورد أيضاً أن بعض العباد كان يتعبد في الجبال وكان يأوي إلى ذلك الجبل زوج من الحمام وكان ذلك العابد قسم قوته نصفين .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:12 pm | |
| تكملة حكايات تتعلق بالطيور وبداية حكاية الثعلب مع الذئب وابن آوى
الليلة التاسعة والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن العابد قسم قوته إلى نصفين وجعل نصفه لنفسه ونصفه لذلك الزوج الحمام ودعا العابد لهما بكثرة النسل فكثر نسلهما ولم يكن الحمام يأوي إلى غير الجبل الذي فيه العابد وكان السبب في اجتماع الحمام بالعابد كثرة تسبيح الحمام وقيل أن الحمام يقول في تسبيحه : سبحان خالق الخلق وقاسم الرزق وباني السماء وباسط الأرض . ولم يزل ذلك الزوج الحمام في أرغد عيش هو ونسله حتى مات ذلك العابد فتشتت شمل الحمام وتفرق في المدن والقرى والجبال . وقيل أيضاً أنه كان في بعض الجبال رجل من الرعاة صاحب دين وعقل وعفة وكان له غنم يرعاها وينتفع بألبانها وأصوافها وكان ذلك الجبل الذي يأوي إليه الراعي كثير الأشجار والمرعى والسباع ولم يكن لتلك الوحوش قدرة على الراعي ولا على غنمه ولم يزل مقيماً في الجبل مطمئناً لا يهمه شيء من أمر الدنيا لسعادته وإقباله على عبادته فاتفق أنه مرض مرضاً شديداً ، فدخل كهفاً في الجبل وصارت الغنم تخرج بالنهار إلى مرعاها وتأوي بالليل إلى الكهف فأراد الله أن يمتحن ذلك الراعي ويختبره في طاعته وصبره فبعث إليه ملكاً فدخل عليه في صورة امرأة حسناء وجلس بين يديه ، فلما رأى الراعي تلك المرأة جالسة عنده اقشعر بدنه منها فقال لها : أيتها المرأة ما الذي دعاك إلى المجيء هنا وليس لك حاجة معي ، ولا بيني وبينك ما يوجب دخولك علي . فقالت له المرأة : أيها الرجل الإنسان أما ترى حسني وجمالي وطيب رائحتي ? أما تعلم حاجة الرجال إلى النساء فما الذي يمنعك مني ? فقال الراعي : إن الذي تقولينه كرهته وجميع ما تبدينه زهدته لأنك خداعة غدارة لا عهد لك ولا وفاء ، فكم من قبيح تحت حسنك أخفيته ? وكم صالح فتنته وكانت عاقبته إلى الندامة والحزن فارجعي عني أيتها المصلحة نفسها لفساد غيرها . ثم ألقى عباءته على وجهه حتى لا يرى وجهها واشتغل بذكر ربه . فلما رأى الملك حسن طاعته ، خرج وعرج إلى السماء وكان بالقرب من الراعي قرية فيها رجل من الصالحين لم يعلم بمكانه فرأى في منامه كأن قائلاً يقول له : بالقرب منك في مكان كذا وكذا رجل صالح فاذهب إليه وكن تحت طاعة أمره . فلما أصبح الصباح توجه نحوه سائراً فلما اشتد عليه الحر انتهى إلى شجرة عندها عين جارية فجلس في ظل الشجرة ليستريح ، فبينما هو جالس وإذا بوحوش وطيور أتوا إلى تلك العين ليشربوا منها ، فلما رأوا العابد جالساً نفروا ورجعوا شاردين فقال العابد في نفسه : أنا ما استرحت هنا إلا لتعب هذه الوحوش والطيور . ثم قام وقال معاتباً لنفسه : لقد أضر بهذه الحيوانات في هذا اليوم جلوسي في هذا المكان فما عذري عند خالقي وخالق هذه الطيور والوحوش فإني كنت سبباً لشرودهم عن مائهم ومرعاهم فواخجلتي من ربي يوم يقتص للشاة الجماء من الشاة القرفاء . ثم أفاض من جفنه العبرات وأنشد هذه الأبيات : أما والله لو علـم الأنـام ........ لم خلقوا لا غفلوا وناموا فموت ثم بعث ثم حشـر ........ وتوبيخ وأهوال عظـام ونحن إذا نهينا أوامرنـا ........ كاهل الكهف أكثرنا نيام ثم بكى على جلوسه تحت الشجرة عند العين ومنعه الطيور والوحوش من شربها وولى هائماً على وجهه حتى أتى الراعي فدخل عنده وسلم عليه فرد عليه السلام وعانقه ثم قال له الراعي : ما الذي أقدمك إلى هذا المكان الذي لم يدخله أحد من الناس علي ? فقال العابد : إني رأيت في منامي من يصف لي مكانك ويأمرني بالسير إليك والسلام عليك وقد أتيتك ممتثلاً لما أمرت به . فقبله الراعي وطابت نفسه بصحبته وجلس معه في الجبل يعبدان الله تعالى في ذلك الغار وحسنت عبادتهما ، ولم يزالا في ذلك المكان يعبدان ربهما ويتقوتان من لحوم الغنم وألبانها متجردين عن المال والبنين إلى أن أتاهما اليقين وهذا آخر حديثهما . قال الملك شهريار : لقد زهدتيني يا شهرزاد في ملكي وندمتيني على ما فرط مني في قتل النساء والبنات فهل عندك أخر شيء من حديث الطيور ? قالت شهرزاد : نعم يا ملك الزمان . زعموا أيها الملك أن طيراً طار وعلا إلى الجو ثم انقض على صخرة في وسط الماء وكان الماء جارياً ، فبينما الطائر واقف على الصخرة وإذا برمة إنسان جرها الماء حتى أسندها إلى الصخرة ووقفت تلك الجيفة في جانب الصخرة وارتفعت لانتفاخها فدنا الطير وتأملها فرآها رمة ابن آدم وظهر له فيها ضرب السيف وطعن الرماح فقال في نفسه : إن هذا المقتول كان شريراً فاجتمع عليه جماعة وقتلوه واستراحوا منه ومن شره ، ولم يزل طير الماء يكثر التعجب من تلك الرمة حتى رأى نسوراً وعقباناً أحاطوا بتلك الجيفة من جميع جوانبها ، فلما رأى طير الماء هذا جزع جزعاً شديداً وقال : لا صبر لي على الإقامة في هذا المكان . ثم طار منه يفتش على موضع يأويه إلى حين نفاذ تلك الجيفة وزوال سباع الطير عنها ولم يزل طائراً حتى وجد نهراً في وسطه شجرة ، فنزل عليها كئيباً حزيناً على بعده عن وطنه وقال في نفسه : لم تزل الأحزان تتبعني وكنت قد استرحت لما رأيت تلك الجيفة وفرحت بها فرحاً شديداً وقلت : هذا رزق ساقه الله إلي فصار فرحي غماً وسروري حزناً وهماً وافترستها سباع الطير مني وحالت بينها وبيني فكيف أرجو أن أكون سالماً في هذه الدنيا وأطمئن إليها ، وقد قيل في المثل : الدنيا دار من لا دار له يغتر بها من لا عقل له ويطمئن بماله وولده وقومه وعشيرته ولم يزل المغتر بها راكناً إليها يختال فوق الأرض حتى يصير تحتها ويجثوا عليه التراب أعز الناس عليه وأقربهم إليه وما للفتى خير من الصبر على مكارهها وقد فارقت مكاني ووطني وكنت كارهاً لفرقة أخواني وأصحابي . فبينما هو في فكرته وإذا بذكر من السلاحف أقبل منحدر في الماء ودنا من طير الماء وسلم عليه وقال : يا سيدي ما الذي أبعدك عن موضعك ? قال الطائر : حلول الأعداء فيه ولا صبر للعاقل على مجاورة عدوه ، وما أحسن قول بعض الشعراء : إذا حل الثقيل بأرض قـوم ........ فما للساكنين سوى الرحيل فقال له السلحف : إذا كان الأمر كما وصفته والحال مثل ما ذكرته فأنا لا أزال بين يديك ولا أفارقك لأقضي حاجتك وأوفي بخدمتك ، فإنه يقال لا وحشة أشد من وحشة الغريب المنقطع عن أهله ووطنه ، وقد قيل إن فرقة الصالحين لا يعد لها شيء من المصائب ومما يسمى العاقل نفسه الإستئناس في الغربة والصبر على الزرية والكربة وأرجو أن تحمد صحبتي لك وأكون لك خادماً ومعيناً . فلما سمع طير الماء مقالة السلحف قال له : لقد صدقت في قولك ولعمري إني وجدت للفراق ألماً وهماً وهما مدة بعدي عن مكاني وفراقي لأخواني وخلاني لأن فيه الفراق عبرة لمن اعتبر وفكرة لمن تفكر وإذا لم يجد الفتى من يسليه من الأصحاب ينقطع عنه الخير ويثبت له الشر سرمداً ، وليس للعاقل إلا التسلي بالإخوان عن الهموم في جميع الأحوال وملازمة الصبر والتجلد فإنهما خصلتان محمودتان يعينان نوائب الدهر ويدفعان الفزع والجزع من كل أمر . فقال له السلحف : إياك والجزع فإنه يفسد عليك عيشك ويذهب مروءتك . ومازالا يتحدثان مع بعضهما إلى أن قال طير الماء للسلحف : أنا لم أزل أخشى نوائب الزمان وطوارق الحدثان . فلما سمع السلحف مقالة طير الماء أقبل عليه وقبله بين عينيه وقال له : لم تزل جماعة الطير تعرف مشورتك الخير فكيف تحمل الهم والضير . ولم يسكن روع طير الماء حتى اطمأن ، ثم إن طير الماء طار إلى مكان الجيفة فلما وصل إليه لم ير من سباع الطير شيئاً ولا من تلك الجيفة إلا عظماً فرجع يخبر السلحف بزوال العدو من مكانه فلما وصل إلى السلحف أخبره بما رأى وقال : إني أحب الرجوع إلى مكاني وأتملى بخلاني لأنه لا صبر للعاقل عن وطنه . فذهب معه إلى ذلك المكان فلم يجد شيئاً مما يخاف منه فصار طير الماء قرير العين وأنشد هذين البيتين : ولرب نازلة يضيق لها الفتى ........ ذرعاً وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ........ فرجت وكنت أظنها لا تفرج ثم سكنا الجزيرة ، فبينما طير الماء في أمن وسرور وفرح وحبور إذ ساق إليه بازاً جائعاً فضربه بمخلبه ضربة فقتله ولم يغن عنه الحذر عند فراغ الأجل وسبب قتله غفلته عن التسبيح . قيل انه كان يقول في تسبيحه : سبحان ربنا فيما قدر ودبر ، سبحان ربنا فيما أغنى وأفقر . هذا ما كان من حديث الطير . فقال الملك شهريار : لقد زدتيني بحكايتك مواعظ واعتبار فهل عند شيء من حكايات الوحوش ? فقالت شهرزاد : نعم يا ملك الزمان . قال الملك شهريار : أخبريني بما عندك . قالت شهرزاد : بلغني ايها الملك السعيد أن ثعلباً وذئباً ألفا وكراً فكانا يأويان إليه مع بعضهما فلبثا على ذلك مدة من الزمان وكان الذئب للثعلب قاهر ، فاتفق أن الثعلب أشار على الذئب بالرفق وترك الفساد وقال له : إن دمت على عتوك ربما سلط الله عليك ابن آدم فإنه ذو حيل ومكر وخداع يصيد الطير من الجو والحوت من البحر ويقطع الجبال وينقلها وكل ذلك من حيله ، فعليك بالإنصاف وترك الشر والإعتساف فإنه أهنأ لطعامك . فلم يقبل الذئب قوله وأغلظ له الرد وقال له : لا علاقة لك بالكلام في عظيم الأمور وجسيمها . ثم لطم الثعلب لطمة فخر منها مغشياً عليه . فلما أفاق تبسم في وجه الذئب واعتذر إليه من الكلام الشين وأنشد هذين البيتين : إذا كنت قد أذنبت ذنباً سالـفـاً ........ في حبكم وأتيت شيئاً منكـرا أنا تائب عما جنيـت وعفوكـم ........ يسع المسيء إذا أتى مستغفرا فقبل الذئب اعتذاره كف عنه أشراره وقال له : لا تتكلم فيما لا يعنيك تسمع ما لا يرضيك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:13 pm | |
| تكملة حكاية الثعلب مع الذئب وابن آوى
الليلة الثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الذئب قال للثعلب : لا تتكلم فيما لا يعنيك حتى لا تسمع ما لا يرضيك . فقال له الثعلب : سمعاً وطاعة فأنا بمعزل عما يحدث فقد قال الحكيم : لا تخبر عما لا تسأل عنه أو لا تجب إلى ما لا تدعى إليه وذر الذي لا يعنيك إلى ما لا يعنيك ولا تبذل النصيحة للأشرار فإنهم يجزونك عليها شراً . فلما سمع الذئب كلام الثعلب تبسم في وجهه ولكنه أضمر له مكراً وقال : لا بد أن أسعى في هلاك هذا الثعلب . وأما الثعلب فإنه صبر على أذى الذئب وقال في نفسه : إن البطر والافتراء يجلبان الهلاك ويوقعان في الارتباك ، فقد قيل : من بطر خسر ، ومن جهل ندم ، ومن خاف سلم ، والإنصاف من شيم الأشراف والآداب أشرف الاكتساب ومن الرأي مداراة هذا الباغي ولابد له من مصرع . ثم أن الثعلب قال للذئب : إن الرب يعفو ويتوب على عبده إن اقترف الذنوب وأنا عبد ضعيف وقد ارتكبت في نصحك التعسيف ولو علمت بما حصل لي من لطمتك لعلمت أن الفيل لا يقوم به ولا يقدر عليه ولكني لا أشتكي من ألم هذه اللطمة بسبب ما حصل لي بها من السرور ، وقد قال الحكيم : ضرب المؤدب أوله صعب شديد وآخره أحلى من العسل المصفى . فقال الذئب : غفرت ذنبك وأقلت عثرتك فكن من قوتي على حذر واعترف لي بالعبودية فقد علمت قهري لمن عاداني . فسجد له الثعلب وقال له : أطال الله عمرك ولا زلت قاهراً لمن عاداك . ولم يزل الثعلب خائفاً من الذئب مصانعاً له ، ثم إن الثعلب ذهب إلى كرم يوماً فرأى في حائطه ثلمة فأنكرها وقال في نفسه : إن هذه الثلمة لابد لها من سبب ، وقد قيل : من رأى خرقاً في الأرض فلم يجتنبه ويتوق عن الإقدام عليه كان بنفسه مغروراً وللهلاك متعرضاً . وقد اشتهر أن بعض الناس يعمل صورة الثعلب في الكرم ويقدم إليه العنب في الأطباق لأجل أن يرى ثعلباً آخر فيقدم إليه فيقع في الهلاك ، وإني أرى هذه الثلمة مكيدة ، وقد قيل : إن الحذر نصف الشطارة ومن الحذر أن أبحث على هذه الثلمة وانظر لعلي أجد عندها أمر يؤدي إلى التلف ولا يحملني الطمع على أن ألقي نفسي في التهلكة . ثم دنا منها وطاف بها وهو محاذر فرآها فإذا هي حفرة عظيمة قد حفرها صاحب الكرم ليصيد فيها الوحش الذي يفسد الكرم ورأى عليها غطاء رقيقاً فتأخر عنها وقال : الحمد لله حيث حذرتها وأرجو أن يقع فيها عدوي الذئب الذي نغص عيشي ، فأستقل بالكرم وحدي وأعيش فيه آمناً . ثم هز رأسه وضحك ضحكاً عالياً واطرب بالنغمات وأنشد هذه الأبيات : ليتني أبصرت هـذا الوقت ........ في ذي الـبـئر ذئبـا وسقاني المر غصباً ليتني ........ من بـعـد ذا أبـقـى طالما قـد ساء قـلـبـي ........ ويقضي الذئب نحـبـا ثـم يخـلو الكـرم منـه ........ وأرى لـي فيـه نهـبا فلما فرغ من شعره انطلق مسرعاً حتى وصل إلى الذئب وقال : إن الله سهل لك الأمور إلى الكرم بلا تعب وهذا من سعادتك فهنيئاً لك بما فتح الله عليك وسهل لك من تلك الغنيمة والرزق الواسع بلا مشقة . فقال الذئب للثعلب : وما الدليل على ما وصفت ? قال الثعلب : إني انتهيت إلى الكرم فوجدت صاحبه قد مات ودخلت البستان فرأيت الأثمار زاهية على الأشجار . فلم يشك الذئب في قول الثعلب وأدركه الشر فقام حتى انتهى إلى الندامة وقد غره الطمع ووقف الثعلب متهافتاً كالميت وتمثل بهذا البيت : أتطمع من ليلى بوصلي وإنما ........ تضر بأعناق الرجال المطامع فلما انتهى الذئب إلى الثلمة قال له الثعلب : ادخل إلى الكرم فقد كفيت مؤونة هدم حائط البستان وعلى الله تمام الإحسان . فأقبل الذئب ماشياً يريد الدخول إلى الكرم فلما توسط غطاء الثلمة وقع فيها فاضطرب الثعلب اضطراباً شديداً من السرور والفرح وزوال الهم والترح ، ثم إنه تطلع في الحفرة فرأى الذئب يبكي ندماً وحزناً على نفسه فبكى الثعلب معه فرفع الذئب رأسه إلى الثعلب وقال له : أمن رحمتك لي بكيت يا أبا الحصين ? قال الثعلب : لا والذي قذفك في هذه الحفرة إنما بكيت لطول عمرك الماضي وأسفاً على كونك لم تقع في هذه الثلمة قبل اليوم ولو وقعت قبل اجتماعي بك لكنت أرحت واسترحت ، ولكن أبقيت إلى أجلك المحتوم ووقتك المعلوم . فقال له الذئب : أيها الثعلب رح أيها المسيء في فعله لوالدتي وأخبرها بما حصل لي لعلها تحتال على خلاصي . فقال له الثعلب : لقد أوقعك في الهلاك شدة طمعك وكثرة حرصك حيث سقطت في حفرة لست منها بسالم ألم تعلم أيها الذئب الجاهل أن صاحب المثل يقول : من لم يفكر في العواقب لم يأمن المعاطب ? فقال الذئب للثعلب : يا أبن الحصين إنما كنت تظهر محبتي وترغب في مودتي وتخاف من شدة قوتي فلا تحقد علي بما فعلته معك فمن قدر وعفا كان أجره على الله وقد قال الشاعر : ازرع جميلاً ولو في غير موضعه ........ ما خاب قط جميل أينـمـا زرع إن الجميل وإن طـال الزمـان به ........ فليس يحـصـده إلا الـذي زرع فقال له الثعلب : يا أجهل السباع وأحمق الوحوش في البقاع هل نسيت تجبرك وعتوك وتكبرك وأنت لم ترع حق المعاشرة ولم تنتصح بقول الشاعر : لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً ........ إن الظلوم على حد من النقم تنام عيناك والمظلوم منتبـه ........ يدعو عليك وعين الله لم تنم فقال الذئب : يا أبا الحصين لا تؤاخذني بسابق الذنوب فالعفو من الكرام مطلوب وصنع المعروف من حسن الذخائر وما أحسن قول الشاعر : بادر بالخير إذا كنت مقتـدراً ........ فليس في كل حين أنت مقتدر وما زال الذئب يتذلل للثعلب ويقول له : لعلك تقدر على شيء تخلصني به من الهلاك . فقال له الثعلب : أيها الفظ الغليظ إني أشبهك في حسن علانيتك وقبح نيتك بالباز مع الحجل . قال الذئب : وما حديث الباز والحجل ? قال الثعلب : دخلت يوماً كرماً لآكل عنبه فبينما أنا فيه إذ رأيت بازاً انقض على حجل فلما اقتنصه انفلت منه الحجل ودخل وكره واختفى فيه فتبعه الباز وناداه : أيها الجاهل إني رأيتك في البرية جائعاً فرحمتك ، والتقطت لك حباً وأمسكتك لتأكل فهربت مني ولم أعرف لهروبك وجهاً إلا الحرمان ، فاظهر وخذ ما أتيتك من الحب فكله هنيئاً مريئاً . فلما سمع الحجل قول الباز صدقه وخرج إليه فانشب مخالبه فيه ومكنها منه فقال له الحجل : أهذا الذي ذكرت انك أتيتني به من البرية وقلت لي هنيئاً مريئاً فكذبت علي جعل الله ما تأكله من لحمي في جوفك سماً قاتلاً . فلما أكله وقع ريشه وسقطت قوته ومات لوقته ثم قال له الثعلب : اعلم أيها الذئب أن من حفر حفرة لأخيه قليباً وقع فيها قريباً وأنت غدرت بي أولاً . فقال الذئب للثعلب : دعني من هذا المقال وضرب الأمثال ولا تذكر لي ما سلف مني من قبيح الفعال يكفيني ما أنا فيه من سوء الحال حيث وقعت في ورطة يرثي لي منها العدو فضلاً عن الصديق وانظر لي حيلة أتخلص بها وكن فيها غياثي وإن كان عليك ذلك مشقة فقد يتحمل الصديق لصديقه أشد النصب ويقاسي فيما فيه نجاته العطب وقد قيل : إن الصديق الشفيق خير من الأخ الشقيق وإن تسببت في نجاتي لأجمعن لك من الآلة ما يكون لك عدة ، ثم لأعلمنك من الحيل الغريبة ما تفتح به الكروم الخصيبة وتجني الأشجار المثمرة فطب نفساً وقر عيناً . فقال له الثعلب وهو يضحك : ما أحسن ما قالته العلماء في كثير من الجهل مثلك . قال الذئب : وما قالت العلماء ? قال الثعلب : ذكر العلماء أن غليظ الجثة غليظ الطبع يكون بعيداً من العقل قريباً من الجهل لأن قولك أيها الماكر الأحمق قد يحتمل الصديق المشقة في تخليص صديقه صحيح كما ذكرت ولكن عرفتني بجهلك وقلة عقلك كيف أصادقك مع خيانتك أتحسبني لك صديقاً وأنا لك عدو شامت وهذا الكلام أشد من رشق السهام إن كنت تعقل وأما قولك أنك تعطيني من الآلات ما يكون عدة لي وتعلمني من الحيل وما أصل به إلى الكروم المخصبة وأجتني به الأشجار المثمرة فمالك أيها المخادع الغادر لا تعرف لك حيلة تتخلص بها من الهلاك فما أبعدك من المنفعة لنفسك وما أبعدني من القبول لنصيحتك فإن كان عندك حيل فتحيل لنفسك في الخلاص من هذا الأمر الذي أسأل الله أن يبعد خلاصك منه فانظر أيها الجاهل إن كان عندك حيلة فخلص نفسك بها من القتل قبل أن تبذل التعليم لغيرك ولكنك مثل إنسان حصل له مرض فاتاه رجل مريض بمثل مرضه ليداويه فقال له : هل لك أن أداويك من مرضك ? فقال له الرجل : هلا بدأت بنفسك في المداواة . فتركه وانصرف . وأنت أيها الذئب كذلك فألزم مكانك واصبر على ما أصابك . فلما سمع الذئب كلام الثعلب علم أن لا خير له عنده فبكى على نفسه وقال : كنت في غفلة من أمري فإن خلصني الله من هذا الكرب لأتوبن عن تجبري على من هو أضعف مني ولألبس الصوف ولأصعدن الجبل ذاكراً الله تعالى خائفاً من عقابه واعتزل سائر الوحوش ولأطعمن المجاهدين والفقراء . ثم بكى وانتحب فرق له قلب الثعلب وكان لما سمع تضرعه والكلام الذي يدل على توبته من العتو والتكبر أخذته الشفقة عليه فوثب من فرحته ، ووقف على شفير الحفرة ثم جلس على رجليه وأدلى ذنبه في الحفرة فعند ذلك قام الذئب ومد يده إلى ذنب الثعلب وجذبه إليه فصار في الحفرة معه ، ثم قال له الذئب : أيها الثعلب القليل الرحمة كيف تشمت بي وقد كنت صاحبي وتحت قهري ووقعت معي في الحفرة وتعجلت لك العقوبة ، وقد قال الشاعر : إذا ما الدهر جار على الناس ........ كلاكله أنـاخ بـآخـرينـا فقل للشامتين بنـا أفـيقـوا ........ سيلقى الشامتون كما لقينـا ثم قال الذئب للثعلب : فلابد أن أعجل قتلك فبل أن ترى قتلي . فقال الثعلب في نفسه : إني وقعت مع هذا الجبار وهذا الحال يحتاج إلى المكر والخداع ، وقد قيل : إن المرأة تصوغ حليها ليوم الزينة وفي المثل ما ادخرتك يا دمعتي إلا لشدتي وإن لم أتحيل في أمر هذا الوحش الظالم هلكت لا محالة ، وما أحسن قول الشاعر : عش بالخداع فأنت في ........ زمن بنوه كأسد بـيشة وأدر قناة المكر حتـى ........ تستدير رحى المعيشة واجن الثمار فإن تفتك ........ فرض نفسك بالحشيشة ثم إن الثعلب قال للذئب : لا تعجل علي بالقتل فتندم أيها الوحش الصنديد صاحب القوة والبأس الشديد وإن تمهلت وأمعنت النظر فيما أحكيه لك ، عرفت قصدي الذي قصدته وإن عجلت بقتلي فلا فائدة لك فيه ، ونموت جميعنا هاهنا . فقال له الذئب : أيها المخادع الماكر وما الذي ترجوه من سلامتي وسلامتك حتى تسألني التمهل عليك فاخبرني بقصدك الذي قصدته ? فقال له الثعلب : أما قصدي الذي قصدته فما ينبغي أن تحسن عليه مجازاتي لأني سمعت ما وعدت من نفسك واعترافك بما سلف منك وتلهفك على ما فاتك من التوبة وفعل الخير وسمعت ما نذرته على نفسك من كف الأذى عن الأصحاب وغيرهم وتركك أكل العنب وسائر الفواكه ، ولزمك الخشوع وتقليم أظافرك وتكسير أنيابك وان تلبس الصوف وتقرب القربان لله تعالى إن نجاك مما أنت فيه فأخذتني الشفقة عليك مع إنني كنت على حق هلاكك حرصاً ، فلما سمعت منك توبتك وما نذرت على نفسك إن نجاك الله لزمني خلاصك مما أنت فيه فأدليت إليك ذنبي لكي تتعلق به وتنجو فلم تترك الحالة التي أنت عليها من العنف والشدة ولم تلتمس النجاة والسلامة لنفسك بالرفق بل جذبتني جذبة ظننت منها أن روحي قد خرجت فصرت أنا وأنت في منزلة الهلاك والموت وما ينجيني أنا وأنت إلا شيء إن قبلته مني خلصت أنا وأنت وبعد ذلك يجب عليك أن تفي بما نذرته وأكون رفيقك . فقال له الذئب : وما الذي أقبله منك ؟ قال له الثعلب : تنهض قائماً وأعلو أنا فوق رأسك حتى أكون قريباً من ظاهر الأرض فإني حين أصير فوقها أخرج وآتيك بما تتعلق به وتخلص أنت بعد ذلك . فقال له الذئب : لست بقولك واثقاً لأن الحكماء قالوا : من استعمل الثقة في موضع الحقد كان مخطئاً ، وقيل من وثق بغير ثقة كان مغوراً ، ومن جرب المجرب حلت به الندامة ، ومن لم يفرق بين الحالات فيعطي كل حالة حظها بل حمل الأشياء كلها على حالة واحدة قل حظه وكثرت مصائبه ، وما أحسن قول الشاعر : لا يكـن ظـنـك لا سـيئاً إن ........ سوء الظن من أقوى الفطـن ما رمى الإنسان فـي مهلـكة ........ مثل فعل الخير والظن الحسن فقال الثعلب : إن سوء الظن ليس محموداً في كل حال وحسن الظن من شيم الكرام وعاقبته النجاة من الأهوال وينبغي لك أيها الذئب أن تتحيل على النجاة مما أنت فيه ونسلم جميعاً خير من موتنا فارجع عن سوء الظن والحقد لأنك إن أحسنت الظن بي لا أخلو من أحد أمرين : إما أن آتيك بما تتعلق به وتنجو مما أنت فيه ، وإما أن أغدر بك فأخلص وأودعك وهذا مما لا يمكن فإني لا آمن أن أبتلي بشيء مما ابتليت به فيكون ذلك عقوبة الغدر وقد قيل في الأمثال : الوفاء مليح والغدر قبيح ، فينبغي أن تثق بي فإني لم أكن جاهلاً بحوادث الدهر فلا تؤخر حيلة خلاصنا فالأمر أضيق من أن نطيل فيه الكلام . فقال الذئب : إني مع قلة ثقتي بوفائك قد عرفت ما في خاطرك من انك أردت خلاصي لما عرفت توبتي فقلت في نفسي : إن كان حقاً فيما زعم فإنه يستدرك ما أفسد وإن كان مبطلاً فجزاؤه على ربه ، وهاأنا أقبل منك ما أشرت به علي فإن غدرت بي كان الغدر سبباً لهلاكك . ثم إن الذئب انتصب واقفاً وأخذ الثعلب على أكتافه حتى ساوى به ظاهر الأرض فوثب الثعلب عن أكتاف الذئب حتى صار على وجه الأرض ووقع مغشياً عليه . فقال له الذئب : يا خليلي لا تغفل عن أمري ولا تؤخر خلاصي . فضحك الثعلب وقهقه وقال للذئب : أيها المغرور لم يوقعني في يدك إلا المزح معك والسخرية بك وذلك أني لما سمعت توبتك استخفني الفرح فطربت ورقصت فتدلى ذنبي في الحفرة فجذبتني فوقعت عندك ثم أنقذني الله تعالى من يدك فما لي لا أكون عوناً على هلاكك وأنت من حزب الشيطان ، واعلم أنني رأيت البارحة في منامي أني أرقص في عرس فقصصت الرؤيا على معبر ، فقال لي : إنك تقع في ورطة وتنجو منها فعلمت وقوعي في يدك ونجاتي هو تأويل رؤياي وأنت تعلم أيها المغرور الجاهل أني عدوك فكيف تطمع بقلة عقلك وجهلك في إنقاذي إياك مع ما سمعت من غلظ كلامك ? وكيف أسعى في نجاتك وقد قالت العلماء: إن في موت الفاجر راحة الناس وتطهير للأرض ولولا مخافة أن أحتمل من الألم في الوفاء لك ما هو أعظم من ألم الغدر لتدبرت في خلاصك . فلما سمع الذئب كلام الثعلب عض على كتفه ندماً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:14 pm | |
| تكملة حكاية الثعلب مع الذئب وابن آوى وبداية بعض الحكايات عن الطيور والحيوانات
الليلة الحادية والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الذئب لما سمع كلام الثعلب عض على كتفه ندماً ثم لين له في الكلام ولم يجد بداً من ذلك وقال له بلسان خافت : إنكم معشر الثعالب من أحلى القوم لساناً وألطفها مزاحاً وهذا منك مزاح ولكن ما كل وقت يحسن اللعب والمزاح . فقال الثعلب : أيها الجاهل إن للمزاح حد لا يجاوزه صاحبه فلا تحسب أن الله يمكنك مني بعد أن أنقذني من يديك . فقال له الذئب : إنك لجدير أن ترغب في خلاصي لما بيننا من سابق المؤاخاة والصحبة وإن خلصتني لا بد أن أحسن مكافاتك . فقال الثعلب : قد قال الحكماء : لا تؤاخ الجاهل الفاجر فإنه يشينك ولا يزينك ، ولا تؤاخ الكذاب فإنه إن بدا منك خير خفاه وإن بدا منك شر فشاه . وقال الحكماء : لكل شيء حيلة إلا الموت وقد يصلح كل شيء إلا فساد الجوهر وقد يدفع كل شيء إلا القدر وأما من جهة المكافأة التي زعمت أني أستحقها منك فإني أشبهك بالحية الهاربة من الحاوي إذ رآها رجل وهي مرعوبة فقال لها : ما شأنك أيتها الحية ? قالت : هربت من الحاوي فإنه يطلبني فإن نجيتني منه وأخفيتني عندك لأحبسن مكافأتك وأصنع معك كل جميل . فأخذها اغتناماً للأجر وطمعاً في المكافأة وأدخلها في جيبه فلما فات الحاوي ومضى إلى حال سبيله وزال عنها ما كانت تخافه قال لها الرجل : أين المكافأة فقد أنقذتك مما تخافين وتحذرين ? فقالت له الحية : أخبرني في أي عضو أنهشك ? وقد علمت أننا لا نتجاوز هذه المكافأة ثم نهشته نهشة مات منها وأنت أيها الأحمق شبهتك بتلك الحية مع ذلك الرجل أما سمعت قول الشاعر : لا تأمنن فتى أسكنت مهجـتـه ........ غيظاً وتحسب أن الغيظ قد زالا إن الأفاعي وإن لانت ملامسها ........ تبدي انعطافاً وتخفي السم قتالا فقال له الذئب الفصيح صاحب الوجه المليح : لا تجهل حالي وخوف الناس مني وقد علمت أني أهجم على الحصون وأقلع الكروم فافعل ما أمرتك به وقم بي قيام العبد بسيده . فقال له الثعلب : أيها الأحمق الجاهل المحال بالباطل إني تعجبت من حماقتك وصلابة وجهك فيما تأمرني به من خدمتك والقيام بين يديك حتى كأنني عبدك ولكن سوف ترى ما يحل بك من شرخ رأسك بالحجارة وكسر أنيابك بالغدارة . ثم وقف الثعلب على تل مشرف على الكروم ولم يزل يصيح لأهل الكرم حتى بصروا به وأقبلوا عليه مسرعين فثبت لهم الثعلب حتى قربوا منه ومن الحفرة التي فيها الذئب ثم ولى الثعلب هارباً فنظر أصحاب الكرم في الحفرة فلما رأوا فيها الذئب وقعوا عليه بالحجارة الثقال ولم يزاوا يضربونه بالحجارة والخشب ويطعنونه بأسنة الرماح حتى قتلوه وانصرفوا فرجع الثعلب إلى تلك الحفرة ووقف على مقتل الذئب ، فرآه ميتاً فحرك رأسه من شدة الفرحات وأنشد هذه الأبيات : أودى الزمان بنفس الذئب فاختطفت ........ بعداً وسحقاً لها من مهجة تلفـت فكم سعيت أبا سرحان في تلـفـي ........ فاليوم حلت بك الآفات والتهبـت وقعت في حفرة ما حلـهـا أحـد ........ إلا وفيها رياح الموت قد عصفت ثم إن الثعلب أقام بالكرم وحده مطمئناً لا يخاف ضرراً وهذا ما كان من حديث الثعلب . ومما يحكى أن فأرة وبنت عرس كانتا ينزلان منزلاً لبعض الناس وكان ذلك الرجل فقيراً ، وقد مرض بعد أصدقائه فوصف له الطبيب السمسم المقشور ، فأعطاه لزوجته وأمرها بإصلاحه فقشرته تلك المرأة وأصلحته ، فلما عاينت بنت عرس السمسم أتت إليه ولم تزل تنقل من ذلك السمسم إلى حجرها طول يومه حتى نقلت أكثره وجاءت المرأة فرأت نقصان السمسم واضحاً فجلست ترصد من تأتي إليه حتى تعل سبب نقصانه فنزلت بنت عرس لتنقل منها على عادتها فرأت المرأة جالسة فعلمت أنها ترصدها فقالت في نفسها : إن لهذا الفعل عواقب ذميمة وإني أخشى من تلك المرأة أن تكون لي بالمرصاد ومن لم ينظر في العواقب ما الدهر له بصاحب ، ولابد لي أن أعمل حسناً أظهر به براءتي من جميع ما عملته من القبيح . فجعلت تنقل من ذلك السمسم الذي في حجرها فرأتها المرأة وهي تفعل ذلك ، فقالت في نفسها : ما هذا سبب نقصه لأنها تأتي به من حجر الذي اختلسه وتضعه على بعضه وقد أحسنت إلينا في رد السمسم وما جزاء من أحسن إلا أن يحسن إليه وليست هذه آفة في السمسم ولكن لا أزال أرصدها حتى يقع واعلم من هو . ففهمت بنت عرس ما خطر ببال تلك المرأة فانطلق إلى الفأرة فقالت لها : يا أختي إنه لا خير فيمن لا يرعى المجاورة ولا يثبت على المودة . فقالت الفأرة : نعم يا خليلتي وأنعم بك وبجوارك فما سبب هذا الكلام ? فقالت بنت عرس : إن رب البيت أتى بسمسم فأكل منه هو وعياله وشبعوا واستغنوا عنه وتركوه وقد أخذ منه كل ذي روح ، فلو أخذت أنت الأخرى كنت أحق به ممن يأخذ منه . فأعجب الفأرة ذلك ورقصت ولعبت ذنبها وغرها الطمع في السمسم فقامت من وقتها وخرجت من بيتها فرأت السمسم مقشوراً يلمع من البياض والمرأة جالسة ترصده فلم تفكر الفأرة في عاقبة الأمر وكانت المرأة قد استعدت بهراوة فلم تتمالك الفأرة حتى دخلت في السمسم وعانت فيه وصارت تأكل منه فضربتها المرأة بتلك الهراوة فشجت رأسها وكان الطمع سبب هلاكها وغفلتها عن عواقب الأمور . فقال الملك شهريار : يا شهرزاد والله إن هذه حكاية مليحة فهل عندك حديث في حسن الصداقة والمحافظة عليها عند الشدة والتخلص من الهلكة ؟ قالت شهرزاد : نعم يا ملك الزمان . بلغني أن غراباً وسنوراً كانا متآخين فبينما هما تحت الشجرة على تلك الحالة إذ رأيا نمراً مقبلاً على تلك الشجرة التي كانا تحتها ولم يعلما به حتى صار قريباً من الشجرة فطار الغراب إلى أعلى الشجرة وبقي السنور متحيراً فقال للغراب : يا خليلي هل عندك حيلة في خلاصي كما هو الرجاء فيك ? فقال الغراب : إنما تلتمس الأخوان عند الحاجة إليهم في الحيلة عند نزول المكروه بهم ، وما أحسن قول الشاعر : إن صديق الحق من كان معك ........ ومن يضر نفسه لا ينفعـك ومن إذا ريب الزمان صدعك ........ شتت فيه شمله ليجمـعـك وكان قريباً من الشجرة رعاة معهم كلاب فذهب الغراب حتى ضرب بجناحه وجه الأرض ونعق وصاح ، ثم تقدم إليهم وضرب بجناحه وجه بعض الكلاب وارتفع قليلاَ فتبعته الكلاب وسارت في أثره ورفع الراعي رأسه فرأى طائراً يطير قريباً من الأرض ويقع فتبعه وصار الغراب لا يطير إلا بقدر التخلص من الكلاب ويطمعها في أن تفترسه ، ثم ارتفع قليلاً وتبعته الكلاب حتى انتهى إلى الشجرة التي تحتها النمر ، فلما رأت الكلاب النمر وثبت عليه فولى هارباً وكان يظن أنه يأكل السنور فنجا منه ذلك السنور بحيلة الغراب صاحبه وقد أخبرتك بهذا أيها الملك لتعلم أن مودة أخوان الصفا تنجي من الهلكات . وحكي أن ثعلباً سكن في بيت في الجبل وكان كلما ولد ولداً واشتد ولده أكله من الجوع وإن لم يأكل ولده يضربه الجوع ، وكان يأوي إلى ذروة ذلك الجبل غراب فقال الثعلب في نفسه : أريد أن أعقد بيني وبين هذا الغراب مودة واجعله لي مؤنساً على الوحدة معاوناً على طلب الرزق لأنه يقدر من ذلك على ما لا أقدر عليه . فدنا الثعلب من الغراب حتى صار قريباً منه بحيث يسمع كلامه فسلم عليه ثم قال له : يا جاري إن للجار على الجار حقين : حق الجيرة وحق الدين واعلم بأنك جاري ولك علي حق يجب قضاؤه وخصوصاً مع طول المجاورة ، على أن في صدري وديعة من محبتك دعتني إلى ملاطفتك وبعثتني على التماس أخوتك فما عندك من الجواب ? فقال الغراب : اعلم إن خير القول أصدقه وربما تتحدث بلسانك بما ليس في قلبك وأخشى أن تكون أخوتك باللسان ظاهراً وعداوتك في القلب لأنك آكل وأنا مأكول فوجب علينا التباين في المحبة ولا يمكن مواصلتنا ، فما الذي دعاك إلى طلب ما لا تدرك وإرادة ما لا يكون وأنت من جنس الوحوش وأنا من جنس الطيور وهذه الأخوة لا تصح . فقال له الثعلب : إن من موضع الإخلاء فأحسن الاختيار فيما يختاره منهم ربما يصل إلى بعض منافع الأخوان وقد اخترت قربك واخترت الأنس بك ليكون بعضنا عوناً لبعض على أغراضنا وتعقب مودتنا ، وعندي حكايات في حسن الصداقة فإن أردت أن أحكيها حكيتها لك . فقال الغراب : أذنت لك أن تبثها فحدثني بها حتى أعرف فالمراد منها . فقال له الثعلب : اسمع يا خليلي يحكى عن برغوت وفأرة وما يستدل به على ما ذكرته لك . فقال الغراب : وكيف كان ذلك ؟ فقال الثعلب : زعموا أن فارة في بيت رجل من التجار كثير المال فآوى البرغوت ليلة إلى فراش ذلك التاجر فرأى بدناً ناعماً وكان البرغوت عطشاناً فشرب من دمه ، ووجد التاجر من البرغوت ألماً فاستيقظ من النوم واستوى قاعداً ونادى أتباعه فأسرعوا إليه وشمروا عن أيديهم يطوفون على البرغوت ، فلما أحس البرغوت بالطلب ولى هارباً فصادف حجر الفأرة فدخله ، فلما رأته الفأرة قالت له : ما الذي أدخلك علي ولست من جوهري ولا من جنسي ولست بآمن من الغلظة عليك ولا مضاررتك ؟ فقال لها البرغوت : إني هربت إلى منزلك وفزت بنفسي من القتل وأتيت مستجيراً بك ولا طمع لي في بيتك ولا يلحقك مني شر يدعوك إلى الخروج من منزلك وإني أرجو أن أكافئك على إحسانك بكل جميل وسوف تحمدين عاقبة ما أقول لك . فلما سمعت الفأرة كلام البرغوت .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:14 pm | |
| تكملة بعض الحكايات عن الطيور والحيوانات
الليلة الثانية والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الفأرة لما سمعت كلام البرغوت قالت : إذا كان الكلام على ما أخبرت فاطمئن هنا وما عليك بأس ولا تجد إلا ما يسرك ولا يصيبك إلا ما يصيبني وقد بذلت لك مودتي ولا تندم على ما فاتك من دم التاجر ولا تأسف على قوتك منه وارض بما تيسر لك من العيش فإن ذلك أسلم لك وقد سمعت أيها البرغوت بعض الوعاظ ينشد هذه الأبيات : سلكت طريق القناعة والإنفراد ........ قضيت دهري بماذا اتـفـق بكسرة خبـز وشـربة مـاء ........ وملح جريش وثوب خـلـق فإن يسر الله لي عـيشـتـي ........ وإلا قنعت بـمـا قـد رزق فلما سمع البرغوت كلام الفأرة ، قال : يا أختي قد سمعت وصيتك وانقدت إلى طاعتك ولا قوة لي على مخالفتك إلى أن ينقضي العمر بتلك النية . فقالت له الفأرة : كفى بصدق المودة في صلاح النية . ثم انعقد الود بينهما وكان البرغوت بعد ذلك يأوي إلى فراش التاجر ولا يتحاور بلغته ويأوي بالليل مع الفأرة في مسكنها فاتفق أن التاجر جاء ليلة إلى منزله بدنانير كثيرة فجعل يقلبها ، فلما سمعت الفأرة صوت الدنانير أطلعت رأسها من جحرها وجعلت تنظر إليها حتى وضعها التاجر تحت الوسادة ونام فقالت الفأرة للبرغوت : أما ترى الفرصة والحظ العظيم ، فهل عندك حيلة إلى بلوغ الغرض من تلك الدنانير ؟ فقال لها البرغوت : قد التزمت لك بإخراجه من البيت . ثم انطلق البرغوت إلى فراش التاجر ولدغه لدغة قوية لم يكن جرى للتاجر مثلها ، ثم تنحى البرغوت إلى موضع يأمن فيه على نفسه من التاجر فانتبه التاجر يفتش على البرغوت فلم يجد شيئاً فرقد على جنبه الآخر فلدغه البرغوت لدغة أشد من الأولى فقلق التاجر وفارق وخرج إلى مصطبة داره فنام هناك ولم ينتبه إلى الصباح ثم إن الفأرة أقبلت على الدنانير حتى لم تترك منها شيئاً . فلما أصبح الصباح صار التاجر يتهم الناس ويظن الظنون . ثم قال الثعلب للغراب : واعلم أني لم أقل لك هذا الكلام أيها الغراب البصير العاقل الخبير إلا ليصل إليك جزاء إحسانك إلي كما وصل للفأرة جزاء إحسانها إلى البرغوت فانظر كيف جازاها أحسن المجازاة وكافأها أحسن المكافأة . فقال الغراب : إن شاء المحسن يحسن أو لا يحسن وليس الإحسان واجباً لمن التمس صلة بقطيعة وإن أحسنت إليك مع كونك عدوي أكون أتسبب في قطيعة نفسي ، وأنت أيها الثعلب ذو مكر وخداع ومن شيمتك المكر والخديعة لا تؤمن على عهد ولا أمان لك ، وقد بلغني عن قريب أنك غدرت بصاحبك الذئب ومكرت به حتى أهلكته بغدرك وحيلتك وفعلت به هذه الأمور مع أنه من جنسك وقد صحبته مدة مديدة فما أبقيت عليه فكيف أثق منك بنصيحة وإذا كان هذا فعلك مع صاحبك الذي من جنسك فكيف فعلك مع عدوك الذي من غير جنسك ؟ وما مثالك معي إلا مثال الصقر مع ضواري الطير . فقال الثعلب : وما حكاية الصقر مع ضواري الطير ؟ فقال الغراب : زعموا أن صقراً كان جباراً عنيداً .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:17 pm | |
| تكملة بعض الحكايات عن الطيور والحيوانات
الليلة الثالثة والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الغراب قال : زعموا أن صقراً كان جباراً عنيداً أيام شبيبته وكان سباع البر وسباع الطير تفزع منه ولا يسلم من شره أحد وله حكايات كثيرة في ظلمه وتجبره وكان دأب هذا الصقر الأذى لسائر الطيور فلما مرت عليه السنون ضعف وجاع واشتد جهده بعد فقد قوته فأجمع رأيه على أن يأتي مجمع الطير فيأكل ما يفضل منها ، فعند ذلك صار قوته بالحيلة بعد القوة والشدة . وأنت كذلك أيها الثعلب إن عدمت قوتك ما عدمت خداعك ولست أشك في أن ما تطلبه من صحبتي حيلة على قوتك فلا كنت ممن يضع يده في يدك لأن الله أعطاني قوة في جناحي وحذراً في نفسي وبصراً في عيني وأعلم أن من تشبه بأقوى منه تعب وربما هلك . هذا ما عندي الكلام واذهب عش بسلام . فلما يئس الثعلب من مصادقة الغراب رجع من حزنه يئن وقرع للندامة سناً على سن . فلما سمع الغراب بكاءه وأنينه ورأى كآبته وحزنه قال : أيها الثعلب ما نابك حتى قرعت نابك ؟ قال له الثعلب : إنما قرعت سني لأني رأيتك أخدع مني . ثم ولى هارباً ورجع إلى جحره طالباً . وهذا ما كان من حديثهما أيها الملك . فقال الملك شهريار : يا شهرزاد ما أحسن هذه الحكايات هل عندك شيء مثلها من الخرافات ؟ قالت شهرزاد : يحكى أن قنفذاً مسكناً بجانب نخلة وكان الورشان هو وزوجته فلما اتخذا عشاً في النخلة وعاشا فوقها عيشاً رغيداً فقال القنفذ في نفسه : إن الورشان يأكل من ثمر النخل وأنا أجد إلى ذلك سبيلاً ولكن لابد من استعمال الحيلة . ثم حفر في أسفل النخلة بيتاً واتخذه سكناً له ولزوجته وإلى جانبه مسجداً وانفرد فيه وأظهر النسك والعبادة ، وترك الدنيا وكان الورشان متعبداً مصلياً فرق له من شدة زهده وقال : كم سنة وأنت هكذا ؟ قال القنفذ : مدة ثلاثين سنة . قال الورشان : ما طعامك ؟ قال القنفذ : ما يسقط من النخلة . قال الورشان : ما لباسك ؟ قال القنفذ : شوك أنتفع بخشونته . قال الورشان : وكيف اخترت مكانك هذا على غيره ؟ قال القنفذ : اخترته على غير طريق لأجل أن أرشد الضال وأعلم الجاهل . فقال له الورشان : كنت أظهر على انك على غير هذه الحالة ولكنني رغبت فيما عندك . فقال القنفذ : إني أخشى أن يكون قولك ضد فعلك فتكون كالزراع الذي جاء وقت الزرع قصر في بذره وقال : إني أخشى أن يكون أوان الزرع قد فات فأكون قد أضعت المال بسرعة البذر . فلما جاء وقت الحصاد ورأى الناس يحصدون ندم على ما فاته من تقصيره ومن تخلفه ومات أسفاً . فقال الورشان للقنفذ : وماذا أصنع حتى أتخلص من علائق الدنيا وأنقطع إلى عبادة ربي ؟ قال له القنفذ : خذ في الإستعداد للميعاد والقناعة بالكفاية في الزاد . فقال الورشان : كيف لي بذلك وأنا طائر لا أستطيع أن أتجاوز النخلة التي فيها قوتي ؟ ولو استطعت ذلك ما عرفت موضعاً أستقر فيه . فقال القنفذ : يمكنك أن تنثر من ثمر النخلة ما يكفيك مؤونة عام أنت وزوجتك وتسكن قي وكر تحت النخلة لالتماس حسن إرشادك ، ثم مل إلى ما نثرته من الثمر فانقله جميعاً وادخره قوتاً للعدم وإذا فرغت الثمار وطال عليك المطال سر إلى كفاف العيش . فقال الورشان : جزاك الله خيراً حيث ذكرتني بالميعاد وهديتني إلى الرشاد . ثم تعب الورشان هو وزوجته في طرح الثمر حتى لم يبق في النخلة شيء فوجد القنفذ ما يأكل وفرح به وملأ مسكنه من الثمر وادخره لقوته وقال في نفسه : إن الورشان هو وزوجته إذا احتاجا إلى مؤونتهما طلباها مني وطمعا فيما عندي وركنا إلى تزهدي وورعي . فلما رأى الورشان منه الخديعة لائحة قال له : أين الليلة من البارحة فما تعلم أن للمظلومين ناصراً فإياك والمكر والخديعة ، لئلا يصيبك ما أصاب الخداعين الذين مكروا بالتاجر . فقال القنفذ : وكيف ذلك ؟ قال الورشان : بلغني أن تاجراً من مدينة يقال لها سنده كان ذا مال واسع فشد جمالاً وجهز متاعاً وخرج به إلى بعض المدن ليبيعه فيها فتبعه رجلان من المكرة وحملا شيئاً من مال ومتاع وأظهرا للتاجر أنهما من التجار وساروا معه فلما نزلا أول منزل اتفقا على المكر به وأخذ ما معه . ثم إن كل واحد منهما أضمر المكر لصاحبه وقال في نفسه : لو مكرت بصاحبي بعد مكرنا بالتاجر لصفا لي الوقت وأخذت جميع المال . ثم أضمرا لبعضهما نية فاسدة وأخذ كل منهما طعاماً وجعل فيه سماً وقربه لصاحبه فقتلا بعضهما وكانا يجلسان مع التاجر ويحدثانه فلما أبطأوا عليه فتش عليهما ليعرف خبرهما فوجدهما ميتين فعلم أنهم كانا محتالين وأرادا المكر به فعاد عليهما مكرهما وسلم التاجر والمال معه . فقال الملك شهريار : نبهتيني يا شهرزاد على شيء كنت غافلاً عنه أفلا تزيديني من هذه الأمور ؟ قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن رجلاً كان عنده قرد وكان ذلك الرجل سارقاً لا يدخل سوقاً من أسواق المدينة التي هو فيها إلا ويرجع بكسب عظيم فاتفق أن رجلاً حمل أثواباً ليبيعها فذهب بها إلى السوق وصار ينادي عليها فلا يسومها أحد وكان لا يعرضها على أحد إلا امتنع من شرائها فاتفق أن السارق الذي معه القرد رأى الشخص الذي معه الثياب المقطعة وكان وضعها في بقجة وجلس يستريح من التعب فلعب القرد أمامه حتى أشغله بالفرجة عليه واختلس منه تلك البقجة ، ثم أخذ القرد وذهب إلى السوق مكان خال وفتح البقجة فرأى تلك الثياب المقطعة فوضعها في بقجة نفيسة وذهب بها إلى سوق آخر وعرض البقجة للبيع بما فيها واشترط أن لا تفتح ورغب الناس فيها لقلة الثمن فرآها رجل وأعجبه نفاستها فاشتراها وذهب بها إلى زوجته ، فلما رأت ذلك امرأته قالت : ما هذا ؟ قال الرجل : متاع نفيس اشتريته بدون القيمة لأبيعه واخذ فائدته . فقالت له زوجته : أيها المغبون هذا المتاع بأقل من قيمته إلا إذا كان مسروقاً ? أما تعلم أن من اشترى شيئاً ولم يعاينه كان مخطئاً وكان مثله مثل الحائك . فقال لها : وكيف كان ذلك ؟ فقالت له : بلغني أن حائكاً كان في بعض القرى وكان يعمل فلا ينال القوت إلا بجهد ، فاتفق أن رجلاً من الأغنياء كان ساكناً قريباً منه قد أولم وليمة ودعا الناس إليها فحضر الحائك فرأى الناس الذين عليهم الثياب الناعمة يقدم لهم الأطعمة الفاخرة وصاحب المنزل يعظمهم لما يرى من حسن زيهم ، فقال في نفسه : لو بدلت تلك الصنعة بصنعة أخف مؤونة منها وأكثر أجرة لجمعت مالاً كثيراً واشتريت ثياباً فاخرة وارتفع شأني وعظمت في أعين الناس . ثم نظر إلى بعض ملاعب الحاضرين في الوليمة وقد صعد سوراً شاهقاً ثم رمى بنفسه إلى الأرض ونهض قائماً فقال في نفسه : لابد أن أعمل مثل عمل هذا ولا أعجز عنه . ثم صعد إلى السور ورمى نفسه ، فلما وصل إلى الأرض اندقت رقبته فمات وإنما أخبرتك بذلك لئلا يتمكن منك الشر ، فترغب فيما ليس من شانك . فقال لها زوجها : ما كل عالم يسلم بعلمه ولا كل جاهل يعطب بجهله وقد رأيت الحاوي الخبير بالأفاعي العالم بها وربما نهشته الحية فقتلته وقد يظهر بها الذي لا معرفة له بها ولا علم عنده بأحواله . ثم خالف زوجته واشترى المتاع وأخذ في تلك العادة فصار يشتري من السارقين بدون القيمة إلى أن وقع في تهمة فهلك فيها . وكان في زمنه عصفور يأتي كل يوم إلى ملك من ملوك الطير ولم يزل غادياً ورائحاً عنده بحيث كان أول داخل عليه وآخر خارج من عنده فاتفق أن جماعة من الطير اجتمعوا في جبل عال من الجبال فقال بعضهم لبعض : إنا قد كثرنا وكثر الاختلاف بيننا ، ولابد لنا من ملك ينظر في أمورنا فتجتمع كلمتنا ويزول الاختلاف عنا . فمر بهم ذلك العصفور فأشار عليهم بتمليك الطاووس وهو الملك الذي يتردد إليه فاختاروا الطاووس وجعلوه عليهم ملكاً فأحسن إليهم وجعل ذلك العصفور كاتبه ووزيره فكان تارة يترك الملازمة وينظر في الأمور ، ثم إن العصفور غاب يوماً عن الطاووس فقلق قلقاً عظيماً فبينما هو كذلك إذ دخل عليه العصفور فقال له : ما الذي أخرك وأنت أقرب أتباعي إلي ؟ فقال العصفور : رأيت أمراً واشتبه علي فتخوفت منه . فقال له الطاووس : ما الذي رأيت ؟ قال العصفور : رأيت رجلاً معه شبكة قد نصبها عند وكري وثبت أوتادها وبذر في وسطها حباً وقعد بعيداً عنها فجلست انظر ما يفعل فبينما أنا كذلك إذا بكركي هو وزوجته قد ساقهما القضاء والقدر حتى سقطا في وسط الشبكة ، فصارا يصرخان فقام الصياد وأخذهما فأزعجني ذلك وهذا سبب غيابي عنك يا ملك الزمان وما بقيت أسكن هذا الوكر حذراً من الشبكة . فقال له الطاووس : لا ترحل من مكانك لأنه لا ينفع الحذر من القدر . فامتثل لأمره ، وقال : سأصبر ولا أرحل طاعة للملك . ولم يزل العصفور محاذراً على نفسه وأخذ الطعام إلى الطاووس فأكل حتى اكتفى وتناول على الطعام ماء ثم ذهب العصفور . فبينما هو في بعض الأيام شاخصاً إذا بعصفورين يقتتلان في الأرض فقال في نفسه : كيف أكون وزير الملك وأرى العصافير تقتتل في جواري والله لأصلحن بينهما . ثم ذهب إليهما ليصلح بينهما فقلب الصياد الشبكة على الجميع فوقع العصفور في وسطها فقام إليه الصياد وأخذه ودفعه إلى صاحبه وقال : استوثق به فإنه سمين لم أر أحسن منه . فقال العصفور في نفسه : قد وقعت فيما كنت أخاف وما كان آمناً إلا الطاووس ولم ينفعني الحذر من القدر فلا مفر من القضاء للمحاذر وما أحسن قول الشاعر : ما لا يكون فلا يكون بحيلـة ........ أبداً وما هو كائن سيكـون سيكون ما هو كائن في وقته ........ وأخو الجهالة دائماً مغبون فقال الملك شهريار : يا شهرزاد زيديني من هذا الحديث . فقالت شهرزاد : الليلة القابلة أن أبقاني الملك أعزه الله .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:18 pm | |
| تكملة بعض الحكايات عن الطيور والحيوانات
الليلة الثالثة والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الغراب قال : زعموا أن صقراً كان جباراً عنيداً أيام شبيبته وكان سباع البر وسباع الطير تفزع منه ولا يسلم من شره أحد وله حكايات كثيرة في ظلمه وتجبره وكان دأب هذا الصقر الأذى لسائر الطيور فلما مرت عليه السنون ضعف وجاع واشتد جهده بعد فقد قوته فأجمع رأيه على أن يأتي مجمع الطير فيأكل ما يفضل منها ، فعند ذلك صار قوته بالحيلة بعد القوة والشدة . وأنت كذلك أيها الثعلب إن عدمت قوتك ما عدمت خداعك ولست أشك في أن ما تطلبه من صحبتي حيلة على قوتك فلا كنت ممن يضع يده في يدك لأن الله أعطاني قوة في جناحي وحذراً في نفسي وبصراً في عيني وأعلم أن من تشبه بأقوى منه تعب وربما هلك . هذا ما عندي الكلام واذهب عش بسلام . فلما يئس الثعلب من مصادقة الغراب رجع من حزنه يئن وقرع للندامة سناً على سن . فلما سمع الغراب بكاءه وأنينه ورأى كآبته وحزنه قال : أيها الثعلب ما نابك حتى قرعت نابك ؟ قال له الثعلب : إنما قرعت سني لأني رأيتك أخدع مني . ثم ولى هارباً ورجع إلى جحره طالباً . وهذا ما كان من حديثهما أيها الملك . فقال الملك شهريار : يا شهرزاد ما أحسن هذه الحكايات هل عندك شيء مثلها من الخرافات ؟ قالت شهرزاد : يحكى أن قنفذاً مسكناً بجانب نخلة وكان الورشان هو وزوجته فلما اتخذا عشاً في النخلة وعاشا فوقها عيشاً رغيداً فقال القنفذ في نفسه : إن الورشان يأكل من ثمر النخل وأنا أجد إلى ذلك سبيلاً ولكن لابد من استعمال الحيلة . ثم حفر في أسفل النخلة بيتاً واتخذه سكناً له ولزوجته وإلى جانبه مسجداً وانفرد فيه وأظهر النسك والعبادة ، وترك الدنيا وكان الورشان متعبداً مصلياً فرق له من شدة زهده وقال : كم سنة وأنت هكذا ؟ قال القنفذ : مدة ثلاثين سنة . قال الورشان : ما طعامك ؟ قال القنفذ : ما يسقط من النخلة . قال الورشان : ما لباسك ؟ قال القنفذ : شوك أنتفع بخشونته . قال الورشان : وكيف اخترت مكانك هذا على غيره ؟ قال القنفذ : اخترته على غير طريق لأجل أن أرشد الضال وأعلم الجاهل . فقال له الورشان : كنت أظهر على انك على غير هذه الحالة ولكنني رغبت فيما عندك . فقال القنفذ : إني أخشى أن يكون قولك ضد فعلك فتكون كالزراع الذي جاء وقت الزرع قصر في بذره وقال : إني أخشى أن يكون أوان الزرع قد فات فأكون قد أضعت المال بسرعة البذر . فلما جاء وقت الحصاد ورأى الناس يحصدون ندم على ما فاته من تقصيره ومن تخلفه ومات أسفاً . فقال الورشان للقنفذ : وماذا أصنع حتى أتخلص من علائق الدنيا وأنقطع إلى عبادة ربي ؟ قال له القنفذ : خذ في الإستعداد للميعاد والقناعة بالكفاية في الزاد . فقال الورشان : كيف لي بذلك وأنا طائر لا أستطيع أن أتجاوز النخلة التي فيها قوتي ؟ ولو استطعت ذلك ما عرفت موضعاً أستقر فيه . فقال القنفذ : يمكنك أن تنثر من ثمر النخلة ما يكفيك مؤونة عام أنت وزوجتك وتسكن قي وكر تحت النخلة لالتماس حسن إرشادك ، ثم مل إلى ما نثرته من الثمر فانقله جميعاً وادخره قوتاً للعدم وإذا فرغت الثمار وطال عليك المطال سر إلى كفاف العيش . فقال الورشان : جزاك الله خيراً حيث ذكرتني بالميعاد وهديتني إلى الرشاد . ثم تعب الورشان هو وزوجته في طرح الثمر حتى لم يبق في النخلة شيء فوجد القنفذ ما يأكل وفرح به وملأ مسكنه من الثمر وادخره لقوته وقال في نفسه : إن الورشان هو وزوجته إذا احتاجا إلى مؤونتهما طلباها مني وطمعا فيما عندي وركنا إلى تزهدي وورعي . فلما رأى الورشان منه الخديعة لائحة قال له : أين الليلة من البارحة فما تعلم أن للمظلومين ناصراً فإياك والمكر والخديعة ، لئلا يصيبك ما أصاب الخداعين الذين مكروا بالتاجر . فقال القنفذ : وكيف ذلك ؟ قال الورشان : بلغني أن تاجراً من مدينة يقال لها سنده كان ذا مال واسع فشد جمالاً وجهز متاعاً وخرج به إلى بعض المدن ليبيعه فيها فتبعه رجلان من المكرة وحملا شيئاً من مال ومتاع وأظهرا للتاجر أنهما من التجار وساروا معه فلما نزلا أول منزل اتفقا على المكر به وأخذ ما معه . ثم إن كل واحد منهما أضمر المكر لصاحبه وقال في نفسه : لو مكرت بصاحبي بعد مكرنا بالتاجر لصفا لي الوقت وأخذت جميع المال . ثم أضمرا لبعضهما نية فاسدة وأخذ كل منهما طعاماً وجعل فيه سماً وقربه لصاحبه فقتلا بعضهما وكانا يجلسان مع التاجر ويحدثانه فلما أبطأوا عليه فتش عليهما ليعرف خبرهما فوجدهما ميتين فعلم أنهم كانا محتالين وأرادا المكر به فعاد عليهما مكرهما وسلم التاجر والمال معه . فقال الملك شهريار : نبهتيني يا شهرزاد على شيء كنت غافلاً عنه أفلا تزيديني من هذه الأمور ؟ قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن رجلاً كان عنده قرد وكان ذلك الرجل سارقاً لا يدخل سوقاً من أسواق المدينة التي هو فيها إلا ويرجع بكسب عظيم فاتفق أن رجلاً حمل أثواباً ليبيعها فذهب بها إلى السوق وصار ينادي عليها فلا يسومها أحد وكان لا يعرضها على أحد إلا امتنع من شرائها فاتفق أن السارق الذي معه القرد رأى الشخص الذي معه الثياب المقطعة وكان وضعها في بقجة وجلس يستريح من التعب فلعب القرد أمامه حتى أشغله بالفرجة عليه واختلس منه تلك البقجة ، ثم أخذ القرد وذهب إلى السوق مكان خال وفتح البقجة فرأى تلك الثياب المقطعة فوضعها في بقجة نفيسة وذهب بها إلى سوق آخر وعرض البقجة للبيع بما فيها واشترط أن لا تفتح ورغب الناس فيها لقلة الثمن فرآها رجل وأعجبه نفاستها فاشتراها وذهب بها إلى زوجته ، فلما رأت ذلك امرأته قالت : ما هذا ؟ قال الرجل : متاع نفيس اشتريته بدون القيمة لأبيعه واخذ فائدته . فقالت له زوجته : أيها المغبون هذا المتاع بأقل من قيمته إلا إذا كان مسروقاً ? أما تعلم أن من اشترى شيئاً ولم يعاينه كان مخطئاً وكان مثله مثل الحائك . فقال لها : وكيف كان ذلك ؟ فقالت له : بلغني أن حائكاً كان في بعض القرى وكان يعمل فلا ينال القوت إلا بجهد ، فاتفق أن رجلاً من الأغنياء كان ساكناً قريباً منه قد أولم وليمة ودعا الناس إليها فحضر الحائك فرأى الناس الذين عليهم الثياب الناعمة يقدم لهم الأطعمة الفاخرة وصاحب المنزل يعظمهم لما يرى من حسن زيهم ، فقال في نفسه : لو بدلت تلك الصنعة بصنعة أخف مؤونة منها وأكثر أجرة لجمعت مالاً كثيراً واشتريت ثياباً فاخرة وارتفع شأني وعظمت في أعين الناس . ثم نظر إلى بعض ملاعب الحاضرين في الوليمة وقد صعد سوراً شاهقاً ثم رمى بنفسه إلى الأرض ونهض قائماً فقال في نفسه : لابد أن أعمل مثل عمل هذا ولا أعجز عنه . ثم صعد إلى السور ورمى نفسه ، فلما وصل إلى الأرض اندقت رقبته فمات وإنما أخبرتك بذلك لئلا يتمكن منك الشر ، فترغب فيما ليس من شانك . فقال لها زوجها : ما كل عالم يسلم بعلمه ولا كل جاهل يعطب بجهله وقد رأيت الحاوي الخبير بالأفاعي العالم بها وربما نهشته الحية فقتلته وقد يظهر بها الذي لا معرفة له بها ولا علم عنده بأحواله . ثم خالف زوجته واشترى المتاع وأخذ في تلك العادة فصار يشتري من السارقين بدون القيمة إلى أن وقع في تهمة فهلك فيها . وكان في زمنه عصفور يأتي كل يوم إلى ملك من ملوك الطير ولم يزل غادياً ورائحاً عنده بحيث كان أول داخل عليه وآخر خارج من عنده فاتفق أن جماعة من الطير اجتمعوا في جبل عال من الجبال فقال بعضهم لبعض : إنا قد كثرنا وكثر الاختلاف بيننا ، ولابد لنا من ملك ينظر في أمورنا فتجتمع كلمتنا ويزول الاختلاف عنا . فمر بهم ذلك العصفور فأشار عليهم بتمليك الطاووس وهو الملك الذي يتردد إليه فاختاروا الطاووس وجعلوه عليهم ملكاً فأحسن إليهم وجعل ذلك العصفور كاتبه ووزيره فكان تارة يترك الملازمة وينظر في الأمور ، ثم إن العصفور غاب يوماً عن الطاووس فقلق قلقاً عظيماً فبينما هو كذلك إذ دخل عليه العصفور فقال له : ما الذي أخرك وأنت أقرب أتباعي إلي ؟ فقال العصفور : رأيت أمراً واشتبه علي فتخوفت منه . فقال له الطاووس : ما الذي رأيت ؟ قال العصفور : رأيت رجلاً معه شبكة قد نصبها عند وكري وثبت أوتادها وبذر في وسطها حباً وقعد بعيداً عنها فجلست انظر ما يفعل فبينما أنا كذلك إذا بكركي هو وزوجته قد ساقهما القضاء والقدر حتى سقطا في وسط الشبكة ، فصارا يصرخان فقام الصياد وأخذهما فأزعجني ذلك وهذا سبب غيابي عنك يا ملك الزمان وما بقيت أسكن هذا الوكر حذراً من الشبكة . فقال له الطاووس : لا ترحل من مكانك لأنه لا ينفع الحذر من القدر . فامتثل لأمره ، وقال : سأصبر ولا أرحل طاعة للملك . ولم يزل العصفور محاذراً على نفسه وأخذ الطعام إلى الطاووس فأكل حتى اكتفى وتناول على الطعام ماء ثم ذهب العصفور . فبينما هو في بعض الأيام شاخصاً إذا بعصفورين يقتتلان في الأرض فقال في نفسه : كيف أكون وزير الملك وأرى العصافير تقتتل في جواري والله لأصلحن بينهما . ثم ذهب إليهما ليصلح بينهما فقلب الصياد الشبكة على الجميع فوقع العصفور في وسطها فقام إليه الصياد وأخذه ودفعه إلى صاحبه وقال : استوثق به فإنه سمين لم أر أحسن منه . فقال العصفور في نفسه : قد وقعت فيما كنت أخاف وما كان آمناً إلا الطاووس ولم ينفعني الحذر من القدر فلا مفر من القضاء للمحاذر وما أحسن قول الشاعر : ما لا يكون فلا يكون بحيلـة ........ أبداً وما هو كائن سيكـون سيكون ما هو كائن في وقته ........ وأخو الجهالة دائماً مغبون فقال الملك شهريار : يا شهرزاد زيديني من هذا الحديث . فقالت شهرزاد : الليلة القابلة أن أبقاني الملك أعزه الله .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:18 pm | |
| حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة الرابعة والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان في خلافة هارون الرشيد رجل تاجر له ولد يسمى أبا الحسن علي بن طاهر وكان كثير المال والنوال حسن الصورة محبوباً عند كل من يراه وكان يدخل دار الخلافة من غير إذن ويحبه جميع سراري الخليفة وجواريه وكان ينادمه وينشد عنده الأشعار ويحدثه بنوادر الأخبار إلا أنه كان يبيع ويشتري في سوق التجار وكان يجلس على دكانه شاب من أولاد ملوك العجم يقال له علي بن بكار وكان ذلك الشاب مليح القامة ظريف الشكل كامل الصورة مورد الخدين مقرون الحاجبين عذب الكلام ضاحك السن يحب البسط والإنشراح فاتفق لهما كانا جالسين يتحدثان ويضحكان وإذا بعشر جوار كأنهن الأقمار وكل منهن ذات حسن وجمال وقد واعتدال وبينهن صبية راكبة على بغلة بسرج مزركش ، له ركاب من الذهب كما قال فيها الشاعر : لها بشر مثل الحـرير ومنـطـق ........ رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر وعينان قال الله كونا فـكـانـتـا ........ فعولان بالألباب ما تفعل الخمـر فيا حبها زدني جوى كـل لـيلـة ........ ويا سلوة الأحباب موعدك الحشر فلما وصلوا إلى دكان أبي الحسن نزلت عن البغلة وجلست على دكانه فسلمت عليه وسلم عليها فلما رآها علي بن كار سلبت عقله وأراد القيام فقالت له : اجلس مكانك كيف تذهب إذا حضرنا هذا ما هو إنصاف ؟ فقال علي بن بكار : والله يا سيدتي إني هارب مما رأيت وما أحسن قول الشاعر : هي الشمس مسكنها في السماء ........ فعز الفؤاد عـزاء جـمـيلا فلن تستطيع إليهـا صـعـوداً ........ ولن تستطـيع إلـيك نـزولا فلما سمعت ذلك الكلام تبسمت وقالت لأبي الحسن : ما اسم هذا الفتى ومن أين هو ؟ فقال لها أبي الحسن : هذا غريب اسمه علي بن بكار بن ملك العجم والغريب يجب إكرامه . فقالت له : إذا جاءتك جاريتي فارسله لعندي . فقال أبو الحسن : على الرأس . ثم قامت وتوجهت إلى حال سبيلها . هذا ما كان من أمرها . وأما ما كان من أمر علي بن بكار فإنه صار لا يعرف ما يقول وبعد ساعة جاءت الجارية إلى أبي الحسن وقالت : إن سيدتي تطلبك أنت ورفيقك . فنهض أبو الحسن وأخذ معه علي بن بكار وتوجها إلى دار هارون الرشيد فأدخلتهما في مقصورة وأجلستهما وإذا بالموائد وضعت قدامهما فأكلا وغسلا أيديهما ، ثم أحضرت لهما الشراب فشربا ، ثم أمرتهما بالقيام فقاما معها وأدخلتهما مقصورة أخرى مركبة على أربعة أعمدة وهي مفروشة بأنواع الفرش مزينة بأحسن الزينة ، كأنها من قصور الجنان اندهشا مما عاينا من التحف . فبينما هما يتفرجان على هذه الغرائب وإذا بعشر جوار أقبلن وبينهن جارية اسمها شمس النهار كأنها القمر بين النجوم وهي متوحشة تفاضل شعرها وعليها لباس أزرق أزرار من الحرير بطراز من الذهب وفي وسطها حياصة مرصعة بأنواع الجواهر ولم تزل تتبختر حتى جلست على السرير فلما رآها علي بن بكار أنشد هذه الأشعار : إن هذي هي ابتداء سقـامـي ........ وتمادي وجدي وطول غرامي عندها قد رأيت نفسـي ذابـت ........ من ولوعي بها وبري عظامي فلما فرغ من شعره قال لأبي الحسن : لو عملت معي خيراً كنت أخبرتني بهذه الأمور قبل الدخول هنا لأجل أن أوطن نفسي وأصبرها على ما أصابها . ثم بكى وأن واشتكى فقال له أبو الحسن : يا أخي أنا ما أردت لك إلا الخير ولكن خشيت أن أعلمك بذلك فيلحقك من الوجد ما يصدك عن لقائها ويحيل بينك وبين وصالها فطب نفساً وقر عيناً فهي بسعدك مقبلة وللقائك متوصلة . فقال علي بن بكار : ما اسم هذه الصبية ؟ فقال أبو الحسن : تسمى شمس النهار وهي من محاظي أمير المؤمنين هارون الرشيد وهذا المكان قصر الخلافة . ثم إن شمس النهار جلست وتأملت محاسن علي بن بكار وتأمل هو حسنها واشتغلا بحب بعضهما وقد أمرت الجواري أن تجلس كل واحدة منهن في مكانها على سرير ، فجلست كل واحدة قبال طاقة وأمرتهن بالغناء فتسلمت واحدة منهن العود وأنشدت تقول : أعد الرسالة ثـانـية ........ وخذ الجواب علانية وإليك يا ملك الملاح ........ وقفت أشكو حالـيه مولاي يا قلبي العزيز ........ ويا حياتي الغـالـية أنعم علي بـقـبـلة ........ هبة وإلا عــارية وأردها لك لا عدمت ........ بعينها وكمـا هـي وإذا أردت زيــادة ........ خذها ونفسي راضية يا ملبسي ثوب الرضا ........ يهنيك ثوب العافـية فطرب علي بن بكار وقال : زيديني من مثل هذا الشعر . فحركت الأوتار وأنشدت هذه الأشعار : من كثرة البعد يا حبيبـي ........ علمت طول البكا جفوني يا حظ عيني ومـنـاهـا ........ ومنتهى غايتـي ودينـي ارث لمن طرفه غـريـق ........ في عبرة الواله الحزين فلما فرغت من شعرها قالت شمس النهار لجارية غيرها : أنشدي . فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات : سكرت من لحظه لا من مدامته ........ ومال بالنوم عن عيني تمايلـه فما السلاف سلتني بل سوالفـه ........ والشمول شلتني بل شمـائلـه لوى بعزمي أصداغاً لوين لـه ........ وغالى عقلي بما تهوى غلائله فلما سمعت شمس النهار إنشاد الجاري تنهدت وأعجبها الشعر ثم أمرت جارية أخرى أن تغني فأنشدت هذه الأبيات : وجه لمصباح السمـاء مباهـي ........ يبدو الشباب عليه رشح مـياه رقم العدار غلاليتـه بـأحـرف ........ معنى الهوى في طيبها متناهي نادى عليه الحسن حين لقـيتـه ........ هذا المنمنم في طراز الـلـه فلما فرغت من شعرها قال علي بن بكار لجارية قريب منه : أنشدي أنت أيتها الجارية . فأخذت العود وأنشدت هذه الأبيات : زمن الوصل يضيق عن ........ هذا التمادي والـدلال كم من صدود متـلـف ........ ما هكذا أهل الجمـال فاستغنموا وقت السعود ........ بطيب ساعات الوصال فلما فرغت من شعرها تنهد علي بن بكار وأرسل دموعه الغزار ، فلما رأته شمس النهار قد بكى وأن واشتكى أحرقها الوجد والغرام وأتلفها الوله والهيام فقامت من فوق السرير وجاءت إلى باب القبة فقام علي بن بكار وتلقاها ووقعا مغشياً عليهما في باب القبة فقمن الجواري إليهما وحملنهما وأدخلنهما القبة ورششن عليهما ماء الورد فلما أفاقا لم يجدا أبا الحسن وكان قد اختفى في جانب سرير فقالت الصبية : أين أبو الحسن ؟ فنظر لها من جانب السرير فسلمت عليه وقالت له : أسأل الله أن يقدرني على مكافأتك يا صاحب المعروف . ثم أقبلت على علي بن بكار وقالت له : يا سيدي ما بلغ بك الهوى إلى غاية إلا وعندي أمثالها وليس لنا إلا الصبر على ما أصابنا . فقال علي بن بكار : والله يا سيدتي جمع شملي بك يطيب ولا ينطفئ إليك ما عندي من اللهيب ولا يذهب ما تمكن من حبك في قلبي إلا بذهاب روحي . ثم بكى فنزلت دموعه على خده كأنها المطر ، فلما رأته شمس النهار يبكي بكت لبكائه فقال أبو الحسن : والله إني عجبت من أمركما واحترت من شأنكما فإن حالكما عجيب وأمركما غريب في هذا البكاء وأنتما مجتمعان فكيف يكون الحال بعد انفصالكما ؟ ثم قال لهما : هذا ليس وقت حزن وبكاء بل هذا وقت سرور وفرح . فأشارت شمس النهار إلى جارية فقامت وعادت ومعها وصائف حاملات مائدة صحافها من الفضة وفيها أنواع الطعام ، ثم وضعت المائدة قدامها وصارت شمس النهار تأكل وتلقم علي بن بكار حتى اكتفوا ، ثم رفعت المائدة وغسلوا أيديهم وجاءتهم المباخر بأنواع العود وجاءت القماقم بماء الورد فتبخروا وتطيبوا وقدمت لهم أطباق من الذهب المنقوش فيها من أنواع الشراب والفواكه والنقل وما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، ثم جاءت لهم بطشت من العقيق ملآن من المدام ، فاختارت شمس النهار عشر وصائف أوقفتهن عندها وعشر جوار من المغنيات وصرفت باقي الجواري إلى أماكنهن وأمرت بعض الحاضرات من الجواري أن يضربن العود ففعلن ما أمرت به ، وأنشدت واحدة منهن : بنفسي من رد التحـية ضاحـكـاً ........ فجدد بعد اليأس في الوصل مطعمي لقد أبرزت سر الغـرام سرائـري ........ وأظهرت للعذال ما بين أضلـعـي وحالت دموع العين بينـي وبـينه ........ كأن دموع العين تعشقـه مـعـي فلما فرغت من شعرها قامت شمس النهار وملأت الكأس وشربته ثم ملأته وأعطته لعلي بن بكار .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:19 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة الخامسة والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن شمس النهار ملأت الكأس لعلي بن بكار ، ثم أمرت جارية أن تغني فأنشدت هذين البيتين : تشابه دمعي إذ جرى ومدامـتـي ........ فمن مثل الكأس عيني تسـكـب فوالله لا أدري أبالخمر أسلـبـت ........ جفوني أم من أدمعي كنت أشرب فلما فرغت من شعرها شرب علي بن بكار كأسه ورده إلى شمس النهار فملأته وناولته لأبي الحسن فشربه ثم أخذت العود وقالت : لا يغني على قدحي غيري . ثم شدت الأوتار وأنشدت هذه الأشعار : غرائب الدمع في خديه تضـطرب ........ وجداً ونار الهوى في صدره تتقد يبكي من القرب خوفاً من تباعدهم ........ فالدمع إن قربوا جار وإن بعدوا فلما سمع علي بن بكار وأبو الحسن والحاضرون شعر شمس النهار كادوا يطيروا من الطرب ولعبوا وضحكوا ، فبينما هم على هذا الحال إذا بجارية أقبلت وهي ترتعد من الخوف وقالت : يا سيدتي وصل أمير المؤمنين وهاهو بالباب ومعه عفيف ومسرور وغيرهما . فلما سمعوا كلام الجارية كادوا أن يهلكوا من الخوف فضحكت شمس النهار وقالت : لا تخافوا . ثم قالت للجارية : ردي عليهم الجواب بقدر ما نتحول من هذا المكان . ثم إنها أمرت بغلق باب القبة ثم خرجت إلى البستان وجلست على سريرها وأمرت جارية أن تكبس رجليها وأمرت بقية الجواري أن يمضين إلى أماكنهن وأمرت الجارية أن تدع الباب مفتوحاً ليدخل الخليفة فدخل مسرور ومن معه وكانوا عشرون وبأيديهم السيوف فسلموا على شمس النهار ، فقالت لهم : لأي شيء جئتم ؟ فقالوا : إن أمير المؤمنين يسلم عليك وقد استوحش لرؤيتك ويخبرك أنه كان عنده اليوم سرور وحظ زائد وأحب أن يكون ختام السرور بوجودك في هذه الساعة ، فهل تأتين عنده أو يأتي عندك ؟ فقامت وقبلت الأرض وقالت : سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين . ثم أمرت بإحضار القهرمانات والجواري فحضرن وأظهرت لهن أنها مقبلة على ما أمر به الخليفة وكان المكان كاملاً في جميع أموره ثم قالت للخدم : امضوا إلى أمير المؤمنين واخبروه أنني في انتظاره بعد قليل إلى أن أهيئ له مكاناً بالفرش والأمتعة . فمضى الخدم مسرعين إلى أمير المؤمنين . ثم إن شمس النهار قامت ودخلت إلى معشوقها علي بن بكار وضمته إلى صدرها وودعته فبكى بكاءً شديداً وقال : يا سيدتي هذا الوداع فمتعيني به لعله يكون على تلف نفسي وهلاك روحي في هواك ولكن أسأل الله أن يرزقني الصبر على ما بلاني به من محبتي . فقالت له شمس النهار : والله ما يصير في التلف إلا أنا فإنك قد تخرج إلى السوق وتجتمع بمن يسليك فتكون مصوناً وغرامك مكنوناً وأما أنا فسوف أقع في البلاء خصوصاً وقد وعدت الخليفة بميعاد فربما يلحقني من ذلك عظيم الخطر بسبب شوقي إليك وحبي لك وتعشقي فيك وتأسفي على مفارقتك ، فبأي لسان أغني ؟ وبأي قلب أحضر عند الخليفة ؟ وبأي نظر أنظر إلى مكان ما أنت فيه ؟ وكيف أكون في حضرة لم تكن بها ؟ وبأي ذوق أشرب مداماً ما أنت حاضره ؟ فقال لها أبو الحسن : لا تتحيري واصبري ولا تغفلي عن منادمة أمير المؤمنين هذه الليلة ولا تريه تهاوناً . فبينما هما في الكلام إذا بجارية قدمت وقالت : يا سيدتي جاء غلمان أمير المؤمنين . فنهضت قائمة وقالت للجارية : خذي أبا الحسن ورفيقه واقصدي بهما أعلى الروشن المطل على البستان ودعيهما هناك إلى الظلام ثم تحيلي في خروجهما . فأخذتهما وأطلعتهما في الروشن وأغلقت الباب عليهما ومضت إلى حال سبيلها وصارا ينظران إلى البستان ، وإذا بالخليفة قدم وقدامه نحو المائة خادم بأيديهم السيوف وحواليه عشرون جارية كأنهن الأقمار عليهن أفخر ما يكون من الملبوس وعلى رأس كل واحدة تاج مكلل بالجواهر واليواقيت وفي يد كل واحدة شمعة موقودة والخليفة يمشي بينهن وهن محيطات به من كل ناحية ومسرور وعفيف ووصيف قدامه وهو يتمايل بينهم ، فقامت شمس النهار وجميع من عندها من الجواري ولاقينه من البستان وقبلن الأرض بين يديه ولم يزلن سائرات أمامه إلى أن جلس على السرير والذين في البستان من الجواري والخدم وقفوا حوله والشموع موقودة والآلات تضرب إلى أن أمرهم بالإنصراف والجلوس على الأسرة فجلست شمس النهار على السرير بجانب سرير الخليفة وصارت تحدثه ، كل ذلك وأبو الحسن وعلي بن بكار ينظران ويسمعان والخليفة لم يرهما . ثم إن الخليفة صار يلعب مع شمس النهار ، وأمر بفتح القبة ففتحت وشرعوا طيقانها وأوقدوا الشموع حتى صار المكان وقت الظلام كالنهار ، ثم إن الخدم صاروا ينقلون آلت المشروب فقال أبو الحسن : إن هذه الآلات والمشروب والتحف ما رأيت مثله وهذا شيء من أصناف الجواهر ما سمعت بمثله وقد خيل لي في المنام وقد اندهش عقلي وخفق قلبي . وأما علي بن بكار فإنه لما فارقته شمس النهار لم يزل مطروحاً على الأرض من شدة العشق فلما أفاق صار ينظر إلى هذه الفعال التي لا يوجد مثلها فقال لأبي الحسن : يا أخي أخشى أن ينظرنا الخليفة أو يعلم حالنا وأكثر خوفي عليك وأما أنا فإني أعلم نفسي من الهالكين وما سبب موتي إلا العشق والغرام وفرط الوجد والهيام ونرجو من الله الخلاص مما بلينا . ولم يزل علي بن بكار وأبو الحسن ينظران من الروشين إلى الخليفة وما هو فيه حتى تكاملت الحضرة بين يدي الخليفة ، ثم إن الخليفة التفت إلى جارية من الجواري وقال : هات ما عندك يا غرام من السماع المطرب . فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات : وما وجد إعرابية بـان أهلهـا ........ فحنت إلى بان الحجاز ورنده إذا آنست ركباً تكـفل شوقهـا ........ بنار قراه والدمـوع بـورده بأعظم من وجدي بحبي وغنما ........ يرى أنني أذنبت ذنبـاً بـوده فلما سمعت شمس النهار هذا الشعر وقعت مغشياً عليها من فوق الكرسي الذي كانت عليه وغابت عن الوجود فقام الجواري واحتملنها ، فلما نظر علي بن بكار من الروشن وقع مغشياً عليه ، فقال أبو الحسن : إن القضاء قسم الغرام بينكما بالتسوية . فبينما هما يتحدثان إذا بالجارية التي أطلعتها الروشن جاءتهما وقالت : يا أبا الحسن انهض أنت ورفيقك وانزلا فقد ضاقت علينا الدنيا وأنا خائفة أن يظهر أمرنا فقوما في هذه الساعة وإلا متنا . فقال أبو الحسن : فكيف ينهض معي هذا الغلام ولا قدرة له على النهوض ؟ فصارت الجارية ترش ماء الورد على وجهه حتى أفاق فحمله أبو الحسن هو والجارية ونزلا به من الروشن ومشيا قليلاً ، ثم فتحت الجارية بيدها فجاء زورق فيه إنسان يقذف فأطلعتهما الجارية في الزورق وقالت للذي في الزورق : أطلعهما في ذلك البر . فلما نزلا في الزورق وفارق البستان نظر علي بن بكار إلى القبة والبستان وودعهما بهذين البيتين : مددت إلى التوديع كفـاً ضـعـيفة ........ وأخرى على الرمضاء تحت فؤادي فلا كان هذا آخر الـعـهـد بـين ........ ولا كان هـذا الـزاد آخـر زادي ثم إن الجارية قالت للملاح : أسرع بهما . فصار يقذف لأجل السرعة والجارية معهم .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:19 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة السادسة والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملاح صار يقذف والجارية معهم إلى أن قطعوا ذلك الجانب وعدوا إلى البر الثاني ، ثم انصرفت الجارية وودعتهما وطلعا في البر وقالت لهما : كان قصدي أن لا أفارقكما لكنني لا أقدر أن أسير إلى مكان غير هذا الموضع . ثم إن الجارية عادت وصار علي بن بكار مطروحاً بين يدي أبي الحسن لا يستطيع النهوض فقال له أبو الحسن : إن هذا المكان غير أمين ونخشى على أنفسنا من التلف في هذا المكان بسبب اللصوص وأولاد الحرام . فقام علي بن بكار يتمشى قليلاً وهو لا يستطيع المشي ، وكان أبو الحسن له في ذلك الجانب أصدقاء فقصد من يثق به ويركن إليه منهم فدق بابه فخرج إليه مسرعاً . فلما رآهما رحب بهما ودخل بهم إلى منزله وأجلسهما وتحدث معهما وسألهما أين كانا فقال أبو الحسن : قد خرجنا في هذا الوقت وقد أحوجنا إلى هذا الأمر إنسان عاملته في دراهم وبلغني أنه يريد السفر بمالي فخرجت في هذه الليلة وقصدته واستأنست برفيقي هذا علي بن بكار ، وجئنا لعلنا ننظره فتوارى منا ولم نره وعدنا بلا شيء وشق علينا العودة في هذا الليل ولم نر لنا محلاً غير محلك فجئنا إليك على عوائدك الجميلة . فرحب بهما واجتهد في إكرامهما وأقاما عنده بقية ليلتهما . فلما أصبح الصباح خرجا من عنده وما زالا يمشيان حتى وصلا إلى المدينة ودخلا وجازا على بيت أبي الحسن فحلف على صاحبه علي بن بكار وأدخله بيته فاضجعا على الفراش قليلاً ، ثم أفاقا فأمر أبو الحسن غلمانه أن يفرشوا البيت فرشاً فاخراً ففعلوا ، ثم إن أبا الحسن قال في نفسه : لابد أن أؤانس هذا الغلام وأسليه عما هو فيه فإني أدرى بأمره . ثم إن علي بن بكار لما أفاق استدعى بماء فحضروا له الماء فقام وتوضأ وصلى ما فاته من الفروض في يومه وليلته وصار يسلي نفسه بالكلام . فلما رأى منه ذلك أبو الحسن تقدم إليه وقال : على الأليق بما أنت فيه أن تقيم عندي هذه الليلة لينشرح صدرك وينفرج ما بك من كرب الشوق وتتلاهى معنا . فقال علي بن بكار : أفعل يا أخي ما بدا لك فإني على كل حال غير ناج مما أصابني فاصنع ما أنت صانع . فقام أبو الحسن واستدعى غلمانه وأحضر أصحابه وأرسل إلى أرباب المغاني والآلات فحضروا وأقاموا على أكل وشرب وانشراح باقي اليوم إلى المساء ثم أوقدوا الشموع ودارت بينهم كؤوس المنادمة وطاب لهم الوقت فأخذت المغنية العود وجعلت تقول : رميت من الزمان بسهم لحظ ........ فأضناني وفارقت الحبـائب وعاندني الزمان وقل صبري ........ وإني قبل هذا كنت حاسب فلما سمع علي بن بكار كلام المغنية خر مغشياً عليه ولم يزل في غشيته إلى أن طلع الفجر ويئس منه أبو الحسن ولما طلع النهار أفاق وطلب الذهاب إلى بيته فلم يمنعه أبو الحسن خوفاً من عاقبة أمره فاتاه غلمانه ببغلة وأركبوه وصار معه أبو الحسن إلى أن أدخله منزله فلما اطمأن في بيته حمد الله أبو الحسن على خلاصه من هذه الورطة وصار يسليه وهو لا يتمالك نفسه من شدة الغرام ثم إن أبا الحسن ودعه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:20 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة السابعة والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن أبا الحسن ودعه ، فقال له علي بن بكار : يا أخي لا تقطع عني الأخبار . فقال أبي الحسن : سمعاً وطاعة . ثم إن أبا الحسن قام من عنده وأتى إلى دكانه وفتحها فما جلس غير قليل حتى أقبلت إليه الجارية وسلمت فرد عليها السلام ونظر إليها فوجدها خافقة القلب يظهر عليها أثر الكآبة ، فقال لها : أهلاً وسهلاً كيف حال شمس النهار ؟ فقالت الجارية : سوف أخبرك بحالها ، كيف حال علي بن بكار ؟ فأخبرها أبو الحسن بجميع ما كان من أمره فتأسفت وتأوهت وتعجبت من ذلك الأمر ثم قالت : إن حال سيدتي أعجب من ذلك ، لما توجهتم رجعت وقلبي يخفق عليكم وما صدقت بنجاتكم فلما رجعت وجدت سيتي مطروحة في القبة ، لا تتكلم ولا ترد على احد وأمير المؤمنين جالس عند رأسها لا يجد من يخبره بخبرها ولم يعلم ما بها ولم تزل في غشيتها إلى نصف الليل ثم أفاقت ، فقال لها أمير المؤمنين : ما الذي أصابك يا شمس النهار ؟ وما الذي اعتراك في هذه الليلة ؟ فلما سمعت شمس النهار كلام الخليفة قبلت أقدامه وقالت له : يا أمير المؤمنين جعلني الله فداءك إنه خامرني خلط ، فأضرم النار في جسدي فوقعت مغشياً علي من شدة ما بي ولا اعلم كيف كان حالي . فقال لها الخليفة : ما الذي استعملتيه في نهارك ؟ قالت شمس النهار : أفطرت على شيء لم آكله قط ثم أظهرت القوة واستدعيت بشيء من الشراب فشربته . وسألت أمير المؤمنين أن يعود إلى انشراحه فعاد إلى الجلوس في القبة فلما جئت إليها سألتني بما فعلت معكما وأخبرتها بما أنشده علي بن بكار فسكتت ، ثم إن أمير المؤمنين جلس وأمر الجارية بالغناء فأنشدت هذين البيتين : ولم يصف لي شيء من العيش بعدكم ........ فياليت شعري كيف حالكم بعدي يحق لدمعي أن يكون مـن الـدمـا ........ إذا كنتم تبكون دمعاً على بعدي فلما سمعت هذا الشعر وقعت مغشياً عليها .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:20 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة الثامنة والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت لأبي الحسن : إن سيدتي لما سمعت هذا الشعر وقعت مغشياً عليها فأمسكت يدها ورششت ماء الورد على وجهها فأفاقت ، فقلت لها : يا سيدتي لا تهتكي نفسك ومن يحويه قصرك بحياة محبوبك أن تصبري . فقالت لي : هل في الأمر أكثر من الموت ؟ فأنا أطلبه لأن فيه راحتي . فبينما نحن في هذا القول إذ غنت جارية بقول الشاعر : وقالوا لعل الصبر يعقب راحـة ........ فقلت وأين الصبر بعد فراقه وقد أكيد الميثاق بيني وبـينـه ........ نقطع حبال الصبر عند عناقه فلما فرغت من الشعر وقعت مغشياً عليها فنظرها الخليفة فأتى مسرعاً إليها وأمر برفع الشراب وأن تعود كل جارية إلى مقصورتها وأقام عندها باقي ليلته إلى أن أصبح الصباح فاستدعى الأطباء وأمرهم بمعالجتها ولم يعلم بما هي فيه من العشق والغرام وأقمت عندها حتى ظننت أنها قد انصلح حالها وهذا الذي عاقبي عن المجيء إليكما وقد خلفت عندها جماعة من خواصها لما أمرتني بالمسير إليكما لآخذ خبر علي بن بكار وأعود إليها . فلما سمع أبو الحسن كلامها تعجب وقال لها : والله أخبرتك بجميع ما كان من أمره فعودي إلى سيدتك وسلمي عليها وحثيها على الصبر وقولي لها اكتمي السر وأخبريها أني عرفت أمرها وهو أمر صعب يحتاج إلى التدبير . فشكرته الجارية ثم ودعته وانصرفت إلى سيدتها . هذا ما كان من أمرها . وأما ما كان من أمر أبي الحسن فإنه لم يزل في دكانه إلى آخر النهار فلما مضى النهار قام وقفل دكانه وأتى إلى دار علي بن بكار فدق الباب فخرج له بعض غلمانه وأدخله فلما دخل عليه تبسم واستبشر بقدومه وقال له : يا أبا الحسن أوحشتني لتخلفك عني في هذا اليوم وروحي متعلقة بك باقي عمري . فقال له أبو الحسن : دع هذا الكلام فلو أمكن فداءك كنت أفديك بروحي وفي هذا اليوم جاءت جارية شمس النهار وأخبرتني أنه ما أعاقها عن المجيء إلا جلوس الخليفة عند سيدتها وأخبرتني بما كان من أمر سيدتها . وحكى له جميع ما سمعه من الجارية فتأسف علي بن بكار غاية الأسف وبكى ثم التفت إلى أبي الحسن وقال له : بالله أن تساعدني على ما بليت به وأخبرني ماذا تكون الحيلة ؟ وإني أسألك من فضلك المبيت عندي في هذه الليلة لأستانس بك . فامتثل أبو الحسن لأمره وأجابه إلى المبيت عنده ، وباتا يتحدثان في تلك الليلة ، ثم إن علي بن بكار بكى وأرسل العبرات وأنشد هذه الأبيات : غفرت بسيف اللحظ ذمة مغفري ........ وفرت برمح القد درع تصبري وجعلت لنا من تحت مسكة خالها ........ كافور فجر شق ليل العنبـري فزعت فضرست العقيق بلؤلـؤ ........ سكنت فرائده غدير الـسـكـر وتنهدت جزعاً فأثـر كـفـهـا ........ في صدرها فنظرت ما لم أنظر أقلام مرجان كتبين تـعـتـبـر ........ بصحيفة البلور خمسة أسطـر يا حامل السيف الصقيل إذا رنت ........ إياك ضربة جفنها المتكـسـر وتوق يا رب القناة الطـعـن إن ........ حملت عليك من القوم بأسمـر فلما فرغ علي بن بكار من شعره صرخ صرخة عظيمة ووقع مغشياً عليه فظن أبو الحسن أن روحه خرجت من جسده ولم يزل في غشيته حتى طلع النهار فأفاق وتحدث مع أبي الحسن ولم يزل أبو الحسن جالساً عند علي بن بكار إلى صحوة النهار ، ثم انصرف من عنده وجاء إلى دكانه وفتحها وإذا بالجارية جاءته ووقفت عنده ، فلما نظر إليها أومأت إليه بالسلام فرد عليها السلام وبلغته سلام سيدتها وقالت له : كيف حال علي بن بكار ؟ فقال لها أبي الحسن : يا جارية لا تسألي عن حاله وما هو فيه من شدة الغرام فإنه لا ينام الليل ولا يستريح النهار وقد أنحله السهر وغلب عليه الضجر وصار في حال لا يسر حبيب . فقالت له الجارية : إن سيدتي تسلم عليك وقد كتبت له ورقة وهي في حال أعظم من حاله وقد سلمتني الورقة ، وقالت : لا تأتيني إلا بجوابها وافعلي ما أمرتك به وها هي الورقة معي فهل لك أن تسير معي إلى علي بن بكار ، وتأخذ منه الجواب ؟ فقال لها أبو الحسن : سمعاً وطاعة . ثم قفل الدكان وأخذ معه الجارية وذهب بها إلى مكان غير الذي جاء منه ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى دار علي بن بكار ، ثم أوقف الجارية على الباب ودخل .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:22 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة التاسعة والثمانين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن أبا الحسن ذهب بالجارية ودخل البيت فلما رآه علي بن بكار فرح به فقال له أبو الحسن : سبب مجيئي أن فلاناً أرسل إليك جاريته برقعة تتضمن سلامه وذكر فيها أن سبب تأخره عنك عذر حصل له ، والجارية واقفة بالباب فهل تأذن لها بالدخول ؟ فقال علي بن بكار : أدخلوها . وأشار له أبو الحسن إنها جارية شمس النهار ففهم الإشارة ، فلما رآها تحرك وفرح وقال لها بالإشارة : كيف حال السيدة شفاها الله وعافاها ؟ فقالت الجارية : بخير . ثم أخرجت الورقة ودفعتها له فأخذها وقبلها وناولها لأبي الحسن فوجد مكتوباً فيها هذه الأبيات : ينبئك هذا الرسول عن خبـري ........ فاستغن في ذكره عن النظـر خلقت صباً بحـبـكـم دنـفـاً ........ وطرفه لا يزال بالـسـهـر أكابد الصبر في البلاء فـمـا ........ قلبي حلق مواقـع الـقـدر فقر عيناً فلست تبـعـد عـن ........ قلبي ولا يوم غبت عن بصري وانظر إلى جسمك النحيل وما ........ قد حله واسـتـدل بـالأثـر وبعد فقد كتبت لك كتاباً بغير بيان وأطلقت لك بغير لسان وجملت شرح حالي أن لي عيناً لا يفارقها السهر وقلباً لا تبرح عنه الفكر فكأنني قط ما عرفت صحة ولا فرحة ولا رأيت منظراً باهياً ولا قطعت عيشاً هنياً ، وكأنني خلقت من الصبابة ولم ألم الوجد والكآبة فعلى السقام مترادف والغرام متضاعف والشوق متكاسر وصوت كما قال الشاعر : القلب منقبض والفكر منبسـط ........ والعين ساهرة والجسم متعوب والصبر منفصل والهجر متصل ........ والعقل مختبل والقلب مسلوب واعلم أن الشكوى لا تطفئ نار البلوى لكنها تتعلل من أعله الإشتياق وأتفله الفراق وغني اتسلى بذكر نفط الوصال وما أحسن قول من قال : إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ........ فأين حلاوات الرسائل والكـتـب قال أبو الحسن : فلما قرأناها هيجت ألفاظي بلابلي وأصابت معانيها مقاتلي ثم دفعتها إلى الجارية فلما اخذتها قال لها علي بن بكار : أبلغي سيدتك سلامي وعرفيها بوجدي وغرامي وامتزاج المحبة بلحمي وعظامي واخبريها أنني محتاج إلى من ينقذني من بحر الهلاك وينجيني من هذا الارتباك . ثم بكى فبكت الجارية لبكائه وودعته وخرجت من عنده وخرج أبو الحسن معها ، ثم ودعها ومضى إلى دكانه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:22 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة التسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن أبا الحسن ودع الجارية ورجع إلى دكانه فلما جلس فيه وجد قلبه انقبض وضاق صدره وتحير في أمره ولم يزل في فكر بقية يومه وليلته وفي اليوم الثاني ذهب إلى علي بن بكار وجلس عنده حتى ذهبت الناس وسأله عن حاله فأخذ في شكوى الغرام وما به من الوجد والهيام وأنشد يقول : شكا ألم الغرام الناس قبلـي ........ وروع بالنوى حي ومـيت واما مثل ما ضمت ضلوعي ........ فإني لا سمعـت ولا رأيت فقال أبو الحسن : أنا ما رأيت ولا سمعت بمثلك في محبتك كيف يكون هذا الوجد وضعف الحركة ، وقد تعلقت بحبيب موافق فكيف إذا تعلقت بحبيب مخالف مخادع فكان أمرك ينكشف ؟ فركن علي بن بكار إلى كلامه وشكره على ذلك . وكان أبو الحسن له صاحب يطلع على أمره وأمر علي بن بكار ويعلم أنهم متوافقان ولم يعلم أحد ما بينهم غيره وكان يأتيه فيسأله عن حال علي بن بكار وبعد قليل يسأله عن الجارية فقال أبو الحسن له : قد دعته إليها ، وكان بينه وبينها ما لا مزيد عليه وهذا آخر ما انتهى من أمرهما ولكن دبرت لنفسي أمر أريد عرضه عليك . فقال له صاحبه : ما هو ؟ قال أبو الحسن : اعلم أني رجل معروف بكثرة المعاملات بين الرجال والنساء وأخشى أن ينكشف أمرهما فيكون سبباً لهلاكي وأخذ مالي وهتك عيالي وقد اقتضى رأيي أن أجمع مالي وأجهز حالي وأتوجه إلى مدينة البصرة وأقيم بها حتى أنظر ما يكون من أحوالهما بحيث لا يشعر بي أحد فإن المحبة قد تمكنت منهما ودارت المراسلة بينهما ، والحال أن الرسول بينهما جارية وهي كاتمة لأسرارهما وأخشى أن يغلب عليها الضجر فتبوح بسرهما لأحد فيشيع خبرهما ويؤدي ذلك إلى هلاكي ويكون سبباً لتلفي وليس لي عذر عند الناس . فقال له صاحبه : قد أخبرتني بخبر خطير يخاف من مثله العاقل الخبير كفاك الله شر ما تخافه وتخشاه ونجاك مما عقباه وهذا الرأي هو الصواب . فانصرف أبو الحسن إلى منزله وصار يقضي مصالحه ويتجهز للسفر إلى البصرة ، وقد قضى مصالحه وسافر إلى البصرة فجاء صاحبه بعد ثلاثة أيام ليزوره فلم يجده فسأل عنه جيرانه فقالوا له : إنه توجه من مدة ثلاثة أيام إلى البصرة لأن له معاملة عند تجارها فذهب ليطالب أرباب الديون وعن قريب يأتي . فاحتار الرجل في أمره وصار لا يدري أين يذهب وقال : يا ليتني لم أفارق أبا الحسن . ثم دبر حيلة يتوصل بها إلى علي بن بكار فقصد داره وقال لبعض غلمانه : استأذن لي سيدك لأدخل أسلم عليه . فدخل الغلام واخبر سيده به ثم عاد إليه وأذن له بالدخول فدخل عليه فوجده ملقى على الوسادة فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب . ثم إن الرجل اعتذر إليه في تخلفه عنه تلك المدة ، ثم قال له : يا سيدي إن بيني وبينك وبين أبي الحسن صداقة وإني كنت أودعه أسراري ولا أنقطع عنه ساعة فغبت في بعض المصالح مع جماعة من أصحابي مدة ثلاثة أيام ثم جئت إليه فوجدت دكانه مقفلة فسألت عنه الجيران فقالوا : إنه توجه إلى البصرة ولم أعلم له صديقاً أوفى منك، فبالله أن تخبرني بخبره . فلما سمع علي بن بكار بكلامه تغير لونه واضطرب وقال : لم أسمع قبل هذا اليوم خبر سفره وإن كان الأمر كما ذكرت فقد حصل لي التعب . ثم أفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين : قد كنت أبكي على ما فات مني من فرح ........ وأهل ودي جميعاً غـير أشتات واليوم فـرق مـا بـيني وبـينـهم ........ دهري فأبكي على أهل المودات ثم إن علي بن بكار أطرق رأسه إلى الأرض يتفكر وبعد ساعة رفع رأسه إلى خادم له وقال له : امض إلى دار أبي الحسن واسأل عنه هل هو مقيم أم مسافر ؟ فإن قالوا : سافر فاسأل إلى أي ناحية توجه ؟ فمضى الغلام وغاب ساعة ثم أقبل إلى سيده وقال : إني لما سألت عن أبي الحسن أخبرني أتباعه أنه مسافر إلى البصرة ولكن وجدت جارية واقفة على الباب فلما رأتني عرفتني ولم أعرفها وقالت لي : هل أنت غلام علي بن بكار ؟ فقلت لها : نعم . فقالت : إني معي رسالة إليه من عند أعز الناس عليه فجاءت معي وهي واقفة على الباب . فقال علي بن بكار : أدخلها . فطلع الغلام إليها وأدخلها فنظر الرجل الذي عند علي بن بكار إلى الجارية فوجدها ظريفة ثم إن الجارية تقدمت إلى علي بن بكار وسلمت عليه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:23 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة الحادية والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما دخلت على علي بن بكار تقدمت إليه وسلمت عليه وتحدثت معه سراً وصار يقسم في أثناء الكلام ويحلف أنه لم يتكلم بذلك ، ثم ودعته وانصرفت وكان الرجل صاحب أبي الحسن جواهرجياً فلما انصرفت الجارية وجد للكلام محلاً فقال لعلي بن بكار : لا شك ولا ريب لدار الخلافة عليك مطالبة أو بينك وبينها معاملة . فقال علي بن بكار : ومن أعلمك بذلك ؟ فقال صاحب أبو الحسن : معرفتي بهذه الجارية لأنها جارية شمس النهار وكانت جاءتني من مدة برقعة مكتوب فيها أنها تشتهي عقد جواهر فأرسلت لها عقداً ثميناً . فلما سمع علي بن بكار كلامه اضطرب حتى غشي عليه ثم عاد إلى نفسه وقال : يا أخي سألتك بالله من أين تعرفها ؟ فقال له الجواهرجي : دع الإلحاح في السؤال . فقال له علي بن بكار : لا أرجع عنك إلا إذا أخبرتني بالصحيح . فقال له الجواهرجي : أنا أخبرك بحيث لا يدخلك مني وهم ولا يعتريك من كلامي انقباض ولا أخفي عنك سراً وأبين لك حقيقة الأمر ولكن بشرط أن تخبرني بحقيقة حالك وسبب مرضك . فأخبره بخبره ثم قال : والله يا أخي ما حملني على كتمان أمري من غيرك إلا مخافة أن الناس تكشف أستار بعضها . فقال الجواهرجي لعلي بن بكار : وأنا ما أردت اجتماعي بك إلا لشدة محبتي لك وغيرتي عليك وشفقتي على قلبك من ألم الفراق عسى أن أكون لك مؤنساً نيابة عن صديقي أبو الحسن مدة غيبته فطب نفساً وقر عيناً . فشكره علي بن بكار على ذلك وأنشد هذين البيتين : ولو قلت أني صابر بعـد بـعـده ........ لكذبني دموعي وفرط نـحـيبـي وكـيف أداري مدمعـاً جـريانـه ........ على صحن خدي من فراق حبيبي ثم إن علي بن بكار سكت ساعة من الزمان وبعد ذلك قال للجواهرجي : أتدري ما أمرتني به الجارية ؟ فقال الجواهرجي : لا والله يا سيدي . فقال علي بن بكار : إنها زعمت أني أشرت على أبي الحسن بالمسير إلى مدينة البصرة وإنني دبرت بذلك حيلة لأجل عدم المراسلة والمواصلة فحلفت لها أن ذلك لم يكن فلم تصدقني ومضت إلى سيدتها وهي على ما هي عليه من سوء الظن لأنها كانت تصغي إلى أبي الحسن . فقال الجواهرجي : يا أخي إني فهمت من حال هذه الجارية هذا الأمر ولكن إن شاء الله تعالى أكون عوناً لك على مرادك . فقال له علي بن بكار : وكيف تعمل معها وهي تنفر كوحش الفلاة ؟ فقال له الجواهرجي : لابد أن أبذل جهدي في مساعدتك واحتيالي في التوصل إليها من غير كشف ستر ولا مضرة . ثم استأذن في الإنصراف فقال له علي بن بكار : يا أخي عليك بكتمان السر . ثم نظر إليه وبكى فودعه وانصرف .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:23 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة الثانية والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجواهرجي ودعه وانصرف وهو لا يدري كيف يعمل في إسعاف علي بن بكار ومازال ماشياً وهو متفكر في أمره إذ رأى ورقة مطروحة في الطريق فأخذها ونظر عنوانها وقرأها فإذا هي من المحب الأصغر إلى الحبيب الأكبر ففتح الورقة فرأى مكتوباً فيها هذين البيتين : جاء الرسول بوصل منك يطمعني ........ وكـان أكثر ظني أنـه وهـمـا فما فرحت ولكن زادني حـزنـاً ........ علمي بأن رسولي لم يمن فهمـا وبعد فاعلم يا سيدي أنني لم أدر ما سبب قطع المراسلة بيني وبينك فإن يكن صدر منك الجفاء فأنا أقابله بالوفاء وإن يكن ذهب منك الوداد فانا أحفظ الود على البعاد كما يقول الشاعر : به أحتمل وأستطل أصبر وعزاهن ........ وول أقبل وقل اسمع ومر اطلع فلما قرآها إذا بالجارية أقبلت تتلفت يميناً وشمالاً فرأت الورقة في يده فقالت : إن هذه الورقة وقعت مني . فلم يرد عليها جواباً ومشى ومشت الجارية خلفه إلى أن أقبل على داره ودخل والجارية خلفه فقالت له : يا سيدي رد لي هذه الورقة فإنها سقطت مني . فالتفت إليها وقال : يا جارية لا تخافي ولا تحزني ولكن أخبريني الصدق فإني كتوم للأسرار وأحلفك يميناً أنك لا تخفي عني شيئاً من أمر سيدتك فعسى الله أن يعينني على قضاء أغراضك ويسهل الأمور الصعاب على يدي . فلما سمعت الجارية كلامه قالت : يا سيدي ما ضاع سر أنت حافظه ولا خاب أمر أنت تسعى في قضائه ، اعلم أن قلبي مال إليك فانا أخبرك بحقيقة الأمر لتعطيني الورقة . ثم أخبرته بالخبر كله وقالت : والله على ما أقول شهيد . فقال لها الجواهرجي : صدقت فإن عندي علم بأصل الخبر . ثم حدثها بحديث علي بن بكار وكيف أخذ ضميره وأخبرها بالخبر من أوله إلى آخره . فلما سمعت ذلك فرحت واتفقا على أنها تأخذ الورقة وتعطيها لعلي بن بكار وجميع ما يحصل ترجع إليه وتخبره به فأعطاها الورقة فأخذتها وختمتها كما كانت وقالت : إن سيدتي شمس النهار أعطتها إلي مختومة فإذا قرأها ورد جوابها أتيتك به . ثم إن الجارية ودعته وتوجهت إلى علي بن بكار فوجدته في انتظار فأعطته الورقة وقرأها ثم كتب لها ورقة رد للجواب وأعطاها لها فأخذتها ورجعت بها إلى الجواهرجي حسب الإتفاق ففض ختمها وقرأها فرأى مكتوباً فيها : إن الرسول الذي كانت رسائلـنـا ........ مكتومة عنده ضاقت وقد غضبـا فاستخلصوا لي رسولاً منكم ثـقة ........ يستحسن الصدق لا يستحسن الكذبا وبعد فإني لم يصدر مني جفاء ولا تركت وفاء ولا نقضت عهداً ولا قطعت وداً ولا فارقت أسفاً ولا لقيت بعد الفراق إلا تلفاً ولا علمت أصلاً بما ذكرتم ولا أحب غير ما أحببتم وحق عالم السر والنجوى وما قصدي غير الإجتماع بمن أهوى وشأني كتمان الغرام وإن أمرضني السقام وهذا شرح حالي والسلام . فلما قرأ الجواهرجي هذه الورقة وعرف ما فيها بكى بكاءً شديداً ثم إن الجارية قالت له : لا تخرج من هذا المكان حتى أعود إليك لأنه قد اتهمني بأمر من الأمور وهو معذور وأنا أريد أن أجمع بينك وبين سيدتي شمس النهار بأي حيلة فإني تركتها مطروحة وهي تنتظر مني رد الجواب . ثم إن الجارية مضت إلى سيدتها ولم تغب إلا قليلاً وعادت إلى الجواهرجي وقالت له : احذر أن يكون عندك جارية أو غلام ؟ فقال الجواهرجي : ما عندي غير جارية سوداء كبيرة السن تخدمني . فقامت الجارية وأغلقت الأبواب بين جارية الجواهرجي وبينه وصرفت غلمانه إلى خارج الدار ثم خرجت الجارية وعادت ومعها جارية خلفها ودخلت دار الجواهرجي فعبقت الدار من الطيب فلما رآها الجواهرجي نهض قائماً ووضع لها مخدة وجلس بين يديها فمكثت ساعة لا تتكلم حتى استراحت ثم كشفت وجهها فخيل للجواهرجي أن الشمس أشرقت في منزله ثم قالت لجارتها : هذا الرجل الذي قلت لي عليه ؟ فقالت الجارية : نعم . فالتفتت إلى الجواهرجي وقالت له : كيف حالك ؟ قال الجواهرجي : بخير . ودعا لها ، فقالت : إنك حملتنا المسير إليك وإن نطلعك على ما يكون من سرنا . ثم سألته عن أهله وعياله فأخبرها بجميع أحواله وقال لها : إن لي داراً غير هذه الدار جعلتها للإجتماع بالأصحاب والأخوان ليس لي فيها إلا ما ذكرته لجاريتك . ثم سألته عن كيفية اطلاعه على أصل القصة فاخبرها بما سألته عنه من أول الأمر إلى آخره فتأوهت على فراق أبو الحسن وقالت : يا فلان اعلم أن أرواح الناس متلائمة في الشهوات والناس بالناس ولا يتم عمل إلا بقول ، ولا يتم غرض إلا بمعين ، ولا تحصل راحة إلا بعد تعب .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:24 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة الثالثة والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن شمس النهار قالت للجواهرجي : لا تحصل راحة إلا من بعد تعب ولا يظهر نجاح إلا من ذوي مروءة ، وقد أطلعتك الآن على أمرنا وصار بيدك هتكناً ولا زيادة لما أنت عليه من المروءة ، فأنت قد علمت إن جاريتي هذه كاتمة لسري وبسبب ذلك لها رتبة عظيمة عندي وقد اختصصتها بمهمات أموري فلا يكن عندك أعز منها وأطلعها على أمرك وطب نفساً فأنت آمن مما تخافه من جهتنا ومما يسد عليك موضع إلا وتفتحه لك وهي تأتيك من عندي بأخبار علي بن بكار وتكون أنت الواسطة في التبليغ بيني وبينه . ثم إن شمس النهار قامت وهي لا تستطيع القيام ومشت فتمشى بين يديها الجواهرجي حتى وصلت إلى باب الدار ، ثم رجع وقعد في موضعه بعد أن نظر من حسنها ما بهره وسمع من كلامها ما حير عقله وشاهد من ظرفها وأدبها ما أدهشه ، ثم استمر يتفكر في شمائلها حتى سكنت نفسه وطلب الطعام فأكل ما يمسك رمقه ، ثم غير ثيابه وخرج من داره وتوجه إلى علي بن بكار غلمانه ومشوا بين يديه إلى أن وصلوا إلى سيدهم فوجدوه ملقى على فراشه . فلما رأى الجواهرجي قال له : أبطأت علي فزدتني هماً على همي . ثم صرف غلمانه وأمر بغلق أبوابه وقال له : والله ما غمضت عيني من يوم ما فارقتني فإن الجارية جاءتني بالأمس ومعها رقعة مختومة من عند سيدتها شمس النهار . وحكى له علي بن بكار على جميع ما وقع له معها وقال : لقد تحيرت في أمري وقل صبري وكان لي أبو الحسن أنيساً لأنه يعرف الجارية . فلما سمع الجواهرجي كلام ابن بكار ضحك فقال له : تضحك من كلامي وقد استبشرت بك واتخذتك عدة للنائبات ؟ ثم بكى وأنشد هذه الأبيات : وضاح من بكائي حين أبصرنـي ........ لو كان قاسى الذي قاسيت أبكاه لم يرث للمبتلي ممـا يكـابـده ........ إلا شبح منه قد طـال بـلـواه وجدي حنيني أنيني فكرتي ولهي ........ إلى حبيب زوايا القلب مـأواه حل الفؤاد مقيمـاً لا يفـارقـه ........ وقتاً ولكنه ضعيف قد عز لقياه ما لي سواه خليل أرتضي بـدلاً ........ وما اصطفيت حبيباً قط إلا هو فلما سمع الجواهرجي منه هذا الكلام وفهم الشعر والنظام بكى لبكائه وأخبره بما جرى مع الجارية من حين فارقه فصار ابن بكار يصغي إلى كلامه وكلما سمع منه كلمة يتغير لون وجهه من صفرة إلى احمرار ويقوى جسمه مرة ويضعف أخرى ، فلما انتهى إلى آخر الكلام بكى ابن بكار وقال له : يا أخي أنا على كل حال هالك فليت أجلي قريب وأسألك من فضلك أن تكون ملاطفي في جميع أموري إلى أن يقضي الله ما يريد وأنا لا أخالف لك قولاً . فقال الجواهرجي : لا يطفئ عنك هذه النار إلا الإجتماع بمن شغفت بها ولكن في غير هذا المكان وإنما يكون ذلك عندي في بيت جنب بيتي الذي جاءتني فيه الجارية هي وسيدتها وهو الموضع الذي اختارته لنفسها والمقصود اجتماعكما ببعضكما وفيه تشكوان لبعضكما ما قاسيتما . فقال علي بن بكار : افعل ما تريد والذي تراه هو الصواب . فأقام الجواهرجي عنده تلك الليلة يسامره إلى أن أصبح الصباح ، ثم صلى الصبح وخرج من عنده وذهب إلى منزله فما استقر إلا قليلاً وجاءت الجارية وسلمت عليه فرد عليها السلام وحدثها بما كان بينه وبين علي بن بكار ، فقالت الجارية : اعلم أن الخليفة توجه من عندنا وإن مجلسنا لا أحد فيه وهو أستر لنا وأحسن . فقال لها الجواهرجي : كلامك صحيح ولكنه ليس كمنزلي هذا . فقالت الجارية : إن الرأي ما تراه أنت ، وأنا ذاهبة إلى سيدتي لأخبرها بما ذكرت وأعرض عليها ما قلت .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:25 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة الرابعة والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت للجواهرجي : إن الرأي ما تراه أنت ، وأنا ذاهبة إلى سيدتي لأخبرها بما ذكرت وأعرض عليها ما قلت . ثم إن الجارية توجهت إلى سيدتها وعرضت عليها الكلام وعادت إلى منزل الجواهرجي وقالت له : إن سيدتي رضيت بما قلته . ثم إن الجارية أخرجت من جيبها كيساً فيه دنانير وقالت له : إن سيدتي تسلم عليك وتقول لك : خذ هذا واقض لنا ما نحتاج إليه . فأقسم الجواهرجي أنه لا يصرف شيئاً منه فأخذته الجارية وعادت إلى سيدتها وقالت لها : إنه ما قبل الدنانير بل دفعها إلي . وبعد رواح الجارية ذهب الجواهرجي إلى داره الثانية وحول إليها من الآلات والفرش ما يحتاج إليه الحال ونقل إليها أواني الفضة والصيني وهيأ جميع ما يحتاجوا إليه من المآكل والمشرب . فلما حضرت الجارية ونظرت ما فعله أعجبها وأمرته بإحضار علي بن بكار فقال لها : ما يحضر به إلا أنت . فذهبت إليه وأحضرته على أتم حال وقد راقت محاسنه فلما جاء قابله الجواهرجي ورحب به وأجلسه على مرتبة تصلح له ووضع بين يديه شيئاً من المشموم في بعض الأواني الصيني والبلور وصار يتحدث معه ساعة من الزمان ، ثم إن الجارية مضت وغابت إلى بعد صلاة المغرب ثم عادت ومعها شمس النهار ووصيفتان لا غير فلما رأت علي بن بكار ورآها سقطا على الأرض مغشياً عليهما واستمرا ساعة زمنية فلما أفاقا أقبلا على بعضهما ثم جلسا يتحدثان بكلام رقيق وبعد استعملا شيئاً من الطيب ثم إنهما صارا يشكران الجواهرجي على صنيعه معهما ، فقال لهما : هل لكما في شيء من الطعام ؟ فقالا : نعم . فأحضر شيئاً من الطعام فأكلا حتى اكتفيا ثم غسلا أيديهما ثم نقلهما إلى مجلس آخر وأحضر لهما الشراب فشربا وسكرا ومالا على بعضهما ، ثم إن شمس النهار قالت له : يا سيدي كمل جميلك واحضر لنا عوداً أو شيئاً من آلات الملاهي حتى أننا نكمل حظنا في هذه الساعة . فقال الجواهرجي : على رأسي وعيني . ثم إنه قام وأحضر عوداً فأخذته وأصلحته ثم إنها وضعته في حجرها وضربت عليه جميلاً ثم أنشدت هذين البيتين : أرقت حتى كأني أعشق الأرقـا ........ وذبت حتى تراءى السقم لي خلقا وفاض دمعي على خدي فأحرقه ........ يا ليت شعري هل بعد الفراق لقا ثم إنها أخذت في غناء الأشعار حتى حيرت الأفكار بأصوات مختلفات وإشارات رائقات وكاد المجلس أن يصح من شدة الطرب لما أتت فيه من مغانيها بالعجب ، ولما استقر بهم الجلوس ودارت بينهم الكؤوس أطربت الجارية بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات : وعد الحبيب بوصله ووفى لـي ........ في ليلة ساعدها بـلـيالـي يا ليلة سمح الزمان لنا بـهـا ........ في غفلة الواشين والعـذال بات الحبيب يضمـني بيمينـه ........ فضممته من فرحي بشمالي عانقته ورشفت خـمرة ريقـه ........ وحظيت بالمعسول والعسال ثم إن الجواهرجي تركهما في تلك الدار وانصرف إلى دار سكناه وبات فيها إلى الصباح ، ولما أصبح الصبح صلى فرضه وشرب القهوة وجلس يفكر في المسير إليهما في داره الثانية ، فبينما هو جالس إذ دخل عليه جاره وهو مرعوب وقال : يا أخي ما هان علي الذي جرى لك الليلة في دارك الثانية . فقال الجواهرجي : يا أخي وأي شيء جرى في داري ؟ فقال له : إن اللصوص قد رأوك بالأمس وأنت تنقل حوائجك إلى دارك الثانية فجاؤا إليها ليلاً وأخذوا ما عندك . وقد حضر الجواهرجي لداره تلك فوجدها خالية من الأثاث ، ولا أثر لعلي بن بكار وشمس النهار ولا لوصيفتيها ، فدهش لذلك وبعد فترة وجيزة جاءه شخص لا يعرفه فقال له : إذا كنت تريد إعادة أغراضك إليك فسر معي ولا تتكلم بشيء . فسار معه فأخذه لعند رفاقه الذين قالوا له : أطلعنا على خبرك ولا تكذب في شيء . فقال لهم : اعلموا إن حالي عجيب وأمري غريب فهل عندكم شيء من خبري ؟ فقالوا : نعم نحن الذين أخذنا أمتعتك في الليلة الماضية وأخذنا صديقك والتي كانت تغني . فقال لهم : أسبل الله عليكم ستره ، أين صديقي هو والتي كانت تغني ؟ فأشاروا إليه بأيديهم إلى ناحية وقالوا : هاهنا ولكن يا أخي ما ظهر على سرهما أحد منا ومن حين أتينا بهما لم نجتمع عليهما ولم نسألهما عن حالهما لما رأينا عليهما من الهيبة والوقار وهذا هو الذي منعنا عن قتلهما فأخبرنا عن حقيقة أمرهما وأنت في أمان على نفسك وعليهما . فلما سمع الجواهرجي هذا الكلام .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:25 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة الخامسة والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجواهرجي لما سمع هذا الكلام كاد يهلك من الخوف والفزع وقال لهم : اعلموا أن المروءة إذا ضاعت لا توجد إلا عندكم وإذا كان عندي سر أخاف إفشاءه فلا يخفيه إلا صدوركم . وصار يبالغ في هذا المعنى ، ثم إنه وجد المبادرة لهم بالحديث أنفع من كتمانه ، فأخبرهم بجميع ما وقع له حتى انتهى آخر الحديث ، فلما سمعوا حكايته قالوا : وهل هذا الفتى علي بن بكار وهذه شمس النهار ؟ فقال لهم : نعم . فذهبوا إليهما واعتذروا لهما ثم قالوا : إن الذي أخذناه من دارك ذهب بعضه وهذا ما بقي منه . ثم ردوا إليه أكثر الأمتعة والتزموا أنهم يعيدوها إلى محلها في داره ويردون إليه الباقي . هذا ما كان من أمره . وأما ما كان من أمر علي بن بكار وشمس النهار فإنهما قد أشرفا على الهلاك من الخوف ، ثم تقدم الجواهرجي إلى علي بن بكار وشمس النهار وسلم عليهما وقال لهما : يا ترى ما جرى للجارية والوصيفتين وأين ذهبتا ؟ فقالا : لا علم لنا بهن . ولم يزالوا سائرين إلى أن انتهوا إلى المكان الذي فيه الزورق فطلعوا فيه وإذا هو الزورق الذي عدا بهم بالأمس فقذف بهم الملاح حتى أوصلهم إلى البر الثاني فأنزلوهم فما استقر بهم الجلوس على جانب البر حتى جاءت خيالة وأحاطوا بهم من كل جانب فوثب الذين معهم عاجلاً كالعقبان فرجع لهم الزورق فنزلوا فيه وسار بهم في البحر وبقي الجواهرجي وعلي بن بكار وشمس النهار على شاطيء البحر لا يستطيعوا حركة ولا سكوناً فقال لهم الخيالة : من أين انتم ؟ فتحيروا في الجواب . فقال الجواهرجي لهم : إن الذين رأيتموهم لا نعرفهم وإنما رأيناهم هنا وأما نحن فمغنون . فأرادوا أخذهم ليغنوا لهم فما تخلوا منهم إلا بالحيلة ولين الكلام فأفرجوا عنهم في هذه الساعة وقد كان منهم ما رأيتم من أمرهم فنظر الخيالة إلى شمس النهار وإلى علي بن بكار ثم قالوا للجواهرجي : لست صادقاً فأخبرنا من أنتم ومن أين أتيتم وما موضعكم وفي أي الحارات انتم ساكنون ؟ فلم يدر الجواهرجي ماذا يقول ، فوثبت شمس النهار وتقدمت إلى مقدم الخيالة وتحدثت معه سراً فنزل من فوق جواده واركبها عليه وأخذ بزمامها وصار يقودها وكذلك فعل بعلي بن بكار وبالجواهرجي أيضاً . ثم إن مقدم الخيالة لم يزل سائراً بهم إلى موضع على جانب البحر وصاح بالرطانة فأقبل له جماعة من البرية فأطلعهم المقدم في زورق وأطلع أصحابه في زورق آخر فقذفوا بهم إلى أن انتهوا إلى دار الخلافة وهم يكابدوا الموت من شدة الخوف فدخلت شمس النهار وأما الجواهرجي وعلى بن بكار فرجعوا ولم يزالوا سائرين إلى أن انتهوا إلى المحل الذي يتوصلوا منه إلى موضعهم فنزلوا على البر ومشوا ومعهم جماعة من خيالة يؤانسونهم إلى أن دخلوا الدار ، وحين دخلوها ودعوا من كان معهم من الخيالة ومضوا في حال سبيلهم ، وأما على بن بكار والجواهرجي فقد دخلوا مكانهم وهم لا يقدروا أن يتحركوا من مكانهم ولا يدروا الصباح من المساء ، ولم يزالوا على هذه الحالة إلى أن أصبح الصباح . فلما جاء آخر النهار سقط علي بن بكار مغشياً عليه وبكت عليه النساء والرجال وهو مطروح لم يتحرك فجاء للجواهرجي بعض أهله وقالوا : حدثنا بما جرى لولدنا وأخبرنا بسبب الحال الذي هو فيه ؟ فقال الجواهرجي : يا قوم اسمعوا كلامي .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:26 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة السادسة والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجواهرجي قال : لا تفعلوا به مكروهاً واصبروا وهو يفيق ويخبركم بقصته بنفسه . ثم شدد عليهم وخوفهم من الفضيحة بينه وبينهم ، فبينما هم كذلك وإذا بعلي بن بكار تحرك من فراشه ففرح أهله وانصرف الناس عنه ومنع أهله الجواهرجي من الخروج من عنده ثم رشوا ماء الورد على وجهه ، فلما أفاق وشم الهواء صاروا يسألونه عن حاله فصار يخبرهم ولسانه لا يرد جواباً بسرعة ، ثم أشار إليهم أن يطلقوا الجواهرجي ليذهب إلى منزله فأطلقوه فخرج ، فلما أراد المسير رأى امرأة واقفة فتأملتها وإذا هي جارية شمس النهار فلما عرفها سار وهرول في سيره فتبعته فداخله منها الفزع وصار كلما ينظرها يأخذه الرعب منها وهي تقول له : قف حتى أحدثك بشيء . وهو لم يلتفت إليها ولم يزل سائراً إلى مسجد في موضع خال من الناس فقالت له : ادخل المسجد لأقول لك كلمة ولا تخف من شيء . فدخل المسجد ودخلت خلفه فصلى ركعتين ثم تقدم إليها وهو يتأوه وقال لها : ما بالك ؟ فسألته عن حاله فحدثها بما وقع له وأخبرها بما جرى لعلي بن بكار وقال لها : ما خبرك ؟ فقالت الجارية : اعلم أني لما رأيت الرجال كسروا باب دارك ودخلوا خفت منهم وخشيت أن يكونوا من عند الخليفة فيأخذوني أنا وسيدتي فنهلك من وقتنا فهربت من السطوح أنا والوصيفتان ورمينا أنفسنا من مكان عال ودخلنا على قوم فهربنا عندهم حتى وصلنا إلى قصر الخلافة ونحن على أقبح صفة ثم أخفينا أمرنا وصرنا نتقلب على الجمر إلى أن جن الليل ففتحت باب البحر واستدعيت الملاح الذي أخرجنا تلك الليلة وقلت له : إن سيدتي لم نعلم لها خبراً احملني في الزورق حتى أفتش عليها في البحر لعلي أقع على خبرها فحملني في الزورق وسار بي ولم أزل سائرة في البحر حتى انتصف الليل فرأيت زورقاً أقبل لإلى جهة الباب وفيه رجلاً يقذف ومعه رجل آخر وامرأة مطروحة بينهما وما زال يقذف حتى وصل إلى البر فلما نزلت المرأة تأملتها فإذا هي شمس النهار فنزلت إليها وقد اندهشت من الفرحة لما رأيتها بعدما قطعت الرجاء منها .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:26 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة السادسة والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجواهرجي قال : لا تفعلوا به مكروهاً واصبروا وهو يفيق ويخبركم بقصته بنفسه . ثم شدد عليهم وخوفهم من الفضيحة بينه وبينهم ، فبينما هم كذلك وإذا بعلي بن بكار تحرك من فراشه ففرح أهله وانصرف الناس عنه ومنع أهله الجواهرجي من الخروج من عنده ثم رشوا ماء الورد على وجهه ، فلما أفاق وشم الهواء صاروا يسألونه عن حاله فصار يخبرهم ولسانه لا يرد جواباً بسرعة ، ثم أشار إليهم أن يطلقوا الجواهرجي ليذهب إلى منزله فأطلقوه فخرج ، فلما أراد المسير رأى امرأة واقفة فتأملتها وإذا هي جارية شمس النهار فلما عرفها سار وهرول في سيره فتبعته فداخله منها الفزع وصار كلما ينظرها يأخذه الرعب منها وهي تقول له : قف حتى أحدثك بشيء . وهو لم يلتفت إليها ولم يزل سائراً إلى مسجد في موضع خال من الناس فقالت له : ادخل المسجد لأقول لك كلمة ولا تخف من شيء . فدخل المسجد ودخلت خلفه فصلى ركعتين ثم تقدم إليها وهو يتأوه وقال لها : ما بالك ؟ فسألته عن حاله فحدثها بما وقع له وأخبرها بما جرى لعلي بن بكار وقال لها : ما خبرك ؟ فقالت الجارية : اعلم أني لما رأيت الرجال كسروا باب دارك ودخلوا خفت منهم وخشيت أن يكونوا من عند الخليفة فيأخذوني أنا وسيدتي فنهلك من وقتنا فهربت من السطوح أنا والوصيفتان ورمينا أنفسنا من مكان عال ودخلنا على قوم فهربنا عندهم حتى وصلنا إلى قصر الخلافة ونحن على أقبح صفة ثم أخفينا أمرنا وصرنا نتقلب على الجمر إلى أن جن الليل ففتحت باب البحر واستدعيت الملاح الذي أخرجنا تلك الليلة وقلت له : إن سيدتي لم نعلم لها خبراً احملني في الزورق حتى أفتش عليها في البحر لعلي أقع على خبرها فحملني في الزورق وسار بي ولم أزل سائرة في البحر حتى انتصف الليل فرأيت زورقاً أقبل لإلى جهة الباب وفيه رجلاً يقذف ومعه رجل آخر وامرأة مطروحة بينهما وما زال يقذف حتى وصل إلى البر فلما نزلت المرأة تأملتها فإذا هي شمس النهار فنزلت إليها وقد اندهشت من الفرحة لما رأيتها بعدما قطعت الرجاء منها .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:27 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة السابعة والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت للجواهرجي : فنزلت إليهما وقد اندهشت من الفرح فلما تقدمت بين يديها أمرتني أن أدفع إلى الرجل الذي جاء بها ألف دينار ، ثم حملتها أنا والوصيفتان إلى أن ألقيناها على فراشها فأقامت تلك الليلة على حالة مكدرة ، فلما أصبح الصباح منعت الجواري والخدم من الدخول عليها والوصول إليها ذلك اليوم وفي ثاني يوم أفاقت مما كان بها ، فوجدتها كأنها خرجت من مقبرة فرششت على وجهها ماء الورد وغيرت ثيابها وغسلت يديها ورجليها ولم أزل ألاطفها حتى أطعمتها شيئاً من الطعام وأسقيتها شيئاً من الأشربة وهي ليس لها قابلية في شيء من ذلك فلما شمت الهواء وتوجهت إليها العافية قلت لها : يا سيدتي أرفقي بنفسك فقد حصل لك من المشقة ما فيه الكفاية فإنك قد أشرفت على الهلاك . فقالت لي : والله يا جارية الخير إن الموت عندي أهون مما جرى لي فإني كنت مقتولة لا محالة لأن اللصوص لما خرجوا بنا من دار الجواهرجي سألوني وقالوا : من أنت وما شأنك ؟ فقلت : أنا جارية من المغنيات . فصدقوني ثم سألوا علي بن بكار عن نفسه وقالوا : من أنت وما شأنك ؟ فقال علي بن بكار لهم : أنا من عوام الناس . فأخذونا وسرنا معهم إلى أن انتهوا بنا إلى موضعهم ، ونحن نسرع في السير معهم من شدة الخوف . فلما استقروا بنا في أماكنهم تأملوني ونظروا ما علي من الملبوس والعقود والجواهر فأنكروا أمري وقالوا : إن هذه العقود لا تكن لواحدة من المغنيات . ثم قالوا : صدقينا وقولي لنا الحق وما قضيتك ؟ فلم أرد عليهم جواباً بشيء وقلت في نفسي : الآن يقتلونني لأجل ما علي من الحلي والحلل . فلم أنطق بكلمة ثم التفتوا إلى علي بن بكار وقالوا له : من أين أنت فإن رؤيتك غير رؤية العوام . فسكت وصرنا نكتم أمرنا ونبكي فحنن الله علينا قلوب اللصوص ، فقالوا لنا : من صاحب الدار التي كنتما فيها ؟ فقلنا لهم : صاحبها فلان الجواهرجي . فقال واحد منهم : أنا أعرفه حق المعرفة وأعرف أنه ساكن في داره الثانية وعلي أن آتيكم به في هذه الساعة . واتفقوا على أن يجعلني في موضع وحدي وعلي بن بكار في موضع وحده وقالوا لنا : استريحا ولا تخافا أن ينكشف خبركما وأنتما في أمان منا . ثم إن صاحبهما مضى إلى الجواهرجي وأتى به وكشف أمرنا لهم وأجمعنا عليه ، ثم إن رجلاً منهم أحضر لنا زورقاً وأطلعونا فيه وعدوا بنا إلى الجانب الثاني ورمونا إلى البر وذهبوا فأتت خيالة من أصحاب العسس وقالوا : من تكونون ؟ فتكلمت مع مقدم العسس وقلت له : أنا شمس النهار محظية الخليفة وقد سكرت وخرجت لبعض معارفي من نساء الوزراء فجاءني اللصوص وأخذوني وأوصلوني إلى هذا المكان ، فما رأوكم فروا هاربين وأنا قادرة على مكفأتك . فلما سمع كلامي مقدم الخيالة عرفني ونزل عن مركوبه وأركبني وفعل كذلك مع علي بن بكار والجواهرجي وفي كبدي الآن من أجلهما لهيب النار لاسيما الجواهرجي رفيق علي ابن بكار فامض إليه وسلمي عليه واستفسري منه عن حال علي بن بكار . فلمتها على ما وقع منها وحذرتها وقلت لها : يا سيدتي خافي على نفسك . فصاحت علي وغضبت من كلامي . ثم قمت من عندها وجئت فلم أجدك وخشيت من الرواح إلى ابن بكار فصرت واقفة أترقبك حتى أسألك عنه وأعلم ما هو فيه فأسألك من فضلك أن تأخذ مني شيئاً من المال فإنك ربما استعرت أمتعة من أصحابك وضاعت عليك فتحتاج أن تعوض على الناس ما ذهب لهم من الأمتعة . قال الجواهرجي : سمعاً وطاعة . ثم مشى معها إلى أن أتيا إلى قرب محله فقالت له : قف هنا حتى أعود إليك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:27 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة الثامنة والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية مضت ثم عادت وهي حاملة المال فأعطته للجواهرجي وقالت له : يا سيدي أنجتمع بك في أي محل ? قال الجواهرجي لها : أتوجه إلى داري في هذه الساعة وأتحمل الصعوبة لأجل خاطرك وأتدبر فيما يوصلك إليه فإنه يتعذر إليه في مثل هذا الوقت . ثم ودعته ومضت فحمل المال وأتى به إلى منزله وعد المال فوجده خمسة آلف دينار فأعطى أهله منه شيئاً ومن كان له عنده شيء أعطاه عوضاً منه ، ثم إنه أخذ غلمانه وذهب إلى الدار التي ضاعت منها الأمتعة وجاء بالنجارين والبنائين فأعادوها إلى ما كانت عليه ، وجعل جاريته فيها ونسي ما جرى له ثم تمشى إلى دار علي بن بكار ، فلما وصل إليها أقبل غلمانه عليه وقال له واحد منهم : إن غلمان سيدي في طلبك ليلاً ونهاراً وقد وعدهم أن كل من أتاه بك يعتقه فهم يفتشون عليك ولم يعرفوا لك موضعاً وقد رجعت إلى سيدي عافيته وهو تارة يفيق وتارة يستغرق ، فلما يفيق يذكرك ويقول : لابد أن تحضروه لحظة لي ، ويعود إلى حال سبيله . فمضى الجواهرجي مع الغلام إلى سيده فوجده لا يستطيع الكلام فلما أبصره جلس عند رأسه ففتح علي بن بكار عينيه فلما رأى الجواهرجي قال له : اعلم أن لكل شيء نهاية ، ونهاية الهوى الموت أو الوصال وأنا إلى الموت أقرب فيا ليتني مت من قبل الذي جرى ولولا أن الله لطف بنا لافتضحنا ولا أدري ما الذي يوصلني إلى الخلاص مما أنا فيه ولولا خوفي من الله تعالى لعجلت على نفسي بالهلاك واعلم يا أخي أنني كالطير في القفص وإن نفسي هالكة من الغصص ولكن لها وقت معلوم وأجل محتوم ثم أفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين : شكا ألم الفراق الناس قبلـي ........ وروع بالنوى حي ومـيت واما مثل ما ضمت ضلوعـي ........ فإني ما سمعـت ولا رأيت فلما فرغ من شعره قال له الجواهرجي : يا سيدي اعلم أني عزمت على الذهاب إلى داري فلعل الجارية ترجع إلي بخبر . فقال علي بن بكار : لا بأس بذلك ولكن أسرع بالعودة عندنا لأجل أن تخبرني . فودعه الجواهرجي وانصرف إلى داره فلم يستقر به الجلوس حتى رأى الجارية أقبلت وهي في بكاء ونحيب فقلت لها : ما سبب ذلك ? فقالت الجارية : يا سيدي اعلم أنه حل بنا ما حل من أمر نخافه فإني مضيت من عندك بالأمس ، وجدت سيدتي مغتاظة على وصيفة من الوصيفتين اللتين كانتا معنا تلك الليلة وأمرت بضربها فخافت من سيدتها وهربت فلاقاها بعض الموكلين بالباب ، وأراد ردها إلى سيدتها فلوحت له بالكلام فلاطفها واستنطقها عن حالها فأخبرته بما كنا فيه فبلغ الخبر إلى الخليفة فأمر بنقل سيدتي شمس النهار وجميع ما لها إلى درجة الخلافة ووكل بها عشرين خادماً ولم أجتمع بها إلى الآن ولم أعلمها بالسبب وتوهمت أن بسبب ذلك فخشيت على نفسي واحترت يا سيدي ولم أدر كيف أحتال في أمري وأمرها ولم يكن عندها حفظ لكتمان السر مني .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:28 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة التاسعة والتسعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت للجواهرجي : توجه يا سيدي إلى علي بن بكار سريعاً وأخبره بذلك لأجل أن يكون على أهبة فإذا انكشف الأمر نتدبر في شيء نفعله لنجاة أنفسنا . فأخذ بالجواهرجي من ذلك هم عظيم وصار الكون في وجهه ظلاماً من كلام الجارية وهمت الجارية بالإنصراف فقال لها : وما الرأي ? فقالت له : الرأي أن تبادر إلى علي بن بكار إن كان صديقك وتريد له النجاة وأنت عليك تبليغ هذا الخبر بسرعة وأنا علي أن أتقيد باستنشاق الأخبار . ثم ودعته وخرجت . فلما خرجت الجارية قام الجواهرجي وخرج في أثرها وتوجه إلى علي بن بكار فوجده يحدث نفسه بالوصل ويعللها بالمجال فلما رآه راجع إليه عاجلاً قال : إني أراك رجعت إلي في الحال . قال الجواهرجي له : أقصر من التعلق البطال ودع ما أنت فيه من الإشتعال فقد حدث حادث يقضي إلى تلف نفسك ومالك . فلما سمع علي بن بكار هذا الكلام تغير حاله وانزعج وقال للجواهرجي : يا أخي أخبرني بما وقع ? فقال له الجواهرجي : يا سيدي اعلم أنه قد جرى ما هو كذا وكذا وانك إن أقمت في دارك هذه إلى آخر النهار فأنت تالف لا محالة . فبهت علي بن بكار وكادت روحه أن تفارق جسده ، ثم استرجع بعد ذلك وقال له : ماذا نفعل يا أخي وما عندك من الرأي ? قال الجواهرجي له : الرأي أن تأخذ معك من مالك ما تقدر عليه ومن غلمانك ما تثق به وان تمضي بنا إلى ديار هذه قبل أن ينقضي هذا النهار . فقال علي بن بكار : سمعاً وطاعة . ثم وثب وهو متحير في أمره فتارة يمشي وتارة يقع وأخذ ما قدر عليه واعتذر إلى أهله وأوصاهم بمقصوده وأخذ معه ثلاثة جمال محملة وركب دابة وقد فعل الجواهرجي كما فعل ، ثم خرجوا خفية وساروا ولم يزالوا سائرين باقي يومهم وليلتهم فلما كان آخر النهار حطوا حمولتهم وعقالهم وجمالهم وناموا فحل عليهم التعب وغفلوا عن أنفسهم وإذا باللصوص أحاطوا بهم وأخذوا جميع ما كان معهم وقتلوا الغلمان ثم تركوهم بأماكنهم وهم في أقبح حال بعد أن أخذوا المال وساروا ، فلما قاموا مشوا إلى أن أصبح الصباح فوصلوا إلى بلد فدخلوها وقصدوا مسجده وهم عرايا وجلسوا في جنب المسجد باقي يومهم فلما جاء الليل باتوا في المسجد تلك الليلة وهم من غير أكل ولا شرب فلما أصبح الصباح وجلسوا وإذا برجل داخل فسلم عليهم وصلى ركعتين ، ثم التفت إليهم وقال : يا جماعة هل انتم غرباء ? قالوا : نعم وقطع اللصوص علينا الطريق وغزونا ودخلنا هذه البلدة ولا نعرف فيها أحداً نأوي عنده . فقال لهم الرجل : هل لكم أن تقوموا معي إلى دياري ? قال الجواهرجي لعلي بن بكار : قم بنا معه فننجو من أمرين : الأول أننا نخشى أن يدخل علينا احد يعرفنا في هذا المسجد فنفتضح . والثاني أننا أناس غرباء وليس لنا مكان نأوي إليه . فقال علي بن بكار : افعل ما تريد . ثم إن الرجل قال لهم ثاني مرة : يا فقراء أطيعوني وسيروا معي إلى مكاني . فقالوا له : سمعاً وطاعة . ثم إن الرجل خلع لهم شيئاً من ثيابه وألبسهم ولاطفهم فقاموا معه إلى داره فطرق الباب فخرج إلينا خادم صغير وفتح الباب ، فدخل الرجل صاحب المنزل ودخلوا خلفه ثم إن الرجل أمر بإحضار بقجة فيها أثواب وشاشات فألبسهم حلتين وأعطاهم شاشين فتعمموا وجلسوا وإذا بجارية أقبلت عليهم بمائدة ووضعتها بين أيديهم فأكلوا وشربوا شيئاً يسيراً ورفعت المائدة ، ثم أقاموا عنده إلى أن حل الليل . فتأوه علي بن بكار وقال للجواهرجي : يا أخي اعلم أنني هالك لا محالة وأريد أن أوصيك وصية وهو انك إذا رأيتني مت تذهب إلى أمي لأجل أن تأخذ عزائي ، وتحضر غسلي وأوصيها أن تكون صابرة على فراقي . ثم وقع مغشياً عليه فلما أفاق سمع جارية تغني من بعيد وتنشد الأشعار فصار يصغي إليها ويسمع صوتها وهو تارة يضحك وتارة يبكي شجناً وحزناً مما أصابه فسمع الجارية تطرب بالنغمات وتنشد هذه الأبيات : عجل البين بيننـا بـالـفـراق ........ بعد ألف وجـيرة واتـفـاق فرقت بيننا صـروف اللـيالـي ........ ليت شعري متى يكون التلاقي ما أمر الفراق بـعد اجتـمـاع ........ ليته ما أضر بـالـعـشـاق غصة الموت ساعـة ثم تنقضي ........ وفراق الحبيب في القلب باق لو وجدنا إلى الفراق سـبـيلاً ........ لأذقنا الفراق طعم الـفـراق فلما سمع ابن بكار إنشاد الجارية شهق شهقة ففارقت روحه جسده . فلما رأى الجواهرجي أنه مات أوصى عليه صاحب الدار وقال له : اعلم أنني متوجه إلى بغداد لأخبر والدته وأقاربه حتى يأتوا ليجهزوه . ثم إن الجواهرجي توجه إلى بغداد ودخل داره وغير ثيابه وبعد ذلك ذهب إلى دار علي بن بكار فلما رآه غلمانه أتوا إليه وسألوه عنه وسألهم أن يستأذنوا له والدته في الدخول عليها فأذنت له بالدخول وسلم عليها وقال لها : إن الله إذا قضى أمراً لا مفر من قضائه وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً . فتفهمت أم علي بن بكار من هذا الكلام أن ابنها قد مات فبكت بكاءً شديداً ، ثم قالت : بالله عليك أن تخبرني هل توفي ولدي ? فلم يقدر أن يرد عليها جواباً من كثرة الجزع ، فلما رأته على تلك الحالة اختنقت بالبكاء ثم وقعت على الأرض مغشياً عليها فلما أفاقت من غشيتها قالت : ما كان من أمر ولدي ? فقلت لها الجواهرجي : عظم الله أجرك فيه . ثم إنه حدثتها بما كان من أمره من المبتدأ إلى المنتهى فقالت : أوصاك بشيء ? فقال لها : نعم . وأخبرها بما أوصاه به وقال لها : أسرعي في تجهيزه . فلما سمعت أم علي بن بكار كلامي سقطت مغشياً عليها فلما أفاقت عزمت على ما أوصاها به ، ثم إني رجع إلى داره وسار في الطريق يتفكر في حسن شبابه فبينما هو كذلك وإذا بامرأة قبضت على يده .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الإثنين سبتمبر 15, 2008 12:28 pm | |
| تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار
الليلة المائتين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الجواهرجي وهو يسير ليعود إلى منزله وإذا بامرأة قد قبضت على يده فتأملها فرأى أنها الجارية التي كانت تمشي من عند شمس النهار وقد علاها الإنكسار فلما تعارفوا بكوا جميعاً وساروا حتى أتوا إلى تلك الدار فقال لها : هل علمت بخبر علي بن بكار ? فقالت الجارية : لا والله ، ماذا حدث له ؟ فأخبرها بخبره وما كان من أمره ثم إنه قال لها : كيف حال سيدتك ? فقالت الجارية : لم يقبل فيها أمير المؤمنين قول أحد لشدة محبته لها وقد حمل جميع أمورها على المحامل الحسنة وقال لها : يا شمس النهار أنت عندي عزيزة وأنا أتحملك على رغم أعدائك . ثم أمر لها بفرش مقصورة مذهبة وحجرة مليحة وصارت عنده من ذلك في قبول عظيم ، فاتفق أنه جلس يوماً من الأيام على جري عادته للشراب ، وحضرت المحاذي بين يديه فأجلسهن في مراتبهن وأجلسها بجانبه وقد عدمت صبرها وزاد أمرها فعند ذلك أمر جارية من الجواري أن تغني فأخذت العود وضربت به وجعلت تقول : وداع دعاني للهـوى فـأجـبته ........ ودمعي بحط الوجد حطا على خدي كأن دموع العين تخبـر حالـنا ........ فتبدي الذي أخفى وتخفي الذي أبدي فكيف أروم السر أو أكتم الهوى ........ وفرط غرامي فيك يظهر ما عندي وقد طاب موتي عند فقد أحبتي ........ فيا ليت شعري ما يطيب لهم بعدي فلما سمعت شمس النهار إنشاد الجارية لم تستطع الجلوس ثم سقطت مغشياً عليها فرمى الخليفة القدح وجذبها عنده وصاح وصاحت الجواري وقلبها أمير المؤمنين فوجدها ميتة فحزن أمير المؤمنين لموتها وأمر أن يكسر جميع ما كان في الحضرة من الآلات والقوانين وحملها في حجرة بعد موتها ومكث عندها باقي ليلته فلما طلع النهار جهزها وأمر بغسلها ودفنها وحزن عليها حزناً كثيراً ولم يسأل عن حالها ولا عن الأمر الذي كانت فيه . ثم قالت الجارية للجواهرجي : سألتك بالله أن تعلمني بوقت خروج جنازة علي بن بكار وأن تحضرني دفنه . فقال لها الجواهرجي : أما أنا ففي أي محل شئت تجدني وأما أنت فمن يستطيع الوصول إليك في المحل الذي أنت فيه . فقالت له الجواهرجي : إن أمير المؤمنين لما ماتت شمس النهار أعتق جواريها من يوم مماتها وأنا من جملتهن ونحن مقيمات على تربتها في المحل الفلاني . فقام معها الجواهرجي وأتوا المقبرة وزار شمس النهار ثم مضى إلى حاله ولم يزل ينتظر جنازة علي بن بكار إلى أن جاءت فخرج له أهل بغداد وخرج معهم الجواهرجي فوجد الجارية بين النساء وهي أشدهن حزناً ولم ير جنازة أعظم من هذه الجنازة وما زلوا في ازدحام عظيم إلى أن أتوا إلى قبره ودفنوه وصار الجواهرجي لا ينقطع عن زيارته ولا عن زيارة شمس النهار . هذا ما كان من حديثهما وهو ليس بأعجب من حديث الملك شهرمان .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
ايمن دوت كوم عضو نشيــط
عدد المشاركات : 82 العمر : 40 عــدد النقــاط : 60651 تاريخ التسجيل : 15/04/2008
| موضوع: يدك ويدينا طولت العمر الإثنين سبتمبر 15, 2008 8:12 pm | |
| اتمنى من الله يا اخ ليزو ان يدك الله طولت العمر وتواصل لغايه الليله الالف بعد عمرطويل .............وجزاء الله كل خير | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الأربعاء سبتمبر 17, 2008 4:13 pm | |
| الله يخليك يا استاذ ايمن انيس وشكرا على الرد بس يا ترى مين يعيش | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الخميس سبتمبر 18, 2008 3:01 pm | |
| حكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان
الليلة الأولى بعد المئتين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان ملك يسمى شهرمان صاحب عسكر وخدم وأعوان إلا أنه كبر سنه ورق عظمه لم يرزق بولد فتفكر في نفسه وحزن وقلق وشكا ذلك لبعض وزرائه وقال : إني أخاف إذا مت أن يضيع الملك لأنه ليس لي ولد يتولاه بعدي . فقال له الوزير : لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً فتوكل على الله أيها الملك وتوضأ وصل ركعتين ثم جامع زوجتك لعلك تبلغ مطلوبك . فجامع زوجته فحملت في تلك الساعة فعلقت منه ولما كملت أشهرها وضعت ولداً ذكراً كأنه البدر السافر في الليل العاكر فسماه قمر الزمان وفرح غاية الفرح وزينوا المدينة سبعة أيام ودقت الطبول وأقبلت العشائر وحملته المراضع والدايات وتربى في العز والدلال حتى صار له من العمر خمس عشر سنة وكان فائقاً في الحسن والجمال والقد والإعتدال وكان أبوه يحبه ولا يقدر أن يفارقه ليلاً ولا نهاراً فشكا الملك شهرمان لأحد وزرائه فرط محبته لولده وقال : أيها الوزير لأني خائف على ولدي قمر الزمان من طوارق الدهر والحدثان وأريد أن أزوجه في حياتي . فقال له الوزير : اعلم أيها الملك إن الزواج من مكارم الأخلاق ولا بأس إن تزوج ولدك في حياتك . فعند ذلك قال الملك شهرمان : علي بولدي قمر الزمان . فحضر وأطرق رأسه إلى الأرض حياء من أبيه فقال له أبوه : يا قمر الزمان اعلم أني أريد أن أزوجك وأفرح بك في حياتي . فقال له : اعلم يا أبي أنني ليس لي في الزواج وليست نفسي تميل إلى النساء لأني وجدت في مكرهن كتباً بالروايات وبكيدهن وردت الآيات وقال الشاعر : فإن تسألوني بالنساء فإنـنـي ........ خبير بأحوال النسـاء طـيب إذا شاب رأس المرء وقل ماله ........ فليس له في ودهن نصـيب و لما فرغ من شعره قال : يا أبي إن الزواج شيء لا أفعله أبداً . فلما سمع السلطان شهرمان من ولده هذا الكلام اغتم غماً شديداً إلى عدم مطاوعة ولده قمر الزمان له .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الخميس سبتمبر 18, 2008 3:02 pm | |
| تكملة حكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان
الليلة الثانية بعد المئتين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك شهرمان لما سمع من ولده هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً واغتم على عدم مطاوعة ولده قمر الزمان له ومن محبته له لم يكرر عليه الكلام في ذلك ولم يغضبه بل أقبل عليه وأكرمه ولاطفه بكل ما يجلب المحبة إلى القلب . كل ذلك وقمر الزمان يزداد في كل يوم حسناً وجمالاً وظرفاً ودلالاً فصبر الملك شهرمان على ولده سنة كاملة حتى صار كامل الفصاحة والملاحة وتهتكت في حسنه الوري وصار فتنة للعشاق وروضة للمشتاق عذب الكلام يخجل في وجهه بدر التمام صاحب قد واعتدال وظرف ودلال كأنه غصن بان أو قضيب خيزران ينوب خده عن شقائق النعمان وقده عن غصن البان ظريف الشمائل كما قال فيه القائل : بدا فقالوا تـبـارك الـلـه ........ جل الذي صاغـه وسـواه مليك كل الملاح قـاطـبة ........ فكلهم أصبحـوا رعـاياه في ريقه شـهـدة مـذوبة ........ وانعقد الدار فـي ثـنـاياه مكملاً بالجمال مـنـفـرداً ........ كل الورى في جماله تاهوا قد كتب الحسن فوق وجنته ........ أشهد أن لا ملـيح إلا هـو فلما تكاملت سنة أخرى لقمر الزمان ابن الملك شهرمان دعاه والده إليه وقال له : يا ولدي أما تسمع مني ? فوقع قمر الزمان على الأرض بين يدي أبيه هيبة واستحى منه وقال له : يا أبي كيف لا أسمع منك وقد أمرني الله بطاعتك وعدم مخالفتك . فقال له الملك شهرمان : اعلم يا ولدي إني أريد أن أزوجك وأفرح بك في حياتي وأسلطنك في مملكتي قبل مماتي . فلما سمع قمر الزمان من أبيه هذا الكلام أطرق رأسه وقال : يا أبي هذا شيء لا أفعله أبداً ولو سقيت كأس الردى وأنا أعلم أن الله فرض علي طاعتك فبحق الله عليك لا تكلفني أمر الزواج ولا تظن أني أتزوج طول عمري لأنني قرأت في كتب المتقدمين والمتأخرين وعرفت ما جرى لهم من المصائب والآفات بسبب فتن النساء ومكرهن غير المتناهي وما يحدث عنهن من الدواهي وما أحسن قول الشاعر : إن النساء وإن ادعين العـفة ........ رمم تقلبها النسور الـحـوم في الليل عندك سرها وحديثها ........ وغداً لغيرك ساقها والمعصم كالخان تسكنه وتصبح راحلاً ........ فيحل بعدك فيه من لا تعلـم فلما سمع شهرمان من ولده قمر الزمان هذا الكلام وفهم الشعر والنظام لم يرد عليه جواباً من فرط محبته وزاد في إنعامه وإكرامه وانفض ذلك المجلس من تلك الساعة ، وبعد انفضاض المجلس طلب شهرمان وزيره واختلى به وقال له : أيها الوزير .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الخميس سبتمبر 18, 2008 3:02 pm | |
| تكملة حكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان
الليلة الثالثة بعد المئتين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك شهرمان قال لوزيره : قل لي ما الذي أفعله في قضية ولدي قمر الزمان ? فإني استشرتك في زواجه قبل أن أسلطنه فأشرت علي بذلك وأشرت علي أيضاً أن أذكر له أمر الزواج فذكرته له فخالفني فأشر علي الآن بما تراه حسناً ? فقال الوزير : الذي أشير به عليك الآن أيها الملك أن تصبر عليه سنة أخرى فإذا أردت أن تكلمه بعدها في أمر الزواج فلا تكلمه سراً ولكن حدثه في يوم حكومة يكون جميع الأمراء والوزراء حاضرين وجميع العساكر واقفين فإذا اجتمع هؤلاء فأرسل إلى ولدك قمر الزمان في تلك الساعة وأحضره فإذا حضر فخاطبه في أمر الزواج بحضرة جميع الأمراء والوزراء والحجاب والنواب وأرباب الدولة والعساكر وأصحاب الصولة فإنه يستحي منهم وما يقدر أن يخالفك بحضرتهم . فلما سمع الملك شهرمان من وزيره هذا الكلام فرح فرحاً شديداً واستصوب رأي الوزير في ذلك وخلع عليه خلعة سنية فصبر الملك شهرمان على ولده قمر الزمان سنة كاملة وكلما مضى عليه يوماً من الأيام يزداد حسناً وجمالاً وبهجةً وكمالاً حتى بلغ من العمر قريباً عشرين عاماً وألبسه الله حلل الجمال وتوجه بتاج الكمال وأشرقت خدوده بالإحمرار وبياض غرته حاكى القمر الزاهر وسواد شعره كأنه الليل العاكر وخصره أرق من خيط هميان وردفه أثقل من الكثبان تهيج البلابل على أعطافه ويشتكي خصره من ثقل أردافه ومحاسنه حبرت الورى كما قال فيه بعض الشعراء : قسماً بوجنته وبـاسـم ثـغـره ........ وبأسهم قد راشها من سـحـره وبلين عطفه ومرهف لحـظـه ........ وبياض غرته وأسود شـعـره وبحاجب حجب الـكـرى عـن ........ صبه وسطا عليه بنهيه وبأمـره وعقارب قد أرسلت من صدغـه ........ وسمعت لقتل العاشقين بهجـره وبـورد خـديه وآس عــذاره ........ وعقيق مبسمه ولؤلـؤ ثـغـره وبطيب نكهتـه وسـال جـرى ........ في فيه يزري بالرحيق وعصره وبردفه المرتج في حـركـاتـه ........ وسكونه وبرقة في خـصـره وبجود راحته وصدق لـسـانـه ........ وبطيب عنصره وعالي قـدره ما المسك إلا من فضالة خـالـه ........ والطيب يروي ريحه عن شعره وكذلك الشمس المـنـيرة دونـه ........ ورأى الهلال قلامة من ظفـره إن الملك شهرمان سمع كلام الوزير وصبر سنة أخرى حتى حصل يوم موسم .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
nedo_2020 مشرف قسم
عدد المشاركات : 824 العمر : 40 عــدد النقــاط : 59756 تاريخ التسجيل : 15/07/2008
| موضوع: رد: تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! الخميس سبتمبر 18, 2008 3:02 pm | |
| تكملة حكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان
الليلة الرابعة بعد المئتين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك شهرمان دعى الأمراء والوزراء والحجاب وأرباب الدولة والعساكر وأصحاب الصولة ، ثم أرسل خلف ولده قمر الزمان فلما حضر قبل الأرض بين يديه ثلاث مرات ووقف مكتفاً يديه وراء ظهره قدام أبيه فقال له أبوه : يا ولدي إنني ما أحضرتك هذه المرة قدام هذا المجلس وجميع العساكر حاضرون بين أيدينا إلا لأجل أن أمرتك بأمر فلا تخالفني فيه وذلك أن تتزوج لأنني أشتهي أن أزوجك بنت ملك الملوك وأفرح بك قبل موتي . فلما سمع قمر الزمان من أبيه هذا الكلام أطرق برأسه إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه إلى أبيه ولحقه في تلك الساعة جنون الصبا وجهل الشبيبة فقال له : أما أنا فلا أتزوج أبداً ولو سقيت كأس الردى وأما أنت فرجل كبير السن صغير العقل ، إنك سألتني قبل هذا اليوم مرتين غير هذه المرة في شأن الزواج وأنا لا أجيبك إلى ذلك . ثم إن قمر الزمان فك كتاف يديه وشمر عن زراعيه قدام أبيه وهو في غيظه فخجل أبوه واستحى حيث حصل ذلك قدام أرباب دولته والعساكر الحاضرين في الموسم . ثم إن الملك شهرمان لحقته شهامة الملك فصرخ على ولده فأرعبه وصرخ على المماليك وأمرهم بإمساكه فأمسكوه وأمرهم أن يكتفوه فكتفوه وقدموه بين يدي الملك وهو مطرق في رأسه من الخوف والوجل وتكلل وجهه وجبينه بالعرق واشتد به الحياء والخجل ، فعند ذلك شتمه أبوه وسبه وقال له : ويلك يا ولد الزنا وتربية الخنا كيف يكون هذا جوابك لي بين عساكري وجيوشي ? ولكن إلى الآن ما أدبك أحد .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
إلى اللقاء مع الليله القادمه تقبلوا تحياتي | |
|
| |
| تكملة الليلة السادسة عشرة من الف ليلة وليلة! | |
|